17 فبراير، 2025

بغداد/المسلة: أظهرت التجربة العراقية أن اقتصاد الظل يفوق حجم الاقتصاد الرسمي، وهو ما يضع الجهات المعنية أمام تحدٍ كبير. المحاولات السابقة للسيطرة عليه فشلت بسبب قدرته على التكيف مع الظروف الجديدة ومناورة أي إجراءات تنظيمية.

ويشكل النظام المصرفي الموازي نحو 84% من الاقتصاد غير النظامي في البلاد، وهو ما يحد من قدرة الجهات الرسمية على مراقبة حركة الأموال.

وقال المحلل الاقتصادي منار العبيدي إن النظام المصرفي الموازي يمثل تحديًا كبيرًا لاستقرار الاقتصاد العراقي.

و ظهرت هذه المؤسسات بشكل تدريجي خلال السنوات العشرين الماضية، وبدأت بأنشطة مالية بسيطة قبل أن تتوسع إلى كيانات تقدم خدمات مصرفية كاملة، مثل الإقراض، والتسهيلات الائتمانية، وتحويل الأموال داخليًا وخارجيًا.

و أوضح أن غياب الرقابة الفعالة سمح لهذه المؤسسات بالانتشار، حيث توفر خدمات أكثر مرونة مقارنة بالمصارف الرسمية، ما جعلها وجهة مفضلة لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة الذين يشكلون نحو 84% من الاقتصاد غير النظامي في العراق.

و هذا الواقع أدى إلى زيادة حجم الاقتصاد الموازي، مما يعيق قدرة الدولة على تحصيل الضرائب ومكافحة غسيل الأموال.

و اعتبر أن الفجوة بين النظامين المصرفيين تمثل خطرًا كبيرًا على الاقتصاد، إذ تتيح المجال لممارسات غير قانونية، مثل التهرب الضريبي وتمويل الأنشطة غير المشروعة. رأى أن الحل يكمن في تقليص هذه الفجوة عبر تقديم حوافز لتشجيع المؤسسات غير الرسمية على الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، مع فرض رقابة صارمة على الأنشطة المصرفية غير المرخصة.

و يكشف التحليل أن انتشار النظام المصرفي الموازي في العراق لم يكن نتيجة غياب الرقابة فقط، بل يعكس فشل المنظومة المالية الرسمية في استيعاب احتياجات قطاع واسع من المجتمع. المصارف التقليدية لم تقدم بدائل مرنة، ما جعل الكثيرين يتجهون نحو المؤسسات المالية غير الرسمية التي توفر خدمات أسرع وأكثر ملاءمة.

ولم ينشأ النظام المصرفي الموازي  فقط من الحاجة إلى بدائل مصرفية، بل استفاد من ثغرات قانونية وسياسية سمحت له بالتوسع. بعض الجهات المرتبطة بهذه المؤسسات تملك نفوذًا سياسيًا، مما يجعل من الصعب اتخاذ إجراءات صارمة ضدها. الإصلاح لا يمكن أن يقتصر على فرض القوانين فقط، بل يجب أن يترافق مع إصلاحات مالية واقتصادية تتيح للقطاع الرسمي أن يكون أكثر قدرة على المنافسة.

و يتطلب التحول نحو دمج الاقتصاد الموازي استراتيجيات متعددة الجوانب. توفير حوافز ضريبية، تسهيل إجراءات تسجيل الشركات، وتحسين الخدمات المصرفية الرسمية هي خطوات ضرورية. أما الخيار المتعلق بإغلاق المؤسسات غير الرسمية بشكل كامل، فقد يكون غير واقعي، نظرًا لاعتماد شريحة واسعة من المواطنين على خدماتها. البديل هو وضع إطار قانوني ينظم عمل هذه المؤسسات تدريجيًا، بحيث تصبح جزءًا من النظام المالي الرسمي دون أن تفقد مرونتها.

ويعتمد مستقبل الاقتصاد العراقي على مدى قدرته على تحقيق التوازن بين الرقابة الصارمة وخلق بيئة اقتصادية جاذبة. السياسات المتبعة يجب أن تتجاوز الحلول المؤقتة نحو بناء نظام مالي شامل يوفر بدائل قانونية، مما يقلل من الحاجة إلى اقتصاد الظل. هذا التحدي لن يُحسم بسهولة، لكنه يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة العراق على إصلاح منظومته المالية والاقتصادية.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

عراق “رواتب الأشباح”: لماذا تبدو الأرقام الرسمية أقل من الواقع؟

7 دجنبر، 2025

بغداد/المسلة: يشتعل الجدل حول ما يُعرف بالنفقات التشغيلية في عهد حكومة السوداني، ليبرز أمام الرأي العام العراقي سؤال محوري: هل الأرقام المعلنة تعكس واقعاً مالياً دقيقاً أم أنها تُستخدم أداة سياسية يضخم بها “عجز” حكومي؟.

وتكشف المعطيات الأخيرة، أن وزارة المالية العراقية نفت بشكل قاطع أن تصل النفقات التشغيلية إلى 8 تريليونات دينار كما ورد في تصريحات بعض نواب البرلمان، مؤكدة أن سقف الرواتب — بما يشمل الموظفين والمتقاعدين والمتلقين من شبكة الحماية الاجتماعية — يصل فعلياً إلى نحو 6 تريليونات دينار شهرياً، في مستوى يتناسق مع معدّل الإيرادات المتحققة.

وذكرت الوزارة أن ما أشار إليه النائب على أنه “عجز” بقيمة 2 تريليون دينار ليس سوى جزء من دورة التدفق النقدي العادية، مخصّص لتمويل رواتب الشهر القادم، وليس ديناً أو عجزاً يُحرج الخزينة.

وعلى نحو آخر يرى خبراء، ومنهم نبيل المرسومي، أن الحسابات التي تم نشرها على الموقع الرسمي لوزارة المالية حتى أيلول 2025 تعكس واقعاً مغايراً: إذ تظهر أن التعويضات وبدلات الموظفين بلغت 45.563 تريليون دينار، والمنح والأجور 3.604 تريليون، والرّواتب التقاعدية 14.175 تريليون، إضافة إلى 550 مليار دينار لمعيني المتفرغين، و4.263 تريليون دينار لصالح شبكة الحماية الاجتماعية، ما يجعل إجمالي الرواتب المدفوعة 68.155 تريليون دينار. بمعنى أن المتوسط الشهري يفوق 7.5 تريليون دينار، وهو ما يتجاوز كثيراً الإعلان الرسمي لـ 6 تريليونات دينار.

وفي ضوء هذا التناقض، يثير الوضع تساؤلات جدّية حول شفافية البيانات المالية في الدولة العراقية؛ فغياب تفسير واضح لهذا الفارق يشكّل أرضية خصبة للتأويلات، وقد يعكس خللاً محاسبياً أو التباساً في تصنيف البنود — بين رواتب مباشرة، رواتب متأخرة، مستحقات تقاعدية، منح اجتماعية، وغيرها.

وأكثر من ذلك، تتزامن هذه الأرقام مع تحذيرات متكررة من انهيار الاقتصاد الوطني إن استمر اعتماد موازنة الدولة على الإيرادات النفطية وحدها، في وقت يشهد فيه سوق النفط تذبذباً. كما أن الاعتماد على الوقوف عند سقف الرواتب الشهرية بحدود “6 تريليونات” دون توضيح تفصيلي لبقية البنود التشغيلية يعزز مخاوف من أن هناك نفقات تجري خارج إطار الشفافية.

من ثم، فإن الجدال الحالي ليس مجرد منازعة على أرقام، بل صراع حول مدى مصداقية الإعلان المالي، وقدرة الحكومة على إدارة موارد الدولة بوضوح، في ظل شعب يراقب كيف تنفق أمواله.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

مقالات مشابهة

  • النائب السابق “زيد العتوم” :الموازنة معدة مسبقًا ويترك للنائب المنبر فقط ليتحدث”
  • الكشف عن التميمة الرسمية لكأس أمم إفريقيا “المغرب 2025”
  • الضمان يكشف نتائج 2025: مئات المليارات المحصّلة وتشديد الإجراءات ضد المؤسسات المخالفة
  • صندوق النقد الدولي: اقتصاد الإمارات يتصدر النمو خليجياً في 2025
  • مطر: لجنة المال والموازنة تتابع مناقشة اعتمادات المؤسسات الرسمية
  • “الإحصاء”: الاقتصاد السعودي ينمو بنسبة 4.8% خلال الربع الثالث من عام 2025
  • شاهد بالفيديو.. بعد أن رفضت الاستجابة لطلبه في الحفل.. شاب يقذف أموال “النقطة” في وجه الفنانة فهيمة عبد الله والأخيرة ترد عليه بنفس طريقته
  • عراق “رواتب الأشباح”: لماذا تبدو الأرقام الرسمية أقل من الواقع؟
  • القمة الوزارية الإفريقية للمؤسسات الناشئة بالجزائر تعتمد “إعلان الجزائر”
  • قيادي بمستقبل وطن: الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية تعزز القوة المالية للدولة