سور الصين العظيم.. أسطورة التاريخ
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
فيصل السعدي
بينما أخطو خطواتي وأصعد السلم تلو الآخر في سور الصين العظيم، أشعرُ وكأنني أعود إلى نقطة البداية، التفتُ مرارًا لأتأكد من مدى صعودي، وكأنني أبحث عن إجابة لسؤال يتردد في داخلي: كيف استطاعوا؟ كيف لجهد البشر أن يُشيِّد سورًا يمتد لأكثر من 21 ألف كيلومتر، من مواد بسيطة لا تتجاوز الطوب والخشب؟! كيف تمكنت عزيمة الصينيين من أن تصنع أسطورة خالدة، أصبحت رمزًا للصمود والقوة في وجه الزمن؟
ظل شعور غريب يراودني أثناء مسيري، وكأن خيالي أوصلني إلى رؤية سور يمتد من بكين إلى مسقط؛ بل أطول من ذلك بأربع مرات.
بناءٌ عجزت ظروف الأزمان أن تُثني من شموخه، ليُبرهن مدى إصرار وقوة مئات آلاف من الجنود والبُناة الذين لم يدركوا أنهم صنعوا رمزًا وفخرًا للصين. وما أن أضع قدمي على حجارة السور، حتى أشعر بأنني أعود إلى حقبة بعيدة من الزمن. أُلامسُ الطوب، وأتأمل النقوش، وأتجول بين أبراج المُراقبة التي كانت يومًا مراكز لحراسة الحدود. وكأنني أسمع أصوات الحروب وصيحات الجنود الذين دافعوا بشجاعة عن وطنهم. هذه المشاهد ليست مجرد خيال؛ بل هي ما جسدته العديد من الأساطير والأفلام التي تحكي عن هذا السور الأعظم.
الصينيون يقولون إن جزء "جيورانغ" هو أجمل أجزاء السور في بكين؛ حيث يمتاز بجمال طبيعته الساحرة؛ إذ إن هناك ثماني بوابات تتيح الوصول إلى السور في بكين، ما يعكس امتداد السور كأجزاء متفرقة، وليس كجدار متصل.
تحيط بالسور العظيم مياه وافرة ومساحات خضراء شاسعة، تمتد إلى أبعد ما تصله العين، ما يجعل المشهد يبدو كلوحة فنية فريدة. ولعل هذا الجمال الطبيعي كان أحد الأسباب المهمة لبناء السور؛ حيث صُمم لحماية الأراضي الزراعية الخصبة من الغزاة.
عند النظر إلى التفاصيل الدقيقة للسور، يمكنك أن تُدرك الحكمة وراء تصميمه. الفتحات الصغيرة والنوافذ التي تنتشر على طول الجدار لم تكن مجرد إضافات عشوائية؛ بل أدّت دورًا حيويًا في مواجهة الأعداء. تعرجات الجدار، التي تبدو وكأنها تناغم بين البناء والطبيعة، أظهرت عبقرية الصينيين في استغلال التضاريس الصعبة لصالحهم.
في زيارتي الأخيرة للسور، كنت بصحبة حقيبة مليئة بالمأكولات الخفيفة، ولكن هذه المرة، كانت زيارتي تحمل طابعًا مختلفًا؛ فقد تزامنت مع أيام شهر رمضان المبارك. صعدتُ إلى أعلى قمة سُمح لي وقت الزيارة بالوصول إليها، متأملًا عظمة ما صنعه الإنسان بإرادة لا تعرف الكلل. قررتُ أن أتحلى بالصبر، فلا أكون أقل عزيمة من أولئك البُناة الذين شيدوا هذا السور تحت ظروف قاسية، لتحيا ذكراهم في كل حجر وطوبة.
سور الصين العظيم ليس مجرد بناء حجري؛ بل هو أسطورة حيَّة تروي قصة الإصرار والعزيمة. إنه رمز للصمود الذي تغلَّب على الزمن، وظل شامخًا في وجه كل التحديات. ولا ريب أنَّ زيارة هذا الصرح العظيم تتجاوز تجربة سياحية؛ لأنها رحلة معرفية وتأملية في أعماق التاريخ، ودرس في قوة الإنسان عندما يجتمع الإصرار مع الإبداع.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اختبار ذكاء اصطناعي جديد يتنبأ بالأشخاص الذين سيستفيدون من دواء سرطان البروستاتا
طور أطباء أداة ذكاء اصطناعي يمكنها التنبؤ بالرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين سيستفيدون من دواء يقلل من خطر الوفاة إلى النصف.
وُصف "أبيراتيرون" بأنه علاج "مُغير لقواعد اللعبة" لهذا المرض، وهو أكثر أنواع السرطان شيوعا لدى الرجال في أكثر من 100 دولة. وقد ساعد بالفعل مئات الآلاف من المصابين بسرطان البروستاتا المتقدم على العيش لفترة أطول.
لكن بعض الدول، بما في ذلك إنجلترا، توقفت عن توفير هذا الدواء "المذهل" على نطاق أوسع للرجال الذين لم ينتشر مرضهم.
والآن، قام فريق من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا بتطوير اختبار ذكاء اصطناعي يُظهر الرجال الذين يُرجح أن يستفيدوا من "أبيراتيرون". سيُمكّن هذا الاختراق "المثير" أنظمة الرعاية الصحية من توفير الدواء لمزيد من الرجال، وتجنيب الآخرين العلاج غير الضروري، بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
سيتم الكشف عن اختبار الذكاء الاصطناعي في شيكاغو خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأمريكية لعلم الأورام السريري، وهو أكبر مؤتمر عالمي للسرطان.
شارك نك جيمس، أستاذ أبحاث سرطان البروستاتا والمثانة في معهد أبحاث السرطان بلندن، واستشاري الأورام السريرية في مؤسسة رويال مارزدن التابعة لهيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، في قيادة الفريق الذي طوره.
وقال جيمس: "لقد حسّن "أبيراتيرون" بشكل كبير التوقعات لمئات الآلاف من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا المتقدم. نعلم أنه بالنسبة للعديد من الرجال المصابين بالسرطان الذي لم ينتشر بعد، يمكن أن يحقق نتائج مذهلة أيضا".
"لكنه يأتي مع آثار جانبية ويتطلب مراقبة إضافية لمشاكل محتملة مثل ارتفاع ضغط الدم أو تشوهات الكبد. كما يمكن أن يزيد بشكل طفيف من خطر الإصابة بمرض السكري والنوبات القلبية، لذا فإن معرفة من هو الأكثر احتمالا للاستفادة أمر بالغ الأهمية".
" يُظهر هذا البحث إمكانية تحديد الأشخاص الذين سيستجيبون بشكل أفضل لأبيراتيرون، وأولئك الذين سيتحسنون من العلاج القياسي وحده - العلاج الهرموني والعلاج الإشعاعي".
يستخدم الاختبار الذكاء الاصطناعي لدراسة صور الأورام وتحديد السمات غير المرئية للعين البشرية. وقد أجرى الفريق، الممول من مؤسسة سرطان البروستاتا في المملكة المتحدة ومجلس البحوث الطبية وشركة أرتيرا، تجربة على صور خزعات لأكثر من 1000 رجل مصاب بسرطان البروستاتا عالي الخطورة الذي لم ينتشر.
حدد اختبار الذكاء الاصطناعي 25% من الرجال في المجموعة الأكثر احتمالا للاستفادة من أبيراتيرون - بالنسبة لهؤلاء الرجال، يقلل الدواء من خطر الوفاة إلى النصف.
في التجربة، حصل المرضى على درجة - إيجابية أو سلبية للمؤشرات الحيوية - والتي تمت مقارنتها بنتائجهم. بالنسبة لأولئك الذين يعانون من أورام إيجابية للمؤشرات الحيوية، واحد من كل أربعة رجال، خفض "أبيراتيرون" خطر الوفاة بعد خمس سنوات من 17% إلى 9%.
بالنسبة للمصابين بأورام سلبية المؤشرات الحيوية، خفض "أبيراتيرون" خطر الوفاة من 7% إلى 4%، وهو فرق لم يكن ذا دلالة إحصائية أو سريرية، وفقا للفريق البحثي. سيستفيد هؤلاء الرجال من العلاج القياسي وحده، وسيتجنبون العلاج غير الضروري.
وقال البروفيسور جيرت أتارد، المشارك في قيادة الدراسة، من معهد السرطان بجامعة "يونيفيرسيتي كوليدج لندن": "تُظهر هذه الدراسة، في مجموعة كبيرة جدا من المرضى، أنه يمكن استخدام خوارزميات جديدة لاستخراج المعلومات من شرائح علم الأمراض المتاحة بشكل روتيني لتخصيص هذه العلاجات لمرضى محددين وتقليل العلاج الزائد مع تعظيم فرصة الشفاء".
وأضاف جيمس أنه نظرا لأن عدد الرجال الذين سيحتاجون إلى الدواء أقل مما كان يُعتقد سابقا، ينبغي على أنظمة الرعاية الصحية النظر في إعطائه للرجال الذين لم ينتشر سرطانهم.
وقد تمت الموافقة على استخدامه من قبل هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا لعلاج سرطان البروستاتا المتقدم، ولكن ليس لعلاج الأمراض عالية الخطورة التي تم تشخيصها حديثا والتي لم تنتشر. ومع ذلك، فقد كان متاحا للرجال الذين يعانون من هذا المرض في اسكتلندا وويلز لمدة عامين.
قال جيمس: "يبلغ سعر عبوة أبيراتيرون 77 جنيها إسترلينيا فقط، مقارنة بآلاف الجنيهات التي تكلفها الأدوية الجديدة". وأضاف: "آمل حقا أن يؤدي هذا البحث الجديد - الذي يُظهر بدقة من يحتاج إلى هذا الدواء ليعيش حياة جيدة لفترة أطول - إلى مراجعة هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا لقرارها بعدم تمويل أبيراتيرون لعلاج سرطان البروستاتا عالي الخطورة الذي لم ينتشر".
ووصف الدكتور ماثيو هوبز، مدير الأبحاث في مركز سرطان البروستاتا في المملكة المتحدة، اختبار الذكاء الاصطناعي بأنه "مثير للاهتمام". وأضاف: "لذلك، نؤيد دعوة الباحثين المُلحة لتوفير أبيراتيرون للرجال الذين يُمكن أن يُنقذ حياتهم - الرجال الذين، بفضل هذا البحث، يُمكننا الآن تحديد حالاتهم بدقة أكبر من أي وقت مضى".
صرح متحدث باسم هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS): "بعد تقييم شامل قائم على الأدلة، تم تحديد توسيع نطاق الوصول إلى هذا الدواء لعلاج سرطان البروستاتا غير النقيلي كإحدى أهم أولويات الاستثمار بمجرد توفر التمويل الدوري اللازم لدعم استخدامه".
"تواصل NHS في إنجلترا تمويل دواء أبيراتيرون بشكل روتيني لعلاج العديد من أشكال سرطان البروستاتا المتقدم، بما يتماشى مع الإرشادات السريرية، ونُبقي هذا الموقف قيد المراجعة الدقيقة في ضوء الأدلة الناشئة، بما في ذلك الأبحاث الحديثة التي قد تُساعد في تحسين توجيه العلاج إلى المرضى الأكثر احتمالا للاستفادة منه".