أنقرة- في زيارة تحمل أبعادا إستراتيجية، وصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس الاثنين، إلى العاصمة التركية أنقرة في زيارة رسمية، تلبية لدعوة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان. ومن المقرر أن يعقد الجانبان مباحثات رفيعة المستوى تتناول مختلف الملفات الثنائية والإقليمية.

وأعلن رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون عبر منصة إكس أن زيلينسكي سيلتقي أردوغان في المجمع الرئاسي بأنقرة، مشيرا إلى أن المباحثات ستشمل استعراض العلاقات الإستراتيجية بين البلدين، ومناقشة الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون المشترك، لا سيما في المجالات الدفاعية والاقتصادية.

كما أضاف أن الزيارة ستتضمن تبادل وجهات النظر حول آخر التطورات في أوكرانيا، إلى جانب بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، في ظل استمرار الحرب والتوترات الجيوسياسية المتصاعدة.

ملفات حساسة

تأتي زيارة زيلينسكي إلى تركيا في توقيت حساس يتزامن مع استعداد الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين لعقد لقاء مرتقب في السعودية، ما أثار مخاوف في كييف وعواصم أوروبية من احتمال أن يسعى الزعيمان إلى تسوية النزاع من دون إشراك الأطراف الأوكرانية والأوروبية بشكل مباشر في المفاوضات.

إعلان

ومن المتوقع أن يركز زيلينسكي وأردوغان على تعزيز الشراكة الإستراتيجية، خاصة في المجالات الدفاعية والاقتصادية. كما ستشمل المحادثات آخر التطورات الميدانية، إضافة إلى بحث المبادرات الدبلوماسية المطروحة لإنهاء الحرب، ومدى إمكانية لعب أنقرة دورا أكثر فاعلية في التسوية السياسية.

على الصعيد الاقتصادي، يتصدر ملف إعادة الإعمار أجندة المباحثات في ظل الدور البارز الذي تلعبه الشركات التركية في مشاريع البنية التحتية الأوكرانية.

ومع تصاعد الجهود الدولية لإنهاء الحرب، من المرجح أن يبحث الطرفان موقف أنقرة من المبادرات المطروحة لحل النزاع، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت تركيا تسعى إلى إحياء دورها كوسيط دبلوماسي فاعل بين موسكو وكييف، أم أنها ستواصل سياسة التوازن الحذر بين الطرفين، حفاظا على مصالحها الإستراتيجية معهما.

في السياق، يرى الباحث السياسي مراد تورال أن تعزيز التعاون الدفاعي بين أنقرة وكييف قد يضع تركيا في موقف حساس مع موسكو، خاصة في مجالات الطائرات المسيّرة والتكنولوجيا الدفاعية، مما قد يدفع روسيا إلى إعادة تقييم شراكتها مع أنقرة، خصوصا في قطاعي الطاقة والغاز الطبيعي.

ويضيف للجزيرة نت أن مشاركة الشركات التركية في إعادة إعمار أوكرانيا قد تزيد التوتر مع موسكو، التي قد ترى في هذه الاستثمارات، خاصة في المناطق القريبة من خط المواجهة، خطوة غير ودية. وفي ظل ذلك، تحاول أنقرة تحقيق توازن بين الفرص الاقتصادية التي يوفرها التعاون مع كييف، وبين الحفاظ على علاقاتها الإستراتيجية مع موسكو.

دور محوري

ووفقا للباحث تورال، نفذت الشركات التركية أكثر من 300 مشروع في أوكرانيا باستثمارات تجاوزت 10 مليارات دولار، بينها 70 مشروعا أُنجزت منذ اندلاع الحرب، ما يعكس إصرار أنقرة على توسيع حضورها الاقتصادي رغم التحديات الأمنية والميدانية.

إعلان

من جانبه، يرى الباحث في العلاقات الدولية مصطفى يتيم، في حديث للجزيرة نت، أن التعاون الدفاعي بين تركيا وأوكرانيا، خاصة في مجال الطائرات المسيّرة والمعدات العسكرية، قد يتعزز عبر اتفاقيات جديدة خلال الزيارة، وهو ما قد يثير حفيظة موسكو، لكنه في الوقت ذاته يعزز النفوذ التركي كطرف لا يمكن تجاوزه في أي ترتيبات أمنية مستقبلية.

ولطالما لعبت أنقرة دورا محوريا في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، مستفيدة من علاقاتها المتوازنة مع الطرفين، وسجلها الحافل في تقريب وجهات النظر، لا سيما من خلال إبرام وتنفيذ اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي ساعد في تجنب أزمة غذائية عالمية كبرى قبل نحو عامين، فضلا عن دورها الفاعل في تبادل الأسرى بين الجانبين.

ومع استمرار الحرب، جددت تركيا استعدادها لإحياء جهود الوساطة، مؤكدة أنها لن تتخلى عن دورها كجسر دبلوماسي بين موسكو وكييف، رغم التعقيدات المتزايدة في المشهد الدولي.

ويقول يتيم إن زيارة زيلينسكي إلى أنقرة تعكس تصاعد دور تركيا كوسيط محوري في الأزمة الأوكرانية، في ظل المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، لا سيما مع بروز نهج أميركي جديد تجاه الحرب مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

فرصة جديدة

ويضيف الباحث التركي أن أنقرة تجد نفسها اليوم أمام فرصة جديدة لإعادة تثبيت موقعها كفاعل رئيسي في أي مفاوضات مستقبلية لإنهاء الحرب.

وبرأيه، فإن تركيا حافظت منذ بداية الحرب على سياسة توازن حساسة، إذ دعمت وحدة الأراضي الأوكرانية ورفضت الاحتلال الروسي، لكنها في الوقت نفسه عارضت فرض عزلة دولية كاملة على موسكو، وهو ما مكنها من الاحتفاظ بعلاقات مفتوحة مع الطرفين، ما يعزز فرصها في لعب دور قيادي في أي ترتيبات دبلوماسية قادمة.

ويذهب إلى أن أنقرة مرشحة لأن تكون وسيطا رئيسيا في أي محادثات تهدف إلى إنهاء الحرب، سواء عبر دعمها لجهود وقف إطلاق النار أو التوسط لضمان تسوية تلبي الحد الأدنى من مطالب كل طرف.

إعلان

ويشير يتيم إلى أن هناك ملفات رئيسية قد تكون محل تفاوض بين أنقرة وكييف خلال هذه المرحلة، أبرزها:

إمكانية تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا كبديل عن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو مطلب روسي أساسي وأحد أسباب اندلاع الحرب. مستقبل المناطق التي تحتلها روسيا، وإمكانية الوصول إلى اتفاق يجمد الصراع بدلا من إنهائه نهائيا. نشر قوات حفظ سلام دولية في مناطق التوتر، وهو خيار قد يكون مقبولا دوليا، لكنه يتطلب موافقة موسكو وكييف.

ويضيف أن المرحلة المقبلة قد تشهد تصاعدا في الدور التركي في الملف الأوكراني، سواء عبر جهود الوساطة، أو من خلال ضمان عدم فرض حلول لا تتوافق مع المصالح الأوكرانية والغربية، وهو ما يجعل أنقرة في قلب المشهد السياسي والإستراتيجي للصراع القائم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات خاصة فی إلى أن

إقرأ أيضاً:

زيلينسكي للجزيرة: دعم أميركا لأوكرانيا سيتراجع جراء حرب إسرائيل وإيران

كييف ـ أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن قلقه من أن يؤدي انخراط الولايات المتحدة في النزاع بين إسرائيل وإيران إلى تراجع الدعم الأميركي العسكري والسياسي لأوكرانيا في مواجهة روسيا، لافتا إلى أن دخول واشنطن في الحرب مقياس لتحديد مدى التزام الولايات المتحدة تجاه حلفائها.

وخلال إحاطة إعلامية في العاصمة الأوكرانية كييف، أكد زيلينسكي أن "الحرب في إيران مهمة للغاية ومقياس للكثير من الأمور"، في إشارة إلى تداعياتها المحتملة على المشهد الدولي وتوازنات الدعم الأميركي.

وأوضح زيلينسكي أن الموقف الأميركي من دعم إسرائيل في حربها على إيران يعد مؤشرا حاسما على توجهات إدارة الرئيس دونالد ترامب.

وأشار الرئيس الأوكراني إلى أن واشنطن أوقفت لفترة المساعدات العسكرية والمعلومات الاستخباراتية الحيوية، في محاولة للضغط على كييف لتوقيع اتفاقية استثمار في مجال المعادن النادرة، مما اعتبره زيلينسكي "ضغطا مباشرا" على بلاده في وقت حرج من الحرب.

زيلينسكي (يسار) لمراسل الجزيرة: تواصلنا مع طهران مرارا لوقف تزويد روسيا بالمسيرات (الرئاسة الأوكرانية) انعكاسات الحرب

وربط زيلينسكي بين الهجمات الإسرائيلية على المنشآت الإيرانية والأضرار التي لحقت بأوكرانيا جراء استخدام روسيا طائرات "شاهد" الانتحارية، التي قالت كييف إن طهران زوّدت موسكو بها، بل شاركت في نقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر.

وخلال الإحاطة، قال زيلينسكي للجزيرة "نتابع من كثب استهداف المصانع الإيرانية المُنتجة للمسيّرات، فإيران لم تكتف بتصدير السلاح، بل درّبت ونقلت كامل التفاصيل الصناعية، وقد أصبحنا هدفا مباشرا لذلك".

وأوضح الرئيس الأوكراني أن بلاده تواصلت مرارا مع طهران منذ بدء الحرب مع روسيا، مطالبة إياها بعدم دعم روسيا، لكن الإيرانيين -بحسب قوله- "لم يلتزموا بوعودهم، وتبين أنهم يواصلون التصدير وتقديم الدعم الفني".

إعلان

اصطفاف غربي

وحول الموقف من الحرب على إيران، أكد زيلينسكي تماهيه مع الطرح الأميركي والإسرائيلي برفض امتلاك طهران السلاح النووي. وقال "لا أحد يريد أن تمتلك إيران سلاحا نوويا، فذلك قد يشكل تهديدا لنا أيضا في ظل شراكاتها المتنامية مع روسيا وكوريا الشمالية".

كما عبّر عن مخاوفه من نقل إيران تكنولوجيا الصواريخ إلى روسيا بعد أن بدأت كييف تطوير أنظمة محلية مضادة للمسيرات، مما قد يدفع موسكو للبحث عن بدائل أكثر فتكا.

وفي رده على سؤال الجزيرة حول احتمال تراجع الدعم الأميركي بسبب انشغالها بالحرب على إيران، قال زيلينسكي "أتفهم أن للولايات المتحدة أولوية اليوم تتمثل بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، لكننا نتأثر مباشرة بتغيير هذه الأولويات، وقد حدث بالفعل أن حُولت دفعة كبيرة من الصواريخ المضادة للمسيرات -التي كنا ننتظرها- إلى إسرائيل بدلا من إرسالها لنا".

وأكد أن هذه الدفعة كانت ذاتها التي أشار إليها سابقا في مقابلة مع قناة "إيه بي سي" (ABC) الأميركية، وتضم نحو 20 ألف صاروخ، مضيفا أن واشنطن تتعامل وفق ما يفرضه الواقع، في حين تتعامل بلاده مع ما لديها من إمكانات.

الوثائق التي عرضها زيلينسكي لجثث جنود أرسلتها روسيا -ضمن صفقة تبادل- على أنهم أوكرانيون (الرئاسة الأوكرانية) مسار المفاوضات

أما بشأن مصير المفاوضات مع روسيا، فقال زيلينسكي إن "انشغال الإدارة الأميركية بالمحادثات والمواجهة في الشرق الأوسط، خصوصا من قبل الشخصيات الدبلوماسية ذاتها المنخرطة في الملف الأوكراني، قد يعرقل الحراك السياسي الجاري للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا".

وأضاف "لا أحد يعلم إلى أين ستتجه الأمور في ظل التطورات الجديدة، لكننا ننتظر موقفا أميركيا أكثر وضوحا وضغطا لإنهاء الحرب الروسية علينا".

وفي كشف آخر خلال الإحاطة الإعلامية، اتهم الرئيس الأوكراني روسيا بالتلاعب بعمليات تبادل جثث الجنود، قائلا إن بلاده تلقت جثثا لجنود ليسوا أوكرانيين، وتم التحقق من أن بعضهم -وبينهم إسرائيلي- ألبسوا زيّا أوكرانيا قبل إرسالهم ضمن صفقات التبادل التي تمت في أعقاب اجتماعات إسطنبول الأخيرة.

وقال إن روسيا تسعى من خلال هذه الأساليب إلى "كسب الوقت وزيادة الضغط الداخلي في أوكرانيا عبر خلق حالة من الالتباس لدى العائلات المنتظرة لجثث أبنائها"، إضافة إلى استخدامها أداة دعائية لتضخيم أعداد القتلى الأوكرانيين.

وعرض زيلينسكي للجزيرة عددا من الوثائق والصور التي قال إنها تؤكد هذه المعلومات، دون السماح بنشر محتواها بسبب ارتباطها بتحقيقات جارية.

ويأتي حديث الرئيس الأوكراني في ظل تصعيد عسكري روسي غير مسبوق، كان آخره هجوم بالطائرات المسيّرة والصواريخ على العاصمة كييف يوم 17 يونيو/حزيران الجاري، أسفر عن مقتل 27 شخصا وإصابة أكثر من 150 آخرين.

كما تزامن الهجوم مع محاولات اختراق روسية على جبهات سومي وزاباروجيا وخيرسون، وسط اتهامات كييف لموسكو بمحاولة استغلال الانشغال الدولي بالحرب الإيرانية لتحقيق مكاسب ميدانية.

مقالات مشابهة

  • تركيا توقف 158 جنديا بتهمة ارتباطهم بالراحل فتح الله جولن
  • زيلينسكي: الأسلحة الأوكرانية ستصبح جزءا من أوروبا القوية
  • السياح الهنود يحجمون عن زيارة تركيا بسبب دعمها باكستان
  • رسائل سياسية لطهرانض.. إبراهيم عيسى : إيران عرفت قطر مسبقا بتوجيه ضربة لقاعدة العديد الأمريكية
  • ما وراء زيارة عراقجي الجادة والمهمة إلى موسكو هذا الوقت؟
  • هل تحمل زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى المغرب جديداً في قضية الصحراء ؟
  • سر زيارة وزير خارجية إيران لروسيا.. هل تتدخل موسكو في الوقت الحرج؟ فيديو
  • زيلينسكي للجزيرة: دعم أميركا لأوكرانيا سيتراجع جراء حرب إسرائيل وإيران
  • زيلينسكي يطالب الغرب بتخصيص 0.25% من الناتج المحلي لدعم إنتاج الأسلحة الأوكرانية
  • زيلينسكي يتهم موسكو بمخالفة اتفاق تبادل القتلى الأخير.. أرسلوا جثثا روسية