الجزيرة:
2025-12-08@23:13:32 GMT

لماذا لا نعرف أنقرة كوجهة سياحية في تركيا؟

تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT

لماذا لا نعرف أنقرة كوجهة سياحية في تركيا؟

يقول أهل أنقرة "أجمل ما في إسطنبول هو طريق العودة إلى أنقرة"، تلك العبارة التي وردت في أحد أشهر المسلسلات التركية تعكس ارتباطا حقيقيا بهذه المدينة الهادئة، وحنينا يبقى حيا في قلوب من عرفوا دروبها وسكنوا تفاصيلها.

على الرغم من صورتها النمطية كمدينة البيروقراطية والمكاتب، إلا أن أنقرة تخبئ خلف هذا القناع نبضا هادئا ينفرد بجمال خفي، جمال لا يُدرك إلا من مشى في أزقتها، وتوقف في أسواقها القديمة، وارتشف فنجان قهوة على مقاعد حدائقها العامة.

في أنقرة، تتناغم الأزقة الهادئة مع شوارع متوجة بحدائق غنّاء وأسواق تروي قصص الزمن، وكأنها تلبي نداء كل من يبحث عن ملاذ هادئ بعيدا عن صخب المدن الكبيرة، وخصوصا السائح العربي والخليجي الذي قد يجد في أنقرة مزيجا بين الأصالة والسكينة.

السحر البسيط

هنا، بعيدا عن زخم السياحة المزدحمة، تنبض المدينة بسحرها البسيط، في متاحفها التي تحفظ تراثها، وتلالها التي تطل على مشاهد بانورامية، وأحيائها الراقية التي تحتضن دفء الضيافة.

ورغم كل هذه المقومات، يبقى أن أنقرة مدينة لم تنل حقها بأن تُعرف كوجهة سياحية، ولعل السبب وراء ذلك يتجذر في النظرة النمطية التي ارتبطت بها كعاصمة رسمية تخدم بيروقراطية الدولة، بدلا من كونها وجهة تقدم تجارب فريدة.

إعلان

لم تُظهر المدينة نفسها للعالم كمدينة للزوار، ولم تستغل مقوماتها التاريخية والطبيعية لتنافس المدن التركية الأخرى على خارطة السياحة مثل إسطنبول وأنطاليا وإزمير وطرابزون.

غابت أنقرة عن خطط الترويج السياحي، إذ انصب التركيز على المدن الساحلية مثل إسطنبول وأنطاليا، والتي تُسوق عالميا كوجهات رئيسية. في المقابل، لم تُبرز هي جمال أحيائها التقليدية أو هدوءها الذي يناسب المسافرين الباحثين عن الراحة بعيدا عن الزحام، وحتى المتاحف والأسواق التاريخية التي تحتضنها لم تُدرج في المسارات السياحية المعتادة، مما جعلها تظل في الظل.

ولعل هذا التجاهل لم يكن بسبب نقص في الجمال، بل لأن أنقرة مدينة تقدم تجربة تحتاج إلى عين تبحث في التفاصيل، وتقدير خاص للبساطة التي لا تسعى للفت الأنظار، فالمدينة مظلومة لأن جمالها يتحدث بهدوء، ولا يجد من يلتقطه ويقدمه للعالم بالصورة التي يستحقها.

أنقرة لا توجد في العادة ضمن قائمة المدن السياحية في تركيا (بيكسابي)

في هذه الرحلة، سنأخذك إلى أنقرة، تلك المدينة التي تتوارى بعيدا عن الأضواء لكنها تبقى عاصمة مدهشة في سكونها، تقدم لزائرها تجربة تأسر القلب، وتكشف عن وجه خفي لتركيا قلّما يُرى، حيث يمتزج عبق التاريخ بسكون الطبيعة في لوحة لا تُنسى.

قلعة أنقرة

على تلة عالية تطل على المينة، تقف قلعة أنقرة بوجهها التاريخي العريق، تجسد قصص حضارات مرت وعصور تلاقت هنا. وتُعد القلعة من أقدم المعالم الأثرية في أنقرة، ويُعتقد أن تاريخ بنائها يعود إلى العصور الرومانية، وقد شهدت القلعة الكثير من التعديلات والتحديثات عبر الزمن لتبقى صامدة.

قلعة أنقرة من المعالم البارزة في العاصمة (وزارة الثقافة التركية)

عند صعودك إلى أعلى القلعة، ستحظى بمشهد بانورامي ساحر يكشف عن أنقرة بأكملها، مما يجعلها نقطة جذب لا تُقاوم لمحبي التصوير والباحثين عن الإطلالات الخلابة. وداخل أسوار القلعة، تجد أزقة ضيقة تحتضن بيوتا حجرية تاريخية، وورش حرفيين يعملون على صنع المنتجات اليدوية.

إعلان

العديد من المحلات الصغيرة في القلعة تبيع الهدايا التذكارية والمشغولات التقليدية، ويمكنك الجلوس في مقهى صغير لتناول شاي تركي، وأنت تتأمل المشاهد المحيطة.

والقلعة ليست مجرد معلم أثري، بل مكان ينبض بالحياة والتراث، حيث يمكنك قضاء يوم كامل في استكشاف جوانبها، والتنقل بين محلاتها التقليدية، والاستمتاع بأجواء تعكس الروح التركية القديمة.

ضريح أتاتورك

يعتبر ضريح مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك من أبرز معالم أنقرة، وهو صرح ثقافي وسياحي يزوره آلاف الأشخاص يوميا من سكان أنقرة ومن السياح الأجانب. ويقع الضريح على تلة مطلة على المدينة وتحيط به حديقة كبيرة.

ضريح أتاتورك من أبرز المعالم السياحية في أنقرة (بيكسابي)

ويضم مبنى الضريح عدة أماكن ضمنها مكان دفن أتاتورك، فضلا عن متحف يعرض مقتنيات شخصية لأتاتورك كما يعرض لمحطات في تاريخ تركيا الحديث، كما يمكن للزوار استكشاف ساحة الضريح الواسعة، ومن الأماكن المميزة في المكان ما يسمى طريق الأسود وهو طريق محاط بـ 24 تمثالا كبيرا منحوت يسجد الأسد، في دلالة رمزية على قوة الأمة التركية.

ويتسم الضريح بطابعه المعماري المميز إذ يمزج بين الطراز التركي القديم والحديث.

ويكتسي الضريح مكانة كبيرة لدى الأتراك، فهو رمز لاستقلال بلادهم، وتتوافد عليه أعداد كبيرة من الأتراك في المناسبات الوطنية مثل ذكرى قيام الجمهورية التركية، وذكرى وفاة أتاتورك.

حي حمام أونو

يجسد حي حمام أونو التاريخي عبق الماضي بأسلوب عصري، حيث يحتضن بين أزقته الضيقة ومبانيه العتيقة تراثا تركيا لا يزال حيا.

ويعد الحي من أقدم مناطق أنقرة، وقد تم ترميم مبانيه العثمانية القديمة بعناية لتصبح مقاهي ومطاعم ومتاجر تعرض الحرف اليدوية والأنتيكات التي تأسر القلب.

أحد شوارع حي حمام أونو التاريخي في أنقرة (وزارة الثقافة التركية)

وحصل الحي، على جائزة "أوسكار السياحة العالمية" عام 2012، وهي عبارة عن تفاحة ذهبية يقدمها "اتحاد المناطق السياحية والصحفيين الدولية"، بعد عمليات ترميم واسعة تمت فيها.

إعلان

شوارع الحي مرصوفة بالحجارة، وتعج بأجواء تُعيدك لأزمنة بعيدة؛ مقاهٍ بطابع عثماني قديم تقدم الشاي التركي على الطريقة التقليدية، ومطاعم تقدم أشهى الأطباق التركية الكلاسيكية التي تضيف نكهة أصيلة لتجربة الزائر.

يمكن الوصول إلى حمام أونو بسهولة من مركز المدينة، مما يجعله وجهة مثالية لقضاء وقت ممتع في أجواء تقليدية، والتسوق لاقتناء الهدايا التذكارية من المتاجر المحلية.

حديقة الشباب

في قلب أنقرة تقع حديقة الشباب (جينجليك بارك)، واحة خضراء تمتد على مساحة واسعة توفر للزوار فسحة للراحة والاسترخاء وسط أجواء طبيعية.

هنا، تتحول لحظات اليوم العادية إلى تجربة ممتعة؛ ففي الحديقة بحيرة صناعية صغيرة يمكنك ركوب القوارب فيها، مما يمنحك فرصة رائعة للاستمتاع بالمناظر المحيطة، كما تتوفر مسارات للمشي والتجول بين المساحات الخضراء والأشجار، مما يجعل الحديقة ملاذا مثاليا للعائلات.

حديقة الشباب تعد ملاذا مثاليا للعائلات في أنقرة (شترستوك)

وللأطفال، تقدم الحديقة مناطق مخصصة للألعاب التي تضفي أجواء مبهجة، إلى جانب أكشاك تبيع الوجبات الخفيفة والحلويات التركية التقليدية.

ويمكن الوصول إلى الحديقة، الواقعة في وسط المدينة، مشيا من منطقة كزلاي أو عن طريق وسائل النقل العامة.

بحيرة غولباشي

تبعد بحيرة غولباشي قرابة 20 كيلومترا جنوب مركز أنقرة، وتُعتبر ملاذا طبيعيا ساحرا لعشاق الهدوء والجمال في قلب الطبيعة.

والبحيرة، التي تتلألأ مياهها الزرقاء تحت أشعة الشمس، محاطة بحدائق خضراء وواسعة تتيح للزوار فرصة للاستجمام والاسترخاء، بعيدا عن صخب المدينة.

تبعد بحيرة غولباشي حوالي 20 كيلومترا جنوب مركز أنقرة (وزارة الثقافة التركية)

وتتميز غولباشي بكونها واحدة من الأماكن المفضلة للأسر ومحبي الرحلات، حيث تتوافر مناطق للنزهات والشواء، بالإضافة إلى أماكن مخصصة للجلوس على ضفاف المياه والاستمتاع بمشهد غروب الشمس الساحر.

إعلان

وتوفر البحيرة مسارات للمشي وركوب الدراجات، مما يمنح الزائرين تجربة قضاء يومٍ كامل بين الطبيعة، في أجواء تنعش الروح وتبعث على الهدوء.

كما تُعتبر غولباشي وجهة مثالية لمحبي الطيور، حيث تتجمع الطيور المهاجرة حول مياه البحيرة، مما يضفي سحرا إضافيا على المكان ويجعل منها مقصدا رائعا للمصورين وهواة الطبيعة.

ويمكنك الوصول إلى بحيرة غولباشي بالسيارة أو الحافلات العامة من أنقرة، والمكان وجهة مناسبة للهروب من ضغوط الحياة والاستمتاع بجمال بسيط وآسر.

بحيرة غولباشي هي من الأماكن المفضلة لمحبي الرحلات ومراقبة الطيور المهاجرة (شترستوك) متحف إريمتان

يقع متحف إريمتان للآثار والفنون بالقرب من قلعة أنقرة، ويجمع بين روعة القطع الأثرية وأجواء الفن الرفيع.

ويضفي التصميم المعماري الحديث للمتحف طابعا مميزا عليه، فهو يضم مجموعة متنوعة من القطع الأثرية التي تشمل العملات القديمة، والأواني الفخارية، والمجوهرات التي تعود لمختلف العصور التي مرت على الأناضول.

ويمكن الوصول إلى المتحف من قلعة أنقرة سيرا على الأقدام أو بالحافلات العامة، وتبلغ تكلفة الدخول نحو ثلاثة دولارات.

متحف إريمتان يضم قطع أثرية تشمل عملات وأواني فخارية ومجوهرات (شترستوك)

ولا يعرض المتحف التاريخ فقط، بل يقدم تجربة فنية غامرة من خلال إضاءات مميزة وأجواء تجعل الزائر يشعر أنه في رحلة عبر العصور، كما ينظم المتحف معارض مؤقتة وفعاليات ثقافية تعكس التراث الغني لأنقرة، ما يجعله مكانا مثاليا للمحترفين والهواة في عالم التاريخ والفنون.

برج أتاكولي

البرح من المعالم الحديثة في أنقرة، ويرتفع بنحو 125 مترا ليطل على المدينة بأكملها، ويتيح البرج لزواره فرصة الاستمتاع بإطلالة بانورامية ساحرة على العاصمة.

وتزين البرج منصات مشاهدة متعددة، ويشتهر البرج بمطعمه الدوار، الذي يقدم تجربة لا تُنسى؛ فبينما تتناول وجبتك، يتغير المشهد من حولك ببطء لتشاهد معالم أنقرة من كل زاوية.

برج أتاكولي يضم منصات مشاهدة متعددة تتيح إطلالات بانورامية على مختلف أرجاء العاصمة التركية (شترستوك)

يتميز أتاكولي بكونه يجمع بين الحداثة والأناقة، حيث يمكنك قضاء وقت ممتع بالتسوق من متاجر الهدايا التذكارية في الطوابق السفلية، أو الاسترخاء في أحد المقاهي التي تضفي سحرا خاصا على هذه الوجهة الليلية، خاصة عندما تضاء المدينة بأضواء المساء.

إعلان حي بازيكايا

يقع هذا الحي بضواحي أنقرة، وهو يحتوي على منازل خشبية تقليدية وأزقة ضيقة مليئة بالتاريخ والثقافة العثمانية، ويمكن للزوار الاستمتاع بالتجول في الشوارع الضيقة في بازيكايا والتوجه إلى الأسواق المحلية من أجل شراء منتجات الحرف اليدوية والمأكولات التقليدية.

كما تضم المنطقة متحف بازيكايا للثقافة والتاريخ الذي يعرض لتاريخ المنطقة من خلال قطع أثرية ومعروضة، كما يوجد متحف آخر للفضة يضم عدد مما أبدعته أيدي الحرفيين المحليين خصوصا وأن المنطقة تشتهر بمنتجات الفضة التقليدية.

تتميز منطقة بازيكايا ببيوتها العثمانية العتيقة (شترستوك)

وتحيط بحي بازيكايا مناظر طبيعية آسرة والمناطق الريفية، ما يتيح المجال للسياح لممارسة رياضة المشي والاستمتاع بالتنزه في الهواء الطلق، ويوجد بقرب من بازيكا صيغات تنتج منتجات عضوية.

كزلجي حمام

على بُعد ساعة بالسيارة من أنقرة، تقع منطقة كزلجي حمام، التي تُعد واحدة من أفضل الوجهات لعشاق الاسترخاء في أحضان الطبيعة والهدوء، وهي معروفة بين الأتراك بخصائصها العلاجية بفضل ينابيعها الحرارية.

تحيط بالمنطقة غابات الصنوبر، لتصبح كزلجي حمام ملاذا مثاليا لمن يبحث عن التمتع بالطبيعة.

منطقة كزلجي حمام من أفضل وجهات الاسترخاء في أحضان الطبيعة (شترستوك)

وينابيع كزلجي الحرارية الغنية بالمعادن تجعلها مقصدا للزوار الباحثين عن تجارب صحية، إذ يُقال إن مياهها تساعد على تحسين الصحة الجسدية والتخفيف من التوتر. كما توفر المنطقة منتجعات فاخرة وأماكن إقامة تمنح الزائرين تجربة الاستجمام في أجواء من الخصوصية والراحة.

لا تقتصر كزلجي حمام على ينابيعها فقط؛ فهي تزخر بمسارات للتنزه بين أحضان الطبيعة، حيث يمكن للزائر استكشاف الجمال الطبيعي الذي يمتد حوله، والاستمتاع بجولات المشي أو ركوب الدراجات.

إعلان

يُمكنك الوصول إلى كزلجي حمام بالسيارة من أنقرة، ويمكن للزوار قضاء ساعات بين المياه الدافئة وأحضان الطبيعة، قبل العودة إلى العاصمة محملين بطاقة من الانتعاش والسكينة.

كلفة رحلة أنقرة

وتتميز أنقرة بكونها وجهة سياحية ملائمة لميزانيات مختلفة، مما يجعلها خيارا مريحا لمن يتطلعون لاستكشاف العاصمة التركية بتكلفة معقولة.

تبدأ الرحلة من إسطنبول إلى أنقرة برحلة طيران قصيرة تستغرق زهاء الساعة، حيث تتراوح أسعار التذاكر بين 40 و60 دولارا حسب توقيت الرحلة وشركة الطيران.

أما من يفضل التنقل برا، فيمكنه الاعتماد على الحافلات الفاخرة، حيث تتراوح التكلفة بين 15 و25 دولارا، وتتيح للمسافر التمتع بمشاهدة مناظر الطريق.

التجول في الشوارع القريبة من قلعة أنقرة يكشف للسائح جانبا من تاريخ المنطقة وثقافتها (الأناضول)

فيما يخص الإقامة، تقدم أنقرة خيارات متنوعة تناسب مختلف الاحتياجات. تتركز معظم الفنادق في منطقة "كزلاي"، مركز المدينة النابض بالحياة، حيث يُرجح للزوار الإقامة نظرا لسهولة الوصول إلى المعالم والمرافق العامة.

وتتراوح أسعار الفنادق الفاخرة ذات الخمس نجوم في كزلاي من 100 دولار لليلة، بينما تبدأ أسعار الفنادق المتوسطة بين 50 و70 دولارا. كما يجد المسافرون ذوو الميزانية المحدودة خيارات جيدة في بيوت الضيافة والفنادق الصغيرة التي تبدأ من 20 دولارا لليلة الواحدة.

وأما المواصلات داخل المدينة، فيعتبر المترو والحافلات من الخيارات الاقتصادية، حيث تبلغ تكلفة الرحلة الواحدة أقل من دولار، مما يسهل التنقل بين المعالم الرئيسية.

ولمن يفضل التنقل بمرونة وخصوصية، يمكنه استئجار سيارة بتكلفة يومية تبدأ من 30 دولارا.

وتُعد تجربة الطعام في أنقرة متعة بحد ذاتها، حيث يمكن للزوار تذوق الأطباق التركية التقليدية بأسعار معقولة؛ فتتراوح تكلفة الوجبة في المطاعم المتوسطة بين 5 و15 دولارا، بينما تقدم الأسواق الشعبية وجبات خفيفة شهية بأسعار اقتصادية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات یمکن للزوار الوصول إلى حیث یمکن بعیدا عن فی أنقرة فی أجواء التی ت

إقرأ أيضاً:

«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»

«حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»

محمد الحسن محمد نور

حين ننظر إلى المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط من منظور القرار الأمريكي في واشنطن، فإن السؤال الأكثر إلحاحًا لا يدور حول أخلاقية دعم هذا الطرف أو ذاك، بل حول حساب الربح والخسارة في معادلة معقدة. لماذا تظل الولايات المتحدة متمسكة بدعم إسرائيل دعمًا مطلقًا، حتى عندما تتجاوز تصرفاتها حدود القانون الدولي وتسبب إحراجًا دبلوماسيا لواشنطن؟

الجواب لا يكمن في نقطة واحدة، بل في شبكة من المصالح المتشابكة التي تشكل عقيدة استراتيجية راسخة. فإسرائيل، برغم مساحتها الصغيرة، هي أكثر من مجرد دولة حليفة؛ إنها حاملة طائرات غير قابلة للغرق، ومختبر ميداني للتكنولوجيا العسكرية المتطورة، ووكيل موثوق لتنفيذ عمليات تحفظ واشنطن لنفسها تبعاتها المباشرة. هذا الدور التشغيلي الفريد يعطي لإسرائيل قيمة لا تُقدَّر بثمن في منطقة يعتبر الاستقرار فيها شحيحًا والولاءات متقلبة. ولكن تبقى هذه العلاقة محكومة بحسابات البراغماتية الصرفة، فالدعم الأمريكي لا ينبع من عاطفة أبدية، بل من تقاطع مصالح يُعاد تقييمه باستمرار تحت ضوء المتغيرات الإقليمية.

وفي الجهة المقابلة من هذه المعادلة، تقف المملكة العربية السعودية كعملاق جيوسياسي يطرح نفسه بديلاً استراتيجيا جذابًا لأمريكا. وربما مرعبًا لإسرائيل. فبرغم أن مساحة إسرائيل لا تقارن بمساحة السعودية الشاسعة، وبرغم أن ثروة الأخيرة الهائلة تجعلها شريكًا اقتصاديًا لا يُستهان به كما أشار ترمب، إلا أن المقارنة الحقيقية ليست في الجغرافيا أو الثروة وحدهما.

فالسعودية تمتلك ما هو أثمن: نسبة عالية من الاستقرار الداخلي والإقليمي، وغياب الأعداء المباشرين الذين يحيطون بإسرائيل من كل حدب وصوب، ونفوذ ديني وثقافي يمتد لقلب العالم الإسلامي. والأهم من وجهة النظر الأمريكية، أن شراكة السعودية لا ترهق أمريكا بالحروب العديمة الجدوى، ولا تفرض عليها الدخول في صراعات مباشرة؛ بل تقدم نفسها كقوة مستقرة قادرة على إدارة ملفاتها الأمنية بنفسها، وتكون ركيزةً للاستقرار الإقليمي بدلاً من أن تكون بؤرة للصراع الدائم. هذا الواقع يطرح سؤالاً وجوديًا في أروقة تل أبيب: هل تخشى إسرائيل أن تكون السعودية بديلاً لها في يوم ما؟ الخشية حاضرة وبقوة، ولكنها ليست خشية من زوال، بل خشية من إعادة ترتيب للأولويات.

فالقلق الإسرائيلي العميق لا يتعلق باحتمال أن تتخلى واشنطن عن دعمها بين عشية وضحاها، بل بأن يتقلص دورها من حليف استراتيجي لا غنى عنه، إلى مجرد أداة واحدة ضمن عدة أدوات في صندوق أدوات السياسة الأمريكية. إن صعود التحالف الأمريكي-السعودي ليكون المحور المركزي في المنطقة يعني ببساطة أن القيمة التفاوضية لإسرائيل ستهبط، وأن قدرتها على الحصول على دعم غير مشروط لأجندتها الأمنية ستنخفض.

ولهذا، نرى أن إسرائيل تعمل جاهدة على إبقاء ملفات المنطقة ساخنة ومفتوحة، وتقاوم أي محاولة لترتيب الوضع الإقليمي على نحو يقلل من أهميتها العسكرية والاستخباراتية لواشنطن – من مقاومة الاتفاق النووي الإيراني 2015، مرورًا بالضغط لإفشال انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، وصولاً إلى عرقلة أي تقارب سعودي-إيراني حقيقي. إنها تدرك أن نفوذها مرتبط باستمرار حالة الطوارئ والصراع، فيما تقدم السعودية نفسها كضامن للاستقرار والطاقة والعلاقات الاقتصادية الواسعة، وهي سلع تزداد قيمتها في عالم تتزايد فيه المنافسة مع الصين وروسيا. وإذا حدث هذا التحول وأصبحت الرياض الشريك الأول لواشنطن، فإن المشهد سيتغير جذريًا.

فالسؤال المصيري هو: إذا تحول ميزان القوة لصالح السعودية، هل يزيد هذا من نفوذ أمريكا أم ينقصه؟ الإجابة معقدة وتحتوي على تناقضات.

على المدى القصير، قد يوسع هذا التحول من نفوذ أمريكا، إذ ستمتلك واشنطن بوابة مباشرة إلى قلب العالم العربي والإسلامي عبر شريك قوي ومستقر، قادر على تحقيق استقرار أوسع قد يخفف من حاجة الولايات المتحدة للتدخل المباشر المكلف.

لكن على المدى الطويل، قد تأتي الخسارة من حيث لا تُحتسب. فاستبدال حليف عسكري منضبط مثل إسرائيل، يتحرك كذراع تنفيذي سريع وحاد، بشريك كبير ذي أجندة وطنية مستقلة مثل السعودية، يعني أن واشنطن قد تفقد السيطرة على تفاصيل المشهد. قد تتبع الرياض سياسات اقتصادية أو تقاربًا مع منافسي أمريكا مثل الصين، أو تتبنى مواقف متصلبة في ملفات مثل إيران أو اليمن تتعارض مع الحسابات الأمريكية الدقيقة.

والأخطر من ذلك داخليًا، أن أي تحول في الدعم التاريخي لإسرائيل سيشعل حربًا سياسية ضارية داخل الولايات المتحدة بين المحافظين الإنجيليين والليبراليين وأصحاب المصالح، مما يُضعف قدرة واشنطن على تطبيق سياسة خارجية متسقة وقوية، وهو أكبر هدية يمكن تقديمها لمنافسيها على الساحة العالمية.

في الختام، إن اللعبة الكبرى التي تدور رحاها في الشرق الأوسط اليوم ليست بين السعودية وإسرائيل فحسب، بل هي اختبار حقيقي لذكاء الاستراتيجية الأمريكية نفسها. فالنفوذ الحقيقي لا يكمن في الانحياز الأعمى لحليف واحد، مهما بلغت قوته، بل في الفن الدقيق لإدارة التوازن بين جميع القوى في الساحة، وجعل كل طرف يشعر أنه في حاجة إلى الوسيط الأمريكي بطريقة مختلفة. المصلحة الأمريكية العليا ليست في دعم إسرائيل لأنها الأقوى عسكريًا، ولا في التحول إلى السعودية لأنها الأغنى، بل في منع أي منهما من أن تصبح قويةً لدرجة الاستغناء عن واشنطن، أو أن تشعر بالأمان لدرجة السير في طريق مستقل. الخطر الذي يتهدد النفوذ الأمريكي ليس من منافس خارجي يظهر فجأة، بل من تحول التنافس الخفي بين حلفائه إلى صراع مفتوح، يُجبر واشنطن على الاختيار فتخسر أحد رهاناتها.

وفي النهاية، الولايات المتحدة لا تخسر عندما يتقاتل أعداؤها… بل عندما يتصالح حلفاؤها.

الوسومأمريكا إسرائيل إيران الشرق الأوسط الصين الملف النووي الإيراني دونالد ترامب روسيا سوريا محمد الحسن محمد نور واشنطن

مقالات مشابهة

  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
  • ناشونال إنترست: تركيا تبني قبة فولاذية بـ6.5 مليارات دولار لحماية مجالها الجوي
  • غالبية الأحزاب في تركيا تؤيد عمدة أنقرة رئيسا للبلاد!
  • هل يسرّع الغاز الأميركي وتيرة تحول تركيا لمركز إقليمي للطاقة؟
  • غيدي المدينة الكينية التي خبّأتها الغابة ونسِيَها الزمن
  • تقرير: 25 يومًا مهلة لأكراد سوريا.. رسالة تهديد من تركيا!
  • وزير خارجية تركيا يلتقي نظيره السوري ورئيس وزراء لبنان
  • تركيا تكشف عن صفقة الـF-35… مقاتلات بمليارات الدولارات عالقة في مستودعات أمريكية مأرب برس
  • السفير الأمريكي يعلن قرب حل أزمة مقاتلات إف-35 مع تركيا
  • صاروخ تركيا الفرط صوتي الذي سترعب به الخصوم