جيش الاحتلال يقترح إدخال المساعدات لغزة دون انتظار صفقة
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
في تطور لافت على المسار الإنساني والسياسي المرتبط بالعدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الجيش الإسرائيلي يستعد لاستئناف إدخال الغذاء والوقود والأدوية إلى القطاع في غضون أسابيع قليلة، حتى في غياب صفقة تبادل أسرى أو إعلان تحقيق نصر عسكري حاسم ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتدل هذه الخطوة، غير المعتادة، على تصاعد القلق في أوساط المؤسسة العسكرية من التداعيات القانونية والأخلاقية لاستمرار الحصار، في ظل تحذيرات داخلية من "كارثة إنسانية وشيكة" قد يكون لها تداعيات سلبية على إسرائيل.
وفي رد سريع على ذلك، رفض وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش هذا الاقتراح خلال مؤتمر "شعب الدولة". وقال "إذا كان هذا صحيحا، فمن المدهش أن الجيش الإسرائيلي يتحدث إلى المستوى السياسي من خلال وسائل الإعلام"، وأضاف "اقرأ شفتي: لن تدخل حبة قمح واحدة بطريقة تصل إلى حماس. هذا هو الخطأ الذي ارتكب في الجزء الأول من الحرب"
وزعم أن "حماس حصلت على مليار دولار من المال نتيجة الطريقة الملتوية التي تدار بها الجهود الإنسانية في قطاع غزة. لقد أصبحت مساعدة لوجستية لحماس".
تحت إشراف الجيشبحسب التقرير الذي أعده المحلل العسكري الأبرز للصحيفة رون بن يشاي، فإن قيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي تعمل على بلورة خطة تجريبية لتوزيع المساعدات الإنسانية بشكل مباشر داخل قطاع غزة، بواسطة منظمات دولية، ولكن تحت إشراف كامل من الجيش الإسرائيلي، بما يشمل مشاركة جنود في إيصال المساعدات وتوزيعها على الأرض. ومن المتوقع أن تبدأ التجربة في مدينة رفح جنوب القطاع، حيث يحشد الجيش قواته منذ أسابيع تمهيدًا لتنفيذ عملية برية واسعة النطاق ضد البنية التحتية لحركة حماس هناك.
إعلانويقول ضباط في القيادة الجنوبية، بحسب يديعوت "نحن أمام وضع جديد، لا يمكننا الانتظار أكثر… لا توجد مؤشرات حقيقية على قرب التوصل إلى صفقة تبادل، ولا على انهيار منظومة حكم حماس، ولكن هناك ضغوط قانونية وأخلاقية تتزايد يومًا بعد يوم".
ويضيف أحد المسؤولين: "المساعدات لن تُدخل لصالح حماس، بل لتقويضها… نحن من سنوزعها، وسنحرص على أن تصل إلى السكان المدنيين وليس إلى البنية العسكرية أو الإدارية للتنظيم".
اعتبارات قانونية، وحرب نفسيةومن أبرز الدوافع التي تقف خلف هذا التحول هي الاعتبارات القانونية التي باتت تضغط على قادة الجيش بشكل خاص. وتشير الصحيفة إلى وجود مخاوف حقيقية داخل القيادة الميدانية من أن الاستمرار في منع المساعدات قد يُفسر من قبل جهات قانونية دولية على أنه "سلوك عقابي جماعي"، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، وقد يؤدي إلى فتح تحقيقات جنائية ضد ضباط إسرائيليين في المستقبل.
وتقول الصحيفة إن كبار ضباط الجيش أبلغوا الجهات السياسية والأمنية أن استمرار الحصار الكامل، دون توفير حد أدنى من الإغاثة، "يُعرض القادة الميدانيين أكثر من أي جهة أخرى للمساءلة، حتى قبل السياسيين في الحكومة أو قادة هيئة الأركان في تل أبيب. ومن هنا، يرى الجيش أن إعادة إدخال المساعدات ضمن نموذج خاضع لسيطرته يمثل "حلاً عمليًا" لتقليص هذه المخاطر، دون المساس بالأهداف العسكرية.
لكن المشروع لا يقتصر على الاستجابة لمتطلبات إنسانية أو قانونية، بل يُنظر إليه أيضًا كجزء من الحرب النفسية والإعلامية على حركة حماس. وبحسب التقرير، فإن الجيش الإسرائيلي يسعى من خلال هذه الخطة إلى ترسيخ صورة مفادها أن إسرائيل هي من "تعتني فعليًا بالسكان الفلسطينيين"، بينما حماس "تكتفي بتوجيههم نحو الجوع والمعاناة لتحقيق أهداف سياسية"، وفقًا لرؤية المؤسسة الأمنية.
إعلانويقول ضابط في الجيش لـ"يديعوت": "نريد أن نخلق صورة معاكسة تمامًا لما تحاول حماس تسويقه… نُظهر أنفسنا كجهة مسؤولة تدخل الغذاء والدواء، بينما هي تختبئ في الأنفاق ولا تكترث لمعاناة السكان".
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن الجيش يعكف على إنشاء مراكز توزيع مؤقتة تحت إشرافه المباشر، يتم من خلالها تسليم المواد الغذائية والطبية وفق آلية تمنع سيطرة عناصر حماس عليها، أو إعادة توجيهها لأغراض عسكرية.
موقف قانوني للاحتلالبموازاة هذا التوجه، يسود القلق داخل المؤسسة الأمنية من تدهور الأوضاع الإنسانية في القطاع بشكل كارثي خلال الأسابيع المقبلة. وتشير التقديرات الاستخبارية إلى أن مخزون المواد الغذائية الأساسية قد ينفد في غضون شهر يومًا، في ظل تعطل شبه تام لحركة دخول الشاحنات الإغاثية منذ انهيار التهدئة السابقة أواخر فبراير.
ويقول مصدر عسكري: "لم نصل إلى مرحلة المجاعة بعد، لكننا نقترب منها بسرعة. الناس بدأوا يقتحمون المستودعات، ويتقاتلون على أكياس الطحين. كل ذلك تحت سيطرتنا الميدانية، ما يعني أن المسؤولية ستقع علينا في نهاية المطاف".
تثير الخطة المقترحة إشكالية قانونية إضافية، تتعلق بطبيعة السيطرة الإسرائيلية على غزة. ففي حين تعتبر معظم الجهات الحقوقية الدولية أن إسرائيل، بوصفها الطرف المسيطر فعليًا على معابر القطاع ومجاله الجوي والبحري، تُعد قوة احتلال، ترفض النيابة العسكرية الإسرائيلية هذا التوصيف.
وبحسب ما تنقله الصحيفة، تصر القيادة العسكرية على أن حماس لا تزال "السلطة الفعلية" التي تُدير الشؤون المدنية في غزة، حتى بعد 7 أكتوبر، وهو ما يعني – من وجهة نظر إسرائيلية – أن الجيش ليس ملزمًا بإقامة إدارة مدنية بديلة، أو تولي مسؤوليات الدولة الحاكمة.
ويقول بن يشاي إن هذا التفسير القانوني، وإن كان محل جدل دولي واسع، إلا أنه يحظى بدعم محكمة العدل العليا الإسرائيلية التي أيدت مؤخرًا موقف الحكومة بهذا الشأن، مما يمنح الجيش هامش تحرك أكبر دون التزامات قانونية إضافية.
إعلان اعتبارات عمليةيشير التقرير أيضًا إلى تجربة فاشلة خاضها الجيش خلال فترة الهدنة في ديسمبر/كانون الأول، حيث سمح بدخول آلاف الفلسطينيين إلى شمال غزة بعد فرارهم جنوبًا، لكنه فشل في منع عناصر حماس من التسلل ضمن الجموع المدنية.
ويقول أحد الضباط: "خلال أيام قليلة، عاد نحو 20 ألف عنصر من حماس إلى الشمال، تحت غطاء المدنيين. لم تكن هناك آلية تفتيش فعالة، لا من الجانب المصري ولا من الفرق الأجنبية التي شاركت. النتيجة كانت تقوية صفوف حماس مجددًا، وهو خطأ لن نكرره".
ويضيف المصدر أن أي نموذج إنساني جديد يجب أن يتضمن تفتيشًا صارمًا تحت إشراف إسرائيلي مباشر، لا مجرد مراقبة من جهات خارجية.
ويقول المحلل العسكري إن القرار الإسرائيلي يأتي في أعقاب مجزرة مروعة وقعت في حي تل السلطان في رفح، حيث أطلقت قوات "جولاني" النار على قافلة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، مما أسفر عن استشهاد 14 من العاملين في الطواقم الطبية. وقد أثارت هذه الغارة انتقادات دولية واسعة، خاصة بعد تقارير صحفية أشارت إلى وجود مقابر جماعية وظهور جثث مقيدة.
وتقول الصحيفة إن القيادة الجنوبية تدرك أن مثل هذه الأحداث ترفع من حدة الضغوط الدولية، وتُعرض المؤسسة العسكرية لخطر العزلة والمحاسبة، خصوصًا في حال تدهور الوضع الإنساني إلى مستوى الكارثة.
وفي المحصلة، يبدو أن إعادة إدخال المساعدات لا تمثل فقط استجابة إنسانية بحتة، بل تعكس مزيجًا من العوامل القانونية والسياسية والعسكرية. فإلى جانب السعي لدرء تهم انتهاك القانون الدولي، يأمل الجيش الإسرائيلي في أن تُحدث هذه الخطة ضغطًا على حماس يدفعها للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى، بالتوازي مع تحسين صورة إسرائيل في الساحة الدولية.
ويقول مصدر عسكري بارز: "إذا لم نكسر هذا الجمود، فسنبقى عالقين في مشهد خطير: حماس لا تنهار، الرهائن لا يعودون، والوضع الإنساني يتفجر. إدخال المساعدات وفق نموذجنا قد يكون خطوة لكسر هذا الحصار السياسي قبل أن ينفجر في وجوهنا".
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجیش الإسرائیلی إدخال المساعدات أن الجیش
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة: الأرقام لا تكذب وقتل الفلسطينيين أثناء انتظار المساعدات غير مقبول
شدد ستيفن دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، على أن قتل الفلسطينيين في أثناء انتظار المساعدات الإنسانية "غير مقبول"، وأن "الأرقام لا تكذب"، مشيرا إلى ارتفاع أعداد الضحايا الذين يسقطون يوميا.
ومنذ بداية العدوان على قطاع غزة، تفرض إسرائيل حصارا مشددا على القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتمنع وصول المساعدات الغذائية والدواء لسكانه، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، زادت من وطأة هذا الحصار على نحو خانق جدا، ولم تعد تسمح لأي مساعدات بالدخول إليه، وأصبح الأمر مقتصرا على مساعدات محدودة جدا تتولى شركة أميركية توزيعها على نحو 1.5 مليون مواطن في غزة.
ولم تعد كلمة "غير مقبول" كافية للتعبير عن الوضع الإنساني في غزة، إذ رأى المسؤول الأممي أنها تبدو ضعيفة للتعبير عن هذه "الفاجعة"، منددا بما وصفها "عسكرة وتسييس المساعدات الإنسانية"، خاصة أن الأشخاص الذين قُتلوا لم يكونوا يفعلون أكثر من محاولة الحصول على غذاء وقوت لعائلاتهم من أجل البقاء على قيد الحياة، على حد تأكيده.
وقالت مصادر في مستشفيات القطاع إن 80 فلسطينيا استشهدوا منذ فجر أمس الثلاثاء بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي، بينهم 56 من منتظري المساعدات في منطقة نتساريم وسط قطاع غزة وفي رفح جنوبه.
عملية محفوفة بالمخاطر
ومنذ تولي شركة أميركية عملية توزيع المساعدات على الفلسطينيين في قطاع غزة ومنع طواقم الأمم المتحدة من تولي هذه المهام، أصبحت مشاهد استهداف الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال أمرا يتكرر كل يوم، إذ يسقط يوميا عشرات الشهداء ويصاب عشرات آخرون خلال سعيهم للحصول على قوت يومهم لهم ولأطفالهم.
ولا تبدو الأمم المتحدة راضية عن آلية عمل الشركة الأميركية ونتائجها، وهو ما عبر عنه دوجاريك الذي قال إن عملية توزيع المساعدات محفوفة بالمخاطر، ولا تحقق الأمر المأمول منها، بل على العكس، "فمن غير المقبول أن يموت الناس وهم يحاولون الحصول على الغذاء للحفاظ على حياتهم".
إعلانوتعتمد الشركة الأميركية طريقة توزيع وصفتها منظمات حقوقية بأنها مذلة ولا تحترم حقوق الإنسان، كما أنها تعرّض حياة الفلسطينيين للخطر، إذ تجعلهم أمام فوهات بنادق قوات الاحتلال.
ورغم الضغوط التي تتعرض لها الأمم المتحدة، والتهم التي تكيلها لها السلطات الإسرائيلية، فإن دوجاريك شدد على التزام المؤسسة الأممية بمواصلة عملها، وأنها لن تغادر غزة، و"سوف تستمر في القيام بالعمل الذي تستطيع أداءه في المساحة الضيقة المتاحة لها".
وكانت إسرائيل قد شنت منذ بدء عدوانها على غزة، منذ نحو 20 شهرا، هجمات عدة على مؤسسة الأمم المتحدة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي اتهمتها تارة بتورط عدد من موظفيها بالانتماء لحركات المقاومة الفلسطينية في القطاع، وتارة أخرى اتهمتها بالتساهل في توزيع المساعدات الإنسانية التي تصل للقطاع، بما يمكّن عناصر المقاومة من الحصول على جزء كبير منها.
ولا تدّعي المنظمة الدولية أنها الوحيدة القادرة على عمل كل ما ينبغي عمله، لكنها تطالب بأن يُسمح لجميع المنظمات المعنية بتقديم الإغاثة والمساعدات الإنسانية بالقيام بعملها في إطار من الأمان والشفافية، حسب تأكيد دوجاريك.
وحذر دوجاريك من أن "الوقت ينفد… والمؤن الغذائية تنفد… والوقود ينفد"، مشددا على الحاجة الماسة لإدخال مزيد من المساعدات بسرعة.
وتقول المنظمة الدولية على لسان دوجاريك إنها بحاجة ماسة للوصول إلى كل عائلة في غزة دون الحاجة للعمل من خلال وسطاء أو في مناطق تفرض مخاطر على الأشخاص الذين يقصدونها دون أي مبررات وجيهة.
ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها المنظمة الأممية سعيا لتحسين وضع الغزيين، وتواصلها الدائم مع كافة الأطراف المعنيين سواء كانوا إسرائيليين أو أميركيين أو منظمات إنسانية تعمل في غزة، فإن دوجاريك لم يبدُ متفائلا، وهو الذي وصف الوضع بغزة بأنه قاس، وتساءل عن الطرف الذي يكون له أن يصنع تأثيرا حقيقيا في تغيير الوضع على الأرض.
ولم يحصل الفلسطينيون في غزة على بعض حقوقهم الحياتية إلا في الفترة التي شهدت إطلاق سراح محتجزين وإدخال المساعدات الغذائية والوقود.
ولذلك، اعتبر المسؤول الأممي أن الحل الوحيد في غزة والحفاظ على حياة الناس هناك مرهون بالحل الدبلوماسي والسياسي بعيدا عن القتل والحصار.