لجريدة عمان:
2025-06-30@22:35:39 GMT

عيد الأم .. والندم على الأمومة!

تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT

في تراثنا حكاية عن امرأتين تنازعتا على طفل؛ بحيث ادعت كلٌّ منهما أنه ابنها، واحتكمتا في النهاية إلى النبي سليمان -عليه السلام- الذي حكم أن يُشطَر الطفل إلى نصفين، تأخذ كلّ واحدة منهما نصفًا! لكن إحدى المرأتين صرخت رافضةً هذا الحكم: «أعطوها الطفل ولا تقتلوه»، بينما قالت الأخرى: «لن يكون لي ولا لك، اشطروه!».

عرف سليمان -عليه السلام- حينئذ من هي الأم الحقيقية. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه القصة نموذجًا لما يُعرف بـ«الأم الصالحة»؛ تلك التي تضحّي بكل شيء، حتى بابنها؛ لتحميه.

أوردتْ هذه الحكاية الكاتبة الفرنسية ستيفاني توماس في كتابها الجريء «الندم على الأمومة: عشر نساء يروين قصصهن» (ترجمة كارول حداد، دار نوفل، 2022). وأقول «الجريء» لأننا اعتدنا أن نقرن الأمومة دائمًا بالتقديس وبالمشاعر الإيجابية، أما ربط الندم بالأمومة فهو يبدو للجميع - بمن فيهم مؤلفة الكتاب - «أمرًا يناقض الطبيعة»، وأنه يمكن للمرأة أن تعضّ أصابع الندم؛ لأنها قررتْ في فترة ماضية من حياتها عدم الإنجاب، لكن من غير المعقول أن تندم لأنها أنجبت.

في هذا الكتاب لا تعود الأمومة كما صوّرتها الكتب الدينية، والأعراف الاجتماعية، والأفلام السينمائية؛ ذلك الحُلم الورديّ الذي يتوِّج وجودَ المرأة في الحياة، وإنما تجربة إنسانية شديدة التعقيد، تختلط فيها المشاعر النبيلة بأخرى لا تقل عنها عمقًا وإنْ كانت أقل تقبّلًا من الناحية الاجتماعية. تعرض ستيفاني توماس قصص عشر نساء فرنسيات مع الأمومة (والندم عليها بعد ذلك)، مقدمةً ما يشبه الدراسة التحليلية حول سؤال: «لماذا تندم النساء على الأمومة؟»، رغم أنها تشدد في مقدمة الكتاب وخاتمته أنها ليست عالمة اجتماع ولا عالمة نفس، ولم يكن هدفها وضع نظريات عامة حول هذا الموضوع، وإنما أرادت فقط أن تقدم للنساء اللواتي وثقن بها فرصة الحديث بدون خجل وخوف من أن ينتقدهن أحد، ولذا؛ فقد غيّرت أسماءهنّ في الكتاب.

تنتمي هؤلاء النسوة اللواتي وثقن في ستيفاني إلى خلفيات متنوعة، وتشترك شهاداتهن في شيء واحد: أنهن نادمات؛ ليس على أولادهن، بل على الأمومة نفسها بوصفها مؤسسة قائمة على الاستنزاف والتهميش وإلغاء الذات، كما يسردن. إلسي؛ على سبيل المثال، قضت سنوات ترفض فكرة الإنجاب وترى في الطفل عبئًا على حياتها، حتى إنها أجهضت نفسها في 2011، لكن بعد عشر سنوات، قررت أن تحاول إنجاب طفل؛ لأنها خافت أن تندم لاحقًا على عدم المحاولة. المفارقة أنها ندمت بالفعل، ولكن على الإنجاب هذه المرة، أما كولين فسبب ندمها يعود إلى طفولتها السيئة مع أمها التي شعرتْ دومًا أنها لا تحبها، كان لسان حال الأم مع ابنتها هذه القصيدة للشاعرة البولندية أنّا سوير بعنوان «أمومة» (وقد أوردتها الكاتبة المصرية إيمان مرسال في مفتتح كتابها «كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها»، الكتب خان، 2017): «أقول: أنتِ لن تهزميني/ لن أكون بيضةً لتشرخيها/ في هرولتك نحو العالم/ جسرَ مشاة تعبرينه/ في الطريق إلى حياتك/ أنا سأدافع عن نفسي». ولعل هذه المعاملة السيئة من الأم لابنتِها هي التي أوحت لكولين بأن الأمومة أمر سيء. صحيح أنها أنجبت لاحقًا، لكنها ندمت، وسعت إلى الإجهاض في اللحظة الأخيرة، قبل أن تتراجع.

لكن لماذا تندم النساء على الأمومة؟ في محاولتها للإجابة تكشف ستيفاني توماس أن هذا الندم يستند إلى تاريخ طويل من الكبت الثقافي والضغط الاجتماعي، وتقول: إن الحروب، والنظم الاقتصادية، والدين، كلها أسهمت بهذا الشكل أو ذاك في تقديس الأمومة بوصفها وظيفة قومية أو مقدسة، وليست خيارًا شخصيًّا. وكانت الروائية التركية إليف شافاق قد سبقت ستيفاني في محاولتها لفهم هذا الندم، بإحالته على عدم تعلّم الأمومة. تقول في كتابها «حليب أسود»: «هناك سببٌ يجعل ما لا يحصى من النساء يقلن إنَّ الأمومة هي أحنُّ ما جرى عليهنَّ في الحياة، وأنا أتفق مع ذلك من أعماق قلبي، غير أنَّ المرأة لا تصير أمًّا بمجرد الإنجاب، بل عليها أن تتعلَّم الأمومة، إنَّها معرفة، يأخذ استيعابها عند البعض أطول من الآخرين». بيد أن هذه المعرفة عن الأمومة كانت متأتية بامتياز لدى كلارا (إحدى النساء العشر النادمات على الأمومة في كتاب ستيفاني توماس). تقول كلارا: إنها لم تستمتع بطفولتها ولا مراهقتها؛ لأن أمها المكتئبة دومًا حمّلتها مسؤولية رعاية إخوتها. وحين تزوجت لاحقًا وأنجبت أطفالًا، لم تشعر بالفرح بل بالثقل؛ لأن الأمومة عندها بدأت مبكرًا جدًّا، من قبل أن تصبح أمًّا فعلًا.

تتنوّع أسباب الندم، لكن الشعور بالذنب يبدو «وكأنه الشعور الذي يوحد الأمهات على اختلافهن» كما تكتب إيمان مرسال في كتابها الذي سبقت الإشارة إليه، وتضيف أن هذا الشعور بالذنب غير مرتبط بالتقصير فقط، ولا بتمزق المرأة الحديثة بين العمل والأمومة، بل «ينبثق أحيانًا من نموذج مثالي للأمومة حيث لا نهاية لما يمكن أن تقدمه الأم لطفلها من حب وحماية واستثمار في الوقت والتعليم... إلخ. وقد يأتي أيضًا من التاريخ الشخصي السابق على الأمومة».

لا أدري إلى أي مدى هو أمر حصيف الحديث عن أمهات نادمات على الأمومة، في هذه الأيام بالذات، حيث يحتفل العالم بالأم، وبصورتها المثالية. غير أنني أؤمن أن هؤلاء الأمهات اللواتي أدلين بشهاداتهن لستيفاني توماس، وكذلك إليف شافاق، وإيمان مرسال، والشاعرة البولندية، كل هؤلاء الأمهات لم ينطلقن في ندمهن من كراهية للأمومة أو رفض لها. بل من أجلها؛ من أجل أمومة أكثر صدقًا، ونبلًا، وإنسانية.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على الأمومة

إقرأ أيضاً:

حكم بر الأم التى تحرض أبناءها على الأب بعد الطلاق.. الإفتاء تجيب

تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه:"ما حكم بر البنت بأمها التي لم تطالب بحضانتها عند الطلاق، ثم طالبت بالرؤية بعد فترة، وفي أثناء الرؤية تحرضها على الأب وتوقع بينهما، ويحاول أهل الأم لسوء أخلاقهم وانعدام الوازع الديني لديهم تحريضها على خلع الحجاب وفعل كل ما هو غير أخلاقي؟

بر الوالدين

وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: إن البر بالوالدين وصلتهما والإحسان إليهما فرض على ولدهما؛ سواء أكان ذكرًا أم أنثى، وذلك في حدود رضا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فالبر لا يعني الطاعة العمياء، وعلى الولد أن يجتنب مواطن الشُّبهة، وألَّا يطيعَ أيًّا منهما في أمره له بالمعصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ».


وأضافت: أنه إذا كانت أحوال الأم وأهلها على الوجه المذكور، الذي يجعل البنت تخاف على نفسها من أن تتأثر أخلاقها به؛ فيمكنها أن تكتفي ببر أمها والإحسان إليها والزيارة الخاطفة من غير أن تطيل المكث أو المبيت.

وأشارت الى أن الشرع حرص على صلة الأرحام على وجه العموم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ»، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾» متفقٌ عليه.

أدعية لتحقيق الأمنيات.. اغتنمها ورددها الآنفضل العبادة في أوقات الغفلة وانتشار المعاصي.. الأزهر يوضحهل المسيح الدجال هو ابن الصياد الذى أدرك النبي؟.. علي جمعة يجيب

ونوهت أن علاقةَ الولد بوالديه مسألةٌ تتعلق بالإنسانية المَحْضَة، فضلًا عن أن تكون مسألةً تحث عليها الشرائع؛ فليس هناك نظامٌ اجتماعيٌّ على مَرِّ التاريخ لم يتمسك بهذه القيمة؛ لذا قال تعالى محذِّرًا مِن المَسَاس بهذه العلاقة مهما يكُن مِن شيءٍ: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾.ونوهت إلى أن البر بالوالدين فرضُ عينٍ؛ فهو عبادةٌ لا تقبل النيابة؛ قال العلَّامة برهانُ الدين ابنُ مازه البخاري الحنفي في "المحيط البرهاني في الفقه النعماني"(5/ 386، ط. دار الكتب العلمية): [وطاعةُ الوالدين وبِرُّهُما فرضٌ خاصٌّ لا يَنُوبُ البعضُ فيه عن البعض] اهـ. بخلاف رعايتهما؛ فإنها فرضُ كفايةٍ.

وبينت أن الإسلام أوجب على الآباء حقوقًا للأبناء تتمثل في تعليمهم وتأديبهم وتوجيههم إلى عملِ كلِّ خيرٍ والبُعدِ عن كلِّ شرٍّ؛ أخْذًا مِن قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ [التحريم: 6]، لكن هذه المقابلة لا تعني سقوطَ أحدِ الواجبين حال انعدام الآخَر، بل إن هذا الحُكم ثابتٌ حتى في حال أَمْرِهما ولدَهما بالكفر؛ كما سبق في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا واتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لقمان: 15] في توجيهٍ صريحٍ إلى أنَّ الأمر بالبِرِّ مجردٌ عن دِين الوالدين وسلوكهما، وتنبيهٍ إلى عدم التدخل فيما بين العبد ورَبِّهِ.

طباعة شارك بر الوالدين الإفتاء بر الأم التى تحرض على الأب بر الأم بر الأم التى تحرض على خلع الحجاب الحجاب

مقالات مشابهة

  • حلقة عمل بصلالة حول صحة المرأة أثناء الحمل
  • ستيفاني تبحث مع الصغير ضرورة صياغة خارطة طريق لعملية سياسية يقودها الليبيون
  • أم تقدم نصيحة: تجنبوا السفر إلى أوروبا مع الأطفال في الصيف.. فيديو
  • مادتا التعبير والخط
  • توماس باراك: التحديات في سوريا هائلة لكن الشعب السوري قادر على بناء المستقبل
  • شاب وشقيقته يقتلان والدتهما المريضة ضربًا في مصر
  • حكم بر الأم التى تحرض أبناءها على الأب بعد الطلاق.. الإفتاء تجيب
  • توماس مولر: لا أمانع اللعب بجوار ميسي بعد مغادرتي لبايرن
  • كأس العالم للأندية.. مولر حائر بشأن مستقبله بعد رحيله عن بايرن ميونح
  • الفريق أوّل شنقريحة يهنئ أشبال الأمّة الناجحين في شهادة التعليم المتوسط