الخليج الجديد:
2025-07-05@03:12:43 GMT

المثقف العربي.. التزام أم إبداع؟

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

المثقف العربي.. التزام أم إبداع؟

المثقف العربي.. التزام أم إبداع؟

هل يتعين على الكاتب أن يكون حاملاً لتطلعات وقضايا مجتمعه أم يكفيه تحقيق متطلبات الإبداع بغض النظر عن مضامين كتاباته؟

لم يعد لمفهوم الالتزام في الثقافة والأدب معنى، إذ من البديهي أن الكاتب يفكر دوماً في مجتمعه ويحمل هموم عصره، لكنه ليس داعيةً ولا محارباً.

الأدب أكثر قدرةً على الكشف عن الشخصية الحضارية للمجتمعات والأمم من الأعمال النظرية في كتب التاريخ والدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية.

«المثقف العضوي» هو الناطق باسم مصالح وتطلعات طبقته الاجتماعية وحزبه السياسي بيد أن هذا النموذج من المثقفين انحسر في العقود الأخيرة.

ظهر نمط أطلق عليه ميشال فوكو تسميةَ «المثقف الخصوصي» الذي يؤرّخ للحاضر ويفكر في عصره بدون أوهام قراءة المستقبل والتغيير الاجتماعي الجذري.

شُغلت الساحة الثقافية العربية بسؤالين محوريين: "سؤال العالمية" المتعلق بشروط وصول الأدب العربي إلى دائرة المنافسة العليا في الثقافة الكونية، و"سؤال الالتزام".

* * *

في نهاية أغسطس 2006، أي قبل سبعة عشرة عاماً من الآن، رحل عن عالمنا الأديبُ الروائي الشهير نجيب محفوظ الذي كان وما يزال الأديب العربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل.

مَن منا لم يتعلَّم تاريخ مصر وعالمها الثقافي والاجتماعي من روايات نجيب محفوظ التي سلطت أضواء الشهرة على حارات وأحياء القاهرة القديمة، وجسدت بكل قوة الروحَ المصرية العريقة؟

ولا تختلف روايات الكاتب السوداني الراحل الطيب صالح عن هذا المنحى، فهو الذي كشف عن عالم القرية السودانية الساحر من خلال شخصيات مصطفى سعيد وود الريس والزين.. إلخ.

لا أحد يجهل شعر أبي القاسم الشابي الذي جسَّد الشخصية التونسية، وقد خلّدت كلماتُ إحدى قصائده الشهيرة في النشيد الوطني التونسي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة...فلا بد أن يستجيب القدر..

في جل بلداننا العربية لدينا مثل هذه الشخصيات الأدبية، مثل بدر شاكر السياب في العراق، ومحمود درويش في فلسطين، وإبراهيم الكوني في ليبيا، وأحمدو ولد عبد القادر في موريتانيا.. إلخ.

كل هذه الأمثلة تدل على أن الأدب أكثر قدرةً على الكشف عن الشخصية الحضارية للمجتمعات والأمم من الأعمال النظرية من كتب التاريخ والدراسات الاجتماعية والأنثروبولوجية.

ذكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أنه عندما قرأ في شبابه رواية توفيق الحكيم «عودة الروح» أثّرت فيه بقوة، إلى حد أنه تقمص شخصية البطل الموعود الذي سيحرر البلاد وينصف الفقراء والمظلومين، وكان هذا من أسباب حركة 23 يوليو 1952.

ما تعلمناه من أدب توفيق الحكيم ونجيب محفوظ عن المجتمع المصري وثقافته أكثر فاعلية وتأثيراً من كتابات المفكرين من أمثال عالم الجغرافيا والاجتماع جمال حمدان الذي كتب أربعة مجلدات رصينة وموسوعية عن شخصية مصر.

وحتى المفكر المغربي المعروف عبد الله العروي اعتَبرَ أن كتبه العميقة في تاريخ المغرب والوطنية المغربية تحتاج إلى أن تنقل إلى عالم الإبداع والخيال الروائي، فكتب روايات «اليتيم» و«الغربة» و«غيلة».. إلخ، وسلك مسلكَه المؤرخ البارز أحمد التوفيق في رواياته التي تركزت حول الشخصيات الصوفية في المجتمع التقليدي المغربي.

منذ ثمانينيات القرن الماضي شُغلت الساحة الثقافية العربية بسؤالين محوريين: سؤال العالمية المتعلق بشروط وصول الأدب العربي إلى دائرة المنافسة العليا في الحقل الثقافي الكوني، وسؤال الالتزام، أي هل يتعين على الكاتب أن يكون حاملاً لتطلعات وقضايا مجتمعه أم يكفيه تحقيق متطلبات الإبداع بغض النظر عن مضامين كتاباته؟

السؤال الأول حُسم عملياً، بعد أن ظهر أن الطريق إلى العالمية يمر بالمحلية، فالكاتب الناجح هو الذي يقدم أجواءَ مجتمعه الخاص إلى القارئ وفق شروط ومقتضيات الإبداع الرفيع، كما هو شأن أدب نجيب محفوظ في رواية الحارة والطيب صالح في أدب القرية وإبراهيم الكوني في رواية الصحراء.. وقد حصل مؤخراً الكاتب التانزاني من أصول عربية «عبد الرزاق قرنح» على جائزة نوبل عن رواياته الموغلة في المحلية حول مجتمع زنجبار التقليدي.

أما الإشكال الثاني فله خلفياته الأيديولوجية المعروفة التي برزت مع رواية التنوير في القرن الثامن عشر وأدب الواقعية الاشتراكية والوجودية السارترية في القرن العشرين. وفق هذا التصور، لا بد أن يكون الأدب في خدمة القضايا الإنسانية والاجتماعية العادلة، ولا بد للمثقف أن يكون «حارس المعبد» ودليل الوعي في النضالات اليومية التي يخوضها الجمهور.

لقد أطلق الفيلسوف الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي على مثل هذا الصنف من المثقفين «المثقف العضوي»، وهو الناطق باسم مصالح وتطلعات طبقته الاجتماعية وحزبه السياسي. بيد أن هذا النموذج من المثقفين انحسر في العقود الأخيرة، وظهر نمط آخر أطلق عليه الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو تسميةَ «المثقف الخصوصي» الذي يؤرّخ للحاضر ويفكر في عصره دون أن تكون له أوهام قراءة المستقبل والتغيير الاجتماعي الجذري.

عندما توفي في أغسطس 2008 الشاعر الفلسطيني محمود درويش، كتبتُ في تأبينه أنه لم يكن «شاعر القبيلة»، وقد كنتُ أعني أن الأبعاد الإنسانية والجمالية في شعره تخرجه من ضيق الأدب الدعائي والنضالي الذي لا يختلف في نهاية المطاف عن المنشورات التعبوية والخطب السياسية الممجوجة.

وحاصل الأمر أنه لم يعد لمفهوم الالتزام في الثقافة والأدب معنى، إذ من البديهي أن الكاتب يفكر دوماً في مجتمعه ويحمل هموم عصره، لكنه ليس داعيةً ولا محارباً.

*د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: الإبداع الالتزام الأدب سؤال العالمية سؤال الالتزام أن یکون

إقرأ أيضاً:

الشؤون الاجتماعية تفتح ملف الأطفال المفقودين زمن النظام البائد

دمشق-سانا

أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل اليوم عن توقيف عدد من الأشخاص المعنيين بملف الأطفال المفقودين الذين كانوا في دور الرعاية الواقعة تحت سيطرة النظام البائد، وذلك في إطار تحقيق رسمي يهدف إلى كشف الحقيقة وتحقيق العدالة.

وذكرت الوزارة في بيان تلقت سانا نسخة منه أن التوقيف جاء بناءً على قرار وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، القاضي بتشكيل لجنة تحقيق مختصة بمتابعة مصير أبناء وبنات المعتقلين والمغيبين قسراً، وبناءً على معطيات أولية وشهادات شخصية تم جمعها بالتنسيق مع وزارة الداخلية.

وأوضحت الوزارة أن الموقوفين وُضعوا قيد التحقيق الرسمي للاشتباه بتورطهم في تجاوزات وانتهاكات محتملة تتعلق بمصير الأطفال، مؤكدة أن جميع الإجراءات تتم وفق الأصول القانونية وضمن أعلى معايير العدالة.

كما دعت الوزارة جميع الجهات الرسمية والمدنية، وكل من يمتلك معلومات ذات صلة إلى التعاون مع لجنة التحقيق، بما يسهم في تسليط الضوء على مصير الأطفال وضمان حقوقهم.

وأكدت الوزارة أن حماية حقوق الأطفال من أبناء المعتقلين والمعتقلات مسؤولية وطنية وأخلاقية، مشددة على التزامها الكامل ببذل كل الجهود الممكنة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً.

2025-07-02Ali Ghaddarسابق انفجار مجهول السبب في بلدة جبرين شرق حماة انظر ايضاً انفجار مجهول السبب في بلدة جبرين شرق حماة



آخر الأخبار 2025-07-02السكاف والعلي يبحثان إصلاح هيكلية وزارة الصحة السورية 2025-07-02صناعيون سوريون يطالبون الأردن بفتح الأسواق لمنتجاتهم 2025-07-02نتائج مخيبة تُنهي مشوار أنسيلمي مع بورتو 2025-07-02ألمانيا تدعم مبادرة “غذاء من أوكرانيا لسوريا” بثلاثة ملايين يورو إضافية 2025-07-02دليل إحصائي جديد لتحسين جودة البيانات في سوريا 2025-07-02تشيلسي يتعاقد مع البرازيلي بيدرو 2025-07-02“تكافل الشام” تكرم مبادرات شبابية في حلب 2025-07-02انطلاق المعرض التركي بدمشق: تقنيات نسيج حديثة وشراكات واعدة 2025-07-02بريطانيا تجدد التزامها بدعم العدالة وسيادة القانون في سوريا 2025-07-02الكرامة والوحدة وأهلي حلب وحطين إلى بلاي أوف الدوري الممتاز

صور من سورية منوعات دراسة حديثة: القيلولة الطويلة قد تزيد خطر الوفاة 2025-07-02 ما هي الكوارث التي ينذر بها التغير المناخي العالم؟ 2025-07-02
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • بالفيديو .. الكاتب حمادة فراعنة كيف قرأ المشهد في الإقليم بعد الحرب الايرانية الإسرائيلية
  • الإقتصاد السياسي للشنقلة والفنقلة
  • الرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة يلتقي سفير النرويج لدى المملكة
  • محافظ الأحساء يستقبل أعضاء مجلس إدارة جمعية الأدب المهنية وسفراءها بالمحافظة
  • وفاة الكاتب الصحفي عادل السروجي نائب رئيس تحرير الأهرام المسائي
  • «أبوظبي للغة العربية» ضمن جولة الأدب العالمية لمنصة «OverDrive»
  • الشؤون الاجتماعية تفتح ملف الأطفال المفقودين زمن النظام البائد
  • إعلام الفيوم يستضيف الكاتب الصحفى "محمود مسلم" فى الأحتفال بثورة ٣٠ يونية
  • ثقافة أسيوط الجديدة تكرم رموز الإبداع الأدبى
  • ثقافة أسيوط الجديدة تكرم رموز الإبداع الأدبى فى احتفالية ثقافية متميزة