خبير دولي: استئناف قصف غزة في رمضان تستوجب مذكرات توقيف فورية لمجرمي الحرب الإسرائيليين
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
نـدّد الدكـتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، بشدة بإعلان نتنياهو استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية في جميع أنحاء قطاع غزة، واصفاً القرار بأنه جريمة حرب مكتملة الأركان وانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.
وقال الدكتور مهران في تصريحات صحفية، ان ما أعلنه نتنياهو اليوم من استئناف للعمليات العسكرية ضد غزة يمثل انقلاباً على الجهود الدبلوماسية وتنصلاً من الالتزامات الدولية وانتهاكاً جسيماً لقرارات الشرعية الدولية، مشيرا الي ان المبررات التي ساقها نتنياهو لاستئناف القصف هي ذرائع واهية تتنافى مع أبسط قواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة في شهر رمضان المبارك.
وأضاف بلهجة تحذيرية أن سقوط أكثر من 34 شهيدا، بينهم 5 أطفال، في الساعات الأولى من استئناف العدوان يؤكد أن إسرائيل مصرة على استهداف المدنيين بشكل ممنهج، لافتا الي ان هذه الممارسات ترقى لمستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تستوجب ملاحقة جنائية دولية فورية.
وأوضح أستاذ القانون الدولي أن القصف العشوائي للمناطق السكنية باستخدام أسراب من الطائرات الحربية يمثل انتهاكاً صارخاً لمبدأ التمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية المنصوص عليه في المادة 48 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، كما يتعارض مع مبدأ التناسب الذي يحظر الهجمات التي قد يتوقع منها أن تسبب خسائر في أرواح المدنيين تكون مفرطة بالقياس إلى الميزة العسكرية المتوقعة.
وشدد مهران على أن تذرع إسرائيل بأن حماس رفضت إطلاق سراح الأسرى لا يمنحها أي سند قانوني لاستئناف العمليات العسكرية ضد المدنيين، موضحا أن القانون الدولي الإنساني يحظر بشكل قاطع العقاب الجماعي، وهو ما تنص عليه المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وتابع: إسرائيل، كقوة احتلال، تتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن حماية المدنيين الواقعين تحت سيطرتها، مشيرا الي ان استئناف القصف بعد شهور من المجازر المتواصلة والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين يظهر استخفافاً متعمداً بالقانون الدولي وبحياة المدنيين.
وعن تبعات القرار الإسرائيلي، أكد الدكتور مهران أن استئناف العمليات العسكرية سيفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، ويقوض جهود تقديم المساعدات الإنسانية، ويزيد من معاناة مليوني فلسطيني يواجهون أصلاً ظروفاً لا إنسانية، لافتا الي ان هذا التصعيد المتعمد ينذر بموجة جديدة من الضحايا المدنيين والدمار الشامل.
وأضاف أن استمرار إسرائيل في خرق القانون الدولي يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية، مطالبا الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف بالالتزام باحترام وضمان احترام الاتفاقيات في جميع الأحوال، وفقاً للمادة الأولى المشتركة.
وحول الموقف القانوني من تصريحات نتنياهو بشأن «العمل بقوة عسكرية متزايدة»، قال مهران ان هذه التصريحات تكشف عن نية مبيتة لارتكاب انتهاكات أشد جسامة، مشيرا الي ان التهديد باستخدام قوة عسكرية متزايدة ضد سكان محاصرين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة يمثل تهديداً مباشراً بارتكاب جرائم حرب.
وبين ان نتنياهو وكاتس يتحملان المسؤولية الجنائية الفردية عن هذه القرارات بموجب المادة 25 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، موضحا ان إصدارهما تعليمات مباشرة باستهداف قطاع غزة بأكمله يشكل أدلة دامغة على تورطهما في التخطيط المباشر لجرائم الحرب.
هذا وشدد مهران على أن مجلس الأمن مطالب بالتدخل الفوري لوقف العدوان وتفعيل دوره، وإلزام إسرائيل بالعودة إلى المسار التفاوضي، محذرا من ان استمرار الصمت الدولي يشجع إسرائيل على المزيد من الانتهاكات ويقوض مصداقية النظام الدولي برمته.
واختتم الدكتور مهران تصريحاته بدعوة مباشرة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قائلاً: الأدلة على ارتكاب جرائم حرب في غزة أصبحت جلية وموثقة، على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات توقيف فورية بحق المسؤولين الإسرائيليين الآخرين، بمن فيهم نتنياهو وكاتس، بتهمة التورط في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وطلب استعجال ضبطهم.
واستكمل: المجتمع الدولي والدول العربية مطالبان أيضا بتدخل فوري وحاسم لوقف العدوان الإسرائيلي، من خلال فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إسرائيل والمسؤولين الإسرائيليين، وتجميد أصولهم، وحظر سفرهم، وتفعيل الولاية القضائية العالمية لملاحقتهم، لافتا إلى ان الإدانات والبيانات لم تعد كافية، وان الوقت قد حان لإجراءات عملية تثبت أن القانون الدولي ليس حبراً على ورق، وأن حماية المدنيين الفلسطينيين مسؤولية جماعية لا يمكن التنصل منها.
يذكر أن مكتب نتنياهو أعلن اليوم أن رئيس الوزراء ووزير الدفاع كاتس أصدرا تعليمات للجيش "للعمل بقوة ضد حماس في قطاع غزة"، متذرعين برفض حماس إطلاق سراح الأسرى، وقد بدأت إسرائيل بالفعل قصف مناطق متفرقة من قطاع غزة، مما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء، بينهم أطفال، في مستشفى المعمداني وحده، فضلاً عن عشرات الجرحى.
اقرأ أيضاً«القاهرة الإخبارية»: نحو 160 شهيدا وأكثر من 300 مصاب جراء غارات الاحتلال على غزة
ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان على غزة إلى 48572 و112032 مصابا
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائيلي المجتمع الدولي القانون الدولي غزة حماية المدنيين الفلسطينيين مستشفى المعمداني القانون الدولی قطاع غزة الی ان
إقرأ أيضاً:
الفاشر .. أيقونة الصمود في مواجهة جريمة تجويع المدنيين
لا يوجد مكان علي الارض إلا وعرف الحرب أو شهد نزاعاً مسلحاً، سواء كان دولي أو غير دولي . الكثير من الدول والمجتمعات الإنسانية عانت من الحروب ومخلفاتها وأثارها ، وتفننت الأطراف المتحاربة في أساليب الضغط والألم والقمع ، وفي أنواع العقاب الذي غالباً ما يكون علي المدنيين، ومن أسوأ وأبشع أساليب الحرب الموجهة ضد المدنيين سياسة (التجويع) كوسيلة تعذيب وأداة حرب ، ويتم التجويع غالباً عن طريق فرض حصار يهدف لمنع دخول المواد الغذائية ومياه الشرب والأدوية وحليب الأطفال ومنع المساعدات الإنسانية مما يزيد من معاناة المدنيين.
المتأمل للأوضاع في (الفاشر) الأبية يجد أنه يُمارس عليها أسوأ أساليب التجويع كما يحدث في غزة بالضبط ، مما يدل علي أن الجهة التي تدير هذة الحرب جهة “صهيونية واحدة” ولو تعددت “أياديها”.
المجتمع الدولي لم يجرم “تجويع المدنيين” إلا في العام 1977م لأنه يمس الحق في الحياة وقد يكون سبباً للإبادة الجماعية أو سبباً لظروف معيشية مزرية وقاسية على المدنيين الذين لا يشاركون في العمليات الحربية ولا صله لهم بها، ولكن ينالهم منها الموت والخراب .
تاريخياً القانون الدولي لم يحظر “تجويع المدنيين” حتي عام 1919م ولم يكن جريمة حرب واضحة المعالم ولكن كان مجرد “انتهاك” لقوانين الحرب دون تجريمه بشكل واضح ، إلى أن جاء العام 1977م واتجه العالم نحو تجريمه واعتباره “جريمة حرب” و وضع لذلك ضوابط وتدابير دولية.
ولكن حتي يتم إثبات جريمة “تجويع المدنيين” اشترط القانون الدولي في الحصار المفروض علي المدنيين شروطاً محددة :
1/ أن يكون الغرض الأساسي منه تجويع السكان المدنيين ومنع وصول المواد الغذائية و الأدوية ومياه الشرب والمساعدات الإنسانية لهم.
2/أن تكون الأضرار التي لحقت بالسكان المدنيين مفرطة بالمقارنة بالفائدة العسكرية المرجوة.
3/أن يرفض الطرف الذي فرض الحصار أي تفاوض أو اتفاق بشأن فتح ممرات إغاثة للمدنيين أو دخول مساعدات إنسانية لإنقاذ حياتهم
وهنا يتضح أنها سياسة حرب ضد المدنيين وبالتالي “جريمة دولية” يُحاسب عليها مرتكبوها !!
القانون الدولي حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب في البرتوكول الأول حيث نص علي ذلك في المادة 1/54 من البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977م ، وفي المادة 14 من البرتوكول الثاني لعام 1977م ، ألحق بهذة المواد أيضا مواد حظر تلويث مصادر مياه الشرب وشبكاتها و المحاصيل الزراعية والماشية و الأعيان التي يحتاجها المدنيون من مستشفيات ومدارس وأسواق وشبكات الكهرباء وهي كلها ليست أهدافاً عسكرية ، وذلك لحملهم علي النزوح أو اللجؤ أو التهجير القسري بغرض الاستيلاء علي بيوتهم أو أراضيهم أو توقيعه كعقاب جماعي لمجموعة سكانية معينة بغرض التغيير الديموغرافي، كذلك يشمل الحظر اتباع سياسة “الأرض المحروقة” باعتبارها أسلوباً لتجويع المدنيين.
كذلك يحظر عرقلة وصول المساعدات الإنسانية والأدوية وحليب الأطفال والمهمات الطبية المرسلة للمدنيين وقد ورد ذلك في المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة ، بشأن حماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949م .
من جهة أخرى نجد أن الممارسة الدولية عبر المنظمات الدولية وأولها مجلس الأمن حينما وضع عقوبات ضد العراق والصومال ويوغسلافيا نص علي استثناء المواد الغذائية والطبية من الحصار الاقتصادي ، جاء ذلك في القرار رقم 706 الصادر في 15 أغسطس1991م ، كذلك الأمر ينطبق علي إعلان حقوق الطفل الصادر في 20 نوفمبر 1959م بموجب القرار 1386 وقد نص علي عدد من المبادئ والحقوق التي يجب أن يتمتع بها الطفل و منها الحق في الحياة والحق في الغذاء الكافي لنموه وعلي الحق في الرعاية الصحية ، وبالتالي فإن “التجويع” يتنافى تماما مع مبادئ الأمم المتحدة وحقوق الطفل التي توافق عليها المجتمع الدولي.
علي صعيد آخر نجد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر كمنظمة إنسانية أدانت في المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر عام 1995م بشدة تجويع المدنيين في النزاعات المسلحة واستخدام التجويع كاسلوب من أساليب الحرب واعتمدت ذلك في المؤتمر الدولي السابع والعشرين 1999م ، وتظل سياسة تجويع المدنيين محظورة دولياً لتنافيها مع المبادئ الإنسانية ومجافاتها لقواعد القانون الدولي.
بالتالي فإن اللجؤ لـ “تجويع المدنيين” في الحروب يُعد جريمة دولية أي “جريمة حرب” وفق رأي المحكمة الجنائية الدولية، لأن ذلك مقدمة لارتكاب جريمة أخرى وهي الإبادة الجماعية ، لذلك فإن أفعال مليشيا الدعم السريع الإرهابية وما تفرضه من حصار حول الفاشر “أيقونة الصمود” بغرض تجويع المدنيين فيها يعد “جريمة حرب” أخرى تضاف لسجل المليشيا الأسود الحافل بالجرائم والانتهاكات.
مع ملاحظة أن القصد الجنائي هنا لا يشترط فيه اعتراف الجاني “المليشيا” وإنما يستدل من مجمل الظروف المحيطة والتي يعيشها المدنيون المحاصرين تحت نيران الحرب ، وهذا ما أخذت به المحكمة الجنائية الدولية في النزاعات المسلحة الدولية، وهنا نذكر *نقطة جوهرية* حيث ظلت النزاعات المسلحة – غير الدولية – لا تدخل في نطاق محاسبة المحكمة الجنائية الدولية إلى أن نجحت سويسرا في تعديل نظام روما الأساسي وإدراج “تجويع المدنيين” كـ “جريمة حرب” تدخل ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية وذلك في العام 2019م وصادقت علي ذلك 11دولة !!
بالتالي فإن ما تفعله المليشيا الإرهابية المجرمة من فرض حصار طويل وتجويع المدنيين في الفاشر الأبية هو جريمة حرب، لا تحتمل التأويل و واضحة وضوح الشمس، وعلى “بعثة تقصي الحقائق” أن تأخذ جريمة تجويع المدنيين في الفاشر مأخذ الجد، ويجب أن تحاسب عليها المليشيا المجرمة ، وان يخرج المجتمع الدولي من صمته المخزي المخجل ويتجاوز مرحلة “الإعراب عن القلق” ولو مرة واحدة في تاريخه إنصافاً للعدالة والإنسانية.
ستنتصر الفاشر بإذن الله بعزيمة الرجال وإرادة الأبطال ، وتعود زاهية باهية منتصرة في ثوب العزة ليكتمل فرح السودان .
د.إيناس محمد أحمد
إنضم لقناة النيلين على واتساب