لم ترض المرأة الفلسطينية بأدوارها المرسومة لها، فالاحتلال لم يستثنها من قمعه وإذلاله، لقد سجنها وعذبها وأذلها على الحواجز العسكرية ومنعها من السفر، وقتل أبناءها، لذلك لم كان لابد لها من المشاركة العملية في النضال الفلسطيني بكافة أشكاله، السجون الصهيونية امتلأت بالنساء المقاتلات في كافة مراحل المسيرة الكفاحية الفلسطينية.

لم يقتصر دور المرأة الفلسطينية في التضحية بالنفس والجسد دفاعا عن كرامة بلادها بل كانت الكاتبة والممرضة والطبيبة والمهندسة، وغيرها من المهن، في السنوات الأخرى، يلاحظ الدارسون أن ثمة مساحات مهمة اقتحمتها نساء فلسطين ليشاركن الرجل مواقعه ومهنه وقتاله ضد آخر احتلال في العالم، وحفاظها على الهوية الوطنية. في مقابلة مع الناشطة السياسية زهيرة كمال أجرته معها رولا رشيد متطوعة في مركز بديل، حول دور المرأة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية: تقول زهيرة: (إن طبيعة المرأة، وأسلوب عيش النساء الفلسطينيات، كلها عوامل لعبت دورا أساسيا في تنمية قدرة المرأة على الاهتمام بالتفاصيل وتذكّر الأحداث. فتواجدها الدائم في المنزل ومحيطه بحكم العادات والتقاليد قوّى من قدرة المرأة على رؤية الأشياء بتفاصيلها ودقة في حفظها". للذاكرة دور أساسي في الحفاظ على الهوية والتاريخ الفلسطيني لدحض الرواية الصهيونية، وإفشال المحاولات الإسرائيلية لاستبدال الرواية الفلسطينية، بالتالي طمس الهوية وبعثرة الذاكرة الوطنية الجمعية، التي يحرص الفلسطيني على التمسك بها وتجذيرها ونشرها، كما وأن الذاكرة تعتبر المحور الأساسي للتاريخ الشفوي ومصدر أساسي له).

من النساء الفلسطينيات اللواتي أبدين قدرا كبيرا من التضحية هي كاتبتنا عائشة عودة، 77 عام، تنتمي عائشة إلى عائلة مناضلة عانت كثيرا من ممارسات الاحتلال, أخيها عاش مطلوبا للاحتلال فاضطر الهرب إلى الأردن. خالد ابن عمها تمت مطاردته ثلاث عشرة سنة إلى أن تم اعتقاله عام 1982. واحمد عودة ابن عمها وزوج أختها من أوائل من اعتقلوا ونسف بيته، وأعيد اعتقاله أكثر من مرة ثم أبعد إلى الأردن، كما أن معظم شباب العائلة و بعض بناتها قد عانوا من الأسر.

بدأت نشاطها السياسي (السرّي) في المرحلة الثانوية من خلال انضمامها إلى صفوف حركة القوميين العرب التي كانت محظورة من قبل السلطات السياسية آنذاك ،ثم انضمت إلى صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والتي تأسست من حركة القوميين العرب عقب حرب 67 ، فنشطت في المقاومة الشعبية ثم في المقاومة العسكرية.

وعلى إثر ذلك ، تم اعتقالها من قبل قوات الاحتلال في الأول من آذار عام 1969، على أثر مشاركتها في وضع القنابل في (السوبر سول) في القدس الغربية في 22 شباط عام 1969، والذي قتل فيه اثنان وجرح 10 وتضرر المكان وتم أيضا نسف منزل أسرتها إثر اعتقالها.

لم تكتف عائشة بالنضال الجسدي، بل ذهبت متحمسة الى توثيق تجربتها الاعتقالية بأسلوب أدبي عبر القصص القصيرة واليوميات، صدر لها: أحلام بالحرية وثمنا للشمس ويوم مختلف. كتابنا هنا هو (ثمنا للشمس )الذي طبقت شهرته الآفاق وترجم الى عديد من اللغات، وكتبت عنه المقالات والدراسات، الكتاب توثيق جذاب ومثير لتجربتها الاعتقالية وصمودها الرهيب أمام المحقق ومواجهتها، لسياسة التحطيم التي ينتهجها السجانون تجاه الوعي الفلسطيني والإرادة الفلسطينية، واجمل ما هذا الكتاب هو صدقه في تصوير المشاعر، فثمة لحظات يأس كانت تمر على عائشة، وفترات انطفاء ورغبة في التوقف، والانعزال عن كل شيء، وهذا الأسلوب الحار أضفى طابعا صادقا وانسانيا حيويا بلا شعارات أو فذلكة على الكتاب. تقول عائشة عن هذا الكتاب: تكررت إشارات الأصدقاء الى أن كتاب أحلام بالحرية ظل بلا نهاية مما يعني ضرورة الاستمرار في سرد التجربة، لذلك جاء هذا الكتاب، وتتابع: مادة هذا الكتاب كانت مسجلة في دفاتري بخط يدي، منذ أواسط الثمانينيات، لكني لم أشأ أن أخرجها بأسلوب تقريري جاف، وتوثيقي مباشر، بل حلمت بكتابتها بلغة حية، كما التجربة ذاتها، يكون فيها صراع وانكسار وانتصار وذبول وتلؤلؤ وغوص في العمق لا مجرد أحداث تسجل.

في (ثمنا للشمس) تسرد عائشة كل تفاصيل السنوات بلغة غاية في الشفافية والحرارة، العلاقات مع الرفيقات ومواقف مع السجانين وأحلام السجن وتاريخ المراحل كلها بسياقاتها التاريخية، و ما يجعل هذا الكتاب وثيقة تاريخية واجتماعية الى جانب كونه أدبا هو أن الكاتبة، أبرزت الخلفية التاريخية للاحداث داخل السجن، فهي تتحدث مثلا عن جبهة الرفض الفلسطينية التي تشكلت من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، أوائل السبعينيات، وانعكاسها على الرفاق والرفيقات وعلاقاتهم داخل السجن.

في مئتين وخمسة وتسعين صفحة من القطع المتوسط جاء كتاب (ثمنا للشمس)، وقد صدر بطبعتين في فترتين متباعدتين، 1912 و 2016 وهو من إصدار مؤسسة مواطن الفلسطينية، بلوحة غلاف ساحرة للفنان محمد صالح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الکتاب

إقرأ أيضاً:

مصور إماراتي في أبوظبي يسعى لتوثيق الهوية المعمارية لبلاده

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- عندما عاد المصور الإماراتي، حسين الموسوي، إلى موطنه، لم لكن المشهد الذي رآه مألوفًا بالنسبة له.

كان الموسوي، الذي أمضى 8 سنوات في أستراليا بهدف الدراسة، قد عاد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 2013، ما يعني أنّه غاب عن طفرةٍ عقارية هائلة لم تقتصر على ظهور مبانٍ جديدة فحسب، بل شملت تشييد أحياء جديدة أيضًا.

والأهم من ذلك، أن مباني طفولته كانت تختفي، لتحل محلها ناطحات سحاب جديدة لامعة، ولم تكن هذه الرموز المعمارية العالمية تُجسّد نسيج موطنه.

في المقابل، شكّلت المباني المكتبية والسكنية المتواضعة من منتصف القرن، والمهملة غالبًا، والواقعة بين الطرق السريعة الجديدة، والتي طغت عليها المشاريع الفاخرة، جانبًا أكثر ألفة بالنسبة به.

يتميز هذا المبنى بأقواس مميزة فوق نوافذه.Credit: Hussain AlMoosawi

أثار ذلك رغبةً داخل المصور لـ"فهم السياق العمراني لدولة الإمارات العربية المتحدة"، وشرع في توثيق هذه المباني غير المُقدّرة بشكلٍ دقيق، إذا قال: "أردت إعادة تخيّل المدينة كما لو كانت في فترة الثمانينيات، تلك الحقبة التي وُلدتُ فيها".

في البداية، ركّز الموسوي على المشاهد الصناعية، والهياكل المؤقتة، ووحدات تكييف الهواء، ومن ثمّ بدأ يُلاحظ التناسق في العديد من المباني التي كان يصوّرها، مُلهمًا بذلك مشروعه الحالي بعنوان "الواجهات" (facades).

يتمتع مبنى العميرة، الذي بُني في الثمانينيات، بواجهة حديثة وبسيطة توفر الخصوصية والظل.Credit: Hussain AlMoosawi

أوضح المصور: "الواجهات أشبه بالوجوه، إذ تُعتبر الشيء الذي يتواصل الناس معه".

حتى الآن، التقط الموسوي، البالغ من العمر 41 عامًا، والذي يشغل منصب رئيس تحرير مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" العربية، صورًا لأكثر من 600 مبنى في جميع أنحاء الإمارات، إذ يأمل العام المقبل بإكمال مجموعته في العاصمة الإماراتية إمارة أبوظبي.

تاريخ تصميم "هجين" تتميز الواجهة الزجاجية لبرج الجزيرة، الذي اكتمل بناؤه عام 2014، بأنماط هندسية متكررة Credit: Hussain AlMoosawi

وُلد الموسوي عام 1984، ونشأ في فترةٍ شهدت تطورًا سريعًا، إذ تأسّست دولة الإمارات قبل أكثر من عقد بقليل من تلك الفترة، وأدى اكتشاف النفط عام 1958 إلى توسع عمراني كبير وتدفق العمال الأجانب إلى البلاد.

بينما صُممت العديد من المباني المبكرة على يد مهندسين معماريين غربيين، شهدت سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي انتقال المزيد من المهندسين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا إلى الإمارات، وخاصةً من مصر والهند.

قال أستاذ الهندسة المعمارية بالجامعة الأمريكية في إمارة الشارقة، جورج كاتودريتيس، والذي عاش في دولة الإمارات لـ 25 عامًا إن "هذا التاريخ متعدد الثقافات ينعكس في هويتها المعمارية التي تختلف عن الغرب، وليست إسلامية تمامًا في الوقت ذاته من ناحية أنماطها ولغتها التصميمية".

أوضح كاتودريتيس أن المباني التي تعود إلى الأيام الأولى في البلاد دمجت الأشكال الحديثة، مثل الواجهات الخرسانية الجاهزة، مع التكيفات المناخية، والعادات الاجتماعية، وسمات التصميم العربي، والإسلامي، مثل الأقواس والقباب، ما صنع هوية "هجينة".

تقدم أبراج البحر لمسة معاصرة على طرق التظليل التقليدية.Credit: Hussain AlMoosawi

بينما اعتُبِرت الكثير من المباني التي تعود إلى القرن الـ20 قديمة الطراز، بل وهُدمت لإفساح المجال أمام المنشآت الجديدة، إلا أنّ هناك بعض المشاعر المتغيرة تجاه التراث الحديث.

في معرض بينالي البندقية لعام 2014، سلّط معرض دولة الإمارات الضوء على العمارة السكنية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وارتباطها بالهوية الثقافية للبلاد.

منذ ذلك الحين، بدأت كل إمارة بمراجعة نهجها في الحفاظ على المناطق الحضرية، إذ مُنح 64 موقعًا في أبوظبي، "حماية غير مشروطة" في عام 2023، بما في ذلك المجمع الثقافي، وهو مبنى يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، كان من المقرّر هدمه عام 2010 قبل تجديده في نهاية المطاف.

منظور جديد تعود العديد من المباني على طريق المطار في أبوظبي إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتتميز بأقواس عربية وهياكل هندسية متناظرة. Credit: Hussain AlMoosawi

قام مصوّرون آخرون أيضًا بتوثيق التاريخ العمراني لدولة الإمارات، إذ يعرض اثنان من المقيمين الأوروبيين، المعروفين بحسابهما الذي يدعى "@abudhabistreets" عبر موقع "إنستغرام"، جانبًا من المدينة يتجاوز المعالم الشهيرة، في محاولة للكشف عن نسيجها الثقافي وهويتها المتغيرة باستمرار. 

استوحي تصميم هذا المبنى في أبوظبي من أشكال خلايا النحل.Credit: Hussain AlMoosawi

كما أمضى أستاذ العمارة والمصوّر، أبوستولوس كيريازيس، عامين في توثيق المساحات العامة في أبوظبي ضمن مشروع بحثي مشترك.

مقالات مشابهة

  • مصور إماراتي في أبوظبي يسعى لتوثيق الهوية المعمارية لبلاده
  • المرأة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني بين نهوض الهوية وتحدي الاستعمار
  • «دومة» يطالب بوضع جدول زمني لاستكمال مشروع خط المياه بمنطقة غرب بنغازي
  • مصرع شخص مجهول الهوية صدمه قطار بكفر العرب بطلخا في الدقهلية
  • نتنياهو: الطغاة سيدفعون ثمناً باهظاً
  • تعلن نيابة المرور أن الصورة الموضحة في الإعلان لمتوفي مجهول الهوية
  • الهوية الرقمية والسجل لا يخولان الأطفال لعبور”الجسر”
  • محمد حليقاوي: الاستشراق الغربي والصهيوني اندمجا لإلغاء الهوية الفلسطينية عبر الكراهية والإقصاء
  • بمحافظتين.. العثور على جثة مجهولة الهوية وسرقة منزل ومنفذ كي كارد
  • توماس لونغمان.. رائد النشر الذي وضع أسس صناعة الكتاب الحديثة ماذا تعرف عنه؟