فاتورة التشخيص الخاطئ للحرب علي الأبواب – إحنا فرحانين أوي أوي
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
فاتورة التشخيص الخاطئ للحرب علي الأبواب – إحنا فرحانين أوي أوي:
معتصم أقرع
مع بداية الحرب ظهرت أربع مواقف منها من أربع معسكرات هي:
1. معسكر الجنجويد وأنصارهم بالعلني أو العرفي.
2. معسكر داعم للجيش بلا شروط ولا تهمه قضايا الديمقراطية ومدنية الحكم.
3. معسكر معروف بمناصرة الديمقراطية في عشرات السنين وقف بحزم ضد الجنجويد ويري أنهم ليسوا بديلا مناسبا لجيش أو دولة مهما كانت عيوبهما .
4. معسكر رابع جادل بان هذه حرب بين طرفين متساويين في السوء يصح الحياد فيها إذ إنها حرب بين جنجويد وكيزان أو جيش كيزان أو جيش خطفه الكيزان. وفي كل الأحوال هي حرب بين طرفي نزاع إجراميين بنفس درجة أو بفرق مقدار لا يهم. ولم يلاحظ هذا المعسكر وقع الحرب علي أكثر من أربعين مليون سوداني واكتفي بتشخيصه بانها حرب بين جنجا وكيزان أو جيشهم وكان الحرب تدور في صحراء بيوضة لا في بيوت الشعب وملابسه الداخلية.
يهمني هنا التعليق علي ما يترتب علي موقف آخر معسكرين.
مع إنتصارات الجيش، والفرحة العارمة التي عمت الشعب السوداني بالعودة إلي مدنه وقراه بعد طرد الجنجويد، لم ير معسكر الوقوف مع الدولة غضاضة في الإحتفال مع الشعب السوداني ولم يصبه أي حرج فرحي لان تشخيصه كان أنها حرب الشعب والدولة ضد غزو أجنبي علي يد ميليشا إقطاعية تملكها أسرة. وبالتالي فإن الإنتصار هو هو إنتصار الدولة والشعب وليس إنتصارا لكيزان أو دكتاتورية عسكرية وبالتالي فان الفرح حلال.
ويري هذا المعسكر أن النصر تم بفضل مقاومة واسعة من الشعب السوداني تكاملت مساهماتها في ميدان القتال وميادين السياسة والإعلام والتضامن الإجتماعي والتكايا. فهو ليس نصر المؤسسة العسكرية وحدها ولا نصر كيزان – مع وجود الإسهام الواضح والهام لهذين الكيانين، كيزان وجيش، كجزء من إسهام قطاعات الشعب الأخري.
إذن معسكر الوقوف مع الدولة السودانية ضد الغزو الأجنبي الهمجي يفرح ويحتفل مع الشعب السوداني بلا عقد ويري في فرحه إمتدادا لدفاعه عن سلامة الشعب والدولة بدون أي تماهي مع كيزان. ولا يعطي فرحه الجيش شيك علي بياض ولايتنازل قيد شعرة عن مواقف تاريخية داعية للديمقراطية والحكم الرشيد.
ولكن معسكر الحياد الذي قال أنها حرب بين جنجويد وجيش كيزان موجبة للحياد والتعويل علي توازن ضعف بين الطرفين (نظرية الدرون) يجد نفسه في ضيق هذه الأيام. فهو لا يستطيع أن يفرح بفرح الشعب لان كل نظريته عن الحرب يترتب عليها أن هذا النصر نصر الكيزان أو نصر جيش الكيزان.
ويترتب علي نظريته إن إحتفال الشعب بما أنجزه الجيش هو إحتفال بالكيزان وبالحكم العسكري. وهذا إستنتاج خاطئ بني علي تشخيص خاطئ، فهذا الشعب يحتفل بوجود جيش ومؤسسات دولته وهي تقوم بواجبها الدستوري ويحتفل بحقه في الحياة الامنة ولا يحتفل بدكتاتورية أو كيزان قال رايه فيهما في ١١ أبريل ٢٠١٩ . التحليل الخاطئ لطبيعة الحرب في النهاية يهدي هذا النصر للكيزان والجيش وهذا ربما هو أشهر هدف يحرزه فريق سياسي في مرماه.
وكل هذا لا يعني أن مستقبل السودان قد تم حسمه. إذ يظل المستقبل مفتوحا علي إحتمالات مرعبة مثل مضاعفة التدخل الخارجي ووصول جماعات جهادية أجنبية وإنهيار شامل لما تبقي من أجهزة الدولة. هذه إحتمالات تظل موجودة ولكنها لا تغير في مغزي هذا المقال ولا تطعن فيه وإنما تشير لاهمية العودة للتموقع الصحيح في هذه الحرب، قبل فوات الأوان، والكف عن القبول بدمار الوطن نكاية بكيزان أصابوا عقل صفوة معتوهة بالهوس وشيئ من الكبسة.
ومن هنا يتضح أن النجاح السياسي التاريخي للكيزان لم يكن نتيجة لعبقرية خاصة وإنما لضعف خصومهم النظري والحركي. يكفي الكيزان الجلوس في بروش صلاتهم ليتلذذوا بمنظر خصومهم يحرقون أنفسهم كموكب جثث هندوسى عزل نفسه من شعب واطلق النار علي أنصاره الحقيقيين.
ولو سكت معسكر الحياد وفقد الشغف كما يفعل الآن، تتضح له ولخصومه عزلته عن الشعب في أهم واصعب تجربة في تاريخه. وهذه العزلة عن الشعب في خضم محنة تاريخية ستترتب عليها فواتير سياسية صعبة في مستقبل الأيام.
نلاحظ أن أعدادا كبيرة من هذا المعسكر تنازلت وافتت بجواز الفرح بخروج الجنجويد من مدني وسنجة وغيرهما (ثانك يو، لقد كان الشعب حقا في حوجة لهذه الرخصة) .
بدا خيار الحياد أسهل واكثر أمنا وحفظا للطهارة السياسية في البداية مع ما به من خذلان لشعب تم إغتصابه حرفيا ومجازا ولكنه يبدو مكلفا الآن وربما أرتفعت تكاليفه مع مستقبل الأيام لانه – إضافة للعزلة عن فرح الشعب فان هذا الموقف- وفر حبلا غليظا لشنق هذا المعسكر علي مقصلة خصومه ومنافسيه في الساحة السياسية. وسيسأل كثيرون في المستقبل عمن أحرز هذا الهدف في مرماهم إذ هو هدف ذاتي لم يحرزه لا كيزان ولا جيش.
أعتقد أن الفتوي بجواز الفرح بخروج الجنجويد لا تكفي. لان قانون الذكاء الأول يقول بأن تتوقف عن الحفر لو وجدت نفسك مزنوق في بئر. أو إذا أكتشفت أنك في القطار الخطأ عليك النزول في أول محطة لان تاخير النزول سيضاعف مسافة وكلفة العودة.
العبرة هي أن ما يبدو خيارا سهلا في بداية قد يكون الأكثر كلفة في قادم الأيام. وان هناك لحظات تاريخية لا تتوفر فيها خيارات سهلة أو كاملة النظافة. واهم من ذلك أن أسس بيع المخدرات ألا يتعاطي التاجر من البضاعة التي يبيعها لان في ذلك تدميره. كذلك في السياسة، لا تصدق دعايتك عن نفسك ولا عن أعداءك حتي لو كانوا كيزان. بل شيد مواقفك علي التحليل العلمي لا علي أساس دعاية مريحة كالأفيون.
المهم، إحنا فرحانين أوي أوي لا حرج فيها بفرحة الشعب وهزيمة الجنجويد ولا نري في ذلك تماهيا مع كوز أو حكم عسكري وسنظل ندعو للديمقراطية والمدنية وحقوق الإنسان.
ولا نري أن الدفاع عن حق الدولة في الوجود وحق المواطن في السلامة ورفض الغزو الأجنبي – لا نري في أي من ذلك دليلا علي تورط في إبادات حدثت في رواندا في عام ١٩٩٤ أو في أم برمبيطة السودانية في عام ٢٠٢٦. إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الشعب السودانی هذا المعسکر حرب بین
إقرأ أيضاً:
ريم بسيوني: السعادة في التصوف هي القرب من الله.. لأن الروح تشتاق له
تحدثت الدكتورة ريم بسيوني الروائية والأديبة، عن صدور الطبعة الثامنة من كتابها "البحث عن السعادة: رحلة في الفكر الصوفي وأسرار اللغة"، مشيرة إلى أن حظها كان جيدًا بخروج هذه الطبعة الجديدة بالتزامن مع حديثها عن العمل.
وأكدت أن الكتاب يركز على وجهة نظر علماء الصوفية الأوائل من العصر الأموي حتى العصر المملوكي فقط، مضيفة: "هو لا يتطرق للطرق الصوفية الحالية، ولا يتطرق للفكر الصوفي حاليًا، لأن لسه ما عملتش الدراسة دي".
وأضافت بسيوني، في حورها مع الإعلامي خالد أبو بكر مقدم برنامج "آخر النهار"، عبر قناة "النهار"، أن الكتاب يبدأ بتقديم شرح مبسط لفكرة الصوفية، قائلة: "خلينا نشرح للناس الصوفية بأسلوب مبسط"، وأشارت إلى أن الصوفية تقوم على فكرة صفاء القلب.
واستشهدت بوجهة نظر الإمام أبو حامد الغزالي، الذي يرى أن الشريعة أو القانون تنظم حياتنا علشان نقدر نعيش في سلام، لكن وحدها لا تكفي. قالت المتحدثة: "الشريعة دي بترتب حياتنا، لكن هي ليست وحدها كافية إن احنا نعيش في صفاء نفسي".
في توضيح العلاقة بين الشريعة والباطن، أوضحت المتحدثة أن الغزالي يرى أن هناك فرقًا بين الظاهر والباطن، وساقت مثالاً بزوج يضايق زوجته حتى تطلب الطلاق ثم يقول أمام القاضي إنه لم يخطئ، فتكون الأمور "ظاهريًا صح"، لكن "قدام القاضي الأكبر هو عارف نية الراجل دي كانت إيه".
وأضافت: "إحنا بنفكر في الظاهر ونفكر في الباطن، نفكر في النية"، مشيرة إلى أن الصوفية تعتمد على "إننا نعمل الشرع اللي ربنا طلبه مننا، لكن كمان لازم نطهر قلبنا من الغيبة، من الظلم، من الحسد، من الحقد".
وتناولت رؤية الفكر الصوفي للسعادة، مشيرة إلى أن السعادة في هذا السياق لا تُفهم بوصفها حالة دنيوية، بل هي "القرب من الله".
وأكدت: "إحنا في سفر، الحياة دي مش وطن، هي رحلة"، وفي هذه الرحلة "عايزين يبقى عندنا الشريعة أو قوانين تحمينا"، والهدف النهائي هو القرب من الله. وتابعت: "السعادة مش هتقدر نوصل لها إلا لو عرفنا ربنا وقربنا منه أكتر"، موضحة أن الروح عندهم بتشتاق إلى الله، ولذلك فالسعادة هي الاستجابة لهذا الاشتياق.
ورداً على من قد يعتقد أن هذا الكلام نظري، قالت المتحدثة: "حضرتك تقول الكلام ده شوية نظري كده، وازاي الواحد يقدر يعمله؟"، وأجابت بأن الأمر يبدأ من صفاء القلب، وأضافت: "هو علشان نعمله، إحنا محتاجين نصفي قلبنا، زي ما نقول: صفي قلبك".
وأتم، بأن تحقيق السعادة في الفكر الصوفي يتطلب عملاً على الذات، لا يقتصر فقط على أداء الظواهر الدينية، بل على تطهير الداخل كذلك.