ترامب يقلب المعادلات الجيوسياسية بعد عودته للبيت الأبيض
تاريخ النشر: 4th, March 2025 GMT
4 مارس، 2025
بغداد/المسلة: رغم أن عودته إلى البيت الأبيض لم يمرّ عليها سوى بضعة أسابيع، أحدث دونالد ترامب تبدلات كبرى في النظام الجيوسياسي العالمي، بأسلوبه الصادم الذي لا يعرف محرّمات ومواقفه البعيدة عن الدبلوماسية التي تقلق الحلفاء قبل الخصوم.
وسلّطت المشادة الصاعقة التي تواجه فيها ترامب مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمام كاميرات العالم، الضوء على هذا الوضع الجديد في الدبلوماسية الأميركية التي تطغى عليها النزعة الفردية إلى حد كبير.
وأمر الرئيس الأميركي الاثنين بوقف المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، بعد انتقاده الرئيس الأوكراني متهما إياه بالتقليل من احترام الولايات المتحدة وعدم الامتنان لجهودها لإنهاء الصراع بين أوكرانيا وروسيا.
وقال ترامب لزيلينكسي “ليست لديك أي أوراق الآن”.
سواء في ما يتعلق بغرينلاند، الجزيرة الدنماركية الشاسعة التي يريد الاستيلاء عليها، أو بقناة بنما أو بفرضه تعرفات جمركية في كل الاتجاهات، يُظهر الرئيس الأميركي بوضوح ميله إلى إعلاء مصالحه على مصالح أصدقائه… وهو لا يخفي ذلك بتاتا.
ويتّهم ترامب حلفاء أميركا في حلف شمال الأطلسي باستغلال كرم بلاده، كما يرى أن الاتحاد الأوروبي بمؤسساته وآلياته التنفيذية يهدف قبل كل شيء إلى “خداع” الولايات المتحدة.
“زعيم جديد”
وقال دونالد ترامب الأسبوع الماضي في مؤتمر صحافي إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “إدارتي تقوم بقطيعة حاسمة مع قيم السياسة الخارجية المتعلقة بالإدارة السابقة، وبصراحة، مع الماضي”.
كما أن التخفيضات الجذرية في مساعدات التنمية الخارجية خير دليل على هذا التوجّه.
وعلى عكس ترامب، كان سلفه الديموقراطي جو بايدن يتباهى باللعب على وتر التعددية، مع إعطاء الأولوية للدفاع عن الديموقراطيات والتحالفات التي كان يُنظر إليها على أنها عوامل تضاعف النفوذ الأميركي في العالم.
ويرى ماكس بيرغمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن “السياسة الخارجية لم تعد لها أي علاقة باحترام الولايات المتحدة لهذه القيم”.
ويقول لوكالة فرانس برس “أعتقد أن هذا تغيير عميق للغاية في النظام العالمي الدولي”.
من هنا، لا تُستغرب دعوة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الولايات المتحدة إلى أن تحذو حذو روسيا والصين، من خلال متابعة مصالحها الخاصة أولا قبل مصالح الآخرين.
وبعد فشل اجتماع البيت الأبيض، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس “أصبح من الواضح أن العالم الحر يحتاج إلى زعيم جديد”.
التوتر في تايوان
ويواصل تحوّل دونالد ترامب باتجاه روسيا، والذي تجلى في المكالمة الهاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 12 شباط/فبراير، إحداث صدمة في أوروبا وخارجها، من دول البلطيق إلى تايوان، ما يوفر “انفتاحا حقيقيا” على الصين، وفق بيرغمان.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة حاولت إقناع الدول بعدم إبرام اتفاقات منفصلة مع الصين، بحجة عدم إمكان الوثوق بها.
ويلفت الخبير إلى أن “الولايات المتحدة تغيّر الآن موقفها بشكل كامل وتتوقف عن دعم أي نظام ديموقراطي في حالة حرب”.
وقد زادت الصين في السنوات الأخيرة من نشر طائراتها الحربية وسفنها حول تايوان التي تعتبرها جزءا من أراضيها. ولم تستبعد بكين استخدام القوة لفرض سيطرتها.
لكنّ الرئيس الأميركي يتهرّب من التعليق على الدعم المحتمل لتايوان في حال وقوع غزو صيني، رغم قوله الاثنين إن غزوا مماثلا سيكون “حدثا كارثيا”.
وتقول بوني غلايسر التي تدير برنامج منطقة المحيطين الهندي والهادئ في مركز “جرمان مارشال فاند” للأبحاث في واشنطن، إن “تايوان لديها أسباب كافية لتشعر بالتوتر”.
وعلى النقيض من أوكرانيا التي تحظى بدعم كل دول أوروبا تقريبا، تعتمد تايوان على الولايات المتحدة بشكل شبه حصري في الحصول على أسلحتها.
لكن، بحسب غلايسر، فإن الرهانات الاقتصادية تغيّر المعادلة، إذ إنّ تايوان تحتل الصدارة على قائمة الدول الأكثر تصنيعا للرقائق الإلكترونية.
وفي موقف يتماهى مع كلمات ترامب في حديثه إلى زيلينسكي، تقول غلايسر “تايوان لديها أوراق لتلعبها”.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في “أميريكن يونيفرسيتي” جوشوا روفنر إن حالة عدم اليقين تشكل جزءا من استراتيجية الرئيس الأميركي.
ويضيف “هناك ألف طريقة لتفسير ما يقوله. لكن ما يهم حقا هو ما يفعله في نهاية المطاف بالقوات الأميركية”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الرئیس الأمیرکی
إقرأ أيضاً:
الفدرالي ومكتب إحصاءات العمل.. مرايا الاقتصاد الأميركي المزعجة
خاص – يتواصل السجال في الولايات المتحدة الأميركية بشأن مصداقية ودقة البيانات والمؤشرات الصادرة عن العديد من المؤسسات الاقتصادية الحكومية وما يترتب عنها من قرارات جوهرية من قبيل أسعار الفائدة ومعدلات النمو.
ويشتد ذلك السجال على خلفية التباين الحاد في بعض الأحيان بين ما يصدر عن تلك المؤسسات وبين التقييم السياسي الصادر عن إدارة الرئيس دونالد ترامب، وهو ما يطرح الكثير من الأسئلة حول مدى استقلالية المؤسسات الاقتصادية والمالية الأميركية وتداعيات ذلك على اقتصاد أميركا والعالم.
واحتدم الجدل قبل نحو أيام حول "مكتب إحصاءات العمل"، وذلك على خلفية قرار الرئيس ترامب في الأول من أغسطس/آب الجاري بإقالة مفوضة المكتب إريكا ماكنتارفر بعد إعلان أرقام تشير لتراجع توقعات نمو الوظائف في أميركا في يوليو/تموز.
ولا يزال الجدل محتدما بشأن ذلك القرار بالنظر إلى دور ذلك المكتب، وهو وكالة فدرالية تابعة لوزارة العمل تتمثل مهمتها الأساسية في تشخيص حالة الاقتصاد الأميركي من خلال تقاريرها وبياناتها الدورية حول نمو الوظائف ومؤشرات أسعار المستهلك والتضخم والاستيراد والتصدير.
وتركز النقاش حول المبررات التي ساقها ترامب لتبرير قراره، إذ اتهم إريكا ماكينتارفر بالتلاعب في أرقام الوظائف، وهو ما أيده كبار المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض عندما هبّوا لاحقا للدفاع عن ذلك القرار، واستبعدوا أن يتسبب في تقويض الثقة في البيانات الاقتصادية الأميركية الرسمية.
وفي اليوم نفسه (الأول من أغسطس/آب)، نشر البيت الأبيض على موقعه الإلكتروني مادة جاء فيها أن "مكتب إحصاءات العمل" يجر تاريخا طويلا من عدم الدقة وعدم الكفاءة تحت قيادة ماكنتارفر، التي عينها الرئيس السابق جو بادين، وهو ما أدى إلى "تآكل الثقة العامة" في تلك الوكالة الحكومية.
في المقابل أكدت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحية خاصة بالموضوع أن اتهامات ترامب بحق إريكا ماكنتارفر لا أساس لها في الواقع، وأن تقرير بيانات سوق العمل يعده فريق غير حزبي بناء على إحصاءات كل قطاع اقتصادي على حدة.
إعلانوذهب الكاتب الأميركي توماس فريدمان، وهو ذو ميول نحو الحزب الديمقراطي، بعيدا في انتقاد تلك الخطوة، وقال في مقال بنيويورك تايمز، إنها ليست الأولى من نوعها في ولاية ترامب الثانية، بل تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تقوّض استقلالية الدولة وتحوّلها إلى أداة في يد الرئيس لتلميع صورته وتحقيق أهدافه السياسية.
كما انتقد مسؤولون سابقون في مكتب إحصاءات العمل خطوة ترامب، ودعوا الكونغرس إلى التحقيق في إقالة ماكنتارفر، وحذروا من تداعيات تلك الخطوة وقالوا إن من شأنها أن تزعزع الثقة في ذلك المكتب.
وأثارت إقالة ماكنتارفر المزيد من المخاوف والشكوك حول دقة البيانات الاقتصادية الرسمية الأميركية، في ظل تداعيات الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة التي تم فرضها على عشرات الشركاء التجاريين، وهو ما أدى لتراجع أسواق الأسهم العالمية.
وعادة ما تعتبر الإحصائيات الصادرة عن "المكتب" من بين أكثر المؤشرات تأثيرا في توجهات السياسات الاقتصادية الأميركية، وغالبا ما يتم الاستشهاد بها من قبل وسائل الإعلام وتستند إليها الشركات والأوساط الأكاديمية ودوائر صنع السياسات لاتخاذ قراراتها.
الاحتياطي الفدراليفي غضون ذلك يتابع الرأي العام الأميركي والدولي باهتمام كبير تصريحات ترامب حول مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) وضغوطه المستمرة على رئيسه جيروم باول في اتجاه خفض أسعار الفائدة والتلويح أكثر من مرة بتعويضه بمسؤول أقرب إلى توجهاته السياسية والاقتصادية.
وبدأ الاهتمام بالموضوع منذ بداية العهدة الثانية للرئيس ترامب في يناير/كانون الثاني الماضي، وذلك بالنظر إلى دور تلك المؤسسة في رسم معالم السياسة المالية للبلد، وخاصة ما يتعلق بمعدلات الفائدة على القروض.
وأثناء حملته الانتخابية سعيا للعودة إلى البيت الأبيض، وعد الرئيس ترامب مرارا بخفض أسعار الفائدة على القروض على غرار ما فعل في ولايته الأولى، لكنه اصطدم بإدارة المجلس التي تتمسك باستقلاليتها وتحرص على اتخاذ قراراتها بناء على الحقائق والبيانات.
ورغم انتقادات ترامب العنيفة أحيانا وتلويحه بسلاح الإقالة، يواصل جيروم باول، الذي تنتهي ولايته في مايو/أيار 2026، التمسك بسياسة الحذر، وقرر قبل نحو أسبوع تثبيت سعر الفائدة عند 5.25% إلى 5.50%، مستندا إلى استمرار مؤشرات التضخم وسوق العمل في نطاق غير مستقر ومن أجل منح الاقتصاد فرصة لمزيد من التوازن، وسط تقلبات الأسواق العالمية.
وتعهد باول بأنه سيستمر في ذلك النهج، وبرر تلك المقاربة بما سماه الضبابية الناجمة عن آثار الرسوم الجمركية التي أعلنها ترامب لأول مرة في أبريل/نيسان الماضي وواصل الإعلان عنها لاحقا.
تهديد لثقة المستثمرينويبدو أن التوتر والتصعيد بين الاحتياطي الفدرالي وترامب سيتواصل في الأشهر المقبلة بعد تلميحات من البيت الأبيض بعدم إقالة جيروم باول قبل نهاية عهدته، رغم أن القانون يسمح نظريا لرئيس البلاد بعزله إذا ثبت في حقه "إخلال بالواجب أو اختلاس أو عدم الكفاءة".
إعلانوأشار تقرير نشرته مجلة فوربس إلى أن قانون الاحتياطي الفدرالي ينص على أسباب محددة لإقالة رئيس الفدرالي، مثل الفساد أو الإهمال أو خيانة الأمانة، ولكنه لا يعتبر الخلاف في الرؤية النقدية مسوغا قانونيا كافيا.
وحذرت المجلة من أن سعي ترامب للمس باستقلالية تلك المؤسسة المالية المحورية ستكون له كلفة باهظة على ثقة المستثمرين، ومن شأنه أن يفتح الباب أمام تقلبات حادة وعواقب وخيمة على السياسة النقدية للبلاد.
وفي هذا الصدد نقل موقع بلومبيرغ عن الخبيرة الاقتصادية ماري وليامز من جامعة جورجتاون قولها إن "التدخل السياسي العلني في عمل الفدرالي يقوّض مصداقية السياسة النقدية الأميركية أمام الأسواق العالمية".
وحذرت ماري وليامز من أن "العوائد القصيرة الأجل قد تأتي على حساب استقرار طويل الأمد".
ومن شأن هذه التوترات أن تلقي بظلالها في الأشهر المقبلة، قبل نهاية عهدة جيروم باول، على اقتصاد البلاد برمته وعلى مدى استقلالية المؤسسات الاقتصادية والمالية في البلاد.
كما أن تلك الخلافات تفاقم الشكوك حول البيانات والمؤشرات الصادرة عن تلك المؤسسات، التي يفترض أن تكون بمثابة مرآة تعكس بصدق حالة الاقتصاد الأميركي بما يسمح لكل الأطراف المعنية باتخاذ القرارات السليمة استثمارا أو تصديرا أو اقتراضا.