إفطار تجمع شاب الهامش ببرمنغهام تجسيد للميثاق السياسي وأول قطرة من غيث الدولة التأسيسية
تاريخ النشر: 18th, March 2025 GMT
بقلم: إبراهيم سليمان
في فعالية محضورة، التقى أبناء الهامش السوداني العريض في إفطار رمضاني استثنائي باذخ، جمع مؤيدي الدولة التأسيسية الوليدة مؤخرًا في نيروبي بكافة مكوناتها. شكلت الفعالية لوحة صادقة للتنوع الثوري الإثني، حيث تخللتها شعارات ثورة ديسمبر المجيدة: "حرية سلام وعدالة"، "الثورة خيار الشعب"، "الحركة الشعبية ويي يي"، "الجاهزية ويي"، و"التأسيسية ويي يي".
هذه الفعالية التي نظمها تجمع شباب الهامش في مدنية برمنغهام بالمملكة المتّحدة، يعتبر تجسيد حقيقي لمضمون الميثاق السياسي الذي تم توقيعه مؤخراً في نيروبي، وأول قطرة من غيث الدولة التأسيسية.
في مستهل الفعالية، التي بدأت حوالي الساعة الخامسة مساءً، رحّب رئيس تجمع شباب الهامش، الأستاذ/ حماد غبشات، بالحضور وأكد أن التجمع جزء أساسي من كتلة السودان الجديد. كما تحدث الأستاذ الصادق موسى، ممثل التجمع في نيروبي، موضحا أنهم قد وقعوا على الميثاق السياسي، كجزء من مكوناته، وأن هذا الإفطار يجسد مضمون التواثق. كما تحدث الأستاذ/ الطيب الزين، رئيس تجمع كردفان للعدالة مشيداً بحفل الإفطار، وشاكراً لدور دولة كينيا الشقيقة، وأكد أن العلاقات معها ستكون قوية، مشيراً إلى أن الفلول حاولوا استغلال موضوع كردفان بهدف عرقلة المشروع السياسي للسودان الجديد، مؤكداً أن النظام السابق هو الذي دمر كردفان من حيث البيئة والإنسان والحيوان، وسرق الثروات. كما ألقى الأستاذ مبارك ياسين ممثل الحركة الشعبية شمال بالمملكة المتّحدة كلمة معبرة في مسهل الحفل.
بعد الإفطار والصلاة، تواصل حفل الإفطار بكلمة للمستشار الأستاذ عمران عبدالله، محييا شهداء ثورة 15 أبريل، ومشيدا بصمودهم خلال عامين، مذكرا لولا استبسال الأشاوس وصمودهم لما كان ميلاد "الدولة التأسيسية" ممكنًا، وما كان بالإمكان أن نلتقي في هذه الفعالية.
ثم استمرت الفعالية إلى مشارف منتصف الليل، في تفاعل منقطع النظير بين الحضور المكثف وضيوف الفعالية عبر الوسائل من نيروبي، وهم الدكتور الفارس سليمان صندل، رئيس حركة العدل والمساواة السودانية، والرفيق يونس الأحيمر الناطق الرسمي للحركة الشعبية ـ شمال، ومستشار قوات الدعم السريع د. عزالدين الصافي، وعضو المجلس السياسي السابق الأستاذ محمد حسن التعايشي.
تحدث ضيوف الفعالية حديث رجال الدولة، الواثقين من أنفسهم، الفرحين بميلاد "الدولة التأسيسية" بكل ثقة وحماسة، حيث بعث حديثهم الطمأنينة والتفاؤل، وأجبر الحضور على المتابعة والتدافع لطرح الأسئلة استشرافًا للمستقبل، وأملًا في المزيد من التفاصيل المطمئنة.
تفاجأ الكثيرون بالفارس د. سليمان صندل، وظلوا مشدوهين لبراعته الخطابية وقدرته الفائقة على الإبانة، ومهارته المميزة في التلخيص والاختصار دون إخلال. فقد تحدث حديث العارفين بماهية "الدولة التأسيسية" الوليدة، وشرح بإبانة تامة دستور دولة السودان الجديد، التي وُلدت بعد موت حقيقي لدولة ــ 56 وانهيار المنظومة القديمة، موضحًا أن "الدولة التأسيسية" جاءت بأسنانها ووثائقها المعتبرة التي لا يمكن لأحد تجاوزها.
كما أوضح الدكتور صندل، أحد أعمدة "الدولة التأسيسية" الصلبة، بكل واقعية خلال مخاطبته للفعالية، أن الأمراض المزمنة المتوارثة من دولة ــ 56 المنهارة مستشرية في كافة المناحي، ولا يمكن معالجتها وتجاوزها إلا بالتأسيس من الصفر، سيما في ناحية الاختراقات الأمنية والاستخباراتية. ورغم ذلك، أوضح خلال رده على تساؤلات الحضور، أن من أولويات الحكومة المرتقبة حماية المواطن من استهداف الطيران الغاشم لأرواحهم وزعزعة أمنهم، وهو ما أكده المستشار د. عزالدين الصافي.
أما الرفيق يونس الأحيمر، فقد ركز في حديثه على اللغط الدائر حول إقليم جنوب كردفان/المكون من جبال النوبة وغرب كردفان، مطمئنا الحضور أن أصل التقسيم مخطط كيزاني بغيض، مبشرًا بأن مراحات من أبقار المسيرية قد انداحت في عمق جبال النوبة، وأن قوات الجاهزية تلاحمت مع قوات الحركة الشعبية ميدانياً فور إعلان التوقيع على "وثيقة التأسيسية"، ولم تنتظر الترتيبات البروتوكولية، وهو تأكيد على أن التقسيم والفرقة مفتعلة. وأكد الأستاذ يونس الأحيمر أن ألاعيب الأنظمة المركزية السابقة، المتمثلة في تجيير عرق المنتج في الإقليم لصالح السماسرة واستغلال مقدرات الغلابة، قد ولت إلى غير رجعة.
وطمأن المستشار د. عزالدين الصافي الحضور ضمنيا أن حكومة السلام ربما ستعلن من داخل الخرطوم، استنادا لتطمينات الفريق حميدتي قائد قوات الدعم السريع، بأن وزراء الحكومة المرتقبة ليسوا بحاجة "لمراقبة السماء" وهم في مكاتبهم، مما يؤكد أن أجواء الدولة التأسيسية محمية.
تناول الأستاذ محمد التعايشي مفهوم الدولة وسيادتها من منظور فلسفي أنثروبولوجي، مركزًا على الإنسان والأرض كركيزتين حاسمتين في وجودية الدولة وكرامة شعبها، اللتين تحتمان وجود حكومة شرعية تمثل إرادة الشعب. مشيرًا إلى أن انعقاد ندوة بهذا الحجم والحضور المكثف وبهذا التنوع في مدينة برمنغهام، حسب علمه بتعقيداتها الاجتماعية، هو بشرى خير على أن مشروع التغيير قد قطع شوطًا بعيدًا في الإندياح وسط المجتمعات السودانية، وأصبح واقعًا، ليس بإمكان أحد إيقافه. وقد قرن الأستاذ التعايشي هذا الاختراق السياسي الملفت في مدينة برمنغهام، باستشراف طرح التغيير إلى أقصى شرق السودان، وجبال الأنقسنا، وجبال النوبة وأحراش دارفور.
يلاحظ أن جميع المتحدثين في هذه الفعالية تناولوا "الدولة التأسيسية" كدولة موحدة، مشفقين على مصير الولايات التي لا تزال ترزح تحت جبروت الحركة الإسلامية وسطوة كتائبهم المتطرفة، مصرين على تحرير هذه الولايات وواثقين أن دستور "الدولة التأسيسية" الذي وقعت عليه شعوب الأقاليم الثمانية هو الأساس لبناء "الجمهورية الثانية" على أنقاض دولةــ 56.
بدون مبالغة، لم نشهد فعالية بذات الحماس وتنوع الحضور، والتنسيق الجيد منذ فترة. ورغم أن حضور المتحدثين كان افتراضيًا، فإن دوي التصفيق الحار والهتافات التفاعلية الداعمة استحسانا وتأييدا أجبرت المتحدثين على التوقف بين الفينة والأخرى، ولم يبخل فرسان الفعالية من نيروبي بتبادل مشاعر الفرح والإعجاب عبر لغة الجسد مع الحضور.
اختتمت الندوة بكلمة إشادة مستحقة للضيوف المتحدثين من نيروبي، وللجهاز التنفيذي لتجمع شباب الهامش بالمملكة المتّحدة، من الأستاذ الطيب الزين رئيس تجمع كردفان للعدالة في المملكة المتحدة.
بجد، تعتبر ندوة تجمع قوى الهامش في برمنغهام حدثاً مهما في مسيرة تأسيس "الجمهورية الثانية"، نأمل أن تصل مضابطها إلى الجميع.
إبراهيم سليمان
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
عن مذكرات الشيخ بابكر بدري ولماذا لم ترد فيها إشارة عن المفكر محمود محمد طه؟
عن مذكرات الشيخ بابكر بدري ولماذا لم ترد فيها إشارة عن المفكر محمود محمد طه؟
تأملات جاءت بفضل سؤال من الدكتور محمود إحيمر
بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
كتب الدكتور محمود إحيمر بتاريخ 25 نوفمبر 2025، قائلاً:
سلام عبدالله
اتساءل دائما لماذا لم يكتب بابكر بدري في مذكراته عن الأستاذ محمود؟ وهو شاهد على الأحداث
سألت عدد من اخوان رفاعة.
هل وقفت أنت على كتابة لبابكر بدرى عن الأستاذ محمود؟
ودمت
محمود احيمر
……………………………………………….
الدكتور محمود إحيمر
تحياتي واحترامي مع خالص شكري على ادخالي في الفضل من خلال هذا السؤال المهم.
لقد وقفت عند هذا السؤال عندما كنت أعد في كتاب: صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ، والذي نُشر في طبعته الأولى عن دار رؤية للنشر، القاهرة، 2013، وفي الطبعة الثالثة (في جزئين)، عن دار بدوي للنشر، كونستانس- ألمانيا، 2022، فقد تضمن الكتاب فصلاً بعنوان: “الأستاذ محمود في مذكرات معاصريه”، وهو الفصل السادس عشر ضمن الباب الخامس والذي كان بعنوان: “الأستاذ محمود ومعاصروه والمفكرون الإسلاميون والروحانيون”. وتناولت في الفصل سبع من مذكرات معاصري الأستاذ محمود، كنماذج، وهم: مذكرات أحمد خير المحامي، ومذكرات السيد خضر حمد، ومذكرات الشيخ علي عبد الرحمن الأمين، ومذكرات السيد أمين التوم، ومذكرات الأستاذ يحيى محمد عبد القادر، ومذكرات السيد عبد الماجد أبو حسبو، ومذكرات السيد محمد أحمد المحجوب. ثم بعد دراسة هذه المذكرات والحديث عن: المذكرات وأمانة التبليغ وأداء الشهادة، وكتابة المذكرات والتبليغ والذاكرة الجماعية في السودان، والعظماء في سجلات أممهم، وقفت عند النتائج والخلاصات، وجاءت في المحاور الآتية: (1) الإغفال ودلالاته (2) ما هي قيمة تلك الكتب كمصدر لدراسة التاريخ؟ (3) أثر تجاهل الأستاذ محمود.
أثناء إعدادي للفصل المشار إليه أعلاه، وقفت طويلاً عند مذكرات بابكر بدري (1861- 1954) التي جاءت بعنوان: حياتي، في ثلاثة أجزاء، وبعد دراستها بدقة وتفصيل، استبعدتها من أن تكون ضمن نماذجي، على الرغم من أهميتها وقيمتها. كان البروفيسور محمد سعيد القدَّال قد درس المذكرات السودانية، فوصفها، قائلاً: “إن قيمة غالبية هذه الكتب كمصدر للتاريخ ضعيف، وبعضها لا قيمة له”. ولم يستثنِ القدال من نماذج دراسته إلا مذكرات الشيخ بابكر بدري. فقد وصف القدَّال مذكرات الشيخ بابكر بدري بأنها ذات قيمة فنية، وقيمة تاريخية، وعدَّها نموذجاً للسيرة الذاتية.
لماذا استبعدت مذكرات الشيخ بابكر بدري من نماذج دراستي: “الأستاذ محمود في مذكرات معاصريه”؟
أولاً: تنتهي مذكرات بابكر بدري في شهر ديسمبر 1949 حيث توقف عن الكتابة بخط يده، ثم أكمل ابنه يوسف الفترة من 1949 وحتى وفاة الشيخ بابكر بدري في العام 1954، بعد وفاة الشيخ بابكر بدري، واستناداً على مذكرات مكتوبه. كتب يوسف بابكر بدري في صفحة 196 من الجزء الثالث من حياتي، وتحت عنوان: “كتب بعد وفاته نقلاً عن مذكراته”، كتب يوسف، قائلاً: “إلى هنا شهر ديسمبر 1949 وقف الوالد عن كتابة مذكراته بخط يده. وكان وقوفه هذا في مارس عام 1954 أي قبل وفاته بنحو أربعة أشهر ثم استشرت بعض الصحاب عما إذا تترك هذه المذكرات حيث وقف هو أم نكملها حتى يوم وفاته فكان الاجماع على أن تكمل حتى وفاته وبناء على ذلك فإن ما هو وارد بعد ذلك جميعه من تاريخ حياته المكتوب بواسطتي مما وجدته في مذكراته عن السنوات 1950 إلى يوليو 1954”. ونحن نعلم بأن الأستاذ محمود محمد طه قد أعلن عن مشروعه في نهاية عام 1951، أي في 30 نوفمبر 1951، مما يفيد بأن الشيخ بابكر بدري، وقد بلغ (90) عاماً أوانئذ، ربما لم يشهد نشاطاً بعد إعلان الرسالة الثانية من الإسلام/ الفكرة الجمهورية/ الفهم الجديد للإسلام.
ثانياً: أوضح الشيخ بابكر بدري بأنه خصص الفترة ما بعد عام 1947 من مذكراته وحتى العام 1953 للحديث عن بناء مدرسة الأحفاد الثانوية للأولاد، فقد كتب في الجزء الثالث، ص (74)، قائلاً: “وليس هذا آخر ما أكتبه عن تاريخ حياتي ولكن تركز كل نشاطي وعملي منذ ديسمبر 1947 إلى أواخر عام 1953 في بناء مدرسة الأحفاد الثانوية للأولاد مفصلاً من بعد هذا الباب”.
ثالثاً: على الرغم من أن الأستاذ الكبير الشيخ بابكر بدري قد تحدث عن المجلس الاستشاري لشمال السودان، غير أنه لم يذكر شيئاً عن ثورة رفاعة (20 سبتمبر 1946) أو مواقف الأستاذ محمود محمد طه من الاستعمار، وهنا نود التذكير بأن الشيخ بابكر بدري كان أوانئذ قد بلغ من العمر (85) عاماً. يضاف لذلك، وكما هو معلوم للكثير من الباحثين، أن مذكرات الشيخ بابكر بدري، قد تم تحريرها ومراجعتها من قبل أبنائه، ولهذا يصعب القول بان الشيخ بابكر بدري قد ذكر أو لم يذكر، كما أنه يصعب القول بان من قام بتحرير المذكرات، قد عدل فيها أو لم يعدل، هذا أمر يصعب قوله، ولا يجوز قوله بدون علم ومعرفة. ولهذا؛
رابعاً: ولمَّا كان الأستاذ محمود محمد طه يكن تقديراً كبيراً واحتراماً خاصاً للشيخ بابكر بدري، ويسميه بـ “الأستاذ الكبير الشيخ بابكر بدري”، وهذا يعني أن هناك ما لا أعلمه، الأمر الذي يتطلب مني الاحتراز والورع.. لقد تحدث الأستاذ محمود محمد طه في حق الشيخ بابكر بدري، قائلاً: “حيا الله ذكرى الأستاذ الجليل، منشئ هذه المعاهد، وطيب ثراه.. فإن معاهد الأحفاد، مجال، كان ولم يزل، من مجالات الفكر الحر.. ولقد كان الأستاذ الكبير الشيخ بابكر بدري طفرة في وقته.. كان يتمتع بقدر كبير من حرية الرأي، ومن التقدم.. ونحن نعود لنتحدث، هذه الليلة، في هذه المعاهد.. وقد سلفت لنا مرات كثيرات تحدثنا فيها من منابرها..”. (المصدر: ورد حديث الأستاذ محمود محمد طه في محاضرة كانت في مساء الأربعاء، 21 من فبراير عام 1973، بمدرسة الأحفاد الثانوية العليا للبنين، بمدينة أم درمان، ونشرت المحاضرة في كتاب بعنوان: محمود محمد طه، الإسلام وإنسانية القرن العشرين، ط1، يوليو 1973.
ولكل هذا صرفت النظر عن التناول لمذكرات الأستاذ الكبير الشيخ بابكر بدري ضمن المذكرات آنفة الذكر في دراستي الموسوم بـــــ : “الأستاذ محمود في مذكرات معاصريه”.
مع فائق تقديري ووافر احترامي،،،
عبد الله الفكي البشير
الأربعاء 26 نوفمبر 2025
الوسومأمانة التبليغ وأداء الشهادة المفكر محمود محمد طه صاحب الفهم الجديد للإسلام مذكرات الشيخ بابكر بدري وكتابة المذكرات