ارتبطت مستحضرات التجميل في العصور القديمة بالطقوس الدينية والمكانة الاجتماعية والممارسات الطبية، إلا أن دورها الأساسي بلا شك كان تعزيز الجمال وتحسين المظهر.

وقدم القدماء العديد من المواد المعروفة اليوم بفعاليتها في تفتيح البشرة أو ترطيبها أو تقشيرها، كما ابتكروا طرقا فريدة لصنع الكحل وظلال العيون وأحمر الشفاه وأحمر الخدود، مستخدمين العديد من المواد الطبيعية المستخرجة من النباتات والمعادن والحيوانات.

سنأخذك في جولة سريعة لاستكشاف أسرار التجميل في الحضارات القديمة، من مصر حيث سُحقت الخنافس لاستخلاص صبغات التجميل، إلى روما التي اشتهرت بحمامات الحليب، ومن الصين التي اعتمدت على مسحوق اللؤلؤ، إلى الحضارة الإسلامية التي جعلت من العناية بالبشرة علما متكاملا وفرعا من فروع الطب.

الخنافس والأملاح البحرية وحمامات الحليب في مصر القديمة

من المعروف أن المصريين القدماء أولوا اهتماما خاصا بالمستحضرات التجميلية التي كانت تستخدم من قبل الرجال والنساء على حد السواء، بالأخص الكحل الذي كان يصنع من مسحوق الرصاص الأسود أو الجالينا، ولم يكن يستخدم فقط لأغراض جمالية، بل كان يعتقد أيضا أنه يحمي العينين من أشعة الشمس والأرواح الشريرة.

كذلك استخدم المصريون القدماء الحناء لصبغ الشعر والأظافر وأحيانا الجلد، خاصة في المناسبات الدينية والاحتفالات. كما استخدمت النساء مزيجا من أكسيد الحديد والنباتات لصنع ظلال العيون.

إعلان

أما أحمر الشفاه فكان يُصنع من الدهون الحيوانية أو الزيوت النباتية التي تُمزج بمسحوق المغرة، وهو مسحوق يصنع من التراب، فضلا عن أن كليوباترا كانت تشتهر بطحن الخنافس للحصول على درجة اللون الأحمر المثالية.

اعتمد المصريون القدماء كذلك طرقا عديدة للعناية بالبشرة، بما في ذلك صنع ماسكات الحليب والعسل لعلاج البشرة واستخدام الأملاح البحرية للتقشير. وكان هناك العديد من الطرق لترطيب البشرة وزيادة نعومتها بما في ذلك حمامات الحليب والمرطبات المصنوعة من زيت اللوز أو دهون الحيوانات.

علاوة على ذلك، اخترع المصريون القدماء طرقا طبيعية لإزالة الشعر بمزيج من العسل والسكر، واستخدموا حبيبات البخور تحت الإبطين لتؤدي وظيفة مزيلات العرق.

زوجة الإمبراطور الروماني نيرون كانت تستحم يوميا بحليب الحمير (شترستوك) العناية بالبشرة فرع من فروع الطب في الحضارة الإسلامية

كان المسلمون روادا في مجالات الكيمياء والصيدلة، مما انعكس بدوره على تطوير مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة، والتي كانت حينها تعتبر فرعا من فروع الطب.

فقد خصص ابن سينا ​​في كتابه "القانون في الطب" فصلا بعنوان "أدوية الزينة"، وناقش فيه مختلف المستحضرات الطبية المستخدمة لمنع تساقط الشعر والصلع في فروة الرأس والحاجبين، كما تحدث عن مستحضرات تبييض الشعر، ووصفات للشعر الأشقر، وكريمات مضادة للتجاعيد.

فضلا عن ذلك، اشتهر ابن سينا بتطوير تقنيات استخلاص ماء الورد والزيوت العطرية من الورد الدمشقي، والتي لا تزال تُستخدم حتى اليوم.

ويعتبر أبو القاسم الزهراوي (البوقاصي) واحدا من أبرز المساهمين في تطوير مجال التجميل. فقد تضمنت أعماله أول ذكر لعصي إزالة الشعر، ومزيلات العرق للإبط، ومستحضرات العناية بالبشرة واليدين، كما ذُكرت فيها صبغات الشعر التي تُحوّل الشعر الأشقر إلى أسود، والمواد التي تساعد على تنعيم الشعر المجعد أو الخشن، حتى إنه وصف فوائد كريمات تسمير البشرة ومكوناتها بالتفصيل. وتحدث أيضا عن العطور والمركبات العطرية والبخور.

إعلان

كذلك كان هناك اهتمام خاص بصناعة أدوات التجميل بشكل متقن بما في ذلك قوارير العطر والزجاجات، وأوعية الكحل، ناهيك عن المرايا والملاقط والأمشاط وعلب المجوهرات.

الرصاص الأبيض والطين الأحمر في الحضارة اليونانية القديمة

عرف الإغريق القدماء بولعهم بمستحضرات التجميل حتى إن كلمة "كوسميتيسز" (cosmetics) التي تعني "مستحضرات التجميل"، مشتقة من الكلمة اليونانية "كوسميتيكا" (kosmetika)، وهي كلمة استخدمت في الحضارة اليونانية لوصف المستحضرات التي تحمي الشعر والوجه والأسنان. كما استخدمت كلمة "كوموتيكون" (kommotikon) لتدل على المكياج.

ويعد الرصاص الأبيض من الأمور التي استخدمتها النساء لتفتيح بشرتهن، رغم أنه كان ساما عند استخدامه على المدى الطويل. واستخدمن خليطا من التوت المجفف والطين الأحمر لإضفاء لون وردي على الخدود، كما استخدمت المراهم العطرية لحماية البشرة من التجاعيد.

ووفق الطريقة المصرية، استخدم اليونانيون القدماء المغرة لصنع أحمر الشفاه، في حين صنعوا الكحل من مسحوق يحتوي على السخام أو الإثمد أو الزعفران أو الرماد.

أما العطور اليونانية، فمن المعروف أنها استُخدمت منذ العصر البرونزي الأوسط (القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد) على الأقل، وقد ذُكرت لأول مرة في الأدب في ملحمتي الإلياذة والأوديسة لهوميروس، اللتين كُتبتا في القرن الثامن قبل الميلاد. وقد استخدم الإغريق في صناعة العطور جميع أنواع النباتات والزهور والتوابل والأخشاب العطرية، من المر إلى الزعتر.

لا يزال الورد الدمشقي يستخدم في تركيب العديد من المنتجات التجميلية (شترستوك) حليب الحمير في الحضارة الرومانية القديمة

اهتم الرومان بشكل خاص بتطوير مستحضرات للعناية بالبشرة، إذ صنعوا الكريمات والمراهم المرطبة ومضادات الشيخوخة من شمع العسل والزيوت النباتية. استخدم الرومان كذلك العديد من المواد الأخرى لصناعة كريمات وماسكات الوجه بما في ذلك البيض، والشعير، والصمغ، وبصيلات النرجس، ودقيق القمح، ومسحوق قرون الوعل. صنع الرومان أيضا أحمر الشفاه من مستخلصات الفواكه والنباتات للحصول على لون أحمر داكن.

إعلان

وكما فعل الإغريق، استخدم الرومان بودرة الرصاص لتبييض البشرة، إذ قاموا بخلط نشارة الرصاص مع الخل والطباشير لصنع ماسكات للوجه، على الرغم من معرفتهم بسمية الرصاص الأبيض.

وكانت الحمامات الرومانية جزءا أساسيا من روتين الجمال، حيث استُخدمت الزيوت والعطور بعد الحمام. ومن المواد الغريبة التي استخدمت لتنعيم البشرة، نذكر حليب الحمير الذي كان المفضل لدى بوبايا، زوجة الإمبراطور نيرون والتي كانت تستحم يوميا بحليب الحمير.

للعطور مكانة خاصة أيضا في الحضارة الرومانية القديمة، إذ صنعت من مواد مثل القرفة ونخيل التمر والسفرجل والريحان وجميع أنواع الزهور من السوسن إلى الورود.

اللؤلؤ المسحوق في الصين القديمة

كانت مستحضرات التجميل جزءا هاما من اقتصاد الصين قديما، فقد كانت تشكيلة المنتجات واسعة، ومكوناتها متنوعة، وكانت جزءا هاما من الحياة اليومية للنخبة الصينية القديمة وكل من يمتلك القدرة الشرائية اللازمة.

اهتمت النساء في الصين القديمة ببودرة الوجه خصوصا، فقد كانت البشرة البيضاء رمزا للنقاء ودلالة على الانتماء للطبقة الراقية. ولتفتيح بشرتهن استخدمن مكونات متعددة بما في ذلك مسحوق الأرز والطباشير ومسحوق اللؤلؤ. على صعيد آخر عمدت النساء إلى تلوين حواجبهن باستخدام مسحوق أسود مصنوع من الفحم أو السخام.

كما كان طلاء الأظافر من المستحضرات التجميلية الشائعة المصنوعة من مزيج من الصمغ العربي وبياض البيض والجيلاتين لاستخراج ألوان مثل الأحمر والذهبي.

أما أحمر الشفاه فقد صنع من الزهور والعسل والشمع الطبيعي، وعن طريق خلط معدن الزنجفر مع الغراء الحيواني.

وللعناية بالبشرة استخدم الصينيون القدماء مواد مثل العث، والزيوت النباتية، والراتنج. كما استخدموا الدهون الحيوانية لتخفيف التجاعيد، وهي مادة لا تزال شائعة إلى اليوم، إذ إن معظم علاجات الكولاجين الحديثة المستخدمة لمكافحة الشيخوخة مستمدة من مصادر حيوانية.

إعلان

عموما لم تكن مستحضرات التجميل في الصين القديمة للزينة فقط، بل كانت تحمل معاني ثقافية ورمزية، مثل الطهارة والمكانة الاجتماعية، وحتى الحماية من الأرواح الشريرة وفقا للمعتقدات التقليدية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان مستحضرات التجمیل أحمر الشفاه التجمیل فی فی الحضارة بما فی ذلک العدید من من المواد صنع من

إقرأ أيضاً:

ورشة عمل في حلب تناقش مخطط التعافي بالمدينة القديمة

حلب-سانا

ناقشت ورشة العمل التخصصية التي نظّمتها المديرية العامة للآثار والمتاحف في مدينة حلب، المخطط التوجيهي لتعافي المدينة القديمة.

وشارك في الورشة التي أقيمت بالتعاون مع المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي في البحرين، نخبة من الخبراء المحليين والدوليين، وممثلون عن الجهات الحكومية، والمجتمع الأهلي، والجمعيات الأهلية السورية والدولية، بحضور معاونة وزير الثقافة لشؤون التراث والآثار، الأستاذة لونا رجب، والمدير العام للآثار والمتاحف الدكتور أنس حج زيدان.

وقدم الخبير الدولي الدكتور المهندس أنس صوفان عرضاً تفصيلياً حول الملامح الأساسية للمخطط، وإستراتيجيات التعافي، والمعوقات المحتملة، والأهداف المرجوّة، إضافة إلى نتائج الدراسات التمهيدية والتوقعات المستقبلية.

وناقشت الورشة محاور شاملة تناولت الجوانب العمرانية، والإدارية، والاقتصادية، والتشريعية لتعافي المدينة القديمة في حلب، حيث خُصصت الجلسات لعرض ملامح المخطط التوجيهي وإستراتيجياته، واستعراض التحديات المرتبطة باستعمالات الأراضي، ونظام ضابطة البناء، والتصميم العمراني، والتلوث البصري، ومخالفات البناء، إلى جانب إعادة تأهيل المرافق المتضررة، وإدماج الفراغات العامة ضمن النسيج التاريخي للمدينة.

كما تطرقت النقاشات إلى دور منظمات المجتمع المحلي كشريك فاعل في عملية التعافي، وآليات تنظيم عملها، وتنسيق مشاريعها مع الجهات الرسمية، بما يشمل الجمعيات السورية والدولية.

وفي السياق ذاته، تناولت الورشة قضايا الحوكمة والتخطيط الإداري، من خلال بحث سبل تطوير مديرية المدينة القديمة، وتوسيع صلاحياتها، وتأسيس قواعد بيانات رقمية ونظم معلوماتية لإدارة المشاريع، إضافة إلى آليات إصدار التراخيص، والرقابة على تنفيذ أعمال الترميم والإعمار.

أما على الصعيد الاقتصادي والتشريعي، فطرحت الورشة سيناريوهات تمويل التعافي، ودور القطاعين العام والخاص، وآفاق الشراكة الاستثمارية، بالتوازي مع مناقشة الأطر القانونية الناظمة، بما في ذلك حماية الملكيات الخاصة، وتسجيل المباني المرمّمة كأبنية تاريخية، وتعديل النصوص التشريعية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة.

وتُعدّ هذه الورشة خطوة أولى في إطار خطة وزارة الثقافة لإعداد مخططات توجيهية متكاملة لتعافي المدن التاريخية في سوريا، بما يسهم في صون هويتها الثقافية والعمرانية، وتعزيز دورها في التنمية المستدامة والتعافي الاقتصادي والاجتماعي.

حلب 2025-06-19Hassan Nasrسابق اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي فعاليات من ريف دمشق انظر ايضاً بازار أعيادنا ينطلق في حلب… منتجات يدوية وفنية تعكس تراث المدينة بروح الحاضر

حلب-سانا انطلقت اليوم فعاليات “بازار أعيادنا” في فندق شهباء حلب، بمشاركة 150 سيدة، قدّمن تشكيلة …

آخر الأخبار 2025-06-19اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب تلتقي فعاليات من ريف دمشق 2025-06-19باراك: الرئيس الأمريكي يتطلع للسلام في سوريا ولبنان 2025-06-19توازن نفسي وذهني… نصائح مهمة لطلاب الشهادات 2025-06-19وزير الإعلام يدعو طلاب كلية الإعلام بجامعة دمشق إلى التركيز على التدريب العملي 2025-06-19وزير الصحة يزور أحدث مشفى بتركيا 2025-06-19صدور نتائج المفاضلة الموحدة لخريجي الكليات الطبية ومفاضلة الدراسات العليا لكليات التمريض والهندسة 2025-06-19وزير الاتصالات ورئيس هيئة التخطيط يبحثان آلية توحيد منهجية العمل 2025-06-19مدير الشؤون السياسية بالحسكة يستقبل ممثلين عن أبناء الطائفة المسيحية في المحافظة 2025-06-19أول تجربة تحليق شراعي في مدينة جسر الشغور بإدلب 2025-06-19حاضنة دمر صمام الأمان لـ 62 حرفة سورية تراثية من الاندثار

صور من سورية منوعات مضاد حيوي يقضي على حمى التيفوئيد 2025-06-18 الأمم المتّحدة تحذّر من مساهمة الذكاء الصناعي في نشر الكراهية والعنف 2025-06-18فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • إذا كانت الملابس لا تناسب جسمك.. انتبه لهذه الأعراض الخطيرة التي تظهر دون ألم وراجع الطبيب فوراً
  • تعامد الشمس على قدس الأقداس: معابد مصر القديمة تكشف أسرارها من جديد
  • شاهد بالفيديو.. سيدة سودانية تنهار بالبكاء على الهواء: (زوجي تزوج من مطربة شهيرة كانت تجمعه بها علاقة غير شرعية وأصبحت تصرف علينا بأموال الحرام ومن أموال المبادرات التي تطلقها)
  • تعلن الهيئة العامة للأراضي بأنه تقدم إليها الأخ إبراهيم محمد الورد بطلب تسجيل بصيرة باسم أمة الكريم شرف الدين
  • أين الشعراء؟
  • جمجمة رجل التنين تكشف عن وجه مجموعة غامضة من البشر القدماء
  • ورشة عمل في حلب تناقش مخطط التعافي بالمدينة القديمة
  • هيئة الدواء تنظم جولة تفقدية للوفد الصيني بعدد من مصانع مستحضرات التجميل
  • سعود الشهري يكشف مفاجأة عن تأثير حليب الإبل على مرضى السكري.. فيديو
  • «بودرة سحرية من الطبيعة».. مطحون السدر يعزّز جمال الشعر ويُنقّي البشرة| اعرفي الطريقة