صراحة نيوز- أ.د. بيتي السقرات/ الجامعة الأردنية

في قلب العاصمة عمّان، وعلى امتداد التلال التي تحفظ ذاكرة المكان والإنسان، تقف الجامعة الأردنية شامخة، ليست مجرد صرح حجري، بل هوية وطنية تتنفس علمًا وتنبض انتماءً. كل عام تُخرج أجيالًا جديدة من الحالمين والقادرين.

أتذكر يومًا كنت طالبة أتتبع أثر الحروف في قاعات كلية العلوم، أرتشف المعرفة من بين طيّات الصخور، وأصغي لما ترويه طبقات الأرض عن تاريخ هذا الوطن، وأحمل حقيبتي الممتلئة بالشغف بين المختبرات والميدان.

واليوم، أقف على منصة التعليم أستاذة دكتورة في الجيولوجيا، لا لنقل المعلومة فقط، بل لأغرس في طلبتي شغف الاكتشاف وفضول المعرفة، وإيمانًا بأن الأرض ليست مادة تُدرَّس، بل مسؤولية تُحمَل.

لطالما كانت الجامعة الأردنية حاضنة للعقول من مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي والدولي، ولم تكن يومًا حكرًا على الطلبة الأردنيين فقط. ففيها التقت ثقافاتٌ وخبرات، واختلطت اللهجات تحت مظلة علم واحد. منذ تأسيسها، استقبلت طلبة من عشرات الجنسيات، فكانت بوتقة حضارية ومكانًا للعلم والتآلف. كما لم تغب عن دورها الإنساني، إذ احتضنت اللاجئين والطلبة الوافدين، ومنحتهم فرصة للعلم والكرامة؛ فكانت بذلك رسالة حيّة لمعنى “الجامعة” التي تجمع لا تفرّق، وتحتضن لا تُقصي.

خرج من مدرجاتها مفكرون وقادة، ووزراء وعلماء، حملوا شهادتها فخرًا كحامل راية وطنه، وواصلوا مسيرتهم في أرقى الجامعات والمؤسسات الدولية. منهم من أصبح وزيرًا، أو سفيرًا، أو مستشارًا علميًا، ومنهم من أدار مراكز بحث في ألمانيا وكندا وبريطانيا، أو أسّس شركات تقنية وطبية وضعت الأردن على خريطة الابتكار العالمي. هذا التميز لم يكن صدفة، بل ثمرة جودة التعليم، ورصانة المناهج، واستقلالية الفكر، وديناميكية الحوار.

ومع مرور الوقت، وجدت أن العلم لم يكن فقط مجالًا للتخصص، بل نافذة لفهم أعمق للانتماء.
أحببتُ الأرض قبل أن أدرسها، ووجدتُ في طبقاتها معنى الانتماء، وفي ملامح تضاريسها تجسيدًا لحكاية وطن.
علمتني الجيولوجيا أن الوطن يبدأ من تحت أقدامنا، وأن فهم الأرض ليس علمًا فقط، بل التزام ومسؤولية. لذلك، كان انحيازي للعلم جزءًا من انحيازي للأردن، وإيماني بأن حماية البيئة وثرواتها تبدأ من الوعي، وتنمو بالمعرفة.

لم تكن رحلتي في الجامعة الأردنية مجرد انتقال من موقع إلى آخر، بل صعود مستمر في مراحل العطاء والإلهام. من طالبة تتلقى، إلى أستاذة تُلهم. من مقعد في قاعة، إلى منصة تصنع الوعي. وبينهما، وجدت وطنًا من المعرفة، وعائلة من الزملاء، ومؤسسة آمنت بي كما آمنت بها. فالجامعة الأردنية ليست مكانًا للتعليم فقط، بل فضاء لصناعة الإنسان، حيث يبدأ الحلم… ويستمر.

مؤخرًا، أُدرجت الجامعة الأردنية ضمن أفضل التصنيفات العالمية للجامعات، وهو إنجاز يعكس جهودًا متواصلة من قيادة الجامعة، ممثلة برئاستها، وأعضاء الهيئة التدريسية، وكوادرها الإدارية والفنية كافة، الذين يعملون بروح الفريق الواحد، ويؤمنون بأن الريادة لا تُهدى، بل تُنتزع بالعمل والتميز والاستمرارية. ونحن، كأبناء لهذه المؤسسة، نوقن بأن أي سلوك فردي شاذ أو موقف عابر، لن يطمس صورتها المضيئة، أو ينتقص من مكانتها الراسخة في قلوبنا وضمائرنا. فالجامعة الأردنية ستبقى الحلم الذي يسكن وجدان كل طالب، والأمل الذي تنسجه كل أسرة لمستقبل أبنائها.

في الختام، نستذكر كلمات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين – حفظه الله – الذي أكد مرارًا أن العلم هو ركيزة بناء الأمة، وأن الاستثمار في الإنسان والمعرفة هو السبيل الوحيد لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار الوطني. فالجامعة الأردنية تمثل هذا الصرح العلمي المشرق، الذي يضيء دروب الشباب، ويضع الأردن في مصاف الأمم المتقدمة.

في الجامعة الأردنية، بعرق الجبين ونُبل العزيمة، نستمر في صناعة أجيال تحمل شعلة العلم وتنير بها مستقبل وطننا الحبيب، فتبقى راية العلم والعطاء مرفوعة عالية، شامخة كما كانت منذ أول يوم.

المصدر: صراحة نيوز

كلمات دلالية: اخبار الاردن عرض المزيد الوفيات عرض المزيد أقلام عرض المزيد مال وأعمال عرض المزيد عربي ودولي عرض المزيد منوعات عرض المزيد الشباب والرياضة عرض المزيد تعليم و جامعات في الصميم ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا اخبار الاردن الوفيات أقلام مال وأعمال عربي ودولي تعليم و جامعات منوعات الشباب والرياضة ثقافة وفنون علوم و تكنولوجيا زين الأردن أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام أقلام الجامعة الأردنیة

إقرأ أيضاً:

‏قمة شرم الشيخ… من تجاهل المأساة إلى تبييض الجريمة

 

منذ الأمس وأنا أتذكّر مشهد قمة شرم الشيخ، ولم أستطع فهم واستيعاب ما جرى فيها؛ وربما الحاضرون لا يعلمون سبب مجيئهم، كانت غريبة إلى حدٍّ يصعب تفسيره.

بدت وكأنها مشهد مقتطع من فيلم الزعيم لعادل إمام، حيث تتداخل المجاملات الزائفة مع المواقف الهزلية في إطارٍ يُفترض أنه جاد ورسمي.

الأغرب هو وقوف ترامب بمفرده بينما يتوالى القادة للسلام عليه واحدًا تلو الآخر، مع أنه ضيف مثل سائر الحضور.

في المقابل، بدا المضيف الرسمي في حالة من التواضع المفرط حد الارتباك، تاركاً الحضور الأمريكي ليطغى على المشهد.

ظهر المجرم ترامب يوزّع الابتسامات والمديح على الحاضرين، ويتلوا أسماءهم من ورقة، ويسخر من بعض الزعماء بأسلوب يجمع بين المزاح والتعالي.

أسلوب ترامب الاستعراضي والشخصي كسر القواعد المتعارف عليها، مما أربك الحضور وفرض إسهابه وثرثرته على الحدث.

أما مديحه المتكرر لعائلته ووزرائه في كلماته فيعكس طبيعته التي تميل إلى الاستعراض الذاتي، وكأنه يعيش في حملة انتخابية دائمة حتى وهو في مؤتمرات القمم.

لكن ما هو أخطر من المظهر البروتوكولي هو ما غاب عن القمة من مضمون مهم للغاية.

فقد غاب الحديث الجاد عن إعمار غزة وضرورة التعجيل به، باستثناء كلمات مقتضبة من الرئيس المصري. كما غاب النقاش حول المأساة الإنسانية الكبرى التي عاشها أبناء غزة، وهي مأساة لن تزول آثارها في عشرات السنين.

لم يُطرح أيضًا ملف الأسرى الفلسطينيين المتبقين في سجون العدو، والذين كانوا أحد أبرز أسباب انفجار السابع من أكتوبر، ولم يُناقش موقعهم في أي تسوية قادمة رغم أهميته المحورية.

والأسوأ من ذلك هو عودة الحديث عن اتفاقيات أبراهام، وتنميق تجربة التطبيع والتسويق لها، وكأن ما جرى في غزة لم يكن جريمة إبادة جماعية لم تجف دماء شهدائها ولم ينتشلوهم من تحت الأنقاض.

فإعادة تفعيل تلك الاتفاقيات بعد كل ما حدث لا تعني سوى طمس جرائم العدو الإسرائيلي وشرعنتها، وتبييض الجريمة، وتجميل الفعل الوحشي، وتحويل صفحة الدم إلى وثيقة «سلام»، يكافأ فيها المجرم بدل أن يحاسب.

بهذا الشكل، خرجت القمة – في نظر كثيرين- عن طابعها الرسمي، لتبدو أقرب إلى استعراض سياسي منها إلى لقاء دولي جاد.

غير أن ما وراء هذا المشهد أعمق من مجرد خلل في البروتوكول؛ إنه اختلال ميزان العلاقات الدولية في المنطقة، حيث باتت دول منطقتنا تتعامل مع أمريكا من موقع التبعية لا الندية.

أما الحضور العربي في مثل هذه المحافل فقد تحوّل إلى دور رمزي لا فاعل، بينما تُدار خيوط اللعبة من إسرائيل، في تداخل بين النفوذ السياسي والاستعراض الإعلامي.

وفي النهاية، لم يكن مشهد شرم الشيخ مجرد لقطة عابرة، بل صورة مكثفة لواقع السياسة في عالمٍ يميل فيه الضوء نحو الأقوى لا نحو الأجدر، ويُكرَّم فيه المعتدي بينما يُترك الضحية وحيدًا في العراء.

مقالات مشابهة

  • ‏قمة شرم الشيخ… من تجاهل المأساة إلى تبييض الجريمة
  • بحث التعاون بين الجامعة الأردنية ووزارة التعليم العالي السورية
  • ندب الطب الشرعى لمعرفة سبب وفاة طالبة بقنا
  • نصائح رئيس الجامعة الألمانية بالقاهرة للخريجين الجدد
  • ربنا يكفينا شره.. خالد الجندي: احذروا من الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل
  • الشيخ خالد الجندي: التعالم آفة العصر.. واحذروا من الجاهل الذي لا يعلم أنه جاهل
  • البابا لاون في رسالة بمناسبة اليوم الإرسالي العالمي: لنحمل رجاء المسيح إلى أقاصي الأرض
  • رسالة الي “قحاتي جاهل”… ” الفقر شرف” ولكني “غني” بفضل الله
  • الجامعة الأردنية…تحتضن مستقبل الوطن في أضخم استقبال لطلبتها الجدد
  • يوسف البناي: العلم ليس عزاءً بل وعيٌ بموقع الإنسان في التاريخ الكوني