عودة النازية وسياسات الترويع والتدمير
تاريخ النشر: 19th, March 2025 GMT
رغم مرارة الحرب الكارثية المدمرة إلا أنها كشفت الكثير من الحقائق، وهي ليست مواجهة عسكرية وحسب، بل لم نشهد مواجهة حقيقية بين طرفيها، المتفقان في هدفهما وهو المواطنين العزل، وثوار ديسمبر علهم يأمنون غضبتهم والشوارع التي لا تخون. لذا دفع الثمن الملايين من أبناء وبنات شعبنا خاصة الفقراء.
والحرب ذات أبعاد مترابطة، ومعقدة منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
هل ثمة مبرر لهذه الوحشية والبربرية التي لا تألفها النفس السوية؟. فوسائط التواصل تعرض بشاعة أفعال طرفي الحرب، من قطع للرؤوس وبقر للبطون وتلاعب بأحشاء القتلى، بالإضافة للقتل العشوائي والقصف بالبراميل المتفجرة والأسلحة المحرمة دوليًا! وتعذيب المختطفين والمعتقلين لدرجة استحالوا هياكل عظمية، ومات الآلاف تعذيبًا وجوعًا وحرمانًا من العلاج وأصيب الكثيرون بالذهول.
بالإضافة للاغتصاب الوحشي والتفاخر به، وشنق المواطنين في الميادين العامة وترويع الأطفال حتى جحظت أعينهم لما يرونه من أهوال.
هذا وغيره لا يمكن تبريره بأنه تفلتات فردية؛ لأشخاص كما يدعون، وإنما أفعال مدروسة ومصممة وفق أسس الحرب النازية. وهي وسائل استخدمها الكثيرون من مجرمي الحروب كنتنياهو وصدام حسين وبشار الأسد لقهر شعوبهم، ولكنهم يتهربون حين يحاصرون.
الإسلام السياسي في السودان له إرث طويل في هذه الأساليب، مثل إعلانهم الجهاد في الجنوب بعد انقلابهم في 1989 فأبادوا الملايين وعصفوا بوحدة السودان، وحربهم بجبال النوبة في التسعينات بقيادة الحسيني والي كردفان حينها، وحرب الأرض المحروقة والإبادة الجماعية في دارفور وقامت بها نفس الأطراف الشريكة في الحرب اليوم. ولا زالت الحركة الإسلامية تفرخ المليشيات مسخرة لها إمكانيات الدولة، ويصدر بعضها إلى خارج الحدود.
وصف الألماني سيبيرج (Seeberg) الحرب بأنها "لا تثبت تفوق القوة الجسدية فحسب، بل تثبت تفوق القوة الأخلاقية والثقافية، وأن الحرب هي الحكم الأكبر في تاريخ العالم فالبعض يصعد والآخر ينحدر". فالأنظمة الاستبدادية والشمولية تلجأ للعنف والحرب والبطش بشعوبها للاستمرار في السلطة أمام عجزها عن نيل تأييدهم ورضاهم
فنظام الإنقاذ ليستمر في الحكم لمدة ثلاثين عامًا استعان بالقمع والعنف بما فيها الحروب المتتالية، لإدراكهم للفجوة الكبيرة والمتزايدة بينهم والشعب وأن مصالحهما على طرفي نقيض. وحرب 15 أبريل هي تصاعد واستمرار لما سبقها من عنف وحروب راهنوا عليها للاستمرار في الحكم، تمامًا كما فعل هتلر وصدام ونتنياهو والأسد، وكما يفعل الآن البرهان وزمرته، في امتداد لتاريخ طويل في محاولات الإفلات من الجرائم التي ارتكبوها في حق شعبهم مستعينين بالحصانات المطلقة والقوانين الداعمة لارتكاب هذه الجرائم وإطلاق سراح من حوكم منهم أمثال قتلة الشهيد أحمد الخير.
التبريرات "التافهة" للوحشية
كما استندوا على الأجهزة الإعلامية التي تشن الحرب النفسية على عدوهم الشعب/ المواطنين العزل بغرض الترهيب والترويع وتشريع العنف والتضليل والكذب والمراوغة وكل ما هو ممكن لاستمرارهم في السلطة، تمامًا مثل جوزيف جوبلز أحد أساطير الحرب النفسية، وصانع أسطورة هتلر. ومعروف أنه صاحب مقولة "أكذب، أكذب حتى يصدقك الناس"، وقد أكد أن هدفه هو بث الخوف والرعب لتحطيم الخصوم إعلاميًا ولترسيخ أيدلوجية الدولة النازية. وقد اتبعت نهجه كل تنظيمات الإسلام السياسي الإرهابية، مثل القاعدة وداعش وجيش النصرة وكتائب البراء... الخ، وخلق التبريرات والفتاوى اللازمة لإضفاء صفة القداسة والقبول على أفعالهم وأقوالهم في مواجهة موجات الغضب والاستنكار والرفض الواسع الذى يخلق الإحتقان الاجتماعى ومزيد من العنف المضاد، ويكشف طبيعتها الإرهابية للعالم الخارجي الذى تسعى لكسبه وتحرج القوى الداعمة لها أمام العالم أجمع. إعلام القتلة في هذه الحرب يعكس خوفهم ويكمل جرائمهم المادية، ودوره في إدارة الحرب النفسية لكسر أعدائهم (الشعب) ومحو ثورة ديسمبر من قلوبهم وعقولهم إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
يصورون ضحايا الحرب وكل رافضيها، كمجرمين وكفار ومتعاونين وعملاء. ويشبهونهم بالحشرات والثعابين حتى يتم استبعادهم من دائرة الأخلاق والبشر، وبأنهم خطر على المجتمع ومهددون لأمنه وسلامته لا بد من التخلص منهم وتجوز إبادتهم (عبد الحي يوسف مفتي السلطان).
وتصوير مرتكبي جرائم الحرب خاصة الذبح وقطع الرؤوس وبقر البطون بأنهم أبطال تتم ترقيتهم ومكافأتهم وتمجيدهم لتوسيع استخدام هذه الأساليب والدعوة للتفوق في الوحشية كما تفعل كتائب البراء وما يتبعها، بالتكبير والتهليل والتفاخر. فهذا يخدم محاولات التطبيع والتعود على هذه الجرائم من قبل جنودهم ومؤيديهم بل وتصويرها بأنها بطولة مقدسة وجهاد يجب دعمه.
ليس غريبًا توثيق هذه الجرائم الفظيعة بالتصوير وعرض هذا السلوك الوحشى من خلال أجهزة الإعلام والسوشيال ميديا، فقد ظنوا أنها كافية لتطويع إرادة الشعب وإجبارهم على إخلاء مناطقهم بلا عودة وجعل الأحياء منهم في حالة خوف ورعب مستمر. ونسي هؤلاء الوحوش في غمرة هيجانهم أنهم بذلك يقدمون دلائل إدانتهم أمام العالم وأمام العدالة القادمة لا محالة؛ ويخلقون أعداءهم بالغبن، وبعضهم يعد العدة للثأر والانتقام. وبكل هذا يزيدون عزلتهم عن الشعب.
خطاب الصلف والغطرسة من القادة الإسلاميون لقواعدهم خاصة صغار الضباط والجنود والمستنفرين، والكذب والادعاء بما هو فوق قدرتهم؛ وأحيانًا باستخفاف واستهتار بعقول سامعيهم، ما هو في جوهره إلا تهديد ووعيد، فتعابير "لحس الكوع" و"أكسح- أمسح- قشو"؛ إلى "الحرب دي بتنتهي في 6 ساعات" و"مافي زول أرجل مننا"، والوعيد بإقصاء كل من لا يقف معهم في حربهم الدامية. كله مماثل لخطاب المستبد الآخر نتنياهو الذى يحلم بالقضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية وإبعاد الفلسطينيين من وطنهم، مع أنه يعلم تمامًا بأنهم فشلوا في ذلك منذ العام 1948 وأن حلمه لن يتحقق، مثلما يعلم الإسلاميون أن جذور الشعب السوداني عميقة وممتدة، وأن جذوة ثورة ديسمبر ستظل متقدة.
من ناحية أخرى، إعلام الحرب المليشيوي يتبنى التضليل والتلفيق والمراوغة والسعي للانحطاط بالصراع السياسي والاجتماعي وصرف الأنظار عن الواقع، ومحاولة تسخير الثقافة والدين لمصلحتهم. هذه الأساليب البالية خبرها شعبنا طوال سنوات الإنقاذ المريرة.
كما سعى إعلام الحرب لإثارة الهلع الأخلاقي (moral panic) ، مثل محاولة تشويه اعتصام الثورة في القيادة بوصف الثائرات؛ وبل حتى المغتصبات؛ بالعاهرات، بدلًا من إدانة مرتكبي هذه الجرائم وسطهم، لكنهم يستلهمون حديث عرابهم الترابي عن "الغرباوية" الذي رواه عن "البشير". لقد كشفت هذه الحرب عن درجة العداء السافر للنساء والشابات خاصة لدورهن المشهود في ثورة ديسمبر فعملوا على استدعاء كل الأسلحة الذكورية النتنة المادية والثقافية والاجتماعية تمامًا مثل الأسلحة العسكرية لينكلوا بالنساء مثل ذلك الشاب الوضيع الذي خاطب "مريومة" جارته ببذاءة وتهديد لأنها في زعمه سقت الدعامة ماء، والاسترقاق والاستعباد الجنسي وأعمال السخرة وكلما يندى له الجبين خجلًا هي الرجولة التي يقصدونها خاصة مفصلي الفتاوى الذين يعتبرون النساء إماءً، وجزء من غنائم الحرب، وغيرها من المفاهيم الغابرة.
إن مرتكبى هذه الجرائم من جميع المليشيات الانقاذية قد خضعوا لتدريب منهجي ليستطيعوا القيام بهذه الأدوار. ليس تدريبًا عسكريًاً وحسب، بل وتدريب أيديولوجي (غسيل مخ) ونفسي يحولهم من الحالة الإنسانية إلى الحالة الوحشية حتى يتواءموا مع الأدوار المرسومة لهم.
قادة الإسلاميين أخرجوا من السجون ليواصلوا حربًا انتقامية من الشعب السودانى بعد أن تبدى خطل بقاء حكمهم إلى الأبد. وعرفوا جسارة الشعب السودانى المتمسك بثورته، وانكشفت حقيقة حقدهم وفسادهم وجبنهم وأحاطهم الرعب والهلع مما سيحيق بهم، وكشفت الحرب أيضًا نفوس قياداتهم السادية المفعمة بالحقد والخوف والهلع.
إن الآثار النفسية والاجتماعية العميقة لهذه الحرب لا تصيب الضحايا العزل فقط بل وتصيب القتلة ومرتكبي الجرائم الفظيعة بسبب ما فعلت أياديهم والخوف على أنفسهم من الانتقام والثأر، ولا شك أنها ستخلف ألاف من ذوي الاضطرابات النفسية وهذا أمر لا بد من التفكير فيه ومعالجته ضمن قضايا العدالة الانتقالية وإلا فستستمر دوامة العنف والحرب.
السلام لن يتحقق بوقف القتال فقط، العدالة وعدم الإفلات من العقاب هي الجسر للوصول للسلام. وإعادة الاعتبار الإنساني للضحايا والناجين من الحرب بالتأهيل النفسي والاجتماعي بمعناه الواسع ضرورة لاستعادة حياتهم.
وسيكون مصير قادة الحرب وتدمير الوطن مثل نيرون وهتلر وصدام والأسد والبشير.
ليلهم الخوف والكوابيس والخيانة،
ونحن قدامنا الصباح.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الجرائم تمام ا
إقرأ أيضاً:
من نشوة القصف إلى فخ الاستنزاف.. كيف وقعت “إسرائيل” في فخ الحرب التي أرادتها؟
في كتاباته المتعددة، كثيرًا ما حذر نعوم تشومسكي من غواية “القوة” حين تُمارَس بمعزل عن العقلانية السياسية، ومن السرديات الإمبريالية التي تُخفي الحقائق خلف لغة “الردع” و”الدفاع عن الذات”، “إسرائيل”، التي أفاقت على نشوة ضربة خاطفة ضد إيران، سرعان ما بدأت تدفع ثمن إيمانها بأن بإمكانها فرض توازنات الشرق الأوسط عبر هجوم مباغت على دولة إقليمية بحجم إيران، لكن الواقع، كما هو الحال دائمًا في منطق القوة، معقد ومفتوح على انهيارات غير محسوبة.
الهروب من غزة نحو سماء طهران
في بداية الأمر، بدا الهجوم “الإسرائيلي” على المنشآت الإيرانية وكأنه ضربة ناجحة: اغتيالات نوعية، ضربات على البنية التحتية النووية والعسكرية، وتحقيق ما وصفته وسائل الإعلام العبرية بـ”إنجازات لا تُضاهى”، لكن خلف هذا الإطار الإعلامي، تكمن أزمة أعمق: “إسرائيل” تهرب من مأزق غزة إلى معركة أخطر وأعقد مع طهران. والضربات لم تكن فقط ضد المنشآت، بل كانت في جوهرها محاولة لإعادة ضبط معادلة الردع بعد سلسلة من الهزائم الرمزية والاستراتيجية، بدءًا من 7 أكتوبر، مرورًا بالحرب الطويلة والمفتوحة في غزة، وصولًا إلى الخوف من تصاعد جبهة الشمال مع حزب الله.
النشوة كقناع للإنكار
في التحليل النفسي للسلطة، تمثّل النشوة الجماعية لحظة إنكار جماعية. الإعلام العبري، وحتى بعض المعارضين، انخرطوا في التهليل للضربة، وكأنها تعويض جماعي عن الإهانة الوطنية في 7 أكتوبر. لكن فإن “الاحتفال بالقوة لا يُلغي الحاجة إلى مساءلتها”. ما جرى لم يكن انتصارًا بل انزلاق محسوب إلى منطقة الخطر. والفرق بين الحكمة والجنون، أن الأولى تفكر في اليوم التالي، بينما الثانية تتلذذ بلحظة التأثير الفوري.
الفشل في فهم إيران
منذ عقود، تسوّق “إسرائيل” أن إيران “نظام شيطاني” يمكن تفكيكه عبر ضربة ذكية واحدة. وهذا بالضبط ما يُحذّر منه تشومسكي عند الحديث عن “التسطيح الاستشراقي” للعقل الغربي تجاه خصومه، إيران ليست دولة عشوائية، إنها منظومة معقدة ببنية عسكرية وعقائدية واقتصادية متداخلة، وتملك أدوات الرد في الإقليم، وأهم من كل ذلك: ذاكرة حرب طويلة. التجربة الإيرانية مع العراق (1980–1988) لا تزال تلهم العقيدة العسكرية الإيرانية. والشيعة، كما كتب يوسي ميلمان، “يتقنون فن المعاناة”.
الرد الإيراني لم يتأخر فقط لأن القيادة مشوشة، بل لأنه كان يحتاج إلى تأنٍّ استراتيجي، وإلى قرار محسوب بعدم جعل الرد مجرد فعل عاطفي. وعندما أتى الرد، كان بمستوى يجعل النشوة “الإسرائيلية” تبدو استهزاء بالتاريخ والجغرافيا معًا.
أمريكا ليست هنا
من أخطر ما اكتشفته “إسرائيل” هذه المرة، أن الولايات المتحدة –ولو بقيادة ترامب الحليف المعلن– ليست بالضرورة على استعداد لخوض معركة واسعة لأجل “إسرائيل”. وزير الخارجية ماركو روبيو كان واضحًا في نأي واشنطن بنفسها عن الهجوم، وهو موقف يعكس تحولًا عميقًا في المزاج الأمريكي الذي بدأ يتبرم من كلفة التحالف مع “إسرائيل”، لا سيما مع اتساع المعارضة للحرب في غزة، والصدام مع القوى الدولية الأخرى (كالصين وروسيا) حول سياسات الهيمنة.
ترامب قد يهلل للهجوم، لكنه لا يريد أن يُجر إلى مستنقع حرب طويلة في لحظة انتخابية حرجة. وهذا ما يعرفه الإيرانيون جيدًا، لذا يُصعّدون بثقة محسوبة. أما “إسرائيل”، فقد فوجئت بأن “الغطاء الأمريكي” الذي طالما اعتُبر ضمانة للجنون الاستراتيجي، بات مثقوبًا هذه المرة.
الحرب على النظام أم على البرنامج النووي؟
بين خطاب نتنياهو الذي توعّد برؤية طائرات “إسرائيلية” فوق طهران، وتصريحات مسؤولي الجيش بأن الهدف هو تدمير البرنامج النووي، ثمة فجوة سردية خطيرة. إذا كانت “إسرائيل” تريد تغيير النظام، فإنها تكرر خطيئة الأمريكيين في العراق: وهم استبدال النظام دون رؤية للبديل. أما إذا كان الهدف فقط وقف التخصيب، فإن الهجوم لم ينجح في تدمير منشأة فوردو، ولم يوقف البرنامج، بل ربما سرّعه.
ومن هنا يأتي خطر الحرب الاستنزافية. فإيران، التي تعي أنها لن تُهزم في ضربة واحدة، قد تُطيل أمد المواجهة، وتجعل منها حربًا متعددة الجبهات والأدوات: صواريخ على تل أبيب، هجمات سيبرانية، اشتباكات في مضيق هرمز، وتصعيد عبر حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي.
إسرائيل تواجه نفسها
بعد الهجوم، انهالت الانتقادات من الداخل، فجأة صار نتنياهو في مواجهة مجتمع يكتشف هشاشته: الدفاعات الجوية فشلت، والحكومة لم تهيّئ الناس، وبدأ القادة العسكريون يحذرون من حرب طويلة، فيما المعلقون يتحدثون عن “فخ نصبته إسرائيل لنفسها”. وكأن الحرب، التي أرادها نتنياهو لتكون مخرجًا من ورطة غزة، تحوّلت إلى ورطة أشد وأخطر.
في كل هذا، يبدو أن “إسرائيل” لم تُجرِ الحساب الأساسي الذي تحدث عنه تشومسكي مرارًا: حين تبني قراراتك على وهم التفوق التكنولوجي وتغفل عن التعقيد التاريخي والسياسي والثقافي لخصمك، فأنت تصنع كارثتك بنفسك.
من غزة إلى طهران: لا خطوط رجعة
إن الفكرة القائلة بأن “إسرائيل” يمكنها أن “تُعيد ضبط النظام الإقليمي” عبر القوة، هي في جوهرها استمرار لسردية استعمارية قديمة، وهي أن “الشرق لا يفهم إلا لغة القوة”. هذه السردية لا تزال تحكم العقل “الإسرائيلي”، الذي لم يتعلّم من تجاربه في لبنان ولا في غزة، وها هو الآن يكررها على نطاق أوسع وأخطر.
لكن الفارق أن طهران ليست غزة. والمقاومة هنا ليست فقط صواريخ، بل منظومة ممتدة جغرافيًا وعقائديًا. “إسرائيل” لا تواجه إيران وحدها، بل منظومة ممتدة من العراق إلى اليمن، ومن لبنان إلى سوريا. وهذا ما يجعل هذه المواجهة قابلة لأن تنفلت من السيطرة في أي لحظة.
في الحروب، لا تنتصر النشوة
كما قال ناحوم بارنيع: “الحروب تبدأ بالنشوة… ثم تستمر”. “إسرائيل” في هذه اللحظة ليست في موقع المُسيطر، بل المُرتبك. فالهجوم الذي أريد له أن يُعيد الهيبة، كشف العجز. والضربة التي أريد لها أن توقف المشروع النووي، قد تُسرّعه.
إن لم تُدرك “إسرائيل” هذا الواقع بسرعة، وتقبل بخيار سياسي عاقل، فإنها تقود نفسها إلى مواجهة قد تكون الأعنف في تاريخها. وحينها، سيكون الثمن ليس فقط إخفاقًا استراتيجيًا، بل تصدعً داخلي طويل الأمد، وسقوطًا نهائيًا لوهم “الجيش الذي لا يُقهر”.
“الحروب لا تُخاض لإرضاء الغرور، بل لحماية الناس… وإذا كانت النشوة هي المعيار، فالنتيجة دائمًا كارثة.”
كاتب صحفي فلسطيني