حديث ترامب عن ريفييرا غزة يحاكي الأحلام العقارية لصهره كوشنر
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
أعاد مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة بذريعة إعادة إعماره و"ليصبح منتجعا ساحليا دوليا تحت السيطرة الأميركية" النظر إلى فكرة سبق أن طرحها صهره جاريد كوشنر قبل عام.
وأثارت الفكرة -التي تحدث عنها ترامب- ردود فعل صادمة من الفلسطينيين ومعارضة دولية عربية وغربية، إذ إنها تمثل تطهيرا عرقيا، كما أنها غير قانونية بموجب القانون الدولي.
لكن، هذه لم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن غزة من وجهة نظر فرص الاستثمار العقاري، ففي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي قال في مقابلة إذاعية إن غزة قد تكون "أفضل من موناكو" إذا ما أعيد بناؤها بالطريقة الصحيحة.
وظهرت فكرة إعادة تطوير غزة بشكل جذري بعد وقت قصير من بدء إسرائيل حربها على القطاع، ولا سيما من جانب كوشنر الذي ساعد بصفته مبعوثا خاصا للشرق الأوسط في ولاية ترامب الأولى في دفع اتفاقيات عدة إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وقال في فعالية في هارفارد في فبراير/شباط 2024 "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".
إعلانوتابع بالقول "إنه وضع مؤسف بعض الشيء هناك، لكنني أعتقد من وجهة نظر إسرائيل أنني سأبذل قصارى جهدي لإجلاء الناس ثم تنظيف المكان".
وكان كوشنر نفسه مطورا عقاريا في نيويورك قبل ولاية ترامب الأولى.
كما أن هناك شكوكا بشأن كيفية فهم اقتراح ترامب بالمعنى الحرفي، فهو معروف بأنه صانع صفقات يطلق العنان لنفسه ومعتاد على إرباك شركائه في التفاوض بهجمات من زوايا غير متوقعة.
رفض واستنكار
وبالنسبة للفلسطينيين، فقد رفضوا الفكرة رفضا قاطعا، إذ إن الحديث يذكرهم بالنكبة التي عانوها بعد حرب 1948 وإعلان قيام إسرائيل عندما أجبر 700 ألف شخص على ترك منازلهم.
وأثار مقترح ترامب انتقادات عربية ودولية كبيرة، وعلى رأسها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، إضافة إلى عدد من الدول، منها مصر والأردن والسعودية وتركيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا.
وكثيرا ما يكيل الساسة الإسرائيليون الاتهامات إلى القيادات الفلسطينية لتركيزها على محاربة إسرائيل بدلا من بناء دبي أو سنغافورة جديدة في مناطق مثل غزة التي تقبع منذ عقدين تحت حصار يضع قيودا شديدة على وصول التمويل والمواد الأساسية إليها.
ولم يتم الكشف عن كيفية تنفيذ رؤية ترامب بإنشاء "ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة، إذ لا تزال حركة حماس تمسك بقوة بزمام الأمور، وحيث كان هناك رد فعل غاضب على تعليقاته.
وتشير التقديرات إلى أن تكاليف إعادة إعمار غزة قد تصل إلى 100 مليار دولار.
وقال راز دومب المحلل لدى "ليدر كابيتال ماركتس" في تل أبيب -وهو بنك استثماري- "إن إعادة التطوير واسع النطاق في مناطق ما بعد الصراعات تتطلب عادة استثمارات ضخمة واستقرارا وتخطيطا بعيد الأجل، ومن المستحيل تقييم أي شيء ملموس الآن".
مستوطنات
وكانت حركة المستوطنين في إسرائيل من الأطراف التي تفاعلت بحماسة، فهي التي تسعى للعودة إلى مستوطنات غزة التي تم تفكيكها قبل 20 عاما في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون.
إعلانوتضم إدارة ترامب عددا من المسؤولين المقربين من حركة المستوطنين، وعلى الرغم من أن ترامب قال إنه لا يتوقع إعادة بناء المستوطنات اليهودية في غزة فإنه تم استغلال تعليقاته على الفور.
والعام الماضي، ساعدت حركة نحالا -التي تدعم الاستيطان اليهودي بالضفة الغربية- في تنظيم مؤتمر على مشارف قطاع غزة بعنوان "الاستعداد لإعادة استيطان غزة" ناقش فيه سياسيون من حزب ليكود بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وآخرون خططا لتشجيع هجرة الفلسطينيين من غزة وإعادة بناء المستوطنات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
“شعبي بدأ يكره إسرائيل”.. ماذا يعني اكتشاف ترامب؟
ظلّت استطلاعات الرأي في أميركا تتحرّك بشكل نامٍ وبطيء لصالح القضية الفلسطينية حتى عملية 7 أكتوبر (2023)، التي أحدثت تغيّراً تاريخياً، بدأت تظهر إرهاصاته، فتعدّت هذه القاعدة الديمقراطية الشبابية ليصل هذا النمو إلى قلب اليمين؛ قاعدة ترامب “لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” (ماغا).
تساءلت صحيفة فايننشال تايمز أخيراً: “هل اختبرت غزّة حدود دعم دونالد ترامب بنيامين نتنياهو؟”.
تستشهد الصحيفة بما قاله ترامب عن نتنياهو في اسكتلندا يوم الاثنين: “هناك مجاعة حقيقية جارية في غزّة”، وذلك بعد يوم من وصف نتنياهو التقارير عن المجاعة بأنها “كذبة صارخة”. قال إنه شاهد صور الفلسطينيين الجياع على شاشة التلفزيون، ويوم الثلاثاء صرّح بأن الشخص لا بدّ أن يكون “بارد القلب جدّاً” أو “مجنوناً”، حتى لا يجد هذه الصور مروّعة. كان هذا توبيخاً نادراً من رئيس أميركي لم يفرض سوى قيود قليلة على سلوك أكبر مستفيد من المساعدات الخارجية لواشنطن، الذي امتدحه نتنياهو بوصفه “أعظم صديق عرفته إسرائيل على الإطلاق”.
تفكّك الإجماع التاريخي على دعم إسرائيل بين الحزبين، وحتى داخل الحزب الجمهوري نفسه
ولكن تعليقات ترامب، في خضمّ تصاعد الإدانة الدولية لإسرائيل، لمّحت إلى وجود حدودٍ غير مُعلَنة لتلك العلاقة، وفقاً لما يقوله محلّلون وأشخاص مقرّبون من الإدارة، بحسب الصحيفة.
واللافت ليس التوبيخ العلني لنتنياهو، الذي يمكن أن يلحسه الرئيس المزاجي، بل في التغيّر في قاعدة ترامب اليمينية، بمن في ذلك جمهوريون شباب (ومقدّمو) بودكاست من أقصى اليمين، أكثر تشكّكاً في علاقة واشنطن بإسرائيل. قالت كانديس أوينز (بودكاستر شهيرة ومروّجة متكرّرة لنظريات المؤامرة المعادية للسامية)، في برنامجها الأسبوع الماضي: “ما هذه العلاقة الفريدة، الغريبة، المقزّزة، المنحرفة التي يبدو أن لدينا مع إسرائيل؟”. كما وصفت النائبة النارية المؤيّدة لترامب، مارغوري تايلور غرين، يوم الاثنين، الأزمة في غزّة بأنها “إبادة جماعية”، واقترحت تشريعاً لحظر المساعدات لإسرائيل.
رفض الكونغرس ذلك، لكن استطلاعات الرأي تفيد بأن لدى شباب جمهوريين الآن نظرة سلبية تجاه نتنياهو. قال ترامب أخيراً لأحد كبار المانحين اليهود، وفقاً لخبير في شؤون الشرق الأوسط يتواصل بانتظام مع الإدارة: “شعبي بدأ يكره إسرائيل”.
ما أكّدته الحرب المدمّرة بعد “7 أكتوبر” أن العدو الصهيوني لا يستطيع الاستمرار في الحرب من دون دعم أميركي كامل
تنقل الصحيفة عن جون هوفمان (محلّل شؤون الشرق الأوسط في معهد كاتو الليبرالي بواشنطن) أن المسؤولين الإسرائيليين “يدركون ما هو قادم”، ويعرفون أن الشيك المفتوح الذي منحته لهم هذه الإدارة قد لا يستمرّ، لا في الإدارة المقبلة، ولا بعد انتخابات منتصف المدّة الأميركية عام 2026. لكن عندما قصفت إسرائيل الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزّة، في وقت سابق من الشهر الماضي (يوليو/ تموز) ، ما أثار شكاوى من قادة مسيحيين في العالم، اتصل ترامب بغضب بنتنياهو، بحسب ما أفاد به مسؤولون. وعندما نفّذت إسرائيل في اليوم نفسه غارات على دمشق، حيث رفعت الإدارة الأميركية العقوبات القديمة لإعطاء القيادة الجديدة هناك “فرصة للعظمة”، تدخّل ترامب سريعاً، ووجّه وزير خارجيته ماركو روبيو لاحتواء التوتّر.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وبعد وساطته لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، شنّ ترامب هجوماً على نتنياهو لاستمراره في شنّ الهجمات. قالت كافاناه: “أعتقد أن هناك قيوداً على نتنياهو، وأن هناك خطوطاً حمراء.
لكن من الصعب تحديدها بدقّة، لأنها تعتمد على كيف يعرّف ترامب المصالح الأميركية في اللحظة الراهنة”. ولا يزال الجمهوريون يدعمون الحكومة الإسرائيلية بنسبة 71%، في المقابل الدعم بين الديمقراطيين انخفض إلى 8% فقط، وفقاً لاستطلاع جديد من “غالوب”.
في النتيجة، تفكك الإجماع التاريخي على دعم إسرائيل بين الحزبين، وحتى داخل الحزب الجمهوري نفسه. تبدو الأمور قد حُسمت داخل الحزب الديمقراطي، وهي تتطوّر لصالح فلسطين في الحزب الجمهوري، كما كشفت تصويت أكثرية أعضاء الحزب الديمقراطي في مجلس الشيوخ، الذين صوّتوا للمرة الأولى لصالح قرارات تحظر بيع أسلحة هجومية لإسرائيل. القرارات التي قادها السيناتور بيرني ساندرز، وبدعم من جيف ميركلي وبيتر ولش، هدفت إلى منع صفقة بقيمة 675.7 مليون دولار تشمل آلاف القنابل الثقيلة وقطع التوجيه الذكي. أيضاً، صفقة بيع عشرات آلاف البنادق الآلية لقوات تشرف عليها شخصيات متطرّفة مثل إيتمار بن غفير.
قال ساندرز إن الأسلحة الأميركية تُستخدم في قتل المدنيين وانتهاك القانون الدولي، مضيفًا: “لدينا قانون يمنع تقديم مساعدات لمن يعرقل المساعدات الإنسانية أو ينتهك حقوق الإنسان، وإسرائيل تفعل الاثنين معاً”.
ورغم إسقاط المشروعَين بأغلبية 70 مقابل 27، إلا أن الرقم يحمل دلالة تاريخية: للمرّة الأولى يصوّت أكثر من نصف الديمقراطيين ضدّ تسليح إسرائيل. يعكس التصويت، بدرجةٍ ما، اتجاهات استطلاعات الرأي الأخيرة، ففي استطلاع غالوب (إبريل/ نيسان 2025)، دعم 36% من الأميركيين فقط إسرائيل في غزّة، ما يعني انخفاضاً من 54% في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وهو يتوافق مع استطلاع بيو (يونيو 2025)، الذي بين أن 64% من الديمقراطيين يعتبرون أن إسرائيل “ذهبت بعيداً” في ردّها العسكري. و42% من الجمهوريين يوافقون الرأي، وهي أعلى نسبة منذ بدء تتبع هذا السؤال عام 2006. كما بين الاستطلاع أن 58% من الشباب (تحت سن 30) يرون أن على واشنطن الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، بينما يدعم 23% يدعمون إسرائيل بلا شروط.
ماذا يعني ذلك استراتيجيا لإسرائيل؟… تفيد تحليلات مراكز بحثية مثل “Cato” و”Defense Priorities” بأن الحكومة الإسرائيلية تدرك أن بيئة الدعم الأميركي تمرّ بمرحلة انتقالية. يقول جون هوفمان من Cato إن إسرائيل “تقرأ الواقع جيداً”، وتسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب الإقليمية في غزّة ولبنان وسورية، قبل أن تُفرض عليها قيود جديدة، سواء عبر انتخابات 2026 أو تغيّر محتمل في ميزان القوى داخل الحزبَين.
في المقابل، يرى محلّلون أن ترامب نفسه بدأ يرسم خطوطاً حمراء لنتنياهو، خصوصاً حين اتصل به غاضباً بعد قصف الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في غزّة، أو حين بعث وزير خارجيته ماركو روبيو إلى دمشق للتهدئة بعد الغارات الإسرائيلية على مواقع سورية.
لكن موقف ترامب يبقى غامضاً، كما يقول السيناتور الديمقراطي كريس مورفي: “ترامب يقول كلّ شيء ونقيضه… من الصعب بناء سياسة على هذا الأساس”. لا توجد لدى ترامب أيّ قيم أخلاقية، ولا دوافع إنسانية، وهو يشاهد المجاعة في غزّة، تحرّكه غريزة حيوان سياسي يقرأ المزاج العام بذكاء تاجر. عندما يقول إن شعبه “بدأ يكره إسرائيل” فهو سيتبع مزاج شعبه؟
ما أكّدته الحرب المدمّرة بعد “7 أكتوبر”، أن العدو الصهيوني لا يستطيع الاستمرار في الحرب يوماً من دون دعم أمريكا الكامل، في المقابل تواصل غزّة الصمود من دون دعم حتى برغيف خبز. والحرب كما قال علي عزّت بيغوفيتش، في أوج المجازر في البوسنة، يكسبها “من يصبر أكثر لا من يقتُل أكثر”. ولم يعرف تاريخ البشرية صبراً كصبر أهل غزّة ولا قتلاً كقتل نتنياهو.
الشروق الجزائرية