حزب الأمة في نسخته الأخيرة صار شركة خاصة بالصادق المهدي وعائلته، ومن لم ترضى عنه العائلة من عضوية الحزب خرج طائعاً أو أخرج عنوةً، ومن يطمح للمزيد حسب جهده التنظيمي، يكون من المغضوبين عليهم ويضطر للمغادرة غير مأسوف عليه، والحديث عن التجديد جريمة لا تتسامح معها العائلة، ولا تتورع في استخدام أبشع الوسائل لعقاب من يجرؤ على ذلك، مثلما جرى للدكتور الوليد آدم مادبو ابن قطب الحزب المهندس آدم مادبو – وزير الدفاع الأسبق، كان من المتوقع أن يصل الحزب لما وصل إليه من نهاية محتومة، بحسبان أنه حزب الصادق المهدي، وحتى ليس بحزب لآل المهدي، لأن الصادق جرّد أعمامه وأبناء عمومته من أي زخم يدنيهم من إرث جدهم الأكبر – الإمام محمد احمد المهدي، لم تنتبه العائلة لعلامات قيام ساعة دنيا ملكهم، ألا وهي حقيقة انهيار الحزب ليصبح شتات تذروه الرياح، لقد رصدنا بيانات شجب وإدانة صادرة من أمانات وحواضن الحزب الاجتماعية بكردفان ودارفور، بعد الحماقة التي ارتكبها أبناء الصادق بحق رئيس الحزب، الذي يجب عليه أن لا يتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة، وهي أن يكون مجرد دمية تأتمر بأمرهم، الأمر الذي لم يلتزم به ومارس صلاحياته كما ينبغي، ما أثار غضب أصحاب الملك الحر، الورثة، من أمراء وأميرات ورثوا وورثن أمجاد الثورة المهدية الجامعة بأركانها الثلاثة – محمد وعبد الله وعثمان، ولم ينتبه أحد منهم لأن هنالك ورثة آخرون خرجوا من صلبي عبد الله تورشين وعثمان دقنه، يستحقون الإمارة إذا كان شرف الملك يوجب الانتساب لمن أشعل الثورة وأسس الدولة، ولولا القطبان (تورشين ودقنه) لما انطلق الحراك الذي حرر الأوطان، وما كان لابن صانع المراكب أن يصنع السودان.
من لا يتعلم من صروف الدهر سيلقنه الزمان درساً بليغاً، لم يكن حزب الأمة الوحيد الذاهب إلى زوال، إنّ سيرورة التاريخ عصفت بكل قديم – الكيزان والاتحاديين والشيوعيين والبعثيين، فكل ديناصور قديم متقوقع متحجر لا يرجى منه، وإلّا لكسبنا من زماننا الذي راح هباءً منثورا دولة المؤسسات والأحزاب الديمقراطية، وما كان لأعمارنا أن تضيع بين غدو ورواح، من وإلى بيوتات الكهنوت الطائفي والهوس الديني والعطب الماركسي، إنّ تسونامي التغيير الذي اجتاح البلاد ليس خاصاَ بكنس حكومة الحركة الإسلامية وحدها، بل كنس رصفاء الإسلام السياسي والطائفية واليسار المتواطئ، وصدق قرنق في ثمانينيات القرن الفائت وهو يبث حديثه الثوري الساخر، عبر أثير إذاعة الجيش الشعبي لتحرير السودان، وهو يقول (أن حكومات السودان المتعاقبة مثلها كمثل القميص البالي والقديم المهترئ الذي تناوب على ارتدائه أكثر من شخص)، وكذلك هو الحال بالنسبة للأحزاب العائلية من اتحادي وامة، وحتى اليسار ضربت مركزيات أحزابه ظاهرة الاستحواذ العائلي، مثل سطوة آل سيد احمد وآل سوار الدهب وآل السنهوري، على حزبي البعث والشيوعي، فنرجسية الصادق قزّمت الكيان، ومركزية الطرح جعلته رئيساً مدى الحياة، إذ لم يتعرض دستور الحزب لما يجب فعله بعد وفاة الرئيس، لذلك عندما رحل ذهب معه الحزب، فكل مراقب حصيف لمراحل الصراع الذي بدأ في ستينيات القرن الماضي، بين الصادق وعمه، يعلم أن اختطاف الحزب تم منذ ذلك الحين، أمام بصر العضوية التي صمتت وبصمت بالعشرة، ويكفي تعريفاً بالصادق المهدي رئيس "الحزب الأمة"، شهادة الأديب المحامي رئيس وزراء السودان الأسبق المحجوب، في سفره المعلوم "الديمقراطية في الميزان".
كتب المحجوب: (برزت خلافاتي مع الصادق المهدي في الاشهر الأولى لعام 1966م. فذات مساء جاء بعض افراد عائلة المهدي الى منزلي طالبين مني الاستقالة من منصب رئيس الوزراء حتى يصبح الصادق المهدي الذي بلغ ثلاثين عاماً حينها رئيسا للوزراء.. وكان جوابي هو أن هذا الطلب غريب.! فالصادق لا يزال فتياً، والمستقبل أمامه.. وفي وسعه ان ينتظر، وليس من مصلحته او مصلحة الحزب والوطن ان يصبح رئيسا للوزراء الآن.!! بيد انهم أصروا فتصلبت وساندني الحزب، ثم طلبت مقابلة السيد الصادق من اجل اصلاح الضرر، واجتمعنا وابلغته انني مستعد للاستقالة ومنحه الفرصة ليصبح رئيساً للحكومة لو لم يكن السودان في خطر.. وذكّرته بأنه سيتعامل مع السياسي الحاذق رئيس مجلس السيادة الزعيم اسماعيل الازهري الذي يستطيع ان يلوي ذراع اي شخص.. وليت الصادق رد عليَّ قائلا: انني مخطئ.. بل قال: «انني اعرف ذلك ولكنني اتخذت موقفاً ولن اتزحزح عنه».! وكان تعليقي هو «إنني مقتنع الآن أكثر من اي وقت مضى بأنك لا تصلح لرئاسة الوزارة). ها قد شهد شاهد وعَلَمٌ بارز على الخلل البنيوي الذي عصف بالحزب منذ ستة عقود، وبيّن الخطأ الاستراتيجي من تولي الصادق المهدي زمام الأمر، الذي بعد أن رحل عن الفانية، خلفه ورثة يتطابقون معه في الحمض النووي المكرس للنرجسية والأحادية والسيطرة، فقطّعوا أوصال الحزب، أحدهم ذهب مع جيش الحركة الإسلامية، والآخر انخرط مع الحراك المدني "تقدم" – "صمود"، والأميرات تفرغن للهجوم على كل من تسول له نفسه المساس بالإرث العائلي، كما جرى أخيراً من هجوم كاسح على العم فضل الله برمة ناصر.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الصادق المهدی
إقرأ أيضاً:
حكم الحج عن المريض الذي لا يثبت على وسائل الانتقال.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم الحج عن المريض الذي لا يثبت على وسائل الانتقال؟ فقد حاولت أمي الحج أكثر من مرة ولم يحالفها التوفيق لذلك، وقد حججت أنا عن نفسي، ثم حججت عنها من مالها وهي على قيد الحياة، ولكنها كانت وقتها تبلغ من العمر ثمانية وستين عامًّا ولا تتحكم في البول ويأتيها دوار من ركوب السيارة. فهل حجي عنها صحيح؟.
وأجابت دار الإفتاء، عن السؤال قائلة: عن سليمان بن يَسار أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره: أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ فِي الْحَجِّ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، حُجِّي عَنْ أَبِيكِ» رواه البخاري وأحمد واللفظ له وكثيرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأوضحت عبر موقعها الرسمى، أن هذا الشخص الذي لا يثبت على الراحلة يسمى في الفقه الإسلامي المعضوب، فالحج -ومثله العمرة- عن الغير يكون إما عن الميت وإما عن المعضوب.
وأكدت أنه إذا كان الحال كما ورد بالسؤال: فحجكَ عن أمكَ والحالة هذه صحيح.
أجابت دار الافتاء المصرية، عن سؤال ورد إليها عبر موقعها الرسمي مضمونه: "ما حكم الحج عن مُتَوفًّى والعمرة عن مُتَوفًّى آخر في سفرة واحدة؟ فأنا أريد أن أعرف الحكم الشرعي فيمَن سَافر إلى الحَجِّ، ونوى عمرةً عن أُمِّه الـمُتوفَّاة، وحَجَّة لأبيه الـمُتَوفَّى، والعام الثاني يعكس، أي: يحج لأمِّه الـمُتوفَّاة، ويعتمر لأبيه الـمُتَوفَّى. فهل يجوز ذلك؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه يجوز لك عَمَل العُمْرة عن أُمِّك المتوفاة، وعَمَل حَجَّة لأبيك الـمُتَوفَّى في سنةٍ واحدة، ثُمَّ في العام الثاني تَحُجُّ لأمِّك المتوفاة، وتعتمر لأبيك الـمُتَوفَّى، فإذا فَعلتَ ذلك في السنتين سُمِّيت مُتمتِّعًا، ويجب عليك حينئذٍ دم التَّمتُّع.
حكم الحج عن مُتَوفًّى والعمرة عن مُتَوفًّى آخر في سفرة واحدةالحج والعمرة كلاهما نُسُكٌ مستقلٌّ، لهما أركانهما وشروطهما، ولا يشترط في السَّفْرةِ الواحدةِ أن تقع العمرة والحج عن شخصٍ واحدٍ، فيجوز أن تكون العمرة عن شخصٍ، والحج عن شخصٍ آخر.
ويجوز للمسلم القادر أن يَحجُّ عن أقاربه المتوفَّين أو المرضى العاجزين عن الحج بأنفسهم إذا كان قد حَجَّ عن نفسه، أو يوكِّل غيره في الحج عنهم، وذلك على ما هو المختار للفتوى مِن مشروعية النيابة في أداء الحج عنه؛ لكونه -أي: الحج- مِن العبادات التي تَجري فيها النيابة عند العجز لا مطلقًا، وَفْقًا لما عليه جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، فقد روى البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن عباسٍ رضي اللهُ عنهما قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَل يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
وعن ابن عباسٍ رضي اللهُ عنهما أيضًا، أَنَّ امرأة من جهينة، جاءت إلى النبي صَلَّى الله عَليهِ وَآلِه وَسَلَّم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟»، قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ: «فَاقْضُوا اللهَ الَّذِي لَهُ، فَإِنَّ اللهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ». رواه البخاري في "صحيحه".
وعنه أيضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَليهِ وَآلِه وَسَلَّم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. قَالَ: «مَنْ شُبْرُمَةُ؟» قَالَ: أَخٌ لِي -أَوْ قَرِيبٌ لِي- قَالَ: «حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ». رواه أبو داود، وابن ماجه في "السنن"، والبيهقي في " السنن الكبرى".
هل يجب الدم على من حج عن مُتَوفًّى وعمل عمرة عن مُتَوفًّى آخر في سفرة واحدة؟مقتضى ذلك أنه يجوز للسائلِ أن يعتمر أو يحج عن أمِّه أو أبيه المتوفَّيين، وأَجْر الحج والعمرة يصل لهما في قبرهما غير ناقصين، غير أَنَّ الفقهاء قد اختلفوا في توصيف هذا الحج بهذه الكيفية الواردة في السؤال، مِن حيث جواز وصف السائل في هذه الحالة بالتَّمتُّع، فيجب عليه الدَّم أو لَا؟
ومعنى "التَّمَتُّع": أنْ يُحرم الحاجُّ بالعمرة في أشهر الحج مِن ميقات بلده أو مِن غيره من المواقيت التي يمر بها أو ما يحاذيها، ثم يؤديها وَيَفْرُغَ منها، ثم يُنْشِئَ حجًّا مِن عامه دون أنْ يرجع إلى الميقات للإحرام بالحج.
فهذا هو القَدْر المشترك بين الفقهاء للوصف الفقهي للفظ "التَّمَتُّع"، لكنهم اختلفوا في طريقة وقوعه:
فيرى الحنفية، والشافعية في المذهب، والحنابلة في المعتمد: أنَّه لا يُشْتَرط وقوع النسكين -أي: العمرة والحج- في السَّفْرةِ الواحدةِ عن شخصٍ واحدٍ حتى يُوصف الشخص بـ"الـمُتَمتِّع"، بل يصح أن تقع العمرة عن شخصٍ، والحج عن شخصٍ آخر.
قال العَلَّامة الـمَرْغيناني الحنفي في "الهداية" (1/ 179، ط. دار إحياء التراث العربي) في سياق كلامه عن الحج عن الغير: [(وكذلك إن أَمَره واحدٌ بأن يَحجَّ عنه والآخَر بأن يعتمر عنه وأَذِنَّا له بالقِرَان) فالدَّمُ عليه] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (7/ 177، ط. دار الفكر): [هل يُشترط وقوع النُّسُكين عن شخصٍ واحدٍ؟ فيه وجهان مشهوران. قال الخضري: يشترط. وقال الجمهور: لا يشترط، وهو المذهبٍ] اهـ.