«ديب سيك» والثورة الاختراعية الجديدة
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
وقع زلزال مدوٍ في عالم الذكاء الاصطناعي وعالم البحث العلمي والبورصات وعالم السياسة بعد النجاح الهائل الذي حققه التطبيق الصيني «ديك سيك» الذي استطاع صاحبه يانغ ونفيانغ اختراع تطبيق يتربع اليوم على عرش تطبيقات «أبل» بصفته أكثر تطبيق تم تحميله من مستعملي «آيفون» في الولايات المتحدة الأميركية؛ ما جعله يتفوق على الكثير من التطبيقات الأميركية، فهو يستطيع التفكير السريع والمنطقي في وقت قياسي وبتكلفة قليلة جداً لأنه لا يعتمد على الشرائح الأميركية القادمة من «إنفيديا» وغيرها من الشركات، بمعنى أن الذكاء الإنتاجي في الصين استطاع أن يطوّر شرائح محلية خاصة مبدعة وقادرة على المنافسة، أو أنه أبدع في الاعتماد على بدائل أخرى غير معروفة لا تستعمل هاته الشرائح، وهذا ممكن في هذا العالم الذي يتطور بسرعة البرق.
ويتفوق «ديب سيك» على باقي المنافسين في مسألة أساسية، فهو مفتوح المصدر تماماً، بمعنى أنه يمكن تحميله وتسجيله في الحواسيب حتى يتم تشغيله بشكل محلي من دون الحاجة إلى استخدامه عبر الإنترنت وكل هذا مقابل سنتات معدودات؛ إذ تصل تكلفة الواجهة البرمجية للنموذج إلى أقل من 40 سنتاً لكل مليوني أمر مقارنةً مع 15 دولاراً في «شات جي بي تي». ويرجع السبب في ذلك إلى التكلفة القليلة لتطوير النموذج الصيني، فبحسب المعطيات المتاحة، فإن المنتوج الصيني كلف 5.5 مليون دولار فقط مقارنة مع مئات الملايين من الدولارات التي احتاجت إليها الشركات الأميركية لتطوير نماذجها.
وعندما يخرج مثل هذا الاختراع إلى الوجود وبهذا النجاح الهائل ومن دولة تشتغل في السر وتباغت المنافسين الصناعيين وذوي براءات الاختراع باختراعات غير منتظرة ويصعب تحديد أبجدياتها وقوة ما سيأتي بعدها من منتوجات أخرى، فإن ذلك يحدِث الهلع وفقدان الثقة لدى المنافسين الأساسيين، وأعني بذلك الأميركيين؛ فشركة «إنفيديا» الأميركية كانت هي صاحبة الكلمة الفيصل في هذا المجال، وعلى كلام علمائها والمبدعين فيها ومخرجات المسؤولين فيها، تبنى السياسات العمومية والخاصة في هذا المجال، ونفهم أنه مباشرة بعد ظهور الاختراع الصيني فقد الكثير من المستثمرين ثقتهم في الشركة وفي الشرائح التي جعلوا منها مصدر غناهم، وباع الكثير منهم أسهمهم، لتخسر أسهم الشركة 17 في المائة من قيمتها، أي أكثر من 600 مليار دولار، وهي خسارة تاريخية لتتخلى عن قوتها بصفتها إحدى أغنى الشركات في العالم، وطبعاً عندما تعطس الشركة الأم، فإن الشركات الأخرى تصاب بالزكام الحاد، بل وقد تنسف نسفاً، وهذا ما وقع لشركات أميركية من قبيل «مارفيل» و«برودكوم» و«تي إس إم سي».
ويصاحب ما يقع في عالم المنافسة الشرسة التي لا تبقي ولا تذر موجات من التصريحات التي يخرج بها كبار المؤثرين الاقتصاديين والمستثمرين وأصحاب الشركات الكبرى كالمديرين التنفيذيين لـ«مايكروسوفت» و«شات جي بي تي»، إما دفاعاً عن النفس أو توجيهاً للسياسات العمومية المقبلة أو «تقزيماً» لما أنتجه الآخر أو استباقاً للخسائر المهولة التي يمكن أن تقع، ناهيك من الوضع الحرج الذي يوجد فيه الرئيس الأميركي الذي جعل من قوة وتطوير الذكاء الاصطناعي الأميركي أحد أعمدة حملته الانتخابية وأحد أسس توجيهات سياسته الداخلية، وهو الذي وقَّع منذ أيام أمراً تنفيذياً بشأن الذكاء الاصطناعي، والذي من شأنه أن يلغي السياسات الحكومية السابقة التي يقول أمره إنها «تعدّ حواجز أمام الابتكار الأميركي في مجال الذكاء الاصطناعي». وأعطى تزكيته للمبادرة الاستثمارية «ستار غيت»، وهي عبارة عن تحالف مجموعة من الشركات مثل «سوفت بنك» و«أوراكل» التي «قررت استثمار 500 مليار دولار من أجل تأسيس بنيتها التحتية».
في عالم اليوم لا يكفي أن تجمع الملايين من الدولارات من كبار المستثمرين ومن أصحاب الحسابات البنكية التي تنوء بالعصبة أولي القوة وتضعها في بنيات صناعية في السيلكون فالي أو في سنغافورة أو في صوفيا بوليس وتنتظر اختراعات غير مألوفة، وإنما يمكن أن تحصل على نتائج خارقة للعادة فقط من خلال تكوين عقول بشرية وإيصالها إلى مختبرات الإنتاج والإبداع لتأتي إلى الوجود بمنتوجات يحتاج تفعيلها وتطويرها إلى الآلاف من الدولارات فقط، وقد تحدث ثورة اختراعية لم تعهدها البشرية، وهذا ما وقع مع «ديب سيك»؛ وأظن أن مثل هذا الاختراع لن يتوقف، بل سيستمر وستشتد المنافسة وستكبر الحروب التجارية والقيود الأميركية التي ستفرضها أميركا على كل ما يأتي من الصين، وهاته الأخيرة ستراوغ وستنتج أكثر فأكثر اعتماداً على العقول والكفاءات التي أنتجتها والتحالفات التي أبرمتها في آسيا وأفريقيا وغيرها واعتماداً على قواعد العولمة التي فهمتها جيداً واستطاعت الارتماء والتموقع في أحضانها بذكاء، وفي عالم يحب الجديد وكل ما هو قليل التكلفة.
(الشرق الأوسط اللندنية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الذكاء الاصطناعي الصيني الصين الذكاء الاصطناعي ديبسك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الذکاء الاصطناعی فی عالم
إقرأ أيضاً:
ما هو Perplexity؟.. محرك بحث يقتحم ساحة الكبار ويشعل سباق الذكاء الاصطناعي
- ما هو Perplexity وما الذي يميزها؟- اهتمام متزايد بـ Perplexity رغم التحديات القانونية- لماذا قد ترغب آبل أو ميتا في الاستحواذ على Perplexity؟- مستقبل الذكاء الاصطناعي في قبضة الكبار
كشفت تقارير إعلامية أن Perplexity، هي شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي لا يتجاوز عمرها 3 سنوات، باتت محط أنظار كل من ميتا وآبل، في خطوة تعكس اشتداد المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا على الهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وبحسب مصادر مطلعة على المحادثات، أجرت شركة ميتا– المالكة لـ فيسبوك وإنستجرام– محادثات مع Perplexity في أبريل أو مايو الماضيين بشأن إمكانية الاستحواذ عليها، لكنها لم تفض إلى صفقة نهائية.
وفي المقابل، ذكرت وكالة “بلومبرج”، أن آبل ناقشت داخليا فكرة الاستحواذ، إلا أن المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولى ولم تتطور بعد إلى خطوات ملموسة.
وتأتي هذه التحركات في وقت ينظر فيه إلى كل من “آبل” و"ميتا" على أنهما متأخرتان في سباق تطوير خدمات ومنتجات الذكاء الاصطناعي، مقارنة بمنافسين مثل “جوجل” و"OpenAI".
ويؤكد الاهتمام المتزايد بـ Perplexity مدى احتدام الصراع على استقطاب المواهب وتطوير المنتجات في هذا القطاع الحيوي، الذي يتوقع أن يكون المرحلة التالية من تطور الإنترنت.
تعد Perplexity محرك بحث قائم على الذكاء الاصطناعي، يستخدم نماذج متقدمة لتحليل محتوى الإنترنت وتقديم إجابات مختصرة مدعومة بمصادر موثوقة، تأسست الشركة في أغسطس 2022، وطرحت أول نسخة من محركها البحثي في ديسمبر من نفس العام.
توفر المنصة وضعين للبحث الأول “بحث سريع” للعمليات البسيطة، والثاني “بحث احترافي” يقدم نتائج أكثر تفصيلا ومعالجة معمقة، وهو ما يقتصر في النسخة المجانية على 3 عمليات بحث فقط يوميا.
كما تتيح المنصة خدمات أخرى تشمل الإجابة على أسئلة تتعلق بملفات المستخدم، تخطيط الرحلات، إعداد قوائم تشغيل، وإنشاء الصور، إلى جانب صفحات محتوى منسقة حسب اهتمامات المستخدم، على غرار ما تقدمه ChatGPT.
وتتوافر معظم هذه الميزات ضمن اشتراك شهري بقيمة 20 دولارا، يمنح المستخدمين وصولا غير محدود إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، وتحميل الملفات، وإنشاء الصور، وتعمل Perplexity أيضا على تطوير متصفح ويب جديد يحمل اسم Comet.
رغم النجاح النسبي الذي حققته المنصة، إلا أنها لا تزال تواجه منافسة شرسة، خاصة من تطبيق ChatGPT الذي استحوذ على 45% من تحميلات تطبيقات الدردشة الذكية في الربع الثالث من عام 2024، بحسب شركة “Sensor Tower”، فيما أدرجت Perplexity ضمن فئة أخرى.
كما واجهت الشركة اتهامات بانتهاك حقوق المحتوى، إذ هددت هيئة الإذاعة البريطانية BBC، باتخاذ إجراءات قانونية ضدها بزعم استخدام محتواها دون إذن. وفي العام الماضي، رفعت “داو جونز” – الشركة المالكة لصحيفة “وول ستريت جورنال” – و"نيويورك بوست" دعاوى قضائية ضد المنصة لذات السبب.
لماذا قد ترغب آبل أو ميتا في الاستحواذ على Perplexity؟يعتقد أن استحواذا محتملا على Perplexity قد يخدم خطط كل من آبل وميتا في توسيع حضورهم في مجال الذكاء الاصطناعي.
فبالنسبة لـ آبل، سيكون ذلك دعما إضافيا لدمج ميزات البحث الذكي ضمن متصفح “سفاري”، خاصة في ظل الشكوك القانونية التي تحيط باتفاقها مع جوجل لجعل الأخير محرك البحث الافتراضي، وهو اتفاق تُقدر قيمته بالمليارات.
وقد أعلنت آبل مؤخرا عن تحديثات لأدوات الذكاء الاصطناعي في أجهزتها، لكنها لا تزال متأخرة في إطلاق نسخة معززة من مساعدها سيري، رغم الإعلان عنها منذ أكثر من عام.
أما ميتا، فتسعى بشكل محموم إلى تعزيز قدراتها في هذا المجال، وعرضت حزم توظيف تصل إلى 100 مليون دولار لبعض الكفاءات، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
كما استثمرت مؤخرا في شركة “Scale AI” الناشئة، التي تساعد في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وعينت مؤسسها ألكسندر وانج ضمن صفوفها.
ورغم النجاحات التي حققتها ميتا في بعض المشاريع مثل نظارات Ray-Ban المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ونماذج Llama المستخدمة على نطاق واسع، إلا أنها تواجه تحديات أخرى، منها تأجيل إطلاق نموذجها المتقدم الجديد، إضافة إلى مخاوف الخصوصية في تطبيقها الجديد للدردشة الذكية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في قبضة الكباريرى مراقبون أن الذكاء الاصطناعي يمثل القفزة الكبرى التالية بعد الإنترنت والهواتف الذكية – وهما مجالان لعبت فيهما آبل وميتا دورا رياديا.
ومع التطورات المتسارعة، يبدو أن مستقبل الشركتين بات مرهونا بمدى قدرتهما على الابتكار والمنافسة في هذا المضمار الجديد، الذي سيعيد تشكيل طريقة عمل الناس وتواصلهم وبحثهم عن المعلومات.