“ثورة الجياع” تفضح مؤامرة استهداف المواطنين في المحافظات المحتلة
تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT
تقرير | وديع العبسي
سخط شعبي عارم تعيشه المحافظات المحتلة، والأمر ينذر بمآلات وانعطافات حاسمة تقف بالمواطنين هناك على نهاية أكيدة للمعاناة والمتسببين بها طيلة عشر سنوات من الاحتلال.
انفجار الخميس والمستمر لليوم لم يكن إلا نتيجة طبيعية، وفي سياق الإرهاصات التي سبقته، هناك الكثير من التفاصيل، بحجم المشكلة المستعصية التي تلتهم حياة الناس في المناطق الخاضعة لسيطرة تحالف العدوان.
هذه المظاهر بدورها أفرزت الكثير من الشواهد على حالة الاستهتار والاستخفاف بحياة الناس، فالمعلمين يضربون عن التدريس لتشهد المدارس -خصوصا في عدن المحتلة- شللا تاما، وانفلاتا امنيا يسفر -على نحو غير منقطع- عن حوادث قتل، وإطلاق نار، واعتداء، وتجاوزات من قبل مرتزقة العدوان، كما وفي السياق استمرار المعاناة للحصول على الغاز المنزلي.
مشكلة الكهرباء يبقى الحال على ماهو عليه
عشرة أعوام وملف الكهرباء مفتوح، ولا أحد من مسؤولي تحالف العدوان لديه الاستعداد لقراءته وحل “طلاسمه” للوصول إلى حل لهذه المشكلة التي لا تتوقف. ويصوّر هذا العجز عن إيجاد الحل لهذه المشكلة، وكأنها بالفعل حاجة تتطلب حلا سحريا أو عملا إعجازيا. ومن ذلك يمكن قياس مستوى الجدارة وأهلية القائمين على السلطة هناك لتحمل المسؤولية من عدم توفرها.
حفنة من الفاشلين والانانيين الاتكاليين، أفضل ما يقومون به هو إدارة حالة الخصومة والتنافس مع بعضهم من أجل كسب أكبر مستوى من الرضا والقبول لدى دول الاحتلال، عدا ذلك، لا أكثر من الاستعراض بمظاهر الثراء واقتناء آخر منتجات وسائل الراحة والرفاهية، فضلا عن الاستثمارات العقارية في دول العالم.
بالعودة الى موضوع الكهرباء في عدن المحتلة قبيل انفجار بركان الخميس، تعالت أصوات المعنيين تحذر من دخول مدينة عدن في ظلام دامس بسب نفاد مادة الديزل، وخلال ذلك الوقت كانت عدن كما باقي المحافظات المحتلة تشهد بشكل شبه يومي تظاهرات احتجاجية، بعضها في إطار نقابي وأخرى شعبية عفوية.
ومع تزايد الضغط الشعبي تحرك عضو ما يعرف بمجلس القيادة الذي يرأسه العليمي إلى شركة بترومسيلة لتحريك الكميات المطلوبة من الديزل لإسعاف كهرباء عدن، إلا أن الأمر انتهى إلى تعاظم السخط الشعبي، حيث فشل صاحب هذا المنصب الكبير، في المهمة وغرقت عدن فعلا في الظلام.
ولّد هذا الحدث بذاته حالة من التعجب والاحباط معا لدى المواطنين، وعزز لديهم الشعور بأن من يلعبون دور المسؤولين في حكومة بن مبارك الموالية لتحالف العدوان، ليسوا في مستوى تحمل المسؤولية. كما ولّد الأمر حالة من الحيرة والعجز عن تفسير ما يحدث، إذ كيف لا يمكن وضع حد لإشكالية انقطاع خدمة الكهرباء؟! ويتعاظم وقع التساؤل عند الانحراف بالنظر إلى صنعاء التي تعمد ثلاثي الشر غير مرة قصف محطات الكهرباء فيها وفي والحديدة، مع ذلك كان الأمر لا يستغرق إلا ساعات قليلة حتى يعود التيار.
الحديث هنا عن المناطق الحرة التي تعرضت قبل ذلك لحرب عدوانية طيلة ثمانية أعوام، قصفت خلالها دول العدوان الحجر والشجر، ودمرت البنية التحتية، وأغرقت البلد في حصار، وتسببت في أسوأ أزمة إنسانية. بينما الأمر في عدن والمناطق المحتلة -وهناك أغنى دول المنطقة- يختلف، إذ لا يزال العجز سيد المشكلة، في حالٍ لا يعبر إلا عن استهداف متعمد للمواطنين هناك.
الأمر ربما لا يحتاج إلى كثير من البحث، وإنما إلى قليل من التأمل للتيقن بأن المحتل لا يمكن أن يكون أكثر تعاطفا مع المنطقة التي يحتلها من أبنائها. أو كما قال المحلل السياسي ورئيس وكالة الانباء اليمنية “سبأ” نصرالدين عامر “هناك فرق بين من يحب ويخدم الناس لأنه منهم وفيهم ويشعر بهم، وبين المحتل الأجنبي الغاصب أو أدواته”.
عودة الكهرباء السريع يثير التساؤل
قد لا تحتل الكهرباء أو تساوي درجة الغذاء من حيث الأهمية، مع ذلك تبقى هذه الخدمة أبسط مؤشرات قيام الجهات الحاكمة في أي مكان من العالم بالتزاماتها تجاه المجتمع، هذا فضلا عن كون الكهرباء تُعد محركا اساسيا للحياة، وانقطاعها يتسبب بتوقف كثير من الخدمات، الأمر الذي ينعكس بدوره على تعقيد معيشة الناس، فيزيد من حالة الإحباط والبؤس والمعانة.
وفي انفجار بركان الغضب الشعبي يوم الخميس، والذي رتبت له “حركة ثورة الجياع”، كان من الطبيعي أن يرتفع سقف المطالب، خصوصا وأن المشاكل نفس المشاكل، ولكنها تتعقد أكثر وأكثر مع حالة الاستلاب التي تبدو عليها حكومة بن مبارك وما يسمى بمجلس القيادة، إذ ارتفعت أصوات الكادحين مرددين هتافات طالبت برحيل “الرئاسي” و”الانتقالي” والتحالف، وحملوهم مسؤولية الأوضاع الكارثية في عدن وباقي المناطق المحتلة، ما يعكس أيضا الرغبة الشعبية الجامعة في طرد المحتل وأدواته التي عبثت بمقدرات الوطن وثرواته، ودمرت كل مقومات الحياة، ونهبت واستولت على أموال الشعب دون مراعاة لمعاناة المواطن وظروفه المتأزمة طيلة عشرة أعوام من الاحتلال. حسب محافظ عدن طارق سلام.
لم يستغرق الوقت طويلا حتى عادت الكهرباء إلى عدن بشكل تدريجي الجمعة، بعد انقطاع كامل للخدمة استمر ثلاثة أيام. وذكرت وكالة “رويترز” أنه تم إعادة تشغيل توربين محطة عدن الرئيسية (بترومسيلة) بقدرة جزئية تبلغ 65 ميجاوات، وذلك بعد وصول عدد من ناقلات النفط الخام اللازمة لتشغيل المحطة، مساء الخميس، من شركة صافر النفطية في مأرب. إلا ان أحد المسؤولين حذّر من أن عدم تزويد عدن بالنفط الخام بشكل متواصل سيؤدي إلى انقطاع الكهرباء كليًا عن المدينة والمناطق المجاورة مجددًا.
ما حدث أثار التساؤل عن التعقيدات التي أعاقت استمرار التيار، وأوصلت الوضع إلى هذا المستوى من البؤس والرفض. ورأى مراقبون بأن هناك من يتحكم بمجريات الحياة في عدن وكل المناطق المحتلة، وهو من يحدد حصص كل منطقة من الاستقرار، حتى يبقى الوسط الشعبي غارقا في همومه، ولا يمكن للقيادات من كسب تأييد الشارع، وبمعنى أدق: حتى تبقى المناطق المحتلة بيد المحتل، يديرها كيف يشاء.
الكهرباء تُسقط سلطة العليمي وحكومة بن مبارك
لم يُظهر بن مبارك، المُعين من قبل تحالف العدوان رئيسا للحكومة في عدن أي قدر من الشجاعة والجرأة لاتهام من تسبب بهذه الأزمات، فهذا ليس دوره، وليس من اختصاصه، وفق قرار التكليف ومنطق التقاسم في الفساد، واكتفى بن مبارك، ، بالقول إن “من الضرورة إنفاق الأموال المخصصة للكهرباء بطريقة صحيحة بعيداً عن الهدر والفساد”، مضيفا بأنه “لابد من تفعيل منظومة الرقابة على مشتقات الوقود المخصصة للكهرباء”.
المراقبون أكدوا أن المعالجات الآنية للأزمات وعلى رأسها كارثة انطفاء الكهرباء في عدن وغيرها من المناطق وإن عادت ساعة أو ساعتين في بعض الأحياء مقابل يوم كامل انطفاء، فليس هذا حلا للمشكلة. ويذهب هؤلاء المراقبون إلى أن أزمتي (الكهرباء وانهيار الوضع الاقتصادي) ستسقطان وتزيحان من هم سبب الألم والمعاناة للمواطن الجنوبي، لأن بقاءهم يشكل خطرا على حياته على قياس ماهو قائم ويجري في الواقع اليومي للحياة المعيشية.
فيما كان من يشغل وظيفة مدير كهرباء عدن سالم الوليدي قال للناشطين “كل ما يجرى مجرد حلول ترقيعية مؤقتة فقط، وعلينا مسؤولية التحرك بالضغط لإسقاط من هم السبب في معاناتنا”.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: المناطق المحتلة بن مبارک فی عدن
إقرأ أيضاً:
المصريون ينتفضون في مواجهة التغييب
منذ بدء عملية طوفان الأقصى، أي على مدى ما يقرب من عامين، عاش الشعب المصري حالة من الحيرة منقطعة النظير، تمثلت فيما يردده الإعلام الرسمي على لسان المسؤولين على مدار الساعة، بأن معبر رفح الفاصل الحدودي مع قطاع غزة مفتوحا طوال الوقت، إلا أن كيان الاحتلال هو الذي يغلق المعبر من الجانب الآخر، في الوقت الذي دافع فيه الكيان عن نفسه أمام محكمة العدل الدولية بالعكس تماما، نافيا أنه يغلق المعبر، وهو الأمر الذي لم تستغله السلطات المصرية بالتكذيب أمام المحكمة، أو بالفعل على أرض الواقع، وذلك بتسيير قوافل المساعدات الإنسانية، للاصطدام بالجانب الآخر على مرأى ومسمع العالم.
يأتي ذلك في الوقت الذي سمحت فيه مصر للكيان باحتلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) على خلاف الاتفاقيات المبرمة بين الجانبين، ومن ثم كان احتلال معبر رفح أمرا طبيعيا، لم تعترض عليه مصر أيضا، مما ضيق الخناق على الشعب الفلسطيني في القطاع، البالغ تعدادهم مع بداية حرب الإبادة نحو 2.3 مليون نسمة، سقط منهم ما يزيد على 60 ألف شهيد، ونحو 170 ألف جريح، بخلاف الآلاف ممن غادروا القطاع لأسباب مختلفة، ما بين مرافقة المرضى، والفرار من الحرب، والهجرة وغيرها.
الأمر في الشارع، خلال الأيام الأخيرة، خرج عن السيطرة إلى حد ما، نتيجة حالة الجوع التي يعانيها سكان القطاع الآن، والتي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، لا في وقت الحرب ولا وقت السلم، والتي تسفر عن سقوط أعداد من الوفيات بشكل يومي، بين كل الأعمار، بخلاف من يسقطون برصاص الاحتلال
عامان من الأحداث الساخنة، التزم خلالهما الشعب المصري الصمت على عمليات القتل والإبادة في صفوف أشقائه الفلسطينيين، ومخططات التجويع والموت ليل نهار، وسط حالة من الضجر والاستياء، مع منع السلطات أبسط مظاهر الشجب والاحتجاج، التي نراها في كل دول العالم الغربي بشكل خاص، إلا أن الأمر في الشارع، خلال الأيام الأخيرة، خرج عن السيطرة إلى حد ما، نتيجة حالة الجوع التي يعانيها سكان القطاع الآن، والتي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا، لا في وقت الحرب ولا وقت السلم، والتي تسفر عن سقوط أعداد من الوفيات بشكل يومي، بين كل الأعمار، بخلاف من يسقطون برصاص الاحتلال.
ربما كانت الشرارة الأولى هي البيان الذي صدر عن مشيخة الأزهر، وتم التراجع عنه بعد دقائق معدودة، بضغوط رسمية كما هو واضح، على الرغم من أن الأزهر قال في توضيح: إن التراجع يهدف إلى خدمة المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهو ما لم يكن مقنعا لأي متابع من قريب أو بعيد، ما جعل الأحداث تتوالى، بقيام مجموعات من المصريين في الخارج بإغلاق بوابات السفارات والقنصليات المصرية بالجنازير والأقفال، في أكثر من عاصمة ومدينة، في عملية رمزية تشير إلى إغلاق القطاع الفلسطيني المحاصر مصريا بالأسلاك الشائكة والجدران والحواجز.
في الوقت نفسه، واحتجاجا على إغلاق معبر رفح، جاءت العملية المتداولة لاقتحام أحد مقرات الأمن الوطني، في منطقة المعصرة في محافظة حلوان، على أطراف القاهرة، من قبل شابين احتجزا أحد الضباط، حسب بيان أصدراه وفيديو تم بثه، لتضيف هي الأخرى أزمة جديدة للنظام، لم تكن في الحسبان بأي حال، وهو ما حدا بوزارة الداخلية لإصدار بيان على الفور، ينفي هذه العملية جملة وتفصيلا، في الوقت الذي تم فيه اعتقال الشابين. إلا أن هذه العملية تحديدا فتحت الباب واسعا أمام مناقشات شعبية، محورها بالدرجة الأولى هي إمكانية وأهمية قيام كل فرد بما يستطيع، للضغط في اتجاه إنهاء الحصار على الشعب الفلسطيني الشقيق في القطاع.
المتابع لحالة الشارع في مصر، وسجالات "السوشيال ميديا" سوف يكتشف أن ذلك الحراك في الخارج نحو السفارات، أو في الداخل نحو الأجهزة الأمنية، قد لاقى تجاوبا إلى حد كبير، خصوصا في ضوء ما أسفر عنه من السماح بعبور شاحنات المساعدات، والسماح أيضا بعمليات إنزال جوية لمساعدات أخرى، في دلالة على أحد أمرين هما، إما أن القرار بيد مصر وأنها خضعت للضغوط، وإما أنها تستطيع الضغط على كيان الاحتلال، وهو ما أسفر في أي من الحالتين عن النتيجة الإيجابية، وهي السماح بإيصال المساعدات، التي أثارت حالة من البهجة بين طوائف الشعب، خصوصا أنها تزامنت مع نداء القيادي في حركة حماس خليل الحيّة للشعب المصري قائلا: يا أهل مصر، أيموت إخوانكم في غزة من الجوع، وهم على حدودكم؟ وهو النداء الذي لاقى تعاطفا كبيرا.
ويبدو أن الجميع قد ألقى بكل الكرات دفعة واحدة في الملعب المصري، وتحديدا في ملعب النظام، الذي أصبح متهما بالمشاركة مع كيان الاحتلال في تجويع شعب شقيق، إلى حد الموت والإبادة، وهو الأمر الذي يصعب نفيه في ظل الظروف الحالية التي شهدت متغيرات كثيرة، خصوصا في ظل إعلام رسمي ضعيف، يفتقر إلى المصداقية، بعد أن أمضى أكثر من عشر سنوات في خدمة سياسات تغييب واسعة، دون تطوير للمضمون أو الوجوه على حد سواء، مما جعل من قضية غزة حالة عامة، وحّدت صفوف المصريين للمرة الأولى منذ عام 2013، بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وانقسام الشارع إلى أبعد مدى.
وقد أرغمت هذه التطورات، فيما يبدو، الرئيس عبد الفتاح السيسي للخروج بنفسه لإلقاء بيان، استمر نحو سبع دقائق، ينفي فيه مسؤوليته أو مسؤولية بلاده عن ذلك الذي يجري، مطالبا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل لوقف الحرب وإدخال المساعدات، باعتباره هو القادر على ذلك، على حد تعبيره. إلا أن بيان السيسي لم يكن مقنعا أيضا، لأنه لم يحمل جديدا عما يتناوله الإعلام طوال الوقت، وعما ردده هو في السابق، ناهيك من أنه لم يتضمن أي خطة مصرية لتدارك الأمر، أو أي تغيير في الموقف مع كيان الاحتلال، بل على العكس، حاول تقزيم حجم مصر في التعامل مع الأحداث.
أمام انتفاضة شعبية حقيقية، قد تكسر حاجز الخوف بين عشية وضحاها، بالنزول إلى الشارع، الذي يعد بمثابة خط أحمر مع النظام، ما يوجب الإسراع بتدارك الأمر من وجوه عديدة، أهمها، تغيير الموقف السياسي فيما يتعلق بحرب الإبادة في قطاع غزة، ليس ذلك فقط، بل تغيير الموقف من الكيان الصهيوني بشكل عام
نحن إذن أمام انتفاضة شعبية حقيقية، قد تكسر حاجز الخوف بين عشية وضحاها، بالنزول إلى الشارع، الذي يعد بمثابة خط أحمر مع النظام، ما يوجب الإسراع بتدارك الأمر من وجوه عديدة، أهمها، تغيير الموقف السياسي فيما يتعلق بحرب الإبادة في قطاع غزة، ليس ذلك فقط، بل تغيير الموقف من الكيان الصهيوني بشكل عام، في ضوء اتهامات للنظام بمحاباته وخشيته، لأسباب قد تتعلق بميول وأهواء شخصية، أو حسابات عسكرية وسياسية، إلا أنها في كل الأحوال لا تصون الكرامة، ولا تحمي الأمن القومي، ولا تحقق السلام للمصريين على المدى البعيد، وربما القريب أيضا.
على العكس تماما، سوف يكتشف المتابع للحالة المصرية أن هناك حالة من الجمود، إن لم يكن الإصرار، على استمرار الموقف السياسي كما هو، خصوصا مع ما يردده بعض المسؤولين، إلى حد التفاخر، بإغلاق آلاف الأنفاق مع القطاع، وبناء الكثير من الجدران والحواجز، إلى غير ذلك مما يعد أعمالا عدائية مع الشعب الفلسطيني، وكأن الموقف المصري يتماهى مع الإسرائيلي في الإبادة والتجويع والحصار، خصوصا مع استمرار العلاقات التجارية والأمنية والسياسية مع الكيان دون تعديل، على الرغم من جرائمه في المنطقة ككل، وليس في غزة أو الضفة الغربية فقط.
لا أحد يستطيع أن ينكر أن النظام الحاكم في مصر، يعيش أزمة داخلية، تتمثل في حالة من الاستقطاب واسعة النطاق، تهدد بمصادمات غير محمودة بين لحظة وأخرى، ناهيك عن حالة الضغط الأمني الذي جعل من عشرات آلاف السياسيين في السجون أمرا تقليديا، إضافة إلى الحالة المعيشية الصعبة، نتيجة ارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه، وتردي الأوضاع الخدمية بشكل عام. إلا أن قضية الإبادة في قطاع غزة، أصبحت تتصدر الساحة، إلى الحد الذي لم يعد يجدي معه تغييب إعلامي منفّر، أو حجج سياسية خادعة، أو أي شيء من هذا القبيل.
بعض المراقبين يؤكدون أن الحكومة الإسرائيلية، بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، سوف تبذل قصارى جهدها للتوصل إلى صيغة اتفاق ينهي الأزمة في القطاع على أي وجه، إنقاذا للنظام في مصر، خشية الاستبدال بما لا يحمد عقباه، بينما يرى آخرون أنها قد تكون فرصة أمامها للخلاص من نظام رفض توطين أهالي غزة في سيناء، على أمل تجهيز بديل يمكن أن يوافق على ذلك الطرح، إلا أنه في كل الأحوال يمكن التأكيد على أن عجلة الاستفاقة قد دارت في صفوف المصريين، ما بين مواطني الداخل، ومغتربي الخارج على حد سواء، وفي ظل تنسيق واضح بين نخبة من هؤلاء وفاعلين من أولئك، يمكن التنبؤ بحراك واسع على المدى القريب، قد يغير الكثير من شؤون وخرائط المنطقة.