الجنوبيون يقاومون بالخيام المنتصبة على الركام: هذه منازلنا الآن (صور)
تاريخ النشر: 31st, January 2025 GMT
عادوا إلى الجنوب، كما اعتادوا أن يفعلوا في كل مرة تحاول آلة الحرب أن تقتلعهم من أرضهم. لم تكن العودة خيارًا، بل كانت فعلًا غريزيًا، أشبه باستجابة الجسد لنداء الروح. حملوا أمتعتهم القليلة، لكن الأهم أنهم حملوا إرادتهم الصلبة، غير آبهين بحجم الدمار الذي تكلمت عنه وسائل الإعلام، والذي كانوا يرفضون تصديقه حتى رأوه بأعينهم.
منازل مهدّمة، أرزاق محروقة، شوارع تغيّر وجهها بفعل القصف، لكنها لم تفقد روحها، كما لم يفقدها أهلها.. لم يكن الاحتلال الإسرائيلي، الذي استمرّ بخرق وقف إطلاق النار عبر عمليات النسف والتفجير، سببًا كافيًا لبقاء الجنوبيين بعيدين عن أرضهم. كما لم تكن الغارات التي شُنّت في الأيام الماضية عائقًا أمام تلك الخطوات الثابتة التي سارت وسط الركام. فهؤلاء الذين خَبِروا الحرب وعاشوا تفاصيلها، يدركون أن الأرض ليست مجرد مساحة جغرافية، بل ذاكرة وهوية وكيان. لذا، كان قرارهم محسومًا: العودة، مهما كان الثمن.
لم يكن حجم الدمار الذي رآه العائدون إلى الجنوب مفاجئًا فحسب، بل كان صادمًا إلى حدّ جعل البعض منهم يرفض التصديق. لكن هذه الصدمة لم تُضعفهم، بل على العكس، زادتهم تمسّكًا بأرضهم. فالمعادلة بالنسبة إليهم كانت واضحة منذ اللحظة الأولى: الدمار يمكن إصلاحه، لكن الأرض إن ضاعت، لا تُستعاد بسهولة.
منذ مراحل النزوح الأولى، رفض الجنوبيون فكرة الابتعاد عن قراهم وبلداتهم، وأصرّوا على العودة مهما كانت الظروف. ومع استمرار الاعتداءات والخروقات، قرروا أن يكونوا هم السبّاقين في تثبيت وجودهم، فكانت الخيام أولى خطوات التحدي. نصبوا تلك الخيام في أراضيهم، ليس فقط كمأوى مؤقت، بل كرمز للصمود ورسالة مباشرة للمحتل ولمن يقف وراءه، مفادها أن الأرض ليست للبيع، ولا يمكن أن تُنتزع بهذه السهولة. فهنا، حيث الجذور ضاربة في الأرض، لا مكان لمحتل، ولا مستقبل لمن يعتقد أن القصف والتدمير قد يُنسي أصحاب الحق حقهم.
فؤاد، ابن بلدة الوزاني، المزارع الذي لم يفارق الجنوب منذ أن تفتحت عيناه على هذه الدنيا، يروي قصة عودته بعد أن نزح إلى إحدى القرى الجنوبية. يقول فؤاد لـ"لبنان24" أنّ العدو نسف منزله الذي بات اليوم ركامًا لا معالم له. ويؤشّر لأرضه التي هي بقرب منزله.. أرض كان يزرعها سنويًا ويستفيد من 27 شجرة زيتون، تنتج له زيت الزيتون الجنوبي، إلا أنّ الـ27 شجرة التي اعتنى بها منذ أكثر من 35 عامًا لم يبق منها إلا بضعة أغصان بعد أن اقتلعها العدو الإسرائيلي وأحرق بعضها الآخر.
يقول فؤاد أنّ أرضه، وكما هو واضح، كانت قاعدة عسكرية استقر فيها جنود العدو، ولعل الطعام الذي ترك خلفهم خير دليل على ذلك.. ينظر فؤاد إلى أرضه، مصدر رزقه الوحيد ويتساءل:" من سيعيد لي الأرض.. تكلفة إعادة استصلاحها تحتاج لعشرات الآلاف من الدولارات". اليوم يعيش فؤاد في خيمة بيضاء صغيرة، ينام فيها منذ أن عاد إلى منزله، ويشير إلى أنّ عائلته لا تزال موجودة داخل أحد مراكز النزوح، فهم لا يستطيعون العودة بعد أن سوّي منزلهم بالأرض.
وفي مشهد جديد من مشاهد الصمود، قام أهالي بلدة كفركلا بنصب خيمة على طريق الخردلي عند مفرق دير ميماس – القليعة، قرب محطة مرقص، مؤكدين عزمهم البقاء فيها حتى خروج جيش الاحتلال من بلدتهم. أما في بلدة الطيبة، فقد عادت الحياة تدريجيًا مع دخول الأهالي إليها، وتمكنهم من دحر الاحتلال واستعادة جزء من يومياتهم رغم الدمار.
وفي مارون الراس، أصرّ الأهالي على العودة إلى قريتهم لتفقّد منازلهم، غير أنّهم واجهوا اعتداءً جديدًا، حيث تعرّض المتجمعون لإطلاق نار، كما استُهدفت سيارة إسعاف تابعة لـ"كشافة الرسالة الإسلامية" عند مدخل البلدة، في انتهاك واضح لكل المواثيق الإنسانية.
في المقابل، شهدت منطقة المفيلحة، غرب بلدة ميس الجبل، تراجعًا لقوات الاحتلال خلف السواتر الترابية، في خطوة تعكس تبدّل المشهد الميداني لصالح الأهالي والمقاومة.
"هذه الخيمة هي منزلنا الآن"، يقولها أحد ابناء كفركلا، بكلمات تختصر كل معاني الصمود والإصرار. ففي وجه الاحتلال، لم يعد المنزل مجرد جدران وسقف، بل بات كل شبر من الأرض هوية، وكل خيمة وُضعت في العراء عنوانًا للصبر والتحدي. هنا، حيث ترتفع رايات التمسّك بالحق، تتجسّد حقيقة واحدة: الأرض وحدها هي الوطن، والإرادة الشعبية لا تُقهر، مهما اشتدّ العدوان. المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
ما الذي يخطط له الاحتلال في السويداء؟ ممر إنساني أم فخ عسكري؟
دعا وزير مالية الاحتلال الإسرائيلي، المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يوم الأربعاء، إلى فتح ما وصفه بـ"ممر إنساني" لإدخال الغذاء والدواء إلى محافظة السويداء جنوبي سوريا، بزعم دعم الطائفة الدرزية في المنطقة، وسط تحذيرات من أن هذه الدعوات قد تشكل غطاءً لتدخل عسكري محتمل.
وفي منشور على منصة "إكس"، قال سموتريتش إنه زار غرفة العمليات التي أقامتها الطائفة الدرزية في بلدة جولس شمالي الأراضي المحتلة، برفقة رئيس الطائفة الدرزية لدى الاحتلال موفق طريف، وذلك "لمتابعة أوضاع الدروز في السويداء والتواصل معهم"، حسب تعبيره.
وزعم سموتريتش أن وقف إطلاق النار القائم في السويداء "يخفي وراءه حصاراً على الدروز، وتخريباً ممنهجاً لقراهم، وأزمة إنسانية خانقة"، على حد قوله. ودعا إلى إنشاء ممر إنساني عاجل لإدخال مساعدات غذائية وطبية، مضيفاً أن الاحتلال "يجب أن يكون مستعداً عسكرياً للدفاع عن الدروز، ولفرض ثمن باهظ على النظام السوري وخلق حالة ردع تمنع تجدد الهجمات"، على حد وصفه.
لكن مراقبين شككوا في جدية هذه الدعوة، مشيرين إلى عدم وجود أي حدود مباشرة بين الأراضي المحتلة ومحافظة السويداء، حيث تفصل محافظة درعا بين الجانبين، ما يجعل إنشاء ممر إنساني من طرف الاحتلال غير واقعي ويثير تساؤلات بشأن دوافعه الحقيقية، خاصة في ظل تصعيد الاحتلال لعملياته العسكرية داخل الأراضي السورية مؤخراً.
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا قد نفى بشكل قاطع وجود حصار على محافظة السويداء، واصفاً الاتهامات بأنها "محض أكاذيب تهدف إلى فتح ممرات لتسهيل عمليات تهريب المخدرات"، وفق ما جاء في بيان رسمي.
وأكد البابا أن الحكومة السورية تعمل على إدخال المساعدات الإنسانية إلى داخل السويداء بالتعاون مع منظمات محلية ودولية، في إطار استجابتها للوضع الإنساني الراهن.
وتشهد محافظة السويداء منذ 19 يوليو/تموز الجاري وقفاً لإطلاق النار بعد أسبوع من الاشتباكات بين مجموعات مسلحة من الطائفة الدرزية وأخرى من العشائر البدوية، في ظل أوضاع إنسانية وأمنية متدهورة.
وتحت ذريعة "حماية الدروز"، كثّف الاحتلال الإسرائيلي من عدوانه على الأراضي السورية، حيث شن في 16 يوليو/تموز غارات على أربع محافظات سورية، من بينها دمشق، مستهدفاً مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن