أيُذيب الحقد روابط الدم؟!.. نعم وتُذيب ماء النار وجوه الأبرياء بِيد «ابن العم»، لا غرابةَ فى ذلك، فأنت فى حضرة عائلة انصهرت فى جحيم الكراهية.
كان «التنازع على الإرث» الشرارة التى أضرمت نيران العداء بين أبناء العمومة، القصة لم تنتهِ بعد؛ الآباء طواهم التراب، أمّا الأبناء.. فأفسحوا المجال للشيطان ليزرع بذور الشحناء فى أرضٍ كان يفترض أن تُزهِر فيها شجرة القرابة ثمار الحب والمودة، ولكن أنبتت الأشواك، واستحال الدم الذى يجرى فى العروق نارًا تحرق ما تبقى من الإنسانية.
شهدت «الوفد» على فصول مأساة عائلية شُوِّهت فيها الوجوه والقلوب، حيث تحولت صلة القربى إلى خنجر مسموم يطعن دون ذنب، تاركًا نفوسًا مُشوهة وكراهية دفينة تتغذى بصمت وتنمو فى الظل، حتى حانت لحظة انفجار حمم البركان؛ فالحقد الأعمى حوّل وجه البراءة إلى لوحة مشوّهة مؤلمة فى ليلة باردة.
«عائلة تُعانى والجانى ليس بغريب».. سُطرّت أحداث الواقعة بقرية بنى سلامة التابعة لمركز منشأة القناطر بمحافظة الجيزة، حيث تعرّض «مسعد عزب»، 40 عامًا للرشق بماء النار على يد ابن عمه بمساعدة شقيقه، وتناوبا الرشق بالمادة الحارقة على زوجته «إيمان صبري» ونجلهما «عبدالرحمن»، 13 عامًا، ما خلف حروقًا خطيرة فى وجههم وأنحاء متقرقة من أجسادهم.
وجوه مشوهة وأجساد مُذابة.. والمتهم طليق
«ابن عمى شوّه ملامح زوجتى وابنى بماء النار ولا يزال طليقًا».. بهذه الكلمات بدأ «مسعد عزب» رواية مأساته قائلًا: «أعمل فى طلاء السيارات «دوكو»، أعيش حياة بسيطة ومتواضعة، أكافح يوميًا من أجل لقمة العيش وتوفير حياة كريمة لأسرتى الصغيرة. أتنقل يوميًا إلى عملى فى إحدى الشركات بأبو رواش، وأحمل على عاتقى أحلام أسرتى بعيدًا عن أى خلافات أو نزاعات، أحلم بغدٍ أفضل، وحياة مستقرة هادئة، ولكن تلك الأحلام تحطمت فجأة وبقسوة، فبين عشيّة وضُحاها وجدت نفسى طريح الفراش فى مستشفى قصر العيني، أتأوّه أنا وزوجتى وطفلى من آلام الحروق والتشوهات المروعة التى طالتنا من يد الغدر، فقد أقدم ابن عمى على سكب ماء النار علينا بلا رحمة.. كانت تلك اللحظة كفيلة لتُغير مجرى حياتنا إلى كابوس دائم، وتركتنا نصارع الألم ونداوى جراحًا جسدية ونفسية لا تندمل ولن تُغتفر».
كشف مسعد لـ»الوفد» تفاصيل خلافه مع أبناء عمومته قائلًا: «منذ سنوات طويلة، وأنا بعيد عن أبناء عمي، لا يوجد بيننا أى اختلاط أو تواصل. كلٌ منا مختلف عن الآخر فى الطباع والخصال. ورغم أننى اخترت الابتعاد عنهم إثر خلافات قديمة تتعلق بالإرث، والتى انتهت إلى قطيعة، إلا أننى لم أسلم من ألسنتهم الحاقدة، التى لا تكف عن الافتراء عليّ وعلى أسرتي. فهم لا يتركون لى فرصة للسلام الداخلي، دائمًا ما يحيكون ضدى الأكاذيب والاتهامات. فى تلك الليلة المشؤومة، وأنا فى وضعى الطبيعى أعمل على طلاء سيارة أمام المنزل، فوجئت بابنة عمى تُشعل نارًا بالقرب من السيارة، فحذّرتها من خطر ألسنة اللهب على السيارة، فهى ليست ملكي، لكنها صدمتنى بكلماتها النابية، وأمرتنى بإقصاء السيارة على الرغم من أنها كانت فى مكان آمن وبعيد عنهم».
واستكمل الضحية: «اتصلت بعمدة البلد والذى استنكر ما حدث، ولم تكد تمر لحظات حتى فوجئت بأخيها يحمل جركنًا من ماء النار، ليصوبه نحوى أنا وزوجتى وابنى بمساعدة شقيقه، فكانت النتيجة مُروعة بكل المقاييس! تساقطت بشرة ابنى أمام عيني. وإذا بزوجتى تصيح من الألم، فقد نالت المادة الحارقة من وجهها وعينها وجسدها، وأصابنى أيضًا السائل الحارق فى وجهي، وامتدت آثاره إلى جسدى وملابسي، التهمتنا النيران كما لو كانت أصابتنا لعنة، طلب الجيران سيارة الإسعاف حيث نقلتنا إلى مستشفى مبارك والتى حوّلتنا لمستشفى قصر العيني، لخطوة الحالة والتى تحتاج إلى تدخل جراحى عاجل».
اختتم ضحية ابن عمه حديثه مستجيرًا بالعدالة لتنصفه: «حررت محضرًا رسميًا بالواقعة فى مركز شرطة المناشي، أشعر بالعجز كلما نظرت إلى زوجتى وابنى وما ألمَّ بهما من ظلمٍ فادح. والآن أنا فى أمس الحاجة إلى حل عادل وسريع، حياتنا تدمرت على يد بلطجى لا يعرف للرحمة طريقًا، حرقهما بماء النار فى تصرف همجى ووحشى لا يرحم. ورغم تقدمى بشكوى إلى السلطات، إلا أنه لم يتم القبض عليه من قِبل الجهات ىالمعنية حتى الآن، الأمور تراوح مكانها. والمعتدى يتصل بنا بشكل مستمر من أرقام مختلفة ليهددنى بالتنازل عن المحضر، فى حين يعانى ابنى وزوجتى من جراحًا خطيرة، ويخضعان لعمليات متكررة بمستشفيات متعددة. فماذا كان ذنبهم؟ ما ذنب عائلتى فى هذا الاعتداء البشع؟ حتى لو كانت هناك خلافات بيننا، فهل يُعقل أن تدفع أسرتى الثمن بهذه الطريقة؟ ابنى الذى لا يتجاوز الثالثة عشرة من عمره يعانى من جروح بالغة بعدما أذابت ماء النار وجهه. والجانى لا يزال طليقًا يستعرض قوته ويستخدم تهديداته وبلطجته دون رادع أو ضمير. لن أتنازل عن حقى وحق أسرتى وأطالب بمعاقبة الجانى أشد العقاب وأثق أن حقنا لن يضيع أمام مرأى القانون».
خبير نفسي: الواقعة تطعن الأسرة فى مقتل
الدكتور عبدالعزيز آدم، أخصائى علم النفس السلوكى وعضو الاتحاد العالمى للصحة النفسية علّق على بشاعة الواقعة قائلًا إنها تبرز مأساة إنسانية مركبة، ليس فقط على مستوى الجريمة ذاتها، وإنما على مستوى تفكيك القيم الإنسانية والاجتماعية التى تنظم العلاقات بين الأفراد، وخصوصًا داخل العائلة. فالعلاقة بين الأقارب من المفترض أن تكون قائمة على الثقة، الدعم، والحب المتبادل، لكن عندما تتحول إلى مصدر عداء يصل حد الاعتداء بماء النار، فإننا أمام انهيار شديد فى منظومة القيم الأسرية.
وأضاف: من منظور علم النفس يمكن أن يتضح أن الدوافع النفسية والاجتماعية لهذه الجريمة نتجت عن الكراهية والغيرة والخلافات حول الإرث، وهى عوامل خارجية، لكنها تنبع من دوافع داخلية متجذرة، مثل الشعور بالإحباط، الإحساس بالظلم، أو الرغبة فى الانتقام. ومثل هذا السلوك يعكس اضطرابًا نفسيًا حادًا، يتسم بعدم القدرة على ضبط النفس أو التعامل مع الخلافات بطرق صحية.
وتابع: فقدان الروابط الأسرية أصيب أيضا بخلل شديد، لأن العلاقة بين الأقارب، خاصة أبناء العمومة، من المفترض أن تكون أكثر العلاقات قربًا وتواصلًا فى المجتمعات التقليدية. ولكن عندما تتحول هذه العلاقة إلى صراع، فإن ذلك يشكل ضربة قاسية للبنية الاجتماعية. هذه الجريمة تحديدًا تحمل رمزية خطيرة، حيث إن التعدى على أفراد العائلة يعنى غياب الحدود الأخلاقية، وتلاشى الحواجز الطبيعية التى تُحافظ على الروابط الأسرية.
واستطرد: ومن جانب التأثير على الأبناء، فإن مثل هذه الأحداث تترك آثارًا نفسية مدمرة على الأبناء، ليس فقط لأنهم شهدوا العنف وتعرضوا له، بل لأنهم فقدوا الإحساس بالأمان الأسري. الأبناء الذين ينشؤون فى بيئات تسودها الخيانة والعنف يكونون أكثر عرضة للإصابة بمشاكل نفسية، مثل القلق، الاكتئاب، وانعدام الثقة فى الآخرين. وقد يتطور لديهم أيضًا شعور بعدم احترام قيمة العائلة ككيان اجتماعي، مما يؤثر على علاقاتهم المستقبلية، فهذه الحوادث لا تعبر فقط عن نزاعات فردية، بل هى مؤشر على تغيرات أعمق فى القيم الاجتماعية، مثل تزايد الفردية، وغياب آليات حل النزاعات بشكل سلمى داخل العائلة. كذلك، تعكس هذه الحوادث ضعفًا فى الوعى النفسى والقانونى لدى الأفراد، حيث يلجأ البعض إلى أساليب انتقامية مدمرة بدلًا من اللجوء إلى الحوار أو المؤسسات القانونية.
واختتم أخصائى علم النفس السلوكى حديثه مؤكدًا أن هذه الجريمة تعبر عن أزمة أخلاقية ونفسية فى مجتمع يعانى من تصدع فى قيمه الأسرية. معالجة مثل هذه الظواهر تحتاج إلى تدخل متعدد المستويات، يشمل التوعية بأهمية القيم الأسرية، وتعزيز دور القانون فى حل النزاعات، والعمل على تحسين الصحة النفسية للأفراد من خلال الدعم المجتمعى والمؤسسات المتخصصة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: اﻟﺠﺎﻧ ﺧﺎرج اﻟﻘﻀﺒﺎن ﺧﻼف اﻟﻤﻴﺮاث صراع اﻟﺪم و ﻣﺎء اﻟﻨﺎر بماء النار ماء النار
إقرأ أيضاً:
الأسرة المالكة البريطانية تحتفظ بالمنحة السيادية رغم النقد| تقرير
كشفت الأسرة المالكة البريطانية أن المبلغ السنوي المقدم من الحكومة، والمعروف باسم "المنحة السيادية" (Sovereign Grant)، بقي ثابتًا عند 86.3 مليون جنيه إسترليني (ما يعادل 118.5 مليون دولار أمريكي) وفقا للبيان المالي السنوي الصادر الإثنين.
تُستخدم هذه المنحة، الممولة من أموال دافعي الضرائب البريطانيين، لتغطية نفقات صيانة القصور الملكية والمهام الرسمية التي يؤديها أفراد العائلة المالكة.
وفي المقابل، يتنازل الملك عن جميع أرباح "تاج الملكية" (Crown Estate) — والتي تشمل مساحات شاسعة من العقارات في وسط لندن، ومضمار سباق "أسكوت"، وقاع البحر المحيط بإنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية — للحكومة، بموجب اتفاق يعود تاريخه إلى عام 1760.
تعمل المنحة السيادية كنوع من حساب المصروفات للملك وممثليه، وتغطي تكاليف المهام العامة، بما في ذلك السفر، والموظفين، وصيانة المباني التاريخية.
ومن اللافت أن هذه المنحة لا تشمل نفقات الأمن، التي تُعد مرتفعة بدورها نظرًا للعدد الكبير من الأنشطة العامة التي يشارك فيها أفراد العائلة المالكة.
ووفقًا لتقرير المنحة السيادية السنوي، شارك أفراد العائلة المالكة في أكثر من 1,900 ارتباط عام داخل المملكة المتحدة وخارجها، بينما استقبلت القصور الملكية الرسمية أكثر من 93,000 ضيف في 828 فعالية.
ويتكون إجمالي مبلغ المنحة، البالغ 86.3 مليون جنيه إسترليني، من منحة أساسية قدرها 51.8 مليون جنيه (71.1 مليون دولار)، بالإضافة إلى 34.5 مليون جنيه (47.4 مليون دولار) مخصصة لتمويل مشروع ترميم قصر باكنغهام.
ويخضع قصر باكنغهام، أحد أبرز الوجهات السياحية في وسط لندن، لعملية تحديث شاملة تشمل تجديد الأسلاك الكهربائية والأنابيب والمصاعد ودورات المياه المجهزة لذوي الاحتياجات الخاصة.
كما أعلنت الأسرة المالكة عن إنهاء استخدام القطار الملكي، بعد مراجعة شاملة لمدى جدواه وتكلفته. ويُذكر أن العائلة المالكة بدأت استخدام القطارات منذ عام 1842، عندما استقلت الملكة فيكتوريا عربة بنيت خصيصًا لها من مدينة سلاو إلى محطة لندن بادينغتون.
وأشار التقرير أيضًا إلى أن الأسرة المالكة ستزيد من استخدامها للوقود الجوي المستدام (SAF)، وستواصل العمل على تحويل أسطول مركباتها إلى الطاقة الكهربائية.
وكانت الأسرة قد أعلنت العام الماضي أنها تهدف إلى امتلاك أسطول "كهربائي بالكامل تقريبًا"، دون تحديد موعد لذلك، في حين ذكرت وكالة PA البريطانية أن السيارتين البنتلي اللتين يستخدمهما الملك ستُعدلان لتعملان على الوقود الحيوي.
وتعتمد العائلة المالكة على ثلاثة مصادر رئيسية للدخل: المنحة السيادية، وأملاك دوقيتي لانكستر وكورنوال، بالإضافة إلى الممتلكات والاستثمارات الخاصة.
وقد أثار حجم التمويل المقدم للعائلة المالكة جدلًا مستمرًا، حيث دعت جماعة مناهضة للملكية تُعرف باسم "الجمهورية" إلى إلغاء المنحة السيادية، وتمكين الشعب البريطاني من الاستفادة الكاملة من أرباح "تاج الملكية".
وقال غراهام سميث، أحد نشطاء الجماعة، في تصريح سابق هذا العام: "نظام المنحة هذا غير منطقي. فالتمويل يزداد ليس بسبب حاجة حقيقية للمزيد من الأموال، بل لأنه مرتبط بأرباح الحكومة من الأراضي التي تديرها مؤسسة التاج".
وأضاف: "القصر يعيد تكرار ذريعة الحاجة للتمويل من أجل ترميم قصر باكنغهام، وهي الذريعة ذاتها التي استُخدمت لمضاعفة المنحة قبل عشر سنوات".
وتابع سميث قائلًا: "حان الوقت لاستغلال نصف مليار جنيه استرليني بشكل أفضل، ولإجراء محاسبة حقيقية لتكاليف الملكية، وخفضها إلى بضع ملايين فقط".
من جانبه، صرّح جيمس تشالمرز، المسؤول عن الخزانة الملكية، بالتزامن مع صدور التقرير قائلًا: "من الصعب قياس تأثير القوة الناعمة، لكنني أعتقد أن قيمتها باتت مفهومة بوضوح داخل المملكة المتحدة وخارجها، خاصة مع بروز ملامح العهد الجديد، ومواصلة العائلة المالكة لخدمة الوطن والكومنولث".