تحليل فلسفي لكتاب "المسلمون الجدد: في نقد الإسلام المعتدل"

يطرح كتاب هشام آدم إشكاليات نقدية تتجاوز التحليل السطحي للإسلام المعتدل، ليغوص في قضايا جوهرية تتعلق بماهية الإصلاح الديني وحدود التأويل في الخطاب الإسلامي المعاصر. إلا أن تناوله لهذه القضايا يكشف عن إشكالات فلسفية عميقة تتطلب قراءة أكثر تمعّنًا.



أولاً- إشكالية المفهوم والتأسيس الفلسفي

يقع الكتاب في قلب النقاش الفلسفي حول "إمكانية الإصلاح الديني". هشام آدم يتبنى، ولو ضمنيًا، موقفًا جوهريًا (Essentialist) من الإسلام، معتبرًا أن هناك ماهية ثابتة للدين لا يمكن تجاوزها عبر محاولات التأويل أو التوفيق التي يطرحها دعاة الاعتدال الإسلامي. هذا الموقف يعيد إنتاج ثنائية جامدة بين الجوهر والعرض، بين النصوص والتأويل، دون تقديم مقاربة تتجاوز هذه الإشكالية.

ثانيًا- المنهج بين التفكيك وإعادة البناء

يعتمد الكاتب على المنهج التفكيكي المستوحى من دريدا، لكنه يقع في مفارقة منهجية:

من ناحية، يفكك خطاب الاعتدال الإسلامي بمهارة، كاشفًا عن تناقضاته الداخلية.

من ناحية أخرى، يعيد إنتاج قراءة جبرية للإسلام كنسق مغلق، مما يتعارض مع المنطلقات التفكيكية نفسها.

هذه المفارقة تشبه ما أسماه دريدا "العنف الميتافيزيقي"، حيث يصبح النقد نفسه شكلاً من أشكال العنف الرمزي الذي يمارس إقصاءً معرفيًا شبيهًا بما ينقده.

ثالثًا- الدين بين التاريخية والجوهرانية

يتأرجح الكتاب بين رؤيتين متناقضتين:

الرؤية التاريخانية (كما في مدرسة فرانكفورت) التي ترى الدين كنتاج متغير عبر الزمن.

الرؤية الجوهرانية التي تفترض وجود ماهيات ثابتة لا تتغير.

هذا التذبذب المنهجي يظهر في انتقائية النصوص المستخدمة، حيث يسعى الكاتب لإثبات وجود جوهر إسلامي ثابت، بينما يستخدم أدوات النقد التاريخي لنقض قراءات المعتدلين، مما يجعله حبيس الإطار الذي يسعى إلى تفكيكه.

رابعًا- إشكالية البديل

يثير الكتاب سؤالًا فلسفيًا عميقًا: ما البديل عن الإسلام المعتدل؟ هنا يقع الكاتب في مأزق "النفي الديالكتيكي" الهيغلي، حيث يهدم دون تقديم بديل واضح. هذا الغياب للبديل يعكس أزمة الفكر النقدي العربي في التعامل مع التراث الديني، إذ يبدو أن الكتاب يعيد إنتاج إشكاليات الفكر ما بعد الحداثي التي تهدم دون تقديم إطار معرفي جديد.

خامسًا- النقد الذاتي وإشكالية السلطة

يفتقد الكتاب إلى نقد ذاتي واضح. وبينما ينتقد الإسلام المعتدل، لا يتساءل عن موقع خطابه الخاص داخل بنية السلطة والمعرفة. ألا يمكن اعتبار نقده نفسه شكلاً من أشكال الخطاب السلطوي؟ هذه الإشكالية تتماشى مع ما طرحه فوكو حول علاقة الخطاب بالسلطة، حيث يصبح أي تفكيك جزءًا من شبكة القوى التي يحاول نقدها.

بين النقد والعبثية

يذكرنا الكتاب بمفارقة العبث عند كامو: إنه يقدم نقدًا قويًا لكنه لا يقدم أفقًا أو حلًا. هذا يجعله أقرب إلى "الفلسفة السلبية" التي تكتفي بالهدم دون البناء. ربما تكمن قيمة الكتاب الحقيقية في كونه يعكس أزمة الفكر الديني المعاصر أكثر مما يقدم حلولًا لها.

التقييم النقدي

الجرأة النقدية- مرتفعة، حيث يتناول الكاتب قضايا حساسة ويهاجم مفاهيم راسخة دون تردد.

العمق الفلسفي- محدود، إذ يعتمد على تفكيك النصوص الدينية دون تأسيس واضح على نظريات فلسفية متماسكة.

الاتساق المنهجي- ضعيف، نظرًا للتناقض بين استخدام المنهج التفكيكي وإعادة إنتاج خطاب جوهري مغلق.

تقديم البدائل- غائب تقريبًا، حيث يركز الكاتب على الهدم دون طرح رؤية بديلة واضحة.

يمثل الكتاب مساهمة جريئة في تفكيك مفهوم الإسلام المعتدل، لكنه يظل محكومًا بثنائية النقد والنفي دون تجاوزها إلى أفق معرفي جديد. إنه خطاب ينقد ذاته بقدر ما ينقد ما يستهدفه، مما يضعه في مأزق ما بعد الحداثة، حيث يصبح الهدم غاية بحد ذاته، لا وسيلة نحو بناء رؤية بديلة.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الإسلام المعتدل

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: (باب الخروج من القمقم… أين)

وروكوفيلر. مات أثناء ممارسة الجنس
وفيلكس ملك فرنسا التاسع عشر
والبابا الثاني عشر
و…
والقائمة (المشوقة) هذه لا نهاية لها
والبعض يقرأها بإنتباه لأنه
ما هو العِرقي؟
إنه هو ذاته التمر وتحويل (لطبيعته) لأن مسح وجوده من الوجود مستحيل
والخمر إدمانها يجعل العقل (يقاتل) ضد شفائه منها
عقولنا فعلوا بها ما فعلوه بالتمر…
ونحن نكرر الآن ما فعلته العقول هذه منذ ألف عام

ومن. وعقولنا التي صنعوا بها ما صنعوا بالتمر هي العقول التي قال عنها خالد محمد خالد
في صباح يوم كربلاء، صلى جنود جيش يزيد الصبح، وجلسوا في التشهد يقولون
(اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد)، ثم قاموا وحملوا سيوفهم وقتلوا آل محمد
…..
والأسبوع الماضي تظهر الباكستان المسلمة… المسلمة. نعم
والباكستان (أعظم قصة إسلامية) حكايتها هي
……
محمد علي جناح / بعد اليأس من كل وعد هندوسي / يطلق دعوة للمسلمين للهجرة إلى أرض دولتهم… الباكستان
والناس… تحت دعوة الإسلام… الإسلام فقط… خرجوا
تركوا البيوت… والمزارع والمهن… وكل علاقة بكل شيء… وحملوا أطفالهم يمشون على الأقدام ألف ميل
وعصابات الهندوس تنطلق… وتقتل كل من تصل إليه
وقطار يحمل خمسمائة مسلم يدخل نفقًا ليخرج من الجانب الآخر وهو يحمل خمسمائة جثة…
والحكايات لا تنتهي، لكن المسلمين أقاموا دولة الباكستان المسلمة… المسلمة
ومدهش أن دولة الباكستان المسلمة تقوم في أيام خطة تدمير كل العرب المسلمين
(في المخطط الأوروبي قالوا: المسلمون لن يتركوا إسلامهم إلا إذا أقمنا لهم معبودًا يعبدونه وهم يظنون أنهم ما زالوا مسلمين)
وبريطانيا تقيم للمسلمين العرب آلهة بإسم… القومية العربية… والوطنية… و
وآلهة أخرى ما زالت موجودة…
……
والعكيلي. العراقي
وسميرة موسى… المصرية
وشهرزاد. المصرية…
و… القائمة الأولى في الحديث هذا هي قائمة بأسماء من ماتوا أثناء لقاء العشيقات
بينما القائمة الأخيرة هذه هي أسماء ثلاثة من بين مئة أو أكثر من علماء الذرة الذين اغتالتهم إسرائيل في الحرب الهامسة التي تظل تضرب الجهاز العصبي للأمة
بعد ضرب عقل الأمة المسلم
…….
وزارة كامل. هل بها وزير واحد لوزارة تكون هي وزارة الإحصائيات، والرصد… والتحليل… والتنبؤ… و…؟
لا… طبعًا… لا… لا
اللهم. اللهم

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الأزهر: الإسلام دعا إلى الإحسان للكائنات ورتب عليه الأجر والثواب
  • المراجعة الخامسة لصندوق النقد.. توجيهات رئاسية بشأن الاقتصاد المصري
  • سلطة النقد تتّخذ إجراءات عملية لمعالجة أزمة تراكم الشيكل في المصارف
  • الداخلية تضبط عملات أجنبية بالسوق السوداء بقيمة 6 ملايين جنيه
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (باب الخروج من القمقم… أين)
  • الداخلية تواصل توجيه ضرباتها ضد تجار النقد الأجنبي وتضبط قضايا بـ 5 ملايين جنيه
  • التزوير خلف سحب فئات جديدة من العملة الليبية
  • الداخلية تضبط عملات أجنبية بقيمة 5 ملايين جنيه بالسوق السوداء
  • يوم الأب .. تعرف على مكانته في الإسلام ومن أين جاءت فكرة الاحتفال
  • تحذيرٌ من صندوق النقد الدولي: نمط الحياة الأوروبي مهدد ما لم تُعزز دول الاتحاد نموها الاقتصادي