صدى البلد:
2025-06-26@08:05:48 GMT

عبد المعطى أحمد يكتب: فى ذكرى سعد والنحاس

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

ثلاثة من أكبر واشهر زعماء حزب الوفد رحلوا فى شهر أغسطس، وفى سنوات متباعدة من اول الربع الثانى للقرن الماضى وحتى رأس الألفية الثانية ، شهد الوفد خلال  تلك السنوات حالات من المد والجزر ، وكثيرا من العواصف السياسية التى كادت تطيح به أو على الأقل تجعله يتوارى ويخفت حد الانطفاء مع تجليات الحياة السياسية وتقلباتها.


يصادف وفاة الزعيمين سعد زغلول ومصطفى النحاس يوم 23أغسطس، إذ توفى سعد عام 1927 والنحاس 1965، فى حين توفى فؤاد سراج الدين يوم 9أغسطس 2000
والتذكير بقامات كبيرة مثل سعد زغلول والنحاس وسراج الدين  مسألة مهمة، ورسالة مطلوبة، ليس فقط للشباب ، ولكن لكل القوى الوطنية  وما يجب  عليها نحو قضايا الوطن والارتقاء به.
وقد استوقفنى بشدة هذا الانتباه المبكر من جانب النحاس باشا إلى أهمية وخطورة الفن فى معركة الإصلاح الاجتماعى، وانه من الخطورة بمكان الصمت أو "الصهينة" على حالات العبث بالذوق العام أو الهبوط إلى مستويات فى التعبير حتى فى الأغانى خاصة من جانب النجوم فى المجتمع.
لفت نظرى واقعتان للنحاس باشا مع كبار نجوم الفن والغناء ، ورغم العلاقة الوطيدة وحالة التعلق القلبى والحب للفنانين بالنحاس باشا ليس فقط لأنه رئيس الوزراء فى ذلك الوقت ، ولكن لكونه زعيما وطنيا وشخصية لها وزنها وتأثيرها فى المحافل الدولية والداخلية أيضا.
النحاس باشا كان يغضب بشدة لأى حالة انتهاك للقيم وإخلال بالذوق العام، ولايجد أدنى حرج فى عتاب وتوبيخ من يقوم بذلك، ويلقنه الدرس الواجب له وللأجيال المقبلة فى الحفاظ على القيم والحرص عليها.
الفنان الكبير وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله كانت تربطه علاقة  وثيقة مع النحاس إلا أنه تعرض لتوبيخ شديد فى حفل عام من الزعيم، ولعله من أصعب المواقف التى لم ينسها طيلة حياته، ونبهته إلى ضرورة أن يتفحص كل بيت يغنيه وكل كلمة ينطق بها.
وقد روى عبد الوهاب بنفسه الحوار العاصف الذى دار بينه وبين النحاس باشا رئيس الوزراء وزعيم الوفد، فقد دعى لحضور مناسبة  فى أحد فنادق القاهرة الكبرى وعندما لاحظ عبد الوهاب وجود النحاس فى الحفل أسرع لتحيته، ويقول عبد الوهاب: سارعت بالسلام على الباشا، لكنه رفض أن يمد يده إلى، وأشاح بوجهه عنى وقال بغضب: أنا لا أصافح المائعين! وهنا شعرت بدوار، ولكننى تمالكت نفسى وقلت له:ليه ياباشا؟ قال: لأنك مائع مش أنت اللى بتغنى "مسكين وحالى عدم من كتر هجرانك ..يااللى تركت الوطن والأهل علشانك"؟
أيوة ياباشا، فصرخ الباشا:إزاى تسيب وطنك علشان بنت؟ أنت ماعندكش رجولة؟ ماعندكش كرامة وماعندكش وطنية، بنت زى اللى بتحبها بتخليك أنت محمد عبد الوهاب ابن الشيخ عبد الوهاب محمد الشعرانى تصير مسكينا وتهجر وطنك وتسيب أهلك علشانها؟
الحكومة لازم تمنعك من غناء الموال ده، وانت ممنوع تغنيه بعد اليوم فاهم.!
يقول عبد الوهاب: أسقط فى يدى لأن النحاس باشا كان يؤنبنى  أمام جميع الحاضرين، ومعظمهم من كبار الشخصيات  وكرام الأسر وسيدات المجتمع ، فتركت الفندق وعدت إلى غرفتى وطفقت أبكى كالأطفال!، ولكننى بعد أن خلوت إلى نفسى وجدت أن ماقاله لى النحاس باشا كان صحيحا، إزاى أهجر وطنى وأهلى من أجل امرأة؟ إن الرجل  يجب أن يظل رجلا فى جميع الظروف، والتخنث والميوعة والبكاء لاتليق برجل مهما استبد به العشق والحرمان والعذاب. ومن يومها وأنا أراعى الدرس القاسى الذى لقنه إياه مصطفى النحاس ولم أعد مسكينا حالة عدم، بل أصبحت موسيقيا ينحر قلبه إذا ماأحس ذلا.
حدث ذلك رغم العلاقة الوطيدة والصداقة بينهما، فعبد الوهاب هو المطرب الوحيد الذى أحيا حفل زفاف النحاس على زينب الوكيل.
التوبيخ الأكبر والأشد قوة كان من نصيب الفنان الكبير فريد الطرش عندما غنى أغنيته الشهيرة "ياعوازل فلفلوا" التى ألفها أبو السعود الإبيارى فى فيلم"آخر كدبة"، واعتبر النحاس باشا ان كلمات مثل "فلفلوا" هابطة، ولايصح أن تقال، وأنها مسيئة ومهينة للذوق، وعندما قابل النحاس فريد الأطرش وبخه، وذكره بواجب الفنان فى الحفاظ على الذوق العام والارتقاء به.
إن إحياء ذكرى العظماء والكبار فى المجالات كافة مسألة فى غاية الأهمية لعل وعسى أن تنبت الأرض من جديد جنات ونستمتع بحب الحصيد.
 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: عبد الوهاب

إقرأ أيضاً:

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأمنيات

الرغبة، والطموح، والتمني في بلوغ الأفضل، أو ما تتوق إليه النفس إذا ما كان مشروعًا، ولا ينفصل عن الواقع؛ فتلك أمور حميدة، تشحذ الهمم؛ كي تعلو الهمة، وتنشط الأذهان، وتترجم إرادتنا في صورة أفعال، تحاول أن تحقق أمانينا، التي نتطلع إليها، بل، تحفزنا على تكرار المحاولة في إطار من التخطيط، والتنظيم، والتنفيذ، والمثابرة، والمتابعة، وتقييم ما توصلنا إليه؛ لنزيل العثرات، ونستكمل المسيرة، ونؤكد أن عزيمتنا، وإيجابية النفس لدينا قادرة الدفع بنا دومًا إلى الأمام؛ لنسجل أهدافًا مستحقة.

تعالوا بنا نتفق على أمر مهم؛ ألا وهو أن التمني المشروع، إذا ما أردنا ترجمته إلى واقع، وجعلناه هدفًا إجرائيًا؛ فإن ذلك يتطلب منا بصورة واضحة أن نتبنى سيناريوهات، تحمل خطة مرنة تقبل التعديل، والإضافة في مراحل؛ كي نستثمر ما قد يتواتر لدى أذهاننا من أفكار ملهمة بأن نترجمها إلى آليات، أو خطوات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وهنا تبدأ الرحلة في إطار جهود مكثفة تجعلنا نستمتع بما نحققه من مراحل، أو خُطوات، ولو بسيطة.

لكن ما نخشاه أن نترك ما نتمنى حدوثه  أو تحقيقه لعالم الصدفة، الذي يدفع لنا من بنك الحظ ما تتوق إليه أنفسنا؛ فقد أرى أنه ضرب من وهم الخيال  يؤدي بنا إلى منطقة ضبابية، قد تورث في نفوسنا سلبية تؤثر حتمًا على ما قد نتطلع إلى في مستقبلنا القريب، أو البعيد، بل، تضعف لدينا جموح النزال في ساحة المعركة، التي نثبت فيها الذات، ونستطيع أن نؤكد مقدرتنا على تحقيق ما نصبوا إليه؛ لذا يتوجب علينا أن ندرك ماهية التمني وفق الفلسفة، التي ينبثق منها، والتي ينبغي أن تقوم على الربط الوظيفي بين الواقع، وأمنياتنا وتطلعاتنا الإيجابية.

رُبّ سائل يسأل، هل هناك ميزان، أو ضابط للأمنيات، التي تلوح في وجدانياتنا؟، نقول بلسان مبين نعم؛ فقد أوضحنا أن ما نضعه من خطط نسير على خطاها، يتوجب أن تتصف بالمرونة، التي تمنحنا حرية الاختيار، وتجعلنا نراعي مستجدات المتغيرات، التي تطرأ على ساحتنا الخاصة؛ ومن ثم تتنامى مقدرتنا على تجاوز التحديات، أو الصعوبات، التي قد تقف حجر عثرة أمام مسيرتنا نحو أمانينا المشروعة، وهنا نحاول أن نميز منذ البداية بين الطريق الصحيح، والأخر المعوّج؛ فنتجنب الغور في سكة الظلام؛ لنخرج في نهاية المطاف مجبوريّ الخاطر.

الأمر لم ينته عند هذا الحد؛ فهناك حسابات خاصة ندرك من خلالها ما إذا كانت أمنياتنا في إطار الممكن، أم في طور غير الممكن، أو ما نسميه أحيانًا بالمستحيل، وهذا يؤكد الفلسفة، التي ننادي بها، وهي هدوء الخيال؛ كي لا يجنح بنا إلى آفاق بعيدة المنال؛ فكل ما علينا أن نربط بين الأمنية، ومقومات تحقيقها في ساحة الواقع؛ ومن ثم نستطيع أن ندشن سقفًا زمنيًا، يتسم بالمرونة، ونحاول بصدق العزيمة، وإخلاص النوايا، وبذل الجهود، وإتقان الممارسة أن نبدأ المسيرة، التي أزعم أنها ستكلل بالنجاح بمشيئة الله تعالى.

نؤكد أن الأمنيات، التي تكبر في نفوسنا، وتنمو في خيالنا الخصب، وتأخذ مساحة في أذهاننا، تعد ضرورة في توجيه ميولنا، بل، ترتبط بها في كثير من الأحيان، وهذا ما يدفعنا نحو التجربة، ويجعلنا نكتسب مهارات نوعية تضيف إلى رصيد خبراتنا، ناهيك عن سبر غور احتياجاتنا، التي تتغير وفق تدفق الأحداث الجارية، التي تحيط بنا، سواءً داخل الإطار الاجتماعي البسيط، أو الكبير، وهذا ما يولد لدينا قوة الثبات، والصبر، والمثابرة، والمغامرة، التي نتحمل مسئولية نتاجها، وفي كثير من الأحيان تفتح لنا أبوابًا من الابتكار، لم تكن في واحة الحسبان.

يصعب أن نتجادل حول ثمرة الأمنية، التي تذيب الفتور، وتحفز الرغبة، وتعلى من مقدار الجهد الصادق؛ لتدفعنا نحو استدامة العطاء؛ فتتبدل مسارات حب الذات، إلى تحقيق غايات نبيلة، يستفيد منها الجميع، فيعم الخير بفضل أفكار منتجة تتدفق من وجدان راقٍ، صافٍ، لا يسمح للأنانية أن تحوز جزءًا منه، وهذا ما يجعل أصحاب الأمنيات المشروعة يمتلكون المقدرة على التواصل، وتقوية الروابط في إطار ما تحث عليه الإنسانية، كما تزداد لديهم روح التفاؤل، والوفاء بما ينعكس إيجابًا على تعزيز الهوية الوطنية، ويجعلنا دومًا في رباط مواثيق المحبة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

طباعة شارك الرغبة الطموح التمني

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كلام للغد)
  • محمد عبد الجواد يكتب: فسيكفيكهم الله
  • في ذكرى ميلاد «صوت النيل».. قصة قرار صادم لـ محرم فؤاد أغضب عبد الوهاب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: الذين سوف يُقتلون قريباً من هم؟
  • نجران ترسم مسارها التعديني بثروة تفوق 145 مليار ريال
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الأمنيات
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (الصورة الآن)
  • أحمد الفيشاوي ومعتصم النهار وسوسن بدر في فيلم حين يكتب الحب
  • الرئيس المشاط يعزي في وفاة عبد الله عبد الوهاب قاسم
  • التصوير قريبا.. الفيشاوي والنهار وسوسن بدر في فيلم حين يكتب الحب