قانون العفو العام من زاوية أخرى
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
آخر تحديث: 6 فبراير 2025 - 9:58 ص بقلم: علي الكاش قال ابن أم الصاحب:
فَإنْ تَمْنَعُوا مَا بِأيْدِيكُمُ … فَلَنْ تَمْنَعونِي إذَا أنْ أقُولاَ
(الوحشيات/219).
ابتهج زعماء اهل السنة بصدور قانون العفو العام سيء الصيت الذي تم تمريره مع قانون الأحوال الشخصية وإعادة العقارات في المناطق المتنازع عليها، واخذوا يجولون ويصولون في المحافظات ذات الأكثرية من اهل السنة من أجل الدعاية الانتخابية، دون ان يبينوا الحقيقة المرة لِما تم التصويت عليه، وان النواب الشيعة التفوا على ما ورد في منهاج حكومة محمد شياع السوداني بشأن العفو العام، ومرروا أهدافهم المشبوهة في اطلاق سراح اللصوص والفاسدين وتجار المخدرات وغالبيتهم من الشيعة.
لقد فشل نواب السنة في تحقيق العفو العام وما حققوه مجرد تلبية لرغبات النواب الشيعة رغم انوفهم، على قول إبْرَاهِيْمُ بن سيّابة:
تَجَلَّلْتَ بِالسَّبِّ لَمَّا رَأَيْتَ … أَدِيْمكَ صحَّ وَمَنْ سَبَّ سُبُّ
إِذَا لَمْ نَجِدْ فِيْكَ مِنْ مَغْمَزٍ … سَلَكْنَا إِلَيْكَ طَرِيْقَ الكَذِب
(الدر الفريد3/131)
ان ما شُرعه مجلس الدواب لم يكن قانون عفو مطلقا، فما ورد هو عبارة عن إعادة تحقيق لعدد من القضايا التي سُجن اصحبها بوشاية المخبر السري، لعه الله دنيا وآخرة، وهذا يعني:
ـ لا يوجد عفو عام بل إعادة تحقيق، وهذا الاجراء سوف يستغرق ربما سنوات بسبب وجود آلاف القضايا ذات العلاقة.
ـ إعادة التحقيق قد يكون نتيجته إبقاء الحكم على حاله او الغاءه، بمعنى ان الأمر سيتوقف على نزاهة القضاة، ولا أحد يجهل ان القضاء العراقي مسيس وطائفي للنخاع.
ـ الطرف الذي كسب من هذا القانون هو الاطار التنسيقي الذي استطاع ان يشمل اللصوص والفاسدين بالعفو، وغالبيتهم من الشيعة، بمعنى ان الاطار التنسيقي هو الطرف الرابح من صفقة السلة الواحدة.
ـ كان العفو عن الصوص والفاسدين وتجار المخدرات عفوا صريحا ومتكاملا، وسيتم بأجراء سريع لأنه لا يحتاج الى إعادة تحقيق.
ـ افصح احد النواب الشيعة ان باب السجون ستُفتح أمام السجناء الشيعة أما السنة فلا، وتلك هي الحقيقة.
ـ لم يتحدث القانون عن كيفية تعويض الأبرياء ممن قضوا في السجن عدة سنوات، وكيف سيتم احتساب مدة سجنهم لغرض تعويضهم.
ـ لو تم على سبيل الفرض ان السجين ( عبر وشاية المخبر السري ـ كان بريئا مما نسب اليه، اليس من المفروض ان يتضمن القانون حكما على المخبر السري لأن خدع القضاء وجنى على انسان بريء؟
ـ من المعروف ان حوالي 90% من المسجونين بتهمة الإرهاب من اهل السنة، وان 90% من المسجونين بتهمة السرقات وتجارة المخدرات والأعضاء البشرية هم من الشيعة، فكفة الميزان سترجع ربح الأطراف الشيعية من القانون، وخسارة الأطراف السنية.
ـ كانت سلة القوانين مهزلة، لعبها النواب الشيعة بطريقة ذكية وخبيثة في نفس الوقت، في ظل غباء النواب من أهل السنة، وكان بطل السيرك البرلماني هو رئيسه البهلوان محمود المشهداني وهو ولائي من اتباع الولي الفقيه. الحقيقة المرة
قبل التوسع في الموضوع لنستعرض معا ما جاء في تقرير لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي بتأريخ 11/12/2024، بوجود حالات تعذيب للنساء المعتقلات في السجون الحكومية بالعراق، إضافة الى حالات بيع أعضاء بشرية. حتى يمكن تقديم صورة واضحة ومتكاملة عن وضعية السجناء في العراق، والتقرير ليس من مخيلتنا بل من لجنة برلمانية، لذا لا يمكن الطعن في مصداقيته او يحملنا الغير الانحراف عن بوصلة الحقيقة، ونشر الأكاذيب والافتراء على الحكومة وخصوصا عن القضاء ووزير العدل الذي تظن مخيلته المريضة ان السجون العراقية عبارة عن فنادق خمسة نجوم يقدم فيها الخدمات الجيدة وافضل الطعام على ايدي خبراء في فن الطهي في الوقف الشيعي (الوقف الشيعي هو من يتولى هذه المهمة ولا اعرف ما علاقته بطعام السجناء).
جاء في تقرير اللجنة البرلمانية ” اكتشفنا حالات تعذيب ممنهج للنساء في بعض دوائر التحقيق وبعضها تعاني من إصابات بليغة، فيما تعرضت حالات أخرى للوفاة جراء التعذيب، مع وجود طفل عمره 10 أعوام في أحد السجون وقد تم اعتقاله بتهمة الإرهاب، فضلاً عن رصد حالات بيع أعضاء بشرية واستئصال كلى وما شابه داخل السجون، تقوم بها شبكات محترفة بالتعاون مع إدارة السجن. وأن أعضاء مجلس النواب لا يستطيعون التحقق مما يجري داخل المعتقلات الحكومية المعلنة، بينما يتمتع المخبر السري بحرية واسعة، وتأثير كبير على صدور الأحكام القضائية. أن التعذيب الجسدي والنفسي موجود في معظم السجون، وهو محمي بالتعاون بين المسؤولين في السجون وبعض المساجين، ووصل الحال إلى بيع أجساد بعض المساجين من الفئات العمرية الصغيرة. كما أن الاكتظاظ في السجون وصل إلى أكثر من 300%، مع نوعية طعام سيئة يتم تبديلها إلى نوعية أفضل خلال الزيارات الرسمية فقط، أن سجن التاجي شمالي بغداد مثلا، مبني من مادة (الساندويتش بنل) ويضم (11000) سجين، رغم انه لا يستوعب اكثر من (4000) فقط.
هذا هو حال السجون العراقية، وسوف نهتم بفقرة واحدة منه، ونضع باقي الكوارث جانبا وهي ” أن أعضاء مجلس النواب لا يستطيعون التحقق مما يجري داخل المعتقلات الحكومية المعلنة، بينما يتمتع المخبر السري بحرية واسعة، وتأثير كبير على صدور الأحكام القضائية”. ومن هذا نستشف التالي:
ـ النواب في البرلمان واللجنة المختصة بمراقبة السجون لا يستطيعوا التحقق مما يجري في داخل السجون، مع انهم اعلى سلطة في البلاد ومن مسؤوليتهم الرقابة على أداء الحكومة.
ـ يتمتع المخبر السري بحرية واسعة وصلاحيات كبيرة، على العكس من نواب البرلمان.
ـ يمارس المخبر السري تأثيرا كبيرا على صدور الاحكام القضائية.
ـ احكام القضاة مرتهن بوشاية المخبر السري، بمعنى ان القضاء غير نزيه في احكامه، والاحكام التي صدرت خصوصا في مجال تهمة الإرهاب مرجعها وشايات، لكن القضاء العراقي تعامل معها كحقائق، بحجة ان التهمة صدرت من المحققين، وهم حصرا من الشيعة.
لنعود الى تصريح وزير العدل السابق (حيدر الزاملي وهو من الشيعة) في مقابلة مع الفضائية السومرية إن ” أكثر من (500) مخبر سري تم إلقاء القبض عليهم مؤخرا وتقديمهم للمحاكمة بعد توجيه تهمة الادعاء الكيدي إلى قضاياهم”، وعندما سئل بشأن وجود سجناء قضوا شهورا في المعتقلات دون أن تتم محاكمتهم؟ أجاب أن ” جزءا من هذا الكلام صحيح، فهؤلاء كانوا موجودين في معتقلات الاحتلال الأميركي، وعند خروج الاحتلال تبين أن مجموعة منهم لا يملكون أوامر قضائية وتم إيداعهم في السجون من دون ملفات”. علما انه سبقت هذه الوجبة من المخبرين السريين وجبة سابقة تضم (498) مخبرا سريا. هذا يعني أن حوالي (1000) مخبر سري كان يبتلوا على الناس بوشايات كاذبة، مع العلم ان هناك مخبرين سريين لم يتم كشفهم بعد. ولو افترضنا جدلا ان كل مخبر سري قد أوشى بعشرين ضحايا ـ على اعتبار انها مهنة يكتسب منها مالا ـ سيكون عدد المتهمين (20000) ضحية! مع العلم ان بعض الضحايا فيهم من أعدم، أو أغتصب هو أو زوجته أو أخته أو ابنته، ومنهم من تعرض الى تعذيب جسدي وعوق، كما ورد في تقرير اللجنة البرلمانية او انتزعت أجزاء من جسمه للتجارة بها، ، ومنهم من قضى سنوات في الاعتقال قبل أن يكتشف القضاء الحكيم النزيه التهم الكيدية؟
هل توجد دولة في العالم تأخذ بوشايات المخبرين السريين دون التدقيق بها، وتكفل لهم الحصانة التامة دون الإعلان عن أسمائهم او حضورهم الى المحكمة؟
وماذا بشأن القضاة الذين لا يعرفوا بأن هناك قاض في السماء يراقب أعمالهم، ويحاسبهم على احكامهم الجائرة وفق وشايات المخبرين السريين؟ قال الشاعر:
إذا جار الأميرُ وكاتباه … وقاضي الأرض داهن في القضاءِ
فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ … لقاضي الأرض من قاضي السماءِ!
الا يستحق هؤلاء القضاة أيضا العقوبة لأنهم حكموا بموجب تهم كيدية زائفة ولم يتأكدوا منها؟
هل هذه دولة القانون التي تدعونها أم هذه دولة الفوضى والظلم والكذب والدجل؟ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ” الْقُضَاةُ ثَلاثَةٌ قَاضِيَانِ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ، قَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّار، وَقَاضٍ قَضَى بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ لا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَقَاضٍ قَضَى بِالْحَقِّ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ”.
لا أظن القاضي الثالث موجود في العراق الا اللهٌم ما ندر!
لا افهم سبب الإصرار على عمل قانون المخبر السري؟ لماذا لا يُلغى هذا القانون سيء الصيت؟
ولماذا لا تُلغى حصانة المخبر السري على أقل تقدير، وأن لا يكون شبحا، لا يمثل أمام القاضي ولا يحضر الجلسة، جاسوس مجهول، وظالم مجهول يحمي القانون في دولة القانون.
إن كان عمل المخبر السري وطنيا والغرض أن يكشف الإرهابيين ويقدم معلومات عنهم! فلماذا التستر عليه؟ اليس هذا ما يقوم به رجال الأمن والمخابرات علنا؟ أم لأن الأمر بنكهة طائفية مقززة لذلك يستمر العمل به؟
الخاتمة
أقولها بثقة وجرأة ( الذباب على الكنيف اطهر من مخبر سري سفيه، وقاضي غير نزيه).
وأقول للمخبر السري قول العلاء بن قرظ:
إذا ما الدهر جرَّ على أناسٍ … حوادثه أناخ بآخرينا
فقل للشامتين بنا أفيقوا … سيلقى الشامتون كما لقينا
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: النواب الشیعة المخبر السری العفو العام فی السجون من الشیعة
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: الفسـاد "كائن حى" !!
لكل كائن حى، أنياب أو أظافر أو أسنان للدفاع عن نفسه أو لإستخدامهم فى تقطيع الصعب من مأكولات !
والكائن الحى بجانب أنه أنسان أو حيوان أو طائر أو أى من فصائل خلق الله العلى العظيم فهناك كائنات أخرى من صنع الأنسان ومن وضعه.. !!
مثل النظم السياسية والقانونية والدستورية،ها تعتبر كائنات،تتميز بالحياة،حين أستخدامها وبالموت حين تفقد خواصها وترفع من الخدمة !!
وكذلك من الكائنات الوضعية فى الحياة والغير قانونية هى الفساد، والأفساد والكذب والدعارة، وغيرها من مبيقات الحياة المعاصرة، والتى تنتشر فى كل المجتمعات وبنسب تختلف حسب أختلاف البيئة السياسية والقانونية فى كل دوله.
وكعادة الكائنات الحية ينبت للفساد ولكل مشابه له نظام يحميه ونظام يدافع عنه ونظام يهاجم من يقترب منه، نظام محكم، شرس، عنيف، نظام يختلق بعدم الأخلاق ويصل فى وضعية دفاعه أو هجومه تحفزه المستمر، والمستيقظ، وكأنة فى حالة حرب مع القانون وحماته لأنه فى وضع يكون أو لايكون !!! لذا فالفساد له أنياب.. كأى كائن حى أو وضعى!
ونرى ذلك فى الحياة العامة ونقرأ عنه فى الصحف ونسمع عن مقاضاه بعض الفاسدين بعد إيقاعهم من حماة القانون وهم فى المحروسة متعددين مثل هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة، والمدعى الأشتراكى وأمن الدولة والنيابات العامة وغيرها من جهات أختصها القانون بحمايته وتواجه تلك الجهات معاناة شديدة مع الفاسدين والمفسدين حيث تتعدد وسائلهم ووسائطهم فى الفساد والإفساد !!
ومع ذلك لايصح إلا الصحيح كسنة من سنن الحياة !!
ومايجعل الفساد يعيش فى بيئة تسمح له بالنمو، مجموعة من العناصر أهمها، الفقر والبيروقراطية، وعدم الشفافية، والسلطة المطلقة، والمكوث فى المنصب أكثر من اللازم وأكثر من العرف !!
وإتساع شبكة الفساد والمفسدين بما يمتلكون من أدوات مناصبهم مع الأجهزة المعاونة أو المراقبة لنشاطهم وإنهيار الأخلاق فى شخصية المسؤول، لخلفيات تربيته ونشأته وهى مؤثرة بما لايدع مجال لللشك أو للتفكير حول نشاطه وتعامله مع المنوط به خدمتهم !! وهم فى الأساس " الشعب " وليس الذى قام بإصدار خطاب تعيينه فى منصبة !! وهذه قصة أخرى تحتاح لشرح " نحو الولاء لمن " !!
ومن مظاهر الحروب بين الحق والباطل بين الفساد ومحاربيه.. هى كل مايسن فى المجتمع من قوانين ومن تعديل فى مواد قوانين قائمة لإتساع رقعة الديمقراطية وللشفافية !! وضرورة الأهتمام بتفعيل قوانين قائمة لإستخدامها !
وخاصة قانون محاكمة الوزراء وهم فى مناصبهم ! وليس الإكتفاء بمحاسبة مجلس الشعب لهم.. ضمن منظومة العمل الوطنى !
فلعلنا جميعاَ نؤمن بأن كل شىء يفسد من رأسه والمثل يقول ( السمكة تفسد من رأسها) ! فالإدارات العليا فى المصالح والحكومة والهيئات العامة والتى تتعامل مباشرة مع المال العام.. هى الأساس فى تدهور حال الشفافية فى الوطن أو الأداء المحترم النزيه!
والفساد حينما يستتب فى موقع نجد أن أهل الدار كلهم وبطرقهم الخاصة من أكبر وكيل وزراه إلى عامل المصعد الذى يعمل على تعطيل الصعود لعيب خلقى فى كابينة المصعد أو " ماس " كهربى مؤقت فى " ماسك الباب " ولاتنتهى تلك العيوب " إلا بتفتيح المخ " مع البية عامل المصعد، فى وزارة المسؤول الغير محترم " المفسد الفاسد " !!تطبيقًا للمثل الشعبى "إذا كان رب البيت بالدف ضارب فشيمة أهل البيت الرقص"!!
هكذا تنتشر عدوى الفساد.. وحينما يقع البية الكبير ! وتستطيع الأجهزة أن ترفع لصاحب القرار وبأن سيادتة " فاسد كبير" هنا فقط.. يكون التخلى عن الكرسى!
وينكمش نشاط الفاسدين الصغار ويظلوا متيقظين لحالة المناخ القادم هل ممكن الأستمرار أم هناك بيئة أخرى تحتاج لأنواع أخرى من الأنياب والأسنان ومعدات " التقطيع والمناولة والبلع " فأنياب الفساد – كأى كائن حى.. حقير... يجب مكافحته والقضاء عليه !!
وسبحان الله،كل شىء إلى زوال إلا وجه الله العلى الكريم !!
[email protected]