صيدنايا “الإصلاح” بمأرب.. جرس إنذار للتذكير بالعدوانية على الأسرى والمختطَفين
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
يمانيون../
تتكرّر دعوات الناشطين والمنظمات الحقوقية لزيارة معتقلات “مليشيا الإصلاح” بمحافظة مأرب، في ظل جرائم التعذيب التي تمارس بحق الأسرى والمختطفين.
ليست جريمة تعذيب الشاعر راشد الحطام، في هذه السجون المظلمة سوى واحدة من مئات القصص المحزنة عن حوادث التعذيب اللامعقول للمعتقلين بمأرب، فعلى مدى تسعة أعوام من العدوان على اليمن عرفت السجون والمعتقلات التابعة لأدوات العدوان السعوديّ والإماراتي أنها مخصصة لكل من يخالف سياستهم أَو ينهج بخلاف تفكيرهم كما أنها أماكن مخصصة لكل من يحمل ألقابًا مشابهة لألقاب خصومهم السياسيين، وبالتحديد مكون “أنصار الله” وحلفائه، أَو يتواجد في مناطقهم.
ضحايا الألقاب والمناطق سواء معارضين أَو محايدين لأنصار الله يقبعون بالعشرات في سجون مأرب؛ الأمر الذي يوحي بمدى تشدّد هذه الجماعات وعدم استعدادها للتعايش مع الأطراف الأُخرى.
في هذه الجزئية يقول الناشط الإعلامي عرفات الجشيمي: إن “هناك العشرات ممن تم تصفيتهم كليًّا في السجون، ليسوا من أبناء المناطق المحرّرة، ولا يوجد في بطائقهم ألقاباً هاشمية أَو تشبه لقب أحد القادة في صنعاء كما تعودنا، بل هؤلاء من المنتسبين إليهم”.
وتعليقًا على ما حدث للشاعر الحطام يغرّد الجشيمي قائلًا: “إذا كان هذا ما يحصل لجنودهم وللمنتسبين إليهم فلك أن تتخيل كيف سيكون واقع المواطن البسيط؟”.
لا تقتصرُ الأعمالُ الدنيئةُ لجماعة الإخوان على ما سبق ذكره، فحسب، وإنما لدى أدوات المرتزِقة ما هو أكثر من الخسة والدناءة وعدم المروءة، وهي صفات ملازمة لهم، وحتى لو كنت خادمًا لهم ومجندًا تحت أمرتهم، ولو ضد وطنك وشعبك، فهذا لا يغفر لك عندهم أثناء قيامك بأي تصرُّف خاطئ من وجهة نظرهم، فمساندة غزة والهتاف لها بالحرية، وترديد شعار الصرخة بوجه الأمريكيين والصهاينة ذنب لا يغتفر بالنسبة للمرتزِقة ومصيره التعذيب في السجون، ثم التصفية كليًّا كما حدث للشاعر الحطام.
ويقول الناشطُ الإعلامي حميد رزق: “في جريمة اهتزت لها اليمن “حزب الإصلاح” يقتل تحت التعذيب ناشطًا وشاعرًا؛ بسَببِ التعبير عن بهجته بإعلان وقف العدوان على غزة”.
ويضيف في منشورٍ له على منصة “إكس”: “ردّد شعارات مندّدة ضد أمريكا و”إسرائيل”، فألقي القبض عليه، وأودع في سجون الإصلاح بمأرب، وتعرض للتعذيب حتى الموت”.
ويشير رزق إلى أن ما جرى بحق الشاعر الحطام لا يختلف عن جرائم اليهود بحق أبناء غزة، فجريمة تصفية الشاعر الحطام لاقت تنديدًا واسعًا من قبل النشطاء السياسيين والإعلاميين المستقلين المتواجدين في الخارج، حَيثُ يغرد الناشط السياسي ياسر اليماني قائلًا: “ما هكذا تورد الإبل، جريمة مكتملة الأركان تتحملها شرعيه الفنادق وقيادة مأرب”.
ويضيف:” في قتل إنسان بريء في محافظة مأرب لمُجَـرّد أنه شاعر من “قيفة” يؤيد أنصار الله في صنعاء، ندين ونستنكر بكل كلمات الإدانة تعذيب وقتل الشاعر راشد عيسى الحطام”.
وأمام تلك التصرفات الحمقاء، وبدلًا من الاعتذار وتعويض المتضررين من تلك التصرفات تلجأ ما يسمى بسلطة مأرب إلى اختلاق الذرائع والحجج الواهية لتبرير تلك الجرائم المروعة؛ الأمر الذي يفقدها أهليتها في إدارة المحافظة، ويثبت أن لا مشروعية لحكم المرتزِقة.
هنا يقول الناشط السياسي عادل الحسني: “في جريمة رداع، خرج أبو جبريل واعترف بالجريمة، ووجَّه بمحاسبة المتورطين وتم القبض على من شملهم التوجيه، وتعويض أسر الضحايا”.
ويضيف في منشورٍ له على منصة “إكس”: “على الشيخ سلطان العرادة أن يخرج ويعترف بالجريمة البشعة التي حدثت في سجن مأرب بحق الشاب الشاعر “راشد الحطام”.
ويؤمل الحسني أن تقوم ما يسمى بسلطة مأرب بمحاسبة مرتكبي الجريمة، وإنزال العقوبة الصارمة، داعيًا إلى حَـلّ المشكلة مع أهل الفقيد رحمه الله.
هذه الأعمال وغيرها من الجرائم بحق المعتقلين والمخفيين في السجون تثبت ألا شرعية لدولتهم كما يزعمون، وأنهم عصابات و”مليشيا” يتوجب تخليص الناس من شرورهم، وهو ما دفع مذيع قناة المهرية صلاح بن عمر بابقي للقول: “الأنباء عن اعتقال الشاعر راشد الحطام في مأرب ثم خبر مقتله داخل المعتقل، يعيد للأذهان عن عدة جرائم داخل سجون مناطق سيطرة حكومة الفنادق، والتي بلغت حَــدّ تعذيب الصحفي أحمد ماهر في عدن، والإساءة أمامه للذات الإلهية”، متسائلًا: هل بذل “مجلس القيادة الرئاسي” شيئًا لوقف تلك الانتهاكات؟ وكيف تزايدون بأنكم الدولة وهذه ممارساتكم؟
وتعيد جريمة تصفية الشاعر الحطام الذاكرة إلى الأذهان عن تمادي أدوات العدوان السعوديّ والإماراتي في ارتكاب الجرائم المروعة والوحشية بحق المعتقلين في السجون وامتهانهم للكرامة الإنسانية؛ الأمر الذي يوجب على شعب الحكمة والإيمان وقيادته السياسية والثورية التحَرّك الجاد لتطهير ما بقي من مأرب وغيرها من المحافظات المحتلّة، فلا أملَ يرتجى من الأمم المتحدة ومنظماتها الحقوقية في ضبط التصرفات الهوجاء للمرتزِقة، لا سِـيَّـما وأنها أثبتت تغاضيها عن جرائم أدوات العدوان بحق المدنيين على مدى تسعة أعوام من عمر التكالب العدواني على اليمن.
وفي هذه الجزئية يقول حميد رزق: “في العام 2013 ارتكب الإصلاح جريمة حرابة وقطع للطريق وسفكوا دم الشهيد معاذ المتوكل وعدد من رفاقه”، وكانت الجريمة سببًا في سقوط الإصلاح في عمران، وما جرى بحق الشاعر والناشط راشد الحطام، يعيد للأذهان جريمة الإصلاح السابقة، ويحمل مؤشرات قرب سقوط الإخوان في مأرب كما سقطوا قبل ذلك في عمران”.
وفي السياق ذاته يقول الناشط الإعلامي أمين الجرموزي: “إخوان مأرب قتلوه؛ لأَنَّه أعلن سعادته بإيقافِ الحرب على غزة وجريمته الأكبر أنه هتف ضد أمريكا وإسرائيل”.
ويضيف في منشورٍ له على مِنصة “إكس”: “دماء الشاعر راشد الحطام الذي قضى تحت التعذيب في سجون مأرب بمثابة جرس إنذار للتذكير بضرورة تطهير آخر مديريات مأرب من هذه العصابات الملتحية”.
ما حدث للشاعر الحطام وسبقه الأسير المحرّر البحري يظهر مدى بشاعة أدوات العدوان وامتهانهم لكرامة وحقوق الإنسان، كما أنها تمثل وصمة عار في جبين المنظمات الحقوقية التي تتنصل عن القيام بمسؤوليتها تجاه ما يقوم به مرتزِقة العدوان.
تبقى معاناة المعتقلين والمختطفين في سجون مرتزِقة العدوان السعوديّ والإماراتي مُستمرّة ومتواصلة ولا تتوقف ما لم يتم وضع حَــدٍّ لهذه الفوضى الخلاقة.
المسيرة: محمد المطري
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أدوات العدوان راشد الحطام الشاعر راشد فی السجون فی سجون
إقرأ أيضاً:
إشراقات ذُرى الستّين العالية
في عنفوان شبابه خُيّل للشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف أنّه أقرب ما يكون إلى الستّين، لماذا؟ يجيب: «لأنّ الكلمات التي لم أقلها أغلى على قلبي من كلّ الكلمات التي قلتُها»، فهل تغدو الكلمات في سنّ الستّين عزيزة إلى هذا الحدّ؟ قد يكون ذلك ممكنا من حيث إن الستّين ذروة من ذرى العمر، لعلّها الذروة الأعلى، وهذه الذروة يميل فيها الإنسان إلى التأمّل، والإكثار من الصمت، ومراجعة شريط أحداث الحياة، بحلوها، ومرّها، وقد تكون تلك الأحداث غير قابلة للإفصاح عنها، لكنها تظهر في السلوك، فــ«في حياة كل إنسان أمور لا يتحدّث عنها، ولكنها تؤثّر في نمط معيشته، وفي مواقفه، وفي آرائه»، كما يقول الكاتب جبرا إبراهيم جبرا، على لسان إحدى شخصيّات رواياته، وغالبا ما يميل في هذا السن، إلى الزهد والقناعة، ربما لترفّعه عن توافه الأمور، وانطفاء الحماس، وخفوت وقدة شعلة الشباب، وغلبة الإحساس باللا جدوى، والاقتراب من خطّ نهاية الأحلام الكبيرة، وقد تقف ظروف خاصة خلف ذلك، فالعزلة التي فرضها على نفسه الكاتب الأمريكي جيروم ديفيد سالنجر(1919- 2010م) صاحب رواية (الحارس في حقل الشوفان) التي دامت حوالي خمسين سنة أمضاها في كوخ منعزل، بدأها منذ عام 1965 واستمرت حتى رحيله عام 2010 م، لها أسبابها، من بينها دخوله في علاقات عاطفية فاشلة، وزيجات انتهت بالانفصال، كذلك مشاركته في الحرب العالمية الثانية، وما تركت من أثار نفسية ليس من السهل أن تزول.
وفي أحيان كثيرة تقف خلف قرار العزلة عندما يتقدّم الإنسان في العمر «نفس عجزت عن تحقيق أهدافها»، كما نجد في تفسير عالم النفس سيجموند فرويد، لذلك يتوقّف عن الجري الذي يراه لا طائل منه، لكن هناك مَنْ يجد في سنّ الستّين رغبة إلى إعادة ترتيب أوراق عمره، استعدادا لانطلاقة جديدة بعد مروره بهذا المنعطف، رغم أن الكثيرين يعترضون على هذا المنطق، ويرون أن سنوات العمر تنحني أمام جبروت شباب الروح، وفي ذلك يقول الشاعر أحمد الصافي النجفي:
عمري بروحي لا بعدّ سنيني
فلأهزأنّ غدا من التسعين
عمري إلى السبعين يركض مسرعا
والروح باقية على العشرين
والأهم في ذلك شعور الإنسان نفسه، والمثل الفرنسي يقول «عمر الرجل كما يشعر» لا كما يبدو.
وقد قرأت مؤخرا منشورا لصديق من جيلي هو الشاعر والسينمائي (استناد حدّاد) كتبه بمناسبة عبوره خطّ الستين، و(استناد) من الشعراء الجميلين، لمع اسمه في الثمانينيات عندما أعدّ وأخرج فعالية تجمع أغلب الفنون من شعر وقصّة، وموسيقى، وباليه، وسينما، ومسرح، وفن تشكيلي في عرض واحد حمل عنوان(عربة الغجر) ومنذ عام 1984 وحتى بداية التسعينيات قدّم (12) عرضا تضمّنت (150) فقرة مختلفة، وخلال تلك السنوات كان في ذروة نشاطه الشعري، والمسرحي، والسينمائي، ولم يفتر حماسه حتى بعد مغادرته بغداد، واستقراره في مدينة (بيرث) الواقعة في أقصى جنوب غرب استراليا، وللاستقرار في مكان لذّة خاصّة لمَنْ تنقّل بين (150) بيتا وشقّة وغرفة، كـ(استناد)، لكنّ، من الواضح، في منشوره الجديد أن النار المستعرة أخذت تهدأ، والمياه الصاخبة بدأت تسير في الجدول بأناة، هل أنّه حين وضع قدمه على خطّ (الستّين) حصل له كلّ هذا أم أن التحوّلات جاءت تدريجيّا، حتى إذا ما بلغه خرج عن صمته؟ فقد اعتبر(الستين) نقطة فاصلة في حياته، لذا، نظر للمسألة من زاوية واقعيّة، فجرس الإنذار قد دقّ، وقطار العمر أطلق صفيره، لذا رأى أنه بحاجة إلى تغيير نمط حياته، ومغادرته (سجن الأحلام) هكذا أسماه، متهكّما على أحلامه «خصوصا تلك التي مرّت عليها أربعون سنة ولم تتحقّق!» كما يقول، مع احتفاظه «بقليل من الذكريات الجميلة وشطب كلّ ذاكرة للحرب، وأصدقاء الصدفة»، ومن الغريب أنّه أعلن في منشوره، الذي يمكننا أن نعتبره (بيانا شخصيّا) اعتزال كتابة الشعر، وطبعا، مثل هذه القرارات ليست جديدة، ففي الثمانينيات أعلن الشاعر بلند الحيدري اعتزاله الشعر، ثمّ كتب ونشر نصوصا عديدة، وفي عام 1983 م فاجأ الشاعر الكبير الشيخ عبدالله بن علي الخليلي الوسط الثقافي العُماني عندما ألقى في أمسية شعرية قصيدة أسماها «استقالة من دولة الشعر»، بعد تعرّضه لحادث، وقد أثارت تلك القصيدة جدلا واسعا:
مالي وللشعر يحدوني وأحدوه
غداة أوشك يسلوني وأسلوه
فناشده الكثيرون بالتراجع عن قرار(الاستقالة) الذي لم يستمرّ طويلا، فعاد (أمير البيان) إلى جمهور الشعر بقصائد رائعة.
وأرى أنّ قرارات الصديق استناد، تأتي لشعوره ببلوغ ذروة العمر الأخيرة، حيث إن كلّ مرحلة عمريّة بعد الأربعينيات ذروة، تتبعها منحدرات حادّة، استلهاما من قول الشاعر عبدالرزّاق عبدالواحد:
مضى ما مضى منك خيرا وشر
وظلّ الذي ظلّ طيّ القدر
وكم ذا تكابر والأربعون
ذرى كلّ ما بعدها منحدر
وهي وقفة مراجعات لابدّ لكلّ إنسان أن يتأمل، خلالها، ما مرّ من محطّات وهو ينظر من أعلى ذُرى الستّين الشاهقة.