على مدى 21 شهرا من الحرب المستعرة في السودان، صمدت عائلات في الخرطوم بحري متحدية القصف والحصار، رافضة مغادرة منازلها رغم الظروف القاسية، لتروي قصصهم حكاية صمود إنساني استثنائي في وجه المستحيل.

ومن حي الصبابي بالخرطوم بحري، ينقل مراسل الجزيرة هيثم أويت قصة الفاتح وعائلته التي رفضت النزوح منذ اندلاع المعارك.

وتتحدث إحدى السيدات عن معاناة الأسرة تحت وابل الرصاص، قائلة: "معاناة حقيقية عشناها هنا، كنا مجبرين لإرسال البنات إلى مناطق بعيدة لإحضار الدقيق".

وتوضح سيدة أخرى جانبا من الصعوبات التي عاشها أطفالهم خلال فترة سيطرة قوات الدعم السريع على الحي: "لقد تعرضوا للضرب وحلق شعر رؤوسهم وإذلالهم، وتم نهب هواتفهم، مما أجبرهم على الهروب إلى مناطق خارج سيطرة المليشيا".

وعلى مقربة من منازل هذه الأسر، يقف مستشفى الخرطوم بحري الحكومي شاهدا على دمار الحرب، وقد انضم هذا المستشفى إلى قائمة طويلة من المرافق الصحية المتضررة، التي تعرضت للنهب والتخريب.

ويقول أحد المسؤولين الصحيين: "المستشفى تعرض لنهب كبير جدا، فقدنا كثيرا من المعدات الطبية، وهناك تكسير واضح في المباني"، ولكن السلطات الصحية في ولاية الخرطوم تعد بإعادة تشغيله بالإمكانيات المتاحة.

إعلان

تحديات كبيرة

ورغم استمرار المعارك في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم، فإن الحياة بدأت تستعيد نبضها تدريجيا في الأحياء التي استعاد الجيش السيطرة عليها، وبدأت طلائع العائدين في الوصول إلى ديارها، محاولين لملمة جراحهم وبدء حياة جديدة على أنقاض ماض دامٍ.

ولكن التحديات ما زالت كبيرة أمام السكان العائدين، فقد غابت مظاهر اللقاءات الاجتماعية لفترات طويلة، وتضررت المرافق الخدمية بشكل كبير، ولكن يبدو أن إصرار السكان على استعادة حياتهم الطبيعية أقوى من آثار الدمار.

ورغم أن الحرب تقترب من نهايتها، كما يأمل البعض، فإن شظايا الماضي ما زالت عالقة في ذاكرة السودانيين، هؤلاء الذين صمدوا في وجه الاشتباكات وأهوال الحرب، وتحملوا الجوع والأمراض وفقد الأحباب، والذين يواجهون الآن تحدي إعادة بناء حياتهم وسط أنقاض ما خلفه 21 شهرا من الصراع.

وكان مصدر عسكري في الجيش السوداني أعلن أن الجيش والقوات المساندة سيطرت يوم 29 يناير/كانون الثاني الماضي بشكل كامل على مدينة الخرطوم بحري، بما في ذلك جيوب بالجزء الجنوبي الغربي من المدينة كانت خارج السيطرة.

يذكر أن السودان يشهد منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا بين قوات الدعم السريع وقوات الجيش السوداني أسفرت حتى الآن عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح نحو 14 مليونا، حسب بيانات الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد الضحايا أكبر بكثير مما أُعلن عنه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الخرطوم بحری

إقرأ أيضاً:

قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب

تتجاوز خسارة العالم للصحفي في ساحة القتال خسارة غيره؛ إنها خسارة العين التي ترى، والأذن التي تسمع، واللسان الذي ينطق بالحقيقة. وفي غزة حيث تتقاطع حرب الإبادة الهمجية التي تمعن فيها إسرائيل على مرأى ومسمع العالم أجمع مع حرب السردية يصبح استهداف الصحفيين أخطر بكثير من مجرد انتهاك فردي، أو حتى من انتهاك المدنيين. إنه بمثابة إعلان متعمد بأن الرواية الوحيدة المسموح لها بالبقاء هي رواية القاتل.

كان استهداف الصحفي أنس الشريف أمس -وهو أحد آخر المراسلين الذين بقوا في شمال القطاع- حلقة جديدة في سلسلة اغتيالات تستهدف أولئك الذين يملكون القدرة على نقل الصورة الكاملة لما يحدث في غزة. ولا أحد لديه أدنى شك أن استهداف الصحفيين في غزة يأتي في سياق متعمد لقتل الرواية ذاتها، وحجب الحقائق عن الوعي العالمي.

والصحفي في الحرب هو الشاهد الذي يربط بين الحدث وسياقه، بين الصورة والمعنى الذي تشكله في الحرب خاصة وأن الصحفي يتحول هنا إلى «حارس الذاكرة» الذي يحاول أو يسعى ليمنع المأساة من أن تتحول إلى مجرد رقم في تقارير الأمم المتحدة. ولهذا؛ فإن استهدافه هو عملية مزدوجة هدفها إسكات صوت الضحية، وتحرير القاتل من ضغط الاعتراف بما ارتكب.

ما يجري في غزة اليوم يكشف عن ميدان آخر للصراع هو ميدان السيطرة على السرد؛ فالحصار لا يقتصر على الغذاء والدواء، بل يمتد إلى المعلومات التي تسهم في إدانة المحتل، وبمنع الصحافة الأجنبية، وإسكات الصحفيين المحليين يجري خلق فراغ معلوماتي يملؤه الطرف الأقوى بروايته وحدها. وفي هذا الفراغ تتحول الأكاذيب إلى ما يمكن أن تكون حقائق، وتصبح الحرب بلا شهود، وبالتالي بلا ذاكرة.

وخطر هذا الأمر يتجاوز غزة؛ فهو نمط يهدد جوهر النظام الدولي نفسه؛ لأنه يضرب أحد أعمدته: الحق في المعرفة. حين يُقتل الصحفيون بلا مساءلة تتحول «حرية الصحافة» من مبدأ عالمي إلى شعار فارغ، ويصبح الحق في الحقيقة ترفًا مشروطًا بقبول القوى الكبرى له. وحين يقبل العالم هذه السابقة فإنه يفتح الباب أمام جميع الأنظمة الاستبدادية لاستخدام القمع نفسه بذريعة «الضرورة الأمنية».

لا يمكن أن ينظر للصحافة في أوقات الحرب إلى أنها مهنة نقل المعلومة فقط؛ فهي تقوم بأعمال أكبر بكثير في ساحة القتال تمثل في مخاطبة الضمير الإنساني؛ ليستيقظ ويقوم بدوره في وقف المجازر، وهذا فعل مقاومة حضارية ضد المحو والتشويه. وإذا كان التاريخ سيحاكم الجناة فإنه سيحتفظ أيضًا بأسماء من حاولوا إسكات الشهود؛ لأن جريمة إسكات الكلمة لا تقل فداحة عن جريمة قتل الإنسان.

في النهاية؛ الحرب قد تنتهي، لكن آثارها تبقى. وما سيبقى أكثر من الخراب المادي هو الخراب المعنوي الناتج عن غياب الشهود. وحين يغيب الشاهد تصبح الحقيقة أسيرة القوي، والتاريخ ملكًا للمنتصر، بينما تُدفن العدالة تحت ركام الأكاذيب. ولهذا؛ فإن الدفاع عن الصحفيين في غزة هو دفاع عن الحق في التاريخ، وعن آخر ما تبقى للبشرية من ضمانات ضد النسيان.

مقالات مشابهة

  • جامعات ونقابات إسرائيلية تصعّد لوقف الحرب وإعادة الأسرى
  • “عائلات أسرى الصهاينة” تهاجم نتنياهو وتتهمه بتعطيل الصفقة
  • عائلات أسرى إسرائيليين تهاجم حكومة نتنياهو وتتهمها بتعطيل الصفقة
  • قتل الشاهد.. الجريمة التي تُضاعف جريمة الحرب
  • طيارون إسرائيليون وأمهات جنود يدعون للتظاهر لإنهاء حرب غزة
  • الخرطوم تحذر المواطنين من التعامل مع مخلفات الحرب
  • ما بين إضراب وتظاهر.. حراك إسرائيلي داخلي رافض لتوسيع الحرب واحتلال غزة
  • صحيفة عبرية: حماس لا تزال تُمسك بالسلطة في غزة رغم ضراوة الحرب الأشد في التاريخ الحديث
  • مقابر الحرب العشوائية.. مأساة وحكايات لم تُروَ في قلب الخرطوم
  • الحياة تعود تدريجيا في بعض أحياء الخرطوم بعد سيطرة الجيش عليها