لجريدة عمان:
2025-05-28@13:53:31 GMT

حرف الراء بين الحب والكراهية

تاريخ النشر: 15th, March 2025 GMT

أعادني الكاتب سلطان ثاني في مراجعته التي نُشِرتْ في هذه الجريدة قبل عدة أيام لرواية «الحرب» لمحمد اليحيائي بعنوان «الراء المفقودة في الحرب» إلى تاريخ من الكتابات العربية عن هذا الحرف الهجائي بشكل عام، وعمّا يسببه وجوده في منتصف كلمة «حرب» أو فقدانه منها بشكل خاص.

بادئ ذي بدء سأقول إنه يثير تساؤلي دائما احتفاء الكُتّاب والأدباء بحرف معيّن من حروف الهجاء دون سواه، سواء في عناوين مؤلفاتهم أو حتى في مضامينها، وأتساءل: لماذا هذا الحرف بالذات؟ ما الذي فعله لهم أو بهم لينال هذه الحظوة؟ ثم أليست الكتابة لا تكتمل إلا بالحروف الثمانية والعشرين جميعها؟! نجد هذا مثلًا في ديوان «آية جيم» للشاعر المصري حسن طلب، الذي خصصه كاملًا للاحتفاء بحرف الجيم بعد تأنيثه: «الجيم تاج الأبجدية / وهي جوهرة الهجاء/ جُمانة اللهجات/ أو مرجانة الحاجات».

ونجد هذا أيضًا في رواية «لغز القاف» للروائي البرازيلي ألبرتو موسى (ترجمة: وائل حسن) التي يستعرض فيها عوالم الأدب الجاهلي والأساطير العربية. هذه الرواية يقسّمها المؤلف إلى ثمانية وعشرين فصلا، عنوان كل منها على حرف من حروف الأبجدية العربية، ومع ذلك اختار أن يضع في العنوان حرف القاف، لماذا؟ يجيب أن القارئ سيكتشف بنفسه حقيقة لغز هذا الحرف عند الانتهاء من قراءة الرواية. أما الشاعر العُماني محمد عبد الكريم الشحي فهو لا يكتفي بحرف واحد في ديوانه «مقامات لام وضمة ميم»، وإنما يحتفي بحرفَيْ اللام والميم معًا. ورغم هذه الأمثلة على الاحتفاء بحروف مختلفة من اللغة العربية إلا أنه يبقى لحرف الراء حكاية أخرى.

كثيرة هي الأعمال الأدبية التي تضع حرف الراء في عناوينها، أذكر منها على سبيل المثال «ثلاثية راء» للقاص اليمني سمير عبدالفتاح التي يجمع فيها ثلاث مجموعات قصصية تبدأ كلها بهذا الحرف، هي «رنين المطر»، و«رجل القش»، و«راء البحر». وللراء لدى هذا الكاتب مكانة كبيرة لا يزاحمها أي حرف آخر، فهو يحضر في كثير من عناوين أعماله، ومنها عمله الأدبي «روايات لا تطير» الذي يبدأ به العنوان وينتهي كما نرى، ويصنفه سمير عبدالفتاح على الغلاف «مصغّرات» (أي روايات صغيرة)، ومن ضمنها مصغّرة عنوانها «رواية راء». وهناك أيضًا رواية «حرف الراء» للكاتبة المصرية عُلا صادق، وقصة «البنت التي أحبت حرف الراء» للشاعر والكاتب العراقي قاسم سعودي. وهذان العملان الأخيران سأرجع إليهما بعد قليل.

وبالعودة إلى مقال سلطان ثاني، فإنه يحدثنا عن حرف راء في رواية محمد اليحيائي، سقط فأصبحت الحرب حُبًّا، وهو يحيلنا بذلك على كرسي خشبي في تلك الرواية أراد البطل أن يحفر على أرضيته بسكين عبارة «الحرب خدعة»، لكن السكين أسقطت الراء، فجاءت العبارة هكذا: «الحب خدعة»! وهي في رأيي طريقة مبتكرة من المؤلف لقول عبارة الحب التي تتحول إلى حرب، إذا ما قارنّاها بالطريقة التقليدية في روايات أو قصص أو مقالات أخرى، والتي أصبحت أقرب إلى كليشيهات. على سبيل المثال كتب البابا تواضروس الثاني مقالًا أقرب إلى موعظة بعنوان «حرف الراء اللعين» يُمكن أن نلخّص فكرته بهذه العبارة: ((وهكذا اخترق حرف الراء تلك الكلمات الجميلة «حب» فقسمها وطرحها أرضًا، وتحولت إلى «حرب»)). وهذه شبيهة بعبارة وردت في قصة الفتيان «البنت التي تحبّ حرف الراء» لقاسم سعودي - التي وعدتُ بالرجوع إليها - حيث تبكي كلمة «حُبّ» حزينة، وتشتكي لصديقاتها: ((إني كنتُ سعيدة حتى هاجمني حرف الراء وتوسّطني. صرت كلمة «حرب»)).

أما رواية «حرف الراء» لعُلا صادق فنجد كليشيه راء الحب والحرب على لسان أكثر من شخصية فيها. يقول فارس: «فلم ندرك نحن في الصغر مقدار الفرق الذي قد يُحدِثه حرف الراء بتدخُّله في كلمة طاهرة، صافية، دافئة، وجميلة مثل كلمة حب»، وفي الرواية نفسها تخاطب فيروزة سينا بالقول: «أتمنى لكِ حبًّا لا ينزعه منكِ حرف الراء بتدخُّله السخيف»، ويبدو أن أمنية فيروزة لم تتحقق، فها هي سينا نفسها تقفل أحداث الرواية بدمدمتها المصدومة: «سُحقًا للحروب، سُحقًا للفراق، سُحقًا لحرف الراء الذي شوَّه كل ما يُحيطني من حبّ»!

هذه الكراهية المقيتة لحرف الراء نجدها في التراث العربي في سيرة إمام المعتزلة واصل بن عطاء، الذي كان يلثغ بهذا الحرف، ولذلك يحرص دائما أن يخلو كلامه منه، وله خطبة شهيرة تخلو -رغم طولها من حرف الراء، وقد وظفتها الروائية المصرية منصورة عز الدين في روايتها «بساتين البصرة». يقول ابن عطاء في هذه الخطبة: «الحمد لله القديم بلا غاية، الباقي بلا نهاية، الذي علا في دنوّه، ودنا في عُلوّه، فلا يحويه زمان، ولا يُحيط به مكان، ولا يؤوده حفظ ما خَلَق، ولم يخلقه على مثالٍ سبق، بل أنشأه ابتداعًا، وعدّله اصطناعًا، ...... إلى آخر الخطبة».

كان حرف الراء مكروهًا إذن من واصل بن عطاء، ومن البابا تواضروس، ومن شخصيات رواية «حرف الراء»، وربما من بطل رواية «الحرب». لكنّه لم يكن كذلك في قصة قاسم سعودي التي تخبرنا بأنه محبوب منذ العنوان: («البنت التي أحبّت حرف الراء»). والبنت المقصودة هنا «بدور» التي أحبته وآوتْه في حقيبتها، بعد أن سرد لها حكاية مغادرته قرية الكلمات ومنازل الحروف، احتجاجًا على أن «الكلمات تنظر إليه بازدراء، والحروف كذلك». غير أنه في نهاية القصة يفاجأ أنه ليست بدور فقط التي تحبه، وإنما كل الحروف الأبجدية التي جاءت تبحث عنه بعد أن افتقدتْه، فيعانقها سعيدًا لأنها «لم تتخلَّ عنه رغم كل شيء». وهكذا نحن أيضًا، لا يمكن أن نتخلى عن حرف الراء، مهما قيل عن إفساده الحب الصافي وتحويله إلى حرب ضروس. فلا تصحّ كتابة بدونه، ولا يستقيم لسان في غيابه، مع احترامي الشديد لمحاولات واصل ابن عطاء.

سليمان المعمري• كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا الحرف

إقرأ أيضاً:

عرض خاص للفيلم الروائي "سنو وايت" على مسرح الأوبرا الصغير ومناقشة مفتوحة مع صناعه


 

في إطار جهود وزارة الثقافة المصرية لإثراء المشهد الفني والثقافي، تواصل دار الأوبرا المصرية، برئاسة الدكتور علاء عبد السلام، تقديم سلسلة عروض "نادي سينما الأوبرا" ضمن نشاطها الثقافي والفكري المستمر، حيث تستضيف في السابعة من مساء الأربعاء ٢٨ مايو عرض الفيلم الروائي الطويل "سنو وايت" على المسرح الصغير.

فيلم يناقش الحب والتقبل من منظور مختلف

يأتي الفيلم، الذي كتبت له السيناريو وأخرجته تغريد عبد المقصود، ليقدم رؤية جديدة ومختلفة حول قضايا مجتمعية شائكة، من خلال قصة إنسانية رقيقة. يشارك في بطولة الفيلم مريم شريف، محمد ممدوح، كريم فهمي، ومحمد جمعة، في مزيج تمثيلي جمع بين الحضور القوي والصدق الفني.

وتدور أحداث "سنو وايت" حول شخصية "إيمان"، وهي فتاة قصيرة القامة تعيش مع شقيقتها الصغرى، وتحلم كلتاهما بالعثور على الحب الحقيقي، لكن ضمن معايير مجتمع يفرض الكثير من القيود الشكلية والاجتماعية. 

وبسبب قصر قامتها، تواجه "إيمان" صعوبات في نيل فرص متساوية للزواج، ما يدفعها للجوء إلى الإنترنت لإخفاء هويتها الجسدية، فتقع في علاقة تؤدي إلى عرض زواج، لكنه يصطدم بتردد عائلة الشاب "خالد"، وتتشابك الأحداث في إطار درامي وإنساني مؤثر.

لقاء مفتوح مع صنّاع الفيلم بعد العرض

يعقب عرض الفيلم لقاء مفتوح مع صناعه، من إعداد نورا غنيم، يضم كلًا من منتج الفيلم محمد عجمي، والمخرجة تغريد عبد المقصود، وبطلة الفيلم مريم شريف، ويدير اللقاء الكاتب الصحفي والناقد زين العابدين خيري، في مناقشة تفاعلية تمنح الجمهور فرصة لفهم أعمق لأبعاد الفيلم وأهدافه ورسائله.

رسالة إنسانية وتكريم لذوي القدرات المختلفة

يحمل "سنو وايت" في طياته رسالة إنسانية بالغة الأهمية، حيث يتناول موضوع زواج ذوي القدرات الخاصة وتحدياتهم في المجتمع، كما يبرز العلاقة بين الأخوات والتضحيات التي تُبذل من أجل الحب والكرامة الإنسانية. 

وقد نال الفيلم إشادة واسعة من الجمهور والنقاد في مختلف المهرجانات السينمائية التي شارك بها، لما يحمله من رؤية صادقة وتناول حساس لقضية قلّما تُطرح بهذا العمق الفني.

الأوبرا تفتح نوافذها للسينما المستقلة

تأتي هذه الفعالية في سياق توجه دار الأوبرا لاحتضان السينما المستقلة ودعم التجارب السينمائية الجديدة التي تعبّر عن قضايا المجتمع الحقيقي، مما يثري الحركة الثقافية ويجذب شرائح مختلفة من الجمهور للتفاعل مع الفنون المتنوعة.

وبذلك، تواصل دار الأوبرا المصرية أداء دورها الريادي كمنبر للفكر والفن، يحتفي بالإبداع الجاد ويمنح صناع السينما المستقلة نافذة واسعة للوصول إلى الجمهور.

مقالات مشابهة

  • مناقشة رواية وطاويط النجع باتحاد الكُتاب.. غدًا
  • علي جمعة: السنة ليست مجرد رواية بل علم متكامل بالأسانيد
  • الخميس.. مناقشة رواية «وطاويط النجع» بـ«اتحاد الكُتاب»
  • خبيران في لغة الجسد يحللان رواية ماكرون حول صفعة زوجته
  • خبراء لغة الجسد يفنّدون رواية ماكرون عن الصفعة التي تلقاها من زوجته
  • عرض خاص للفيلم الروائي "سنو وايت" على مسرح الأوبرا الصغير ومناقشة مفتوحة مع صناعه
  • الحب قيد المحاكمة.. فيلم يسلط الضوء على استغلال نجمات البوب اليابانيات
  • بإطلالة جريئة.. نسرين طافش في أحدث ظهور: الحب ليس شعورًا
  • السرطان: الحب أهم شيء في حياتك.. توقعات الأبراج وحظك اليوم الإثنين 26 مايو 2025
  • هل الحب جريمة؟.. سؤال للمستقبل