هل ننجو أم ننقرض؟.. الأوكرانيون متشائلون بعودة ترامب
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
كييف- حنث الرئيس دونالد ترامب بواحد من أبرز الوعود التي قطعها لناخبيه والعالم، فالحرب الروسية على أوكرانيا لم تنتهِ خلال 24 ساعة كما قال، ويبدو أن ذلك لن يكون قريبا.
ولم يعتب عليه أحد بالطبع، فبعودته إلى البيت الأبيض، نزل ترامب -على ما يبدو- من أجواء حملته الانتخابية إلى أرض الواقع، وبات يتحدث عن آليات وخطوات أكثر منطقية لوقف الحرب، كالاتصال ببوتين واللقاء معه، وتهديده بفرض مزيد من العقوبات إذا رفض التفاوض مع أوكرانيا.
ورغم أن ترامب أكد استعداد كييف للتفاوض، وتحدث بنبرة حادة لأول مرة عن أن "بوتين يدمر روسيا" فإن ذلك لم يشكل عامل ارتياح للأوكرانيين، بل ظلت شخصيته تقسمهم بشدة، بين تفاؤل وتشاؤم.
كويكب اصطدم بالأرض
ولعل مصدر القلق الرئيس لدى معظم المتشائمين مرتبطا بحالات التوتر والغموض والاستنفار التي خلفها ترامب سريعا في العالم، قريبا من الولايات المتحدة وبعيدا عنها.
وفي حديث مع الجزيرة نت، قال أوليغ ريباتشوك رئيس مركز "العمل المشترك" ونائب رئيس وزراء أوكرانيا السابق لشؤون التكامل الأوروبي إن "ترامب أشبه بكويكب اصطدم بالأرض، ولا يعرف بعد أي نوع من الديناصورات سينقرض نتيجة لذلك".
وتفسيرا لذلك التشاؤم على المستوى الأوكراني، يتحدث خبراء عن عدة عوامل في سياسات وشخصية ترامب، تدفع للتشكيك بقدرته على وقف الحرب، من أهمها:
مغرور متهور ومستفز. ويرى الخبير ريباتشوك أن "ترامب يعتبر نفسه مالكا للكون، ويعتقد فعلا أن الرب أنقذه من محاولة اغتياله لتحقيق إنجازات عظيمة". ويضيف "يحب ترامب فعل الكثير من الأشياء المثيرة والاستفزازية، كإلقاء الطين في الحشد، لمعرفة رد الفعل والبناء عليه". يحتكم ترامب للعلاقات الشخصية. وبحسب فولوديمير فيسينكو رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية "بنتا" فإن ترامب يحتكم لعلاقاته الشخصية في التعامل مع المؤسسات والدول "وفي كثير من الأحيان يبني سياساته وقراراته على هذا الأساس". ويضيف موضحا في حديث مع الجزيرة نت "على سبيل المثال، عندما يدعو ترامب شخصا ما إلى حفل تنصيبه، فإنه لا يدعو البلد، بل الشخص. ويحاول الكثير من السياسيين إرضاء ترامب لكسب اهتمامه، والعكس صحيح في بعض الأحيان، عندما يتحدث بفخر عن علاقته أو قدرته على التواصل مع بوتين أو كيم جونغ أون مثلا، ثم يسخرها لهدف ما". مقاول تحركه المصالح، وهو العامل الثالث الذي يكاد يجمع عليه معظم المراقبين، الذين يرون في ترامب رجل أعمال بطبعه قبل أن يكون رئيسا، وغالبا ما يتصرف على أساس هذا الطبع.وبناء على ما سبق، يرى بعض الأوكرانيين أن ترامب لن يتعامل بحزم أسلافه مع ملف الحرب الروسية على أوكرانيا. وإن فعل، فسيكون ذلك مقابل ضريبة كبيرة تتحملها كييف وعواصم أوروبية.
إعلانويقول الخبير فولوديمير فيسينكو "دعونا لا ننسى أن ترامب لا يهتم كثيرا بموضوع وحدة وسيادة أراضي أوكرانيا كما فعلت إدارة بايدن، وهو الذي لم يستبعد سابقا الاعتراف بالقرم أرضا روسية".
ويضيف أنه "إذا أصرت روسيا على التمسك بالأراضي التي احتلتها بعد القرم، ورفضت تقديم أي تنازلات تذكر، وإذا شعر ترامب بصعوبة الحل الذي يرضي أوكرانيا وحلفاؤها، فقد يسعى إلى تجميد الحرب لا وقفها، وسيرمي الكرة في ملعب الأوروبيين".
ويتابع فيسينكو "بهذا يحفظ ترامب ماء وجهه، ويلعب على عدة حبال في آن معا، فيفرض عقوبات على موسكو كما لمّح، ويدفع أعضاء حلف الناتو نحو مزيد من الإنفاق كما يريد، ونحو مشاركة أكبر في تقديم الدعم لكييف".
ولهذا يرجح الخبير أن يطول أمد الحرب، لأن المواقف متصلبة ومؤشرات الحل معدومة، حتى وإن تحدث الطرفان اليوم عن "جاهزيتهما للتفاوض".
لكن آخرين يرون الأمل في صلب عوامل التشاؤم السابقة، وفي أخرى تدفع ترامب للاهتمام بملف الحرب وإيقافها، دون أن يكون في ذلك نصر كبير لروسيا على حساب أوكرانيا.
ومن بين هؤلاء ريباتشوك الذي قال "ليس حبا فيها أو حرصا عليها، لكن ترامب اليوم يحتاج أوكرانيا لتحقيق أهدافه وأجنداته، لأن الكثير من المعطيات تغيرت".
ويجمل الخبير هذه المعطيات بما يلي:
قواسم مشتركة مع زيلينسكي، وبحسب ريباتشوك "بدا الأمر إهانة للأوكرانيين عندما وصف ترامب زيلينسكي بأنه "أعظم بائع متجول في التاريخ" ولكن من وجهة نظره، كانت تلك مجاملة كبيرة، لأن كليهما يبحثان عن صفقات، ويتقنان بكفاءة أساليب الاستعراض الشعبوية. وأعتقد أنهما قادران على إيجاد لغة مشتركة والاتفاق". بوتين لن يرضخ لترامب، وعلى الأرجح فإنه لن يقدم التنازلات التي يتوقعها الرئيس الأميركي، بدليل تغير نبرة ترامب وحاشيته تجاه الرئيس الروسي فيما يتعلق بأوكرانيا والحرب.ويرى ريباتشوك أن ترامب لا يستطيع إظهار العجز، لأنه غير معتاد على ذلك، والناخبون لن يتفهموا ذلك أيضا. وأي تنازلات كبيرة لروسيا ستكون بمثابة هزيمة شخصيا، ونقطة ضعف سيحاول تجنبها قدر الإمكان. إضعاف حلفاء الصين، فهي العدو الحقيقي الأكبر للولايات المتحدة، وروسيا تعتبر من أقوى وأكبر حلفائها. وواشنطن استغلت الحرب بشكل أو بآخر لإضعاف روسيا، وهي تدرك اليوم أن هزيمة أوكرانيا سيعزز حتما "التكتل الدكتاتوري" ولا يمكن أن تسمح بذلك، على حد رأيه. العبرة في الثمن، والحديث هنا عن العروض والقرابين، إن صح التعبير، التي يجب أن تقدمها كييف لضمان دعم ترامب وثبات مواقفه. إعلان
ويقول الخبير "كلما أردنا طلب شيء من الولايات المتحدة، يجب أن نفكر بما سنقدمه في المقابل. يجب أن نصنع منفعة سياسية واقتصادية للولايات المتحدة في دفاعها عن أوكرانيا، ويجب أن نثبت قدرتنا على إدارة الموارد المقدمة بشكل فعال حتى لا نكون نحن "المنقرضين" بالهزيمة، ونضمن دوام المساعدة والنجاة نهاية هذه الحرب".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
هل سيُمنح الأوكرانيون مقاعد في البرلمان البولندي قريباً؟
يبدو أن سلسلة من المقالات المنشورة على الإنترنت قد أُخرجت من سياقها، ما أثار غضب بعض السياسيين البولنديين الذين اعتقدوا أن الأوكرانيين سيُمنَحون "تمثيلًا خاصًّا" لهم في مجلس النواب البولندي.
أعرب سياسيون من أحزاب يمينية متطرفة في بولندا عن استيائهم الشديد من تقارير إعلامية تحدثت عن خطة مزعومة لمنح الأوكرانيين الحاصلين على الجنسية البولندية تمثيلًا خاصًّا في البرلمان البولندي.
وأكد هؤلاء السياسيون رفضهم القاطع لأي اقتراح يمنح الأوكرانيين مقاعد مخصصة في مجلس النواب (البرلمان البولندي)، بل دعا بعضهم إلى وقف منح الجنسية البولندية للأوكرانيين تمامًا.
فقد كتب فودزيميرز سكاليك، النائب عن حزب "اتحاد التاج البولندي" اليميني المتطرف، في منشور على فيسبوك: "تُعلن وسائل الإعلام الأوكرانية أن للأوكرانيين في بولندا ممثلين خاصين في البرلمان البولندي. هذه إشارة خطيرة للغاية. البرلمان مُكلَّف بتمثيل الأمة البولندية، وليس الجماعات العرقية ذات المطالب الخاصة. لا يمكن أن تصبح بولندا ساحةً للنفوذ الأجنبي. أوقفوا 'أوكرنة' بولندا!"
من جهته، انتقد سلاومير منتزن، النائب عن حزب "الأمل الجديد" اليميني المتطرف، عبر منصة "X "ما وصفه بـ"سعي عدد من السياسيين البولنديين لخدمة المصالح الأوكرانية"، مضيفًا: "لسنا بحاجة إلى سياسيين أوكرانيين في مجلس النواب. النواب المنتخبون من قبل الأوكرانيين سيُولون حتمًا أولوية للمصالح الأوكرانية. المصلحة البولندية يجب أن تكون الأسمى! لِنَقِفْ منح الجنسية البولندية للأوكرانيين!"
وتشير منشورات هؤلاء السياسيين وتصريحات مشابهة إلى تقارير إخبارية تفيد بأن نحو 80% من الأوكرانيين الحاصلين على تصاريح إقامة طويلة الأجل في بولندا يعتزمون التقدم بطلب للحصول على الجنسية البولندية، وأن من الممكن أن يحظى الأوكرانيون بتمثيل في مجلس النواب البولندي في وقت مبكر من عام 2027.
مع ذلك، أكدت الحكومة البولندية أنها لا تملك أي خطة لمنح المواطنين البولنديين من أصل أوكراني تمثيلًا برلمانيًّا خاصًّا.
تغيير القانون المقترحويبدو أن هذا الارتباك ينبع من مقال أوكراني أشار إلى تغييرات مقترحة على التشريعات البولندية المتعلقة بدعم مواطني أوكرانيا، من بينها تعديل من شأنه أن يُطيل المدة المطلوبة للحصول على الجنسية البولندية.
فوفقًا للقانون الحالي، يتعيّن على الأجانب الإقامة في بولندا خمس سنوات للحصول على تصريح إقامة دائمة، ثم العيش ثلاث سنوات إضافية قبل أن يصبحوا مؤهلين لطلب الجنسية، التي تمنحهم حق التصويت. أما التغيير المقترح فيسعى إلى تمديد هذه الفترة الإضافية من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات.
في هذا السياق، تواصلت صحيفة The Cube مع وزارة الداخلية البولندية، التي أوضحت أن شروط منح الجنسية تشمل، إلى جانب الإقامة القانونية، إجادة اللغة البولندية، وامتلاك سكن ومصدر دخل مستقر، فضلاً عن احترام "النظام القانوني" البولندي وعدم تمثيل "تهديد للدفاع عن الدولة وأمنها".
وأكد متحدث باسم الوزارة في رسالة إلكترونية أن "منح الجنسية البولندية يُعد اختصاصًا دستوريًّا لرئيس جمهورية بولندا"، مضيفًا أن "الرئيس غير مقيد في ممارسة هذه الصلاحية بأي شروط، بما في ذلك المهلة الزمنية للبت في الطلب، ويجوز له منح الجنسية لأي أجنبي في أي وقت إذا رأى أن هناك ما يبرر ذلك".
ووفقًا للقانون البولندي، لا يُحتسب الوقت الذي يقضيه الأشخاص الذين دخلوا البلاد لأسباب إنسانية—مثل الفارين من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا—ضمن المدة المطلوبة للحصول على تصريح إقامة دائمة. كما أن هؤلاء الأشخاص لا يحق لهم الحصول على تصريح إقامة طويلة الأجل في الاتحاد الأوروبي بموجب هذا المسار.
ورغم ذلك، يشهد عدد الأوكرانيين الذين يُعترف بهم كمواطنين بولنديين ارتفاعًا مستمرًا وفقًا للإحصاءات الحكومية السنوية، ويُعدّ الأوكرانيون حاليًا أكبر مجموعة مهاجرة في بولندا.
فبحلول نهاية أغسطس 2025، بلغ إجمالي تصاريح الإقامة السارية الصادرة للمواطنين الأوكرانيين أكثر من 1.57 مليون تصريح، منها نحو مليون مُسجَّل كمستفيدين من الحماية المؤقتة، وفقًا لما أفادت به وزارة الداخلية البولندية لصحيفة "The Cube".
وأضافت الوزارة، أن عدد وثائق الإقامة الدائمة الصادرة بلغ نحو 57,000، في حين صدر ما يقارب 46,000 وثيقة تتعلق بتصريح الإقامة طويلة الأجل في الاتحاد الأوروبي.
أما على صعيد منح الجنسية، فقد أصدرت السلطات البولندية بين يناير ويونيو 2025، 5,512 قرارًا (تخصّ 7,513 شخصًا، بما في ذلك القُصّر المرتبطون بطلبات ذويهم) بالاعتراف بأوكرانيين كمواطنين بولنديين. كما أصدر رئيس الجمهورية 422 قرارًا رئاسيًّا يشمل 529 فردًا.
في المقابل، تدّعي شخصيات من أحزاب يمينية متطرفة أن تسارع وتيرة تجنيس الأوكرانيين قد يمنحهم تأثيرًا في السياسة البولندية على حساب المصالح الوطنية. غير أن هذه المخاوف تفتقر إلى أساس واقعي، لا سيما في ظل التوجه المحتمل لتشديد شروط الحصول على الجنسية في المستقبل.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة