التعاون المصري الفرنسي في البحث العلمي.. 25 عاما من الشراكة العلمية تتجدد بروح إيمحتب
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
على مدى عقود جسدت العلاقات المصرية الفرنسية نموذجا مميزا للتعاون الثنائي، لم تقتصر فيه الشراكة على الجوانب السياسية أو الاقتصادية، بل امتدت بعمق إلى مجالات البحث العلمي والتعليم العالي، فقد حرص البلدان على تطوير روابط معرفية متينة، تهدف إلى تبادل الخبرات، وتحفيز الابتكار، وتقديم حلول علمية لتحديات القرن الحادي والعشرين.
وفي قلب هذا التعاون، يبرز "برنامج إيمحتب" كواحد من أهم المبادرات العلمية المشتركة بين مصر وفرنسا، والذي انطلق عام 2005 وسمى بهذا الاسم تكريما للمهندس "إيمحتب" وزير الملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة، والذي نفذ بناء هرم سقارة المدرج الذي يرجع تاريخه إلى بداية الأسرة الثالثة (حوالي 2667-2648 ق.م)، واشتهر "ايمحتب"بعلمه في الفلك والطب وقدسه البطالمة واعتبروه آله للطب والسحر والفلك، وكأن التسمية تحمل دلالة رمزية على السعي لإحياء الإرث العلمي المصري من خلال أدوات العصر الحديث وبالشراكة مع إحدى أقوى الدول الأوروبية في مجال البحث العلمي.
برنامج" إيمحتب" هو برنامج ثنائي يهدف إلى دعم وتمويل مشروعات بحثية مشتركة بين فرق علمية مصرية وأخرى فرنسية، ويدار من الجانب المصري عبر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومن الجانب الفرنسي من خلال وزارة أوروبا والشئون الخارجية والمعهد الفرنسي في القاهرة.
ويركز البرنامج بشكل أساسي على تبادل الباحثين، خاصة الشباب وطلاب الماجستير والدكتوراه، مما يساهم في بناء جيل من العلماء يمتلكون الخبرة الدولية والرؤية العلمية المتطورة.
لا يقتصر دور "إيمحتب" على تقديم الدعم المالي، بل يشجع على التفاعل العلمي الحقيقي بين الجانبين من خلال تنفيذ مشروعات بحثية تمتد غالبا لعامين، وتغطي خلالها نفقات السفر والإقامة والتنقل بين المؤسسات البحثية في البلدين.
ورغم أن البرنامج لا يقدم تمويلا لشراء معدات أو دفع رواتب، إلا أن أثره يتجاوز بكثير الجانب المادي، فهو يعزز الحوار العلمي، ويشجع النشر المشترك، ويعمق العلاقات المؤسسية بين الجامعات والمعاهد البحثية في البلدين.
ومن أبرز الشركاء المصريين في البرنامج.. يبرز "المركز القومي للبحوث"، أكبر المؤسسات البحثية في مصر والعالم العربي، والذي لعب دورا محوريا في التعاون مع مراكز فرنسية كبرى مثل CNRS والمعهد الوطني للصحة والبحث الطبي (INSERM). وقد شارك باحثو المركز في مشروعات تناولت موضوعات دقيقة مثل الأمراض المعدية، النانوتكنولوجي، تطبيقات التكنولوجيا الحيوية، وتأثير العوامل البيئية على الصحة العامة.
وفي إطار الاستمرارية والتوسع في هذا التعاون، أعلنت أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عن فتح باب التقدم لدورة جديدة من برنامج "إيمحتب" للأعوام 2025/2026، بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية، حيث تتولى الأكاديمية الأعمال الإدارية عن الجانب المصري، بينما تتولى مؤسسة "كامبس فرانس" الإدارة من الجانب الفرنسي، ويأتي ذلك في سياق دعم مشروعات بحثية مشتركة لمدة عامين، بتمويل يصل إلى 300 ألف جنيه سنويا لكل مشروع.
وحددت الأكاديمية مجالات بحثية ذات أولوية للتعاون تشمل قضايا المياه من خلال معالجة الصرف الصحي وتحلية المياه وإدارة نظم الري، إضافة إلى قضايا البيئة والطاقة خاصة الطاقة المتجددة وخلايا الطاقة الهيدروجينية وبطاريات السيارات الكهربائية، كما تشمل مجالات الطب والبيولوجيا من خلال أبحاث إنتاج الإنزيمات بالتكنولوجيا الحيوية وتقنيات التشخيص المتقدمة مثل الحساسات، وأبحاث فيروس التهاب الكبد الوبائي سي، إلى جانب تخصصات الرياضيات وتطبيقاتها، والفيزياء، وعلوم الأرض والفضاء، والكيمياء، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، بالإضافة إلى الدراسات المرتبطة بالمجتمع مثل السياحة والتعليم، والهندسة مع التركيز على الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات خصوصا الوسائط المتعددة، وكذلك الزراعة والإنتاج الحيواني والنباتي والغذائي بما في ذلك إنتاج المحاصيل الغذائية.
وتعكس هذه المجالات تنوع التحديات العلمية والبحثية التي يسعى الجانبان للتصدي لها من خلال هذا البرنامج الذي لم يعد مجرد أداة للتبادل الأكاديمي بل بات منصة استراتيجية لتعزيز الابتكار ودعم البحث التطبيقي بما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويرسخ الدور العلمي لمصر وفرنسا على المستويين الإقليمي والدولي.
لكن برنامج" إيمحتب" ليس سوى أحد أوجه التعاون البحثي بين القاهرة وباريس، فهناك جهود مشتركة تبذل أيضا عبر مؤسسات تعليمية وبحثية مثل "الجامعة الفرنسية في مصر"، التي أسست عام 2002 كمؤسسة تعليمية فريدة من نوعها في المنطقة، تجمع بين النظم التعليمية الفرنسية والخبرة الأكاديمية المصرية، وتوفر برامج دراسات عليا وأبحاث تطبيقية مشتركة في مجالات الهندسة، والعلوم الاجتماعية، وإدارة الأعمال.
وفي مجال الآثار والعلوم الإنسانية، يعد "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية" في القاهرة أحد أقدم المراكز البحثية الفرنسية بالخارج، والذي تأسس عام 1880 على يد العالم "جاستون ماسبيرو"، وهو ينتمي اليوم إلى شبكة المراكز البحثية الفرنسية الكبرى خارج فرنسا، ويخضع لإشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الفرنسية، ويعمل على دراسة الحضارة المصرية القديمة منذ قرابة قرن ونصف، بالتعاون مع علماء آثار مصريين وهيئات حكومية مصرية.
من جانب آخر، توفر الحكومة الفرنسية العديد من المنح والزمالات الدراسية للباحثين المصريين، مثل برنامج "إيفل للتميز"، ومنح "المعهد الفرنسي للإقامات العلمية قصيرة الأجل"، التي تمكن الباحثين المصريين من إجراء أبحاثهم داخل أعرق المعاهد الفرنسية، مما يفتح آفاقا جديدة للتعاون الأكاديمي ونقل التكنولوجيا.
يعكس هذا التعاون العلمي بين مصر وفرنسا فلسفة معرفية وإنسانية عميقة، قوامها أن العلم لا يعرف حدودا، وأن الشراكات الدولية يمكن أن تكون مدخلا لتطوير القدرات المحلية، وتحقيق التنمية المستدامة.. وفي زمن تتسارع فيه التحديات العلمية، من تغير المناخ إلى الأمن الصحي، تظل الشراكة العلمية بين القاهرة وباريس نموذجا ملهما لما يمكن أن تحققه الإرادة السياسية والمجتمعية إذا اقترنت بالاستثمار في العقول.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: العلاقات المصرية الفرنسية البحث العلمي إيمحتب المزيد البحث العلمی من خلال
إقرأ أيضاً:
وزارة التخطيط تصدر تقريرا حول تطورات علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والأردن
أصدرت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تقريرا عن تطور العلاقات المصرية الأردنية، بمناسبة انعقاد اللجنة المشتركة المصرية الأردنية في دورتها الثالثة والثلاثين بالعاصمة الأردنية عمان، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، والدكتور جعفر حسّان، رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية.
وأشار التقرير إلى العلاقات التاريخية بين البلدين حيث تتميز العلاقات المصرية الأردنية بالتوافق في الرؤى والأهداف، كما يرتبط البلدان بروابط اقتصادية وثيقة وممتدة ساهمت في تنمية التعاون الثنائي والعربي والإقليمي، وتضرب العلاقات بينهما بجذورها في التاريخ منذ القدم، وفي العصر الحديث، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والأردن منذ استقلال الأردن عام 1946، وأصبحت الدولتان عضوين مؤسسين في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز وعدة منظمات دولية أخرى.
كما تكتسب العلاقات المصرية الأردنية أهمية خاصة نظراً للدور الإقليمي المهم الذي تلعبه الدولتان في مواجهة التحديات التي تهدد المنطقة.
وأشار التقرير إلى اللجان المشتركة بين البلدين حيث تنتظم علاقات التعاون الاقتصادي والفني – على المستوى الثنائي – بين مصر والأردن من خلال اللجنة العليا المشتركة برئاسة رئيسي وزراء البلدين، التي تتولى وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، الإعداد لدورات انعقادها المتتالية منذ إنشائها منتصف ثمانيات القرن العشرين وحتى تاريخه، وتترأس الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي رئاسة هذه اللجنة على المستوى الوزاري مناظرة لوزير التجارة والصناعة الأردني.
وذكر التقرير أن اللجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة تعد أقدم اللجان العربية على الإطلاق وأكثرها انتظاماً وفاعلية، وقد عقدت اجتماعات الدورة الثانية والثلاثين لهذه اللجنة في القاهرة برئاسة رئيسي وزراء البلدين خلال الفترة 7-9 مايو 2024، كما تتميز اجتماعات اللجان الفرعية المشتركة المنبثقة عن اللجنة العليا بالانتظام، حيث تعتبر آلية مثلى لدعم التعاون بين البلدين، نظراً لكونها تضم فنيين ومتخصصين من البلدين في مختلف المجالات، ولأنها تبحث في تفاصيل العلاقات الثنائية وتعرض نتائج أعمالها على اللجنة العليا.
وسلط التقرير الضوء على أهم الزيارات واللقاءات منذ انعقاد الدورة 32 للجنة العليا حيث التقى السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال شهر نوفمبر الماضي، على هامش أعمال القمة العربية الإسلامية غير العادية المنعقدة بالرياض في المملكة العربية السعودية، كما قام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين بزيارة لمصر خلال شهر ديسمبر الماضي، واستقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعقد الزعيمان جلسة مباحثات مغلقة ثنائية، أعقبها عقد جلسة موسعة بمشاركة وفدي البلدين، وهو ما يعكس حرص قيادتي البلدين على استمرار التنسيق لترسيخ العلاقات المشتركة وتوسيعها لتشمل المزيد من المجالات.
كما لفت التقرير إلى أهم الإنجازات التي تمت منذ انعقاد الدورة الثانية والثلاثين للجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة ومنها تحديث منظومة الربط الالكتروني بين وزارة العمل المصرية والأردنية حيث قام الجانبان بتحديث منظومة الربط الإلكتروني بهدف فتح باب الاستقدام عن طريق الوزارة المختصة في كلا البلدين للقضاء على ظاهرة السماسرة وذلك في القطاعات الاقتصادية التي يعمل بها العمال المصريين (قطاع الإنشاءات، قطاع الخدمات، القطاع الصناعي).
كما تم عقد بعض اللجان الفنية والزيارات بين الجانبين في المجالات التالية: الزراعة – النقل البري – النقل البحري – الطيران المدني – الإسكان – الدواء – العمل – التضامن الاجتماعي –الموارد المائية والري – المشروعات الصغيرة والمتوسطة – التنظيم والإدارة – البورصة.
واستعرض التقرير حجم التبادل التجاري بين مصر والأردن حيث وصلت قيمة التبادل التجاري بين مصر والأردن إلى أكثر من مليار دولار خلال عام 2024 مقابل 734 مليون دولار خلال عام 2020، وحول تطور السياحة بين البلدين خلال الفترة 2020 – 2024.
وأوضح التقرير أن عدد السائحين الوافدين من الأردن إلى مصر بلغ خلال عام 2024 (245210) سائح مقارنة بـ(42450) سائح خلال عام 2020.
وأشار التقرير إلى بعض أهم مجالات علاقات التعاون بين البلدين والتي تتمثل في التعاون في مجال البترول والثروة المعدنية، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التربية والتعليم، الثقافة، السياحة، المجال البرلماني، النقل والمواصلات، الزراعة، القوى العاملة، الصحة، إلى جانب التعاون في مجال البيئة والموارد المائية.
وتُعقد الدورة الثالثة والثلاثين من اللجنة في العاصمة الأردنية «عمان»، في ضوء تطورات إقليمية ودولية مضطربة على صعيد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية، وهو ما يعكس حرص البلدان الشقيقان على المضي قدمًا في تطوير العلاقات المشتركة بما ينعكس على جهود التنمية، ويحقق المصالح المشتركة.
ومنذ انعقاد أول لجنة مشتركة بين البلدين عام 1985، تم توقيع أكثر من 174 وثيقة تعاون مشترك في مختلف مجالات التنمية ذات الاهتمام المُشترك، تعكس متانة وقوة العلاقات بين البلدين، خاصة في مجال البترول والغاز الطبيعي، والطاقة المتجددة، والسياحة، والتخطيط والتعاون الدولي، والثقافة، والصحة، والأدوية، وغيرها من المجالات.