مخاوف من تأثير الذكاء الاصطناعي على جودة الأبحاث وأخلاقيات النشر العلمي
تاريخ النشر: 4th, April 2025 GMT
حظيت دراسة أنجزها بالكامل برنامج الذكاء الاصطناعي "غروك 3″، الذي ابتكرته شركة مملوكة لرجل الأعمال إيلون ماسك، بإشادة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي من قبل المتشككين في قضايا التغير المناخي، بينما أبدى باحثون مستقلون مخاوف بشأن مصداقية تلك الأساليب وجدواها العلمية.
الدراسة، التي تحمل عنوان "إعادة تقييم نقدي لفرضية الاحترار المناخي المرتبط بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون"، شككت في استنتاجات وتوقعات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة، واستندت إلى دراسات لطالما أثارت الجدل بين المتخصصين في الأوساط العلمية.
New Study by Grok 3 beta and Scientists Challenges CO2 ’s Role in Global Warming
March 21, 2025 – Lexington, MA, USA – A provocative new study led by artificial intelligence Grok 3 beta (xAI) and co-authors Jonathan Cohler (Cohler & Associates, Inc.), David R. Legates (Retired,…
— Nancy Pearcey (@NancyRPearcey) March 23, 2025
إعلانوقال مالون في منشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) إن "استخدام الذكاء الاصطناعي في الأبحاث الممولة من القطاع العام سيصبح أمرا شائعا، وستُحدّد معايير لاستخدامه في المجلات العلمية"، مضيفا أن الدراسة تمثل -على حد وصفه- "نهاية الخدعة المناخية"، وهو منشور تجاوز عدد مشاهداته المليون.
لكن في المقابل، يجمع المجتمع العلمي على وجود رابط واضح بين استهلاك الوقود الأحفوري وارتفاع درجات الحرارة، إلى جانب ما يصاحب ذلك من تفاقم للظواهر المناخية المتطرفة، مثل موجات الحر والفيضانات. ويثير هذا السياق تساؤلات عن مدى حيادية المحتوى الذي يُنتج عبر برامج الذكاء الاصطناعي، ومدى إمكانية توظيفه كأداة بحث علمي موثوقة.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم البيئية مارك نيف:
"هذه البرامج اللغوية الكبيرة لا تمتلك القدرة على التفكير، بل هي نماذج إحصائية تتنبأ بالكلمات أو الجمل استنادا إلى ما تدربت عليه، وهذا ليس بحثا علميا".
وقد أوضح المقال ذاته أن برنامج "غروك 3" كتب المسودة كاملة، لكنه تلقى توجيهات من مساهمين بشريين وصفوا بأنهم أدوا "دورا حاسما" في تطويرها. ومن بين هؤلاء، عالم الفيزياء الفلكية ويلي سون، المعروف بتشكيكه في قضايا المناخ، والذي سبق أن تلقى أكثر من مليون دولار من قطاع الوقود الأحفوري لتمويل أبحاثه.
كما ذكر المقال أن بعض الدراسات التي استشهد بها الذكاء الاصطناعي قد أُضيفت إلى التحليل بناء على طلب من الفريق المشارك في إعداد الدراسة، على الرغم من أن عددا من تلك الدراسات سبق أن خضعت للمراجعة النقدية أو الطعن من قبل علماء آخرين.
وتقول عالمة الأحياء الدقيقة الهولندية المقيمة في كاليفورنيا والمتخصصة في النزاهة العلمية، إليزابيت بيك، "لا نعرف شيئا عن الطريقة التي طلب بها المشاركون من الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات والمصادر المذكورة".
إعلان "نزاهة الذكاء الصناعي"من جهته، يؤكد خبير الذكاء الاصطناعي أشويني باندا أن التحقق من نزاهة مساهمة الذكاء الاصطناعي دون تدخل بشري يبقى أمرا مستحيلا، قائلا: "بإمكان أي شخص الادعاء بأن برنامجا ذكيا كتب دراسة ما بمفرده، وبالتالي اعتبارها غير متحيزة، بينما الحقيقة قد تكون غير ذلك تماما".
كذلك، يُثير توقيت نشر الدراسة علامات استفهام، إذ أُنجزت وقُدمت إلى النشر، ثم نُشرت خلال 12 يوما فقط، وهي مدة قصيرة بشكل غير اعتيادي في عالم النشر العلمي، وتطرح شكوكا عن مستوى التدقيق والمراجعة العلمية. ويبدو أن المجلة أو الجهة الناشرة لا تتبع أي لجنة معنية بالأخلاقيات العلمية، بحسب بعض الباحثين.
في هذا الإطار، عبّر غافين شميت، عالم المناخ في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، عن استغرابه مما وصفه بـ"سهولة الذكاء الاصطناعي في تجميع مواد سيئة الجودة"، مؤكدا أن الدراسة التي رُوّج لها لا تحمل مصداقية تُذكر، شأنها شأن المراجع التي اعتمدت عليها.
أما ناومي أوريسكس، مؤرخة العلوم بجامعة هارفارد، فقد رأت أن استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة ما هو إلا "خدعة جديدة لإضفاء طابع زائف من الحداثة والتجديد على حجج المشككين في أزمة المناخ".
ويحذر خبراء وأكاديميون من الآثار السلبية الناتجة عن الاعتماد المفرط على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إعداد البحوث العلمية والأكاديمية، مؤكدين أن ذلك قد يؤدي إلى تقليل كفاءات الباحثين ومهاراتهم في التحليل والتفكير النقدي والإبداعي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الذکاء الاصطناعی فی
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي في التحكيم الرياضي بين الدقة والتحديات
شهدت الرياضة تحولا جذريا خلال السنوات الأخيرة بفضل التطورات التكنولوجية، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويعد تحسين أداء الحكام الرياضيين وتقليل الأخطاء البشرية التي قد تغير نتائج المباريات أحد أكثر المجالات تأثرا.
ومع ظهور تقنيات، مثل "حكم الفيديو المساعد" (VAR)، أصبحت القرارات التحكيمية أكثر دقة، ولكنها أثارت أيضا نقاشات حول مدى موثوقيتها وتأثيرها في روح اللعبة.
وفي هذا الموضوع، نستعرض دور الذكاء الاصطناعي في تحسين التحكيم الرياضي، مع استعراض أمثلة عملية، والتحديات التي تواجه هذه التقنيات في تحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري.
لطالما كان الحكم الرياضي هو السلطة العليا في الملعب، يتخذ قراراته في أجزاء من الثانية وسط ضغوط اللاعبين والجمهور وسرعة الإيقاع.
ولكن التحكيم الرياضي شهد تطورا جذريا خلال العقود الماضية استجابة للحاجة الملحة لتقليل الأخطاء التحكيمية.
وانتقل التحكيم الرياضي من الاعتماد الكامل على الحكم البشري إلى الاستعانة بالذكاء الاصطناعي الذي ساعد في اتخاذ قرارات دقيقة وعادلة.
وأظهرت الدراسات أن الأخطاء التحكيمية تظل حاضرة في بعض الرياضات الجماعية، حتى مع التدريب والخبرة.
ويقدم الذكاء الاصطناعي حلولا مبتكرة من خلال قدرته على المساعدة في اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية موضوعية، بدلا من الاعتماد على التقدير الشخصي وحده، كما يسهم في تحسين أداء الحكام.
وتتبع الأنظمة الذكية قرارات الحكام وتحلل دقتها، مما يساعد في تحديد نقاط القوة والضعف في الأداء وتوجيههم نحو التحسين.
وتشمل هذه التحليلات متابعة أنماط القرارات، وتحديد الأخطاء المتكررة، وقياس الاتساق في التحكيم. كما تساعد في إعداد برامج تدريبية مخصصة للحكام بناء على احتياجاتهم الفردية.
إعلانوتشكل أنظمة الذكاء الاصطناعي دعامة رقمية لتحسين جودة التحكيم، إذ ظهر نظام الرؤية الحاسوبية "هوك آي لايف" (Hawk-Eye Live) لأول مرة في رياضة التنس عام 2003 لأغراض البث.
ولكن حصل على الموافقة عام 2005 بعد مباراة في بطولة أميركا المفتوحة للتنس عام 2004 تعرضت خلالها لاعبة لعدة قرارات خاطئة وخسرت المباراة.
وجرى توسيع نطاق استخدام "هوك آي لايف" خلال جائحة فيروس كورونا، حيث أقيمت بطولة الولايات المتحدة المفتوحة للتنس لعام 2020 بدون حكام خطوط في جميع الملاعب الرئيسية باستثناء ملعبين.
ومنذ بدء استخدام "هوك آي لايف"، استغنى اتحاد التنس الأميركي عن ما بين 190 و200 حكم، حسب مرحلة البطولة.
وتوضح ورقة بحثية صادرة عام 2024 أن السلوك البشري يتغير عند استخدام التكنولوجيا، إذ تحسنت دقة الحكام، وانخفض معدل الأخطاء الإجمالي بنسبة 8% بعد استخدام "هوك آي لايف".
من التنس إلى كرة القدم والجمبازفي عام 2009، ساعدت لمسة يد غير ملحوظة فرنسا على إقصاء أيرلندا من التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2010، في حين كان هدف فرانك لامبارد الشهير ضد ألمانيا نقطة التحول.
وبالرغم من عبور الكرة خط المرمى، أخطأ الحكم في تقدير الموقف، مما دفع إلى تبني التقنية الجديدة.
وفي عام 2012، أنشأ مجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم عملية اعتماد لضمان جودة أنظمة تقنية "خط المرمى" (Goal-Line Technology) المستخدمة في المباريات الرسمية.
بينما ظهرت "تقنية التسلل شبه الآلية" (SAOT) لأول مرة في كأس العالم لكرة القدم عام 2022 في قطر، حيث ترسل الكرة تنبيها إلى غرفة "حكم الفيديو المساعد" كلما كانت في وضع التسلل.
كما تضمنت الكرة وحدة "قياس بالقصور الذاتي" (IMU) تكتشف المواقف غير القانونية وترسل البيانات بمعدل 500 مرة في الثانية إلى غرفة "حكم الفيديو المساعد".
كما وصلت "تقنية التسلل شبه الآلية" إلى الدوري الإنجليزي الممتاز في موسم 2025، من أجل توفير تحديد سريع وثابت لخط التسلل الافتراضي، استنادا إلى تتبع اللاعبين بصريا.
أما في رياضة الجمباز، فقد طورت "فوجيتسو" (Fujitsu) تقنية "نظام دعم التحكيم" (JSS) بالتعاون مع الاتحاد الدولي للجمباز، لتحويل الحركات البشرية المعقدة إلى بيانات رقمية، مما قلل من التحيز وساعد في توحيد المعايير.
واستخدم "نظام دعم التحكيم" في مسابقات بطولة العالم للجمباز لعام 2019، كما استخدمت هذه التقنية لأول مرة في بطولة العالم للجمباز الفني في بلجيكا عام 2023، للتحكيم على جميع الأجهزة.
البيانات تتحدث في لعبة الجولف والملاكمةبفضل نظام "شوت لينك" (ShotLink) المعزز بمعلومات لوجستية وبيانات إحصائية وأجهزة الاستشعار المدمجة في أرضية ملعب الجولف، يمكن تتبع موقع كل ضربة قبل أن تلامس الأرض.
كما يتضمن النظام رادارا من المستوى العسكري يوفر بيانات حول كل ضربة، إلى جانب وجود 12 كاميرا ومجموعة من الأشخاص الذي يراقبون الضربات التي تخرج عن حدود الملعب.
وتوفر أجهزة الاستشعار والكاميرات البيانات للتنبؤ بموقع الضربة قبل أن تصطدم بالأرض، ويستخدم الذكاء الاصطناعي من أجل تزويد الحكام بأدوات تساعدهم في أداء عملهم.
إعلانأما في رياضة الملاكمة، فإن نظام "ديب سترايك" (DeepStrike) يجمع بيانات مكثفة عن المباريات في 50 مقياسا رئيسيا لكل لاعب، مما يتيح الكشف عن السلوكيات غير المشروعة، وبالتالي مكافحة الغش في النزالات.
يتمتع الذكاء الاصطناعي بمزايا مقارنة بالحكام البشر، في ما يتعلق ببعض التحيزات المحتملة، كتلك التي قد تستند إلى جنسية الرياضي، كما أن له ميزة على القيود الجسدية للحكم البشري، مثل ضعف البصر، وسرعة الإدراك، والتعب بعد يوم طويل من التحكيم.
ومن المفترض أن أنظمة الذكاء الاصطناعي محايدة، ومع ذلك، فإن قرارات الذكاء الاصطناعي تعتمد على كيفية تدريبه ومن تدرب عليه.
ولا تزال قرارات الذكاء الاصطناعي مبنية على قواعد يبرمجها البشر، باستخدام بيانات تجمعها آلات يمكنها أن تغفل عن بعض التفاصيل أو تفسرها بشكل خطأ.
وقد يصلح الذكاء الاصطناعي بعض المشاكل، لكنه يدخل مشاكل أخرى، كما أنه يثير قضايا المسؤولية، حيث واجهت عملية اتخاذ القرار بمساعدة الذكاء الاصطناعي في الرياضة انتكاسات.
وشهدت مباراة في الدوري الإنجليزي الممتاز عام 2020 بين شيفيلد يونايتد وأستون فيلا إلغاء هدف واضح بسبب عطل في تقنية "خط المرمى"، وليس بسبب خطأ بشري.
واعترفت الشركة المطورة لتقنية "هوك آي لايف" لاحقا بالخطأ، واصفة إياه بالشذوذ بعد أكثر من 9 آلاف مباراة دون أي حوادث.
ونشأ جدل مماثل في المباراة الافتتاحية لكأس العالم لكرة القدم 2022، عندما ألغت "تقنية التسلل شبه الآلية" هدفا للاعب الإكوادور إينر فالنسيا.
وأثار القرار جدلا حول إذا كانت دقة النظام، التي تقدر بمستوى السنتيمتر، صارمة للغاية بالنسبة لطبيعة اللعبة السريعة.
وبينما يتفوق الذكاء الاصطناعي في القرارات الموضوعية، فإنه يعاني في القرارات الذاتية، وهو مجال لا يزال فيه الحكم البشري حاسما.
المستقبل الهجينلا يزال من الصعب تصور ملاعب رياضية بدون حكام بشريين، إذ إن المجتمع الرياضي لم يتهيأ بعد لتقبل حكم روبوت.
كما أن الذكاء الاصطناعي لا يسعى في الوقت الحالي إلى إلغاء العنصر البشري، بل دعمه بمنظومة ذكية تقلل من احتمالات الخطأ، وتعزز الشفافية، وتضمن تكافؤ الفرص.
ونتيجة لذلك، فإن التوجه هو تطوير نموذج هجين، يجمع بين الذكاء الاصطناعي والحدس البشري، حيث يتولى الذكاء الاصطناعي القرارات الموضوعية، في حين يحتفظ الحكم البشري بالقرارات التقديرية التي تتطلب فهم السياق والنية.
ختاما، في عالم تقاس فيه الانتصارات بأجزاء من الثانية، لم تعد الأخطاء التحكيمية مجرد حوادث عرضية بل أصبحت قضايا رأي عام، تتصدر العناوين وتؤثر في ثقة الجمهور بالبطولات.
في حين أن الذكاء الاصطناعي يؤدي دورا حيويا في تحسين أداء الحكام الرياضيين وتقليل الأخطاء البشرية، بيد أنه ليس معصوما عن الخطأ، ولا بديلا عن الإنسان في السياقات التي تتطلب تقديرا سياقيا.
نتيجة لذلك، فإن التحكيم الرياضي العادل يحتاج إلى مزيج من الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري.