ترجمة: أحمد شافعي -
كان هذا الأسبوع هو الأسبوع الذي حقق فيه الصينيون مكاسب مذهلة في الذكاء الاصطناعي وحقق فيه الأمريكيون مكاسب مذهلة في الغباء البشري. سامحوني ولكني أنظر إلى سلوك إدارة ترامب خلال الأسبوع الماضي فلا أجد غير كلمة وحيدة تصفه بدقة هي: الغبي.
ولا أقول إن أعضاء إدارة ترامب يفتقرون إلى الذكاء.
ولا أقول بالقطع إن أنصار دونالد ترامب أقل ذكاء ممن عداهم. فقد عرفت على مدار السنين العديد من الديمقراطيين الذين يكرهون التنوع الفكري. وعندما تكون لهم السيطرة على نظام ـ سواء أهو النظام الأكاديمي أم الإعلام السائد أم المنظمات غير الربحية أم الخدمة المدنيةـ فإنهم ينزعون إلى فرض عقيدة جامدة وخانقة تجعل كل من في النظام أشد غباء وتقيدا بالقواعد وانعزالا. ولو أن الجمهوريين يريدون تغيير هذا فإنني أقول لهم افعلوا هذا.
إن تعريفي للغباء هو أنه التصرف بطريقة تتجاهل هذا السؤال: ماذا قد يحدث بعد ذلك؟ فإن جاءك شخص ما وقال لك:«أعتقد أنني سأخرج للتنزه في عاصفة رعدية حاملا على رأسي هوائيًا نحاسيًا»، فإن الغباء يجيبه بقوله إن «هذه تبدو فكرة رائعة حقا!». الغباء هو الميل إلى اتخاذ إجراءات تؤذيك وتؤذي من حولك.
لقد أنتجت الإدارة الأمريكية وابلا من الغباء هذا الأسبوع، فقد جددت تهديداتها بفرض تعريفات جمركية مدمرة على كندا والمكسيك من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم في أمريكا. وحاولت القيام بتطهير عام واسع النطاق للقوة العاملة الفيدرالية، دون أن تسأل ـ على ما يبدو ـ كيف يحتمل أن يؤثر هذا التطهير على أعمال الحكومة. ولكنني أود أن أركز على واقعة أخرى: محاولة تجميد الإنفاق الفيدرالي على برامج المساعدة، ثم قرار ترامب اللاحق بعكس المسار وإلغاء التجميد.
عندما أعلنت الإدارة عن التجميد، حددت هدفها الواضح من ذلك، وهو إلغاء تمويل أشياء من قبيل برامج التنوع والمساواة والإدماج التي لا يوافق عليها ترامب. كان شأن إدارة حكيمة أن تختار البرامج التي تعارضها وتركز على تخفيض تمويلها، من خلال عملية راسخة معروفة باسم سلطة الإلغاء. لكن إدارة ترامب قررت فرض تجميد غامض وغير مدروس على ما زعمت أنه يزيد عن 3 تريليونات دولار من الإنفاق الفيدرالي. وفجأة، لم يعد المرضى المشاركون في تجارب السرطان بالمعاهد الوطنية للصحة يعرفون ما إذا كان بإمكانهم أن يواصلوا علاجهم، ولم يعد مسؤولو برنامج (هيد ستارت) لرعاية الطفولة يعرفون ما إذا كانوا يستطيعون سحب الأموال الفيدرالية، ولم تعد المدن والولايات في جميع أنحاء أمريكا تعرف ما إذا كانت ستجد أموالا لقوات الشرطة والمدارس وبرامج التغذية وإصلاح الطرق السريعة وغيرها من الخدمات الأساسية.
كانت سياسة ترامب هذه أشبه بمحاولة علاج حب الشباب بقطع الرأس. ولا يبدو أن أحدا قد تساءل: إذا جمدنا كل إنفاق المنح، فماذا قد يحدث بعد ذلك؟ وما كادت تداعيات هذا الغباء تتضح، حتى عكس ترامب مساره. وها هي نبوءتي الكبيرة لهذه الإدارة: سوف تنتج سلسلة ثابتة من السياسات الغبية، وعندما تبدأ عواقب هذه السياسات في التأثير على معدل قبول ترامب، فإنه سوف يتراجع عن هذه السياسات أو يقلل من أهميتها أو يتخلى عنها. فهو يحب الشعبية أكثر من أي فكرة.
ويبقى صحيحا مع ذلك أننا سوف نضطر إلى تعلم الكثير عن الغباء خلال السنوات الأربع المقبلة. ولقد لخصت ما تعلمته حتى الآن في ستة مبادئ رئيسية:
المبدأ الأول: الأيديولوجية تنتج الخلاف، أما الغباء فينتج الارتباك. وخلال الأسبوع الماضي، قضى الناس في المؤسسات بجميع أنحاء أمريكا بضعة أيام وهم يحاولون أن يعرفوا ما الذي يحدث. وهذا ما يحدث عندما تجمد الحكومة ما يقرب من ثلاثة تريليونات دولار من الإنفاق بمذكرة من صفحتين تبدو وكأن من كتبها متدرب غرير. وعندما يتولى الغباء السيطرة، كما يزعم أستاذ الأدب باتريك مورو، فإن الكلمات تتفكك «فتفقد علاقتها بالواقع».
المبدأ الثاني: الغباء غالبا ما يكون متأصلا في المنظمات لا في الأفراد. فعند إقامة منظمة يكون لرجل واحد فيها كل السلطة ويضطر كل الآخرين إلى تملق أفكاره المسبقة، فسوف ينتج الغباء عن ذلك بالتأكيد. ومثلما قال عالم اللاهوت الألماني ديتريش بونهوفر: «هذا قانون اجتماعي نفسي مطلق: سلطة الواحد بحاجة إلى غباء الآخر».
المبدأ الثالث: الأشخاص الذين يتصرفون بغباء يكونون أكثر خطورة من الأشخاص الذين يتصرفون بشرّ. فالأشرار يكون لديهم على الأقل بعض الإحساس الدقيق بمصالحهم الذاتية، وهو ما قد يكبح جماحهم. أما الغباء فعظيم الجسارة! الغباء لديه بالفعل كل الإجابات!
المبدأ الرابع: الأشخاص الذين يتصرفون بغباء لا يكونون واعين بغباء أفعالهم. ولعلكم سمعتم عن تأثير دونينج-كروجر، وهو أن غير الأكفاء يفتقرون إلى المهارات اللازمة لإدراك عدم كفاءتهم.
هيا نقدم نتيجة هيجسيث-جابارد: تحاول إدارة ترامب إقالة الموظفين الحكوميين الذين قد يكونون تقدميين أو لا يكونون تقدميين ولكن لديهم معرفة هائلة بمجال تخصصهم، لتعين بدلا منهم موالين لحركة «إعادة عظمة أمريكا» ممن يفتقرون غالبا إلى المعرفة أو الخبرة في هذا المجال. وقد لا تأتي النتائج بما تشتهيه حركة «إعادة عظمة أمريكا».
المبدأ الخامس: يوشك الغباء أن يكون مستحيل المعارضة. يشير بونهوفر إلى أننا «نكون أمام الغباء عُزلا من السلاح». ولأن الأفعال الغبية تفتقر إلى المنطق، يكون لها دائما وقع المفاجأة. ولا تلقى الحجج المنطقية إلا آذانا صماء. والأدلة المضادة لا تلقى غير الإعراض. وتوصم الحقائق بالتفاهة. ويمضي بونهوفر فيقول إن «الغبي، في سياق هذا كله، يكون على النقيض من الشخص الشرير، فهو راض تماما عن نفسه، ولأن من السهل إزعاجه، فإن الهجوم يجعله خطيرا».
المبدأ السادس: نقيض الغباء ليس الذكاء، بل العقلانية. يعرّف عالم النفس كيث ستانوفيتش العقلانية بأنها القدرة على اتخاذ قرارات تساعد الناس على تحقيق أهدافهم. يميل الأشخاص الواقعون في قبضة العقلية الشعبوية إلى احتقار الخبرة والحكمة والخبرة، وهي مكونات مفيدة للعقلانية. ويتبين أن هذا قد يجعل بعض الشعبويين مستعدين لتصديق أي شيء ـ من نظريات المؤامرة والحكايات الشعبية وأساطير الإنترنت، ومن القول إن اللقاحات ضارة بالأطفال. فهم لا يعيشون داخل كيان فكري منظم وإنما داخل فوضى من الأهواء الصاخبة.
مع مرور الوقت، نشأ في النفس تعاطف متزايد مع الأهداف التي يحاول الشعبويون تحقيقها. فقد أمضت طبقة القيادة في أمريكا الأجيال القليلة الماضية في استبعاد شريحة كبيرة من هذا البلد وتجاهلها ورفضها وإهانتها. والتعرض لهذا الاعتداء أمر رهيب. ويزداد الأمر سوءا عندما تستولي أخيرا على السلطة وتبدأ في الاعتداء على نفسك، وعلى كل من حولك. وفي الواقع، هذا هو الغباء.
ديفيد بروكس من كتاب الرأي في صحيفة نيويورك تايمز
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إدارة ترامب
إقرأ أيضاً:
لماذا تتفاقم أعراض الصداع النصفي عند المرضى الذين لا ينامون جيدا؟
كشفت دراسة جديدة عما يحدث في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي عندما لا يحصلون على قسط كاف من النوم، وأظهرت أن القشرة المخّية (cerebral cortex) لدى المصابين بالصداع النصفي تستجيب للألم بشكل مختلف عن غيرهم عندما لا يحصلون على نوم جيد.
والقشرة المخّية تتكون من تجمع معقد من الخلايا العصبية المترابطة بإحكام، والتي تغطي الجزء الخارجي الأبعد من الدماغ.
وأجرى الدراسة باحثون من الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، ونشرت نتائجها في مجلة سيفاليجيا (Cephalalgia) في مارس/آذار الماضي وكتب عنها موقع يوريك أليرت.
يتميز الصداع النصفي بصداع نابض، وتحسس من الضوء، وقيء، وغثيان، وزيادة الحساسية للصوت، ويعد الصداع النصفي السبب الرئيسي للإعاقة عن ممارسة الأنشطة اليومية لدى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و50 عاما.
يقول بيتر مو أوملاند، الطبيب وزميل ما بعد الدكتوراه في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا والباحث المشارك في الدراسة: "هذه سنوات مهمة في حياة المرء عندما يتعلق الأمر بالدراسة والتعليم العالي والمهنة. يشكل الصداع النصفي عبئا كبيرا على الفرد والمجتمع."
ويضيف "من المعروف أن النوم يمكن أن يخفف من الصداع النصفي، ويمكن أن تبدأ نوبات الصداع النصفي أثناء النوم أو بعده، ويقول العديد من المصابين بالصداع النصفي إن اضطراب النوم هو ما يحفز النوبات".
ويعاني مرضى الصداع النصفي من انخفاض جودة النوم، وزيادة التعب أثناء النهار، واضطرابات النوم مقارنة بالأشخاص الذين لا يعانون من الصداع. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الأرق بزيادة خطر الإصابة بالصداع النصفي.
ضحى المشاركون في الاختبار بالكثير لمساعدة الباحثين على إيجاد إجابات للسؤال، خلال دراستين خضع 140 شخصا لاختبارات النوم، وخضعوا لفحوصات لأدمغتهم. تعدّ هذه الفحوصات قياسات سريعة وآمنة لما يحدث في الدماغ.
إعلانقسّم المشاركون في الدراسة إلى مجموعتين، إحداهما مصابة بالصداع النصفي، والأخرى من أفراد أصحاء.
فحص المشاركون مرتين في أيام مختلفة، فحصوا جميعا بعد ليلتين من النوم الطبيعي، وبعد ليلتين من قلة النوم. كما طلب من جميع المشاركين كتابة مذكرات عن نومهم، بالإضافة إلى استخدام جهاز إلكتروني لتسجيل النوم.
خلال الفحص الفعلي، ارتدى المشاركون قبعة مزودة بأقطاب كهربائية لتخطيط كهربية الدماغ. استخدمت أقطاب تخطيط كهربية الدماغ لقياس نشاط الدماغ أثناء نوعين من تحفيز الألم، أحدهما بالليزر والآخر بالتحفيز الكهربائي. بهذه الطريقة، تمكّن الباحثون من قياس نشاط الدماغ ودراسة كيفية تعامله مع إشارات الألم بعد قلة النوم.
يقول أوملاند "لم يكن أيٌّ من هذا خطيرا، ولكنه كان مزعجا بشكل واضح، الآليات التي يفترض أن تخفف الألم لا تعمل تماما كما هو الحال لدى غير المصابين بالصداع النصفي، لا يخفّ الألم بقدر ما يخفّض لدى الأصحاء".