مع كل الثراء الذي حققه مايكل جاكسون، لم يكن يستطيع النوم إلا باستخدام المهدئات، التي تسببت في وفاته في النهاية، كما انتحرت كريستينا أوناسيس عن عمر يناهز السابعة والثلاثين، رغم الثروة الهائلة التي ورثتها عن والدها، إذ كانت أصغر مليارديرة طفلة عند وفاته.
أما مارلين مونرو، فقد أنهت حياتها في السادسة والثلاثين.
هكذا يُسوِّق لنا الفقر ليبقينا في الحضيض، عبر هذه القصص المؤلمة التي توحي أن المال قد يدمر الحياة. لكنني هنا لأقول لك: المال يحيي ولا يقتل. ما قتل هؤلاء لم يكن المال، بل الفراغ الروحي الذي عاشوه، وغياب المعنى، وأسلوب الحياة اللاهي. هؤلاء مجرد استثناءات يُسلَّط عليها الضوء، بينما يتم تجاهل بلايين الأثرياء عبر التاريخ الذين تركوا إرثًا عظيمًا، ولا يزال الملايين منهم اليوم يسهمون في تطوير الحياة من خلال الابتكارات والاختراعات التي تسهّل حياتنا، من الذكاء الاصطناعي إلى الهواتف الذكية وغيرها.
كل ما حولنا يقف خلفه مالٌ وُظِّف في النجاح، مما أدى إلى البناء والإعمار، فاستحق أصحابه المكافأة بالمزيد من الثروة، ليستمر التطور والإنجاز.
أما من يروّج لفكرة أن «المال وسخ دنيا» وأنه سبب التعاسة، فإنه بذلك يقنع الفقراء أن لا فرصة لديهم للخروج من دائرة الفقر، حتى يبقى الفقير أداة في يد صُنّاع الثروات. وما مصطلحات مثل «الأيدي العاملة الرخيصة» و«العمال غير المهرة» إلا وسائل لإبقائهم حيث هم، بسدّ أبواب الطموح أمامهم.
إن الترويج للفقر في زمن أصبح فيه الثراء متاحًا بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية أمر مؤلم، لأنه يكسر الطموحات ويزرع مشاعر العجز والاستسلام، وهي نغمة تتردد كثيرًا في حواراتنا وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
أنا هنا لأقول لك: المال قوة للبناء، وهو وسيلة للسعادة والرفاهية عندما يُستخدم بحكمة، وعندما لا يصبح غاية في حد ذاته. المال نعمة عظيمة، فلا تصدق من ينكر ذلك، ولا تستسلم للفقر إذا كنت تريد تغيير واقعك ومؤمنًا أنك تستطيع، فما حققه غيرك تستطيع حتمًا تحقيقه. وأنا لا أتحدث بالضرورة عن ثراء بيل جيتس أو وارن بافيت.
هذا لا يعني بالضرورة أيضًا أن عليك أن تصبح ثريًّا إن لم يكن هذا طموحك، لكنه يعني أن ترفض القناعة الزائفة التي تساوي بين الفقر والفضيلة، وأن تدرك أن المال أداة، وطريقة استخدامه هي التي تحدد قيمته في حياتك.
حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
استثمار رأس المال البشري.. البنك المركزي العُماني أنموذجًا
محمد بن عيسى البلوشي
يؤدي رأس المال البشري دورًا محوريًا في تنمية المؤسسات والمجتمعات من خلال توظيف القدرات والكفاءات والمهارات والقيادات بما يحقق المستهدفات الفردية والمؤسسية والوطنية، ويتطلب ذلك اهتماما أكبر في تطوير وزيادة حجم الاستثمارات في هذا القطاع لتحقيق التنمية البشرية الرامية للازدهار والرفاه الاقتصادي.
ومن نافلة القول إن رأس المال البشري هي جملة "المعارف والمهارات والقدرات التي يستثمر فيها الأفراد/ المؤسسات/ الحكومات وتتراكم لدى الناس/ الموظفين على مدار حياتهم بما يمكنهم من استثمار إمكاناتهم كأفراد منتجين في مؤسساتهم أو مجتمعاتهم".
وفي البنك المركزي العُماني والذي حاز مؤخرا على المركز الاول في جائزة الاجادة المؤسسية الحكومية لعام 2024 لرأس المال البشري، اهتمت الإدارة منذ وقت ليس ببعيد في استثمار رأس المال البشري عبر مجموعة من الأنشطة والبرامج المعززة لمعرفة الموظفين لرفع كفاءتهم، ولعلنا نذكر من باب الرصد لا العدد واقع استثمار رأس المال البشري في هذه المؤسسة التي تحتفي هذا العام بمرور 50 عاما على إنشائها، وتتمثل في:
أولًا: اهتم البنك المركزي العُماني بتأهيل الكوادر البشرية للوظائف الإشرافية بهدف إيجاد "صف ثاني" للوظائف القيادية والاشرافية كنائب للرئيس التنفيذي ومديري العموم ومديري الدوائر ورؤساء الأقسام، وذلك عبر إلحاق الموظفين في برنامج ودورات متخصصة (قيادية) وأيضا تكليفهم بمسؤوليات وأعباء ومهام أعلى في حال شغل المنصب، وهذا ما أتاح فرصة تدريبهم على رأس العمل لصناعة القرارات ومتابعة الأعمال ورسم الخطط والبرامج الاستراتيجية.
ثانيًا: ركز البنك المركزي العُماني منذ وقت طويل على ملف تطوير الكفاءات بهدف رفع امكانياتهم وقدراتهم ومهاراتهم الوظيفية وأيضا معارفه ودرجاتهم العلمية، وتمكينهم عبر تنفيذ سلسلة متنوعة من البرامج التدريبية المتخصصة (إدارية/ فنية) وبرنامج تكملة الدراسات (دبلوم/ بكالوريوس/ ماجيستير)، وأيضا التدوير الوظيفي الأفقي والذي اسهم بدوره في تنويع مهارات وقدرات الموظف ورفع جاهزيته وكفاءته للمهام المتعددة على نطاق القسم/ الدائرة/ المديرية/ القطاع، وفق منهجية متكاملة سعت المؤسسة منذ سنواتها الأخيرة إلى تحقيق الاستدامة في الوظائف وديمومة الأعمال في الحالات العادية أو الطارئة كما كان الحال في أوقات الجائحة.
ثالثًا: سعت المؤسسة بعد تجربة العمل عن بعد في أوقات الجائحة إلى وضع منهجية إدارية لتخفيف عن ساعات العمل المفقودة من إجمالي ساعات العمل عبر تخصيص حزمة من البرامج المحفزة، ومنها ساعات العمل المرنة والعمل عن بعد وذلك بهدف تحقيق استدامة الأعمال وتخفيف الفاقد وتحقيق الكفاية في إدارة ساعات العمل.
رابعًا: يمثل نسبة التعمين في القطاع المصرفي عموما حوالي (92%)، وفي البنك المركزي العُماني استطاعت الإدارة عبر برنامج التعمين من تحقيق التعمين بنسبة تصل إلى (95%) خلال عام 2024، ويعود الفضل في ذلك إلى رغبة وإصرار الإدارة في تمكين الكوادر العُمانية في القطاع المصرفي العُماني.
خامسًا: وفَّر البنك المركزي العُماني عبر مبادرته في استثمار راس المال البشري مساحة لتدريب الخريجين العُمانيين ضمن برنامج "تعزيز" والذي أتى لتعزيز القدرات المعرفية في القطاع المصرفي واكساب الخريجين المهارات الادارية والفنية لدخول سوق العمل، إلى جانب استثمار الكفاءات الوطنية وصقل مهاراتها بما يمكنها من لعب دورها في القطاع المصرفي ويعزز متانة هذا القطاع بكوادر عُمانية.
سادسًا: بهدف تزويد سوق العمل بكوادر مختصة في مجال التحليل المالي والاقتصادي، فقد تبنى البنك المركزي العُماني مبادرة استراتيجية في اعداد جيل من المحللين الماليين والاقتصاديين في القطاع المصرفي، حيث تمثلت تلكم المبادرة بإطلاق برنامج الخبراء الاقتصاديين والماليين العُمانيين لدرجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد والمالية لفئة الباحثين عن عمل. وتعد هذه الخطوة النوعية واحدة من أدوات الاستثمار في رأس المال البشري والتي تعمل على صناعة جيل يتمتع بمعرفة وكفاءة وجودة ليسهم بدوره في التخطيط والتنفيذ والإجراءات ذات العلاقة بالمجال المالي والاقتصادي.
سابعًا: يشعر الموظفون في البنك المركزي العُماني بانتمائهم إلى منظومة العمل وحرصهم على تكملة مشوارهم المهني والتدرج فيه في ظل الاستقرار الوظيفي والخطط التطويرية الموضوعة، ولهذا يظهر أن السياسات الادارية الممارسة جعلت الاستقالات محدودة جدا في المؤشرات العامة مع الأخذ في الاعتبار إلى عدد المتقاعدين في العام الواحد.
ومن جانب آخر، تقوم المؤسسة بندب عدد من خبراتها الوظيفية وفي مختلف التخصصات إلى مؤسسات الدولة والبرامج الوطنية بهدف نقل المعرفة والاستفادة من خبراتهم وخلق حالة من التعاون المؤسسي المفضي إلى رفع كفاءات الكادر البشري واثراء خبراتها القيادية والمعرفية، مع الإشارة إلى استقطاب المؤسسة لعدد من الكفاءات العُمانية للعمل معها عبر مختلف برامج التوظيف.
إن مستقبل تنمية وتطوير رأس المال البشري في البنك المركزي العُماني يمضي وفق منهج يتم رسمه من قبل القطاع المعني بالموارد البشرية، ورؤية يقودها معالي أحمد المسلمي محافظ البنك المركزي العُماني، وفي ظل إشراف عام لمجلس الادارة برئاسة صاحب السمو السيد تيمور بن أسعد بن طارق آل سعيد، ونستشرف معها آفاقًا أرحب من التمكين للكفاءات الوطنية في مختلف المجالات مع النظر للتحديات التي تفرضها التغيرات والتطورات المتسارعة في عالم المال والأعمال محليًا وعالميًا وأيضًا حجم الفرص المستقبلية.
رابط مختصر