أعطت الأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة التصعيد الإسرائيلي سياقًا مختلفًا عما كان عليه الحال في 8 أكتوبر/تشرين الثاني 2023 غداة شن حماس هجوم طوفان الأقصى. ما يدفع لطرح عدة أسئلة: كيف اختلفت ظروف حرب إسرائيل على غزة عما كانت عليه سابقًا؟ ما هي أهداف نتنياهو من الحرب؟ وإلى أين تتجه المنطقة؟

اعلان

أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستئناف الحرب على غزة والانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار، وعلل قراره بعدة أسباب منها تكثيف الضغط العسكري على حركة حماس التي رفضت، بحسبه، مقترح مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف للمرحلة الثانية من المفاوضات، والذهاب لتحقيق أهداف الحرب المتمثلة في إطلاق سراح جميع الرهائن.

وهو تصعيدٌ يُمكن القول إنه كان متوقعًا ومفاجئًا في آن.

فالأحداث السياسية والعسكرية في المنطقة أعطت التصعيد الإسرائيلي سياقًا مختلفًا عما كان عليه الحال في 8 أكتوبر/تشرين الثاني 2023 غداة شن حماس هجوم طوفان الأقصى. وهو ما يدفع لطرح عدة أسئلة محورية: كيف اختلفت ظروف حرب إسرائيل على غزة عما كانت عليه سابقًا؟ ما هي أهداف نتنياهو من الحرب؟ وإلى أين ستؤول المنطقة؟

ما الذي اختلف الآن؟

في 8 أكتوبر الماضي، قالت إسرائيل إن الحرب على غزة هي ردة فعل لهجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، ووضعت أهدافًا عالية السقف تمثّلت في القضاء على الحركة عسكريًا وسياسيًا، والتخلص مما وصفتهم بـ"أذرع الشر ووكلاء إيران"، بدءًا بحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ونظام بشار الأسد في سوريا، وطهران نفسها. وأعلنت الدولة العبرية أن الحرب ستغير "وجه الشرق الأوسط" وفق تعبيرها. طيلة 15 شهرًا من الحرب، شهدت المنطقة سلسلة من الأحداث الجيوسياسية المتسارعة غيّرت من موازين القوى وأعطت سياقًا مغايرًا للصراع، ومنها:

تغيّر مزاج المجتمع الدولي بشكل جزئي إثر مقتل أكثر من 48 ألف فلسطيني في الحرب، وعقب إصدار المحكمة الجنائية الدولية قرارًا باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، في نوفمبر 2024، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة والضفة الغربية.

تراجع القوة والتنسيق بين الحركات المسلحة في ما يُسمى بـ "جبهات إسناد غزة" أو "محور المقاومة" ككل، بقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وذلك بسبب تراجع قوة حزب الله العسكرية، وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، خط الإمداد الأساسي للسلاح، وتشديد العقوبات الأمريكية على طهران، ووضع واشنطن الحوثيين على لائحة "المنظمات الإرهابية الأجنبية"، مما يزيد من الضغوطات الاقتصادية على اليمن، فضلًا عن تنفيذ البنتاغون هجمات ضد مواقعهم.

تولي دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية لولاية ثانية، وانعكاس ذلك على موقف اليمين المتطرف في إسرائيل، حيث ازداد الدعم لنتنياهو في مخططاته بشأن تهجير سكان غزة، والسيطرة الكاملة على الضفة الغربية، وحتى في استئنافه للحرب على القطاع حاليًا.

فلسطيني يطبخ على سطح منزله المدمر جراء الهجوم الجوي والبري للجيش الإسرائيلي في جباليا، قطاع غزة، يوم الاثنين، 17 مارس/آذار 2025. Jehad Alshrafi/ AP

التغير في هيكل قيادات الجيش الإسرائيلي، واستبدال المسؤولين السابقين بشخصيات أقرب لنتنياهو، وذلك بعد إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هيرتسي هاليفي ورئيس الشاباك رونين بار وغيرهم من القادة.

استعادة الدولة العبرية غالبية الرهائن (192 رهينة حتى الآن) من أصل 251 إسرائيلي محتجز لدى حماس، ما يجعل الخطاب الرسمي في هذا السياق أقل توترا، وإن كانت هنالك معارضة من ذوي الرهائن على استئناف الحرب.

تشديد الحصار الإنساني على غزة بعد إغلاق المعابر ومنع دخول شاحنات الإغاثة، وحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في البلاد. ما يجعل ذهاب حماس نحو تصعيد مماثل مكلفًا للحركة.

Relatedعائلات الرهائن الإسرائيليين تتظاهر أمام مقر الحكومة تنديدًا بعودة الحرب على غزةحرب غزة تتجدد... مئات القتلى الفلسطينيين وصاروخ يمني يستهدف قاعدة نيفاتيم الإسرائيلية"مفاوضات تحت النار'"... نتنياهو يقول إن استئناف الحرب على غزة "ليس سوى البداية"ما هي أهداف نتنياهو من استئناف الحرب على غزة؟

يقول نتنياهو إن حربه الحالية أتت كنتيجة لرفض حماس المتكرر لإطلاق سراح الرهائن ولجميع المقترحات التي قدمها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف والوسيطان القطري والمصري. غير أن عدة مراقبين يعتقدون أن هنالك أهدافًا غير معلنة للحرب تتمثل في:

تهرّب حكومة إسرائيل من التزاماتها في اتفاق وقف إطلاق النار التي وقعت عليها مع حماس، وأبرزها الانسحاب من محور فيلاديلفيا.

محاولة نتنياهو إطالة عمره السياسي من خلال إعادة إيتمار بن غفير وفصيله اليميني المتطرف "عوتسما يهوديت" إلى الحكومة، وتمرير الميزانية وتثبيت الائتلاف.

تهرّب نتنياهو من جلسات الاستماع في قضايا الفساد المتهم بها، والتي كان يتذرع بانشغاله في القضايا الداخلية والخارجية، وتوليه قيادة الحروب على "سبع جبهات" حتى يدفع القضاء لتأجيلها.

صرف انتباه وسائل الإعلام عن الاحتجاجات المتجددة ضد الحكومة الإسرائيلية بسبب إقالته رئيس الشاباك رونين بار، وإجراءات عزل المستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، بعد خلافات واسعة معها.

متظاهرون يحملون صورًا لرهائن إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة في تل أبيب، إسرائيل، الخميس، 6 مارس 2025. Oded Balilty/APمستقبل التصعيدالذهاب نحو حل دبلوماسي: رغم تنديدها بانسحاب إسرائيل من الاتفاق، ودعوتها كافة الفصائل الفلسطينية للوقوف في وجه التصعيد الجاري في الضفة الغربية وغزة، لا يزال يُحيط موقف حماس نوع من الغموض، فقد نفت الحركة ادعاءات نتنياهو بشأن رفضها لمقترح ويتكوف. كما أنها لم تستأنف حتى الآن عملياتها العسكرية في غزة، وهو ما يوحي بأنها تدرس خيار التصعيد، خاصة في ظل السياق المغاير للحرب الحالية، وقد تلجأ نحو تفعيل الوساطة القطرية أو المصرية لإنقاذ المفاوضات.

في هذا السياق، نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية أن موجة الغارات الواسعة في غزة، والتي أدت إلى مقتل ما يزيد عن 430 فلسطينيا، وجرح أكثر من 500 آخرين، كانت تهدف للضغط على حماس حتى تظهر ليونة في المفاوضات.

ونقلت الصحيفة عن مصادر أمنية وعسكرية إسرائيلية قولها إن الدولة العبرية قد تضطر في أي وقت لوقف القتال في غزة بهدف التوصل إلى صفقة مع حماس. ولفتت إلى أن ضغط عائلات الرهائن لإيقاف الحرب قد يجعل هذا الخيار مرجحًا. وهنا يُمكن طرح أسئلة عديدة: ما طبيعة التفاهم السياسي الذي سيقبل به الطرفان؟ وكيف سيوفّق نتنياهو بين إرضاء اليمين المتطرف وتلبية مطالب عائلات الأسرى المحتجزين؟

الذهاب نحو مواجهة عسكرية: قد يوحي موقف حماس بالتروي، لكنه لا يعني أن الفصيل المسلح يستبعد تمامًا الخيار العسكري، أو لم يكن يتهيأ له منذ مدة. ففي وقت سابق، نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن مصادر خاصة قولها إن الحركة بدأت في اتخاذ سلسلة من التدابير تحسبًا لعودة المعركة، بما في ذلك تعيين قادة جدد في "كتائب القسام" الجناح العسكري لحماس، وإصلاح شبكة الأنفاق تحت الأرض، وتدريب مقاتلين جدد على القتال في حرب العصابات ضد إسرائيل. في المقابل، تعي الحركة أن ظروفها العسكرية باتت مختلفة، فـ"جبهات الإسناد" توقفت باستثناء الحوثيين، كما أن أهالي القطاع يرزحون تحت ضغوطات اقتصادية وإنسانية هائلة. من جهة ثانية، فإن رضوخ حماس لشروط إسرائيل كلها، دون إظهار القدرة العسكرية على مواجتها، قد يعني نهاية سيطرة حماس السياسي على غزة، وفرض رقابة شديدة على خط إمداد الأسلحة إليها في حال خسرت ممر فيلاديلفيا، وهو ما لن يكون بالأمر السهل.Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية سرقة لا تصدق.. محكمة أكسفورد تدين لصوص المرحاض الذهبي "أمريكا" الذي سرق من مسقط رأس تشرشل مظاهرة حاشدة أمام سفارة واشنطن في تشيلي احتجاجًا على عودة الحرب على غزة الحد الأدنى للأجور: ما هي الدول الأوروبية التي شهدت أعلى الزيادات؟ حركة حماسغزةإسرائيلاليمنحزب اللهبنيامين نتنياهواعلاناخترنا لكيعرض الآنNext واشنطن تقلّص جهود مكافحة حملات التهديد الروسي وسط تقارب ترامب مع موسكو يعرض الآنNext مظاهرة حاشدة أمام سفارة واشنطن في تشيلي احتجاجًا على عودة الحرب على غزة يعرض الآنNext الحد الأدنى للأجور: ما هي الدول الأوروبية التي شهدت أعلى الزيادات؟ يعرض الآنNext زيلينسكي: العقوبات على موسكو وتعزيز حلف العالم الحر والضمانات الأمنية.. طريق أوكرانيا إلى السلام يعرض الآنNext لقاء بين رئيسي رواندا والكونغو الديمقراطية في قطر لبحث سبل تحقيق السلام اعلانالاكثر قراءة عاصفة مدمرة تجتاح ثماني ولايات أمريكية تودي بحياة 42 شخصا وتخلف دمارا واسعا بعد اتهامات بالفساد.. اعتقال رئيس بلدية إسطنبول المعارض لأردوغان أكرم إمام أوغلو "مفاوضات تحت النار'"... نتنياهو يقول إن استئناف الحرب على غزة "ليس سوى البداية" غارة جوية إسرائيلية تدمر سجناً في غزة وتوقع العشرات من القتلى إخلاء 365 منزلًا وإغلاق المدارس في جنوب إسبانيا بسبب الفيضانات المفاجئة اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومحركة حماسضحاياالصراع الإسرائيلي الفلسطيني إتفاقية سلامواشنطنغزةألمانياإسرائيلروسياالاتحاد الأوروبيالحرب في أوكرانيا فولوديمير زيلينسكيالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

المصدر: euronews

كلمات دلالية: حركة حماس ضحايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إتفاقية سلام واشنطن غزة حركة حماس ضحايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إتفاقية سلام واشنطن غزة حركة حماس غزة إسرائيل اليمن حزب الله بنيامين نتنياهو حركة حماس ضحايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إتفاقية سلام واشنطن غزة ألمانيا إسرائيل روسيا الاتحاد الأوروبي الحرب في أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي استئناف الحرب على غزة یعرض الآنNext عما کان فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل تسقط إيران في مصيدة إسرائيل؟

لم يكن العالم بحاجة إلى دليل جديد يثبت أن الحكومة الإسرائيلية هي حكومة مهووسة بالحروب والمشاكل، مع ذلك قدمت الحكومة دليلًا فاقعًا لا حاجة إليه بضرباتها الليلية على طهران والتي استهدفت قادة وعلماء فيزياء نووية ومواقع مفاعلات إيرانية، مع التوقيت الذي يفضح الهدف الإسرائيلي المباشر وهو إفشال أي مفاوضات مع طهران، مهما بذلت مختلف الأطراف جهودها، والواقع أن المراد كما هو واضح، وكما أعلنت سلطنة عُمان في بيان إدانتها، هو إفشال المفاوضات الجارية مع إيران، والتي كان من المفترض أن تبدأ جولتها الجديدة في مسقط هذا الأسبوع، بينما الهدف الإسرائيلي الأكبر من وراء ذلك هو الإطاحة بأي تقدم عسكري في المنطقة غير إسرائيل، فهل ستساهم المنطقة ودولها في تحقيق ذلك لإسرائيل أم ستتدخل لمنع حدوثه؟

تراكم إسرائيل دائبة ما تملكه من قوة، وتتجسس باستمرار على ما يملكه غرمائها، وحكومتها الحالية تلعب لعبة الاستفزاز العسكري منذ مدة طويلة، سواء بحرب إبادتها الإجرامية المستمرة للفلسطينيين في غزة، أو بجبهاتها التي فتحتها مع لبنان وسوريا، والآن إيران؛ ومن الواضح أن حكومة إسرائيل الحالية لا تريد السلام ولا ترغب به، بل تريد السيطرة بالقوة، وتريد بفعلتها الأخيرة هذه جر العالم بأسره إلى حرب لحسابها الخاص، وأن يشتعل العالم كله كي يغطي على ضيق أفق رئيسها وبؤسه، فهل سيشتعل العالم من أجل نتنياهو وحكومته؟ وهل تنجر المنطقة بأسرها لحرب طاحنة ولن يكون ضحاياها غير الأبرياء بسبب مهووس مختل؟ وهل ستجاري إيران، كما هي رغبة إسرائيل الواضحة جدًا، هذه الحماقة الإسرائيلية المتجسدة في هذه الحكومة، أم ستفوت عليها الفرصة، وتنجز اتفاقها الذي لم يبق عليه غير جولة أخيرة؟ لأن إسرائيل لم تهاجم هذا الهجوم الآن إلا كي تفسد الاتفاق، وتجر إيران إلى ملعبها الحربي.

ليس الملف النووي الإيراني جديدًا، ولا الاتفاق الأمريكي الإيراني المرتقب هو الأول من نوعه، وإدارة ترامب هي التي أفسدت وأبطلت الاتفاق السابق، الذي جرى توقيعه في عهد حكومة باراك أوباما، والآن تسعى لإنجاز اتفاق آخر باسمها هي، وإنجازه ممكن ما دام الأول قد تم، وكل الجهود الدبلوماسية العمانية خاصة مبذولة كي يتكرر الاتفاق ويتعزز، لا لمصلحة ذاتية للأطراف نفسها فحسب، بل لمصلحة المنطقة بأسرها، ولتفويت الفرصة على إسرائيل التي تريد أن يخلو لها الجو لتفعل ما يحلو لها ولرؤسائها، ولكن نجاح الاتفاق سيصبح ملزمًا لكافة الأطراف، وهذا ما تخشاه إسرائيل وهو السبب الذي دفعها للهجوم على إيران، مهما كانت المخاطر، من أجل إفساد الاتفاق بأي ثمن، فهل ستنجر إيران لهذه اللعبة الخطرة؟

من حق إيران بالتأكيد أن ترد على هذا الخرق الإسرائيلي، والخراقة، المحرمة دوليًا، لكن هذا ملعب حكومة إسرائيل الحالية المفضل، وبابها الخلفي، فهي تريد الحريق، تريد تعميم الفرن، أفران الغاز تحديدًا على الجميع، وقد قامت إيران بالرد بطبيعة الحال، لكن على القادة الإيرانيين ألا ينجروا خلف إسرائيل واستفزازاتها، فغاية إسرائيل ليست الحرب الثنائية فحسب، بل غايتها تهديد الوجود الإيراني، وتوريط إيران في مواجهة مباشرة غير متكافئة مع القوى الغربية، وهي المواجهة التي ظلت الثورة الإيرانية تتجنبها بشكل مباشر، وهو ما تتحرق إسرائيل اليوم لتوريط إيران فيه، ليس حتى لمصلحة إسرائيل القومية، بل لمصلحة الحكومة الحالية وحدها.

هذه الحرب التي تريد حكومة إسرائيل إشعالها ليست من مصلحة المنطقة ودولها بطبيعة الحال، بما في ذلك إسرائيل نفسها، وليست من مصلحة الدول الكبرى بما فيها أمريكا وبريطانيا، ذلك أن الإخلال بالسلم والهدوء للمنطقة وسكانها لن يخلف غير الكوارث التي لا حصر ولا عد لها، وافتراض أن إشعال الحرب سهل مثل إطفائها هو وهم، وأن التحكم ممكن في دائرة الحرب هو وهم آخر، فاشتعال المنطقة التي تلتقي فيها المصالح العالمية من الشرق للغرب، بوصفها المصدر الأكبر للطاقة، النفط والغاز، لن يعمل إلا على إشعال أسعار الوقود في كل مكان، وسيجعل الممرات الدولية البحرية والجوية مهددة بهذه الحرب، وهو ما بدأ في الحدوث إذ بدأت خطوط الطيران منذ الجمعة تجنب الأجواء فوق وبين إيران وإسرائيل، ولا شك أن خطوط الملاحة البحرية هي الأخرى ستحذو حذوها، وكل تلك آثار اقتصادية مباشرة غير الارتفاع المباشر لأسعار النفط الذي حدث، وكل ذلك سيتفاقم، ليس في المنطقة وحدها، بل في العالم بأسره، من الصين إلى أمريكا.

لقد كومت إسرائيل قوتها العسكرية عبر افتعال مشاكل مستمرة مع الفلسطينيين المدنيين خاصة، وعبر تغذية العنف المستمر في المنطقة، وإبقائها مشتعلة وملتهبة، بما ضمن لها استمرار تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية والغربية، لتهدئة وسواس إسرائيل القهري، وخشيتها المزعومة على أمنها، بينما في الواقع أصبحت إسرائيل وحدها اليوم هي التهديد الأمني القائم والفعلي والذي لا يهدأ في المنطقة، ولا أدل على ذلك من حرب الإبادة المستمرة في غزة أمام بصر العالم أجمع، وصولًا إلى هجمتها الأخيرة على إيران.

تنامت قوة إسرائيل من خلال تلك المساعدات، الأمريكية تحديدًا، من أموال دافعي الضرائب، وعلى دورة اقتصاد أمريكي أصبح أهله ومن يديرونه يتوقعون انهياره، وهو ينهض في استمراريته، على أكتاف بسطاء الناس، والمهاجرين تحديدًا، أولئك الذين يتظاهرون اليوم في لوس أنجلوس ضد سياسات ترامب التي تعمل لترحيل العمال المهاجرين، وغالبيتهم من اللاتين، بينما في الواقع المعيش فإن تلك العمالة اللاتينية هي التي تقوم بالأعمال اليومية البسيطة في حياة الأمريكيين، وتوفر عليهم الجهود والأموال الطائلة، وهي ضرورة فرضتها الظروف مجتمعة. وجزء من تلك الظروف نتجت مباشرة من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وهيمنتها واحتكاراتها وتدخلاتها الخارجية، خاصة في أمريكا اللاتينية، وبفعلها اضطر الشباب للهجرة بحثًا عن فرص أفضل لهم ولأهليهم، وهم حين يتظاهرون اليوم إنما يطالبون بحقهم في العمل والإقامة القانونية، بدل سياسات الترحيل، التي لا تهدف إلا لإثارة مخاوف الناس من بعضهم البعض، وترسيخ العنصرية، وبينما يجاهد هؤلاء الناس البسطاء لنيل أرزاقهم وحقوقهم في شوارع لوس أنجلوس تتدفق المساعدات العسكرية بالمليارات لإسرائيل، وهي لا تفعل بها شيئًا آخر غير إبادة الناس وتهديد أمن الدول المستقلة ودفع العرب للهجرة إلى الغرب أو الشرق، وإثارة الاضطرابات في المنطقة، كما هو واضح.

من جانبها ظلت حكومات الجمهورية الإيرانية المتعاقبة تعمل على فك الحصار الاقتصادي المديد الذي تطوقها به الولايات المتحدة، كل حقبة بذريعة مختلفة، وهو لا يخدم شيئًا آخر غير سياسات التطويع التي تمارسها الولايات المتحدة ضد من تعتبرهم أعداءها، وفي الواقع فإن الولايات المتحدة نفسها هي من أخطأت الحسابات وشنت الحروب المفتعلة في المنطقة والتي صبت بالعكس في مصلحة إيران بشكل مباشر، من حرب أفغانستان، إلى حرب العراق، وظلت الحكومات الإيرانية تحاول الصعود والنهوض ببلدها وسط عداء غربي معلن، تغذيه إسرائيل وأمريكا وبقية منظومة الدول الأوروبية، عبر سياسات أبرزها السياسات الإعلامية الموجهة والمدعومة غربيًا لتشويه صورة إيران، داخلها وخارجها، ومحاولة إثارة الإيرانيين على حكومتهم والإطاحة بها، ولكن الواقع أن الجمهورية استطاعت ليس الصمود فحسب بل أصبحت لاعبًا كبيرًا لا يستهان به في المنطقة، وما الاستفزاز الإسرائيلي الحالي إلا من أجل جر إيران إلى مصيدة الحرب لإضعافها وتدميرها ونهب ثرواتها، وهو من غرور التفوق التكنولوجي والأسلحة المتقدمة وامتلاك السلاح النووي التي بحوزة إسرائيل، أما في الواقع فإن أسلحة إسرائيل المتقدمة والمتفوقة هي أكبر خطر يهدد إسرائيل نفسها.

إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني

مقالات مشابهة

  • تأثير الحرب بين إسرائيل وإيران على المنطقة
  • فعلها ترامب وليس نتنياهو… ونجحت إيران بالرد
  • هل تسقط إيران في مصيدة إسرائيل؟
  • أمل الحناوي: الشرق الأوسط فوق فوهة بركان بعد الرد الإيراني على الهجوم الإسرائيلي
  • حماس: المشروع الصهيوني خطر وجودي والعدوان الإسرائيلي على إيران ينذر بانفجار الوضع
  • كيف تأثرت الملاحة الجوية في المنطقة بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران؟
  • حماس”: العدوان الإسرائيلي على إيران تطوّر خطير ينذر بانفجار المنطقة
  • حماس تدين العدوان الإسرائيلي على إيران.. تطور خطير
  • الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت لصالح وقف حرب غزة
  • إسرائيل تعلن اعتقال عناصر من حماس في سوريا.. ودمشق تندد بـعمليات اختطاف