منصات التواصل.. بين الفوضى والمنفعة
تاريخ النشر: 7th, April 2025 GMT
د. ذياب بن سالم العبري
في زاوية صغيرة من منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، وبين عناوين مثيرة ومقاطع لا تنتهي، ظهرت تغريدة هادئة لكنها قوية، تقول: "منصة كان يُفترض أن تكون للفائدة، أصبحت ساحة للابتذال والتكلف وخالف تُعرف والإساءة والتضليل… ولن يبقى إلا ما ينفع الناس".
وقفتُ عند هذه الكلمات كما يقف العاقل على أطلال حلمٍ جميل، كان يُفترض أن ينمو ويُثمر، فإذا به يُترك بين أيدٍ تعبث به، وتُفرغه من هدفه، وتحوله إلى سوقٍ للهوى والرغبة، ومرآةٍ للذات المتضخمة.
لقد جاءت منصات التواصل الاجتماعي كطفرة كبرى في عالم الاتصال، فتحت المجال للجميع كي يعبروا عن آرائهم، ويشاركوا أفكارهم، ويبنوا جسورًا بين الثقافات والمجتمعات، إلّا أن هذه النعمة سرعان ما اختلطت بنقمة الاستخدام السيئ، فتغيرت الصورة من فضاء للحوار إلى حلبة للصراخ.
صرنا نعيش في عالم "الترند" اللحظي، حيث لا يُكافأ من يُفيد؛ بل من يُثير، ولا يُحتفى بمن يُقدّم معرفة، بل بمن يُثير الجدل. وصار بعض الناس يقيسون القيمة بعدد الإعجابات وإعادة التغريد، لا بمدى النفع، أو عمق الكلمة، أو احترام العقل.
والأخطر من ذلك، أنَّ المحتوى السطحي والموجّه والمضلل بدأ يتسلل لعقول الناس، خاصةً فئة الشباب، الذين ما يزالون في طور التكوين، ويبحثون عن هوية، وقد يجدونها- للأسف- في نموذج هشّ، أو قدوة وهمية، لا تستند إلى علم ولا إلى خُلق.
ولأننا لا نكتب لنشكو، بل لنقترح، فإننا نرى أنَّ الحل ليس في الانسحاب من هذه المنصات، ولا في محاربتها، بل في ترشيد استخدامها، وصناعة محتوى نافع ينافس على المساحات، ويقدّم بدائل حقيقية وجذابة.
وهذا يتطلب:
وعيًا فرديًا: أن يدرك كل شخص مسؤوليته عمّا يكتب، ويشارك، ويتابع. جهدًا مؤسسيًا: من وزارات الإعلام والتربية والتعليم والثقافة، لتوجيه الخطاب الرقمي، ودعم المحتوى الراقي. مبادرات أهلية: تُبرز النماذج الهادفة، وتُسلّط الضوء على الحسابات التي تُثري لا التي تُشتّت. تعزيز ثقافة "التفكير النقدي" لدى الشباب، حتى لا يكونوا ضحيةً لما يرونه، بل يملكون القدرة على التمييز بين الغثّ والسمين.إننا بحاجة إلى أن نُربّي أبناءنا على أنَّ الكلمة مسؤولية، وأن ما يُنشر لا يزول، وأن أثر الكلمة قد يفوق أثر السيف، وأنّ كل ما نكتبه في هذه المساحات قد يكون شاهدًا لنا أو علينا.
ورغم ضجيج التفاهة، ما زال هناك من يُغرّد بالحكمة، ويبني بالعقل، ويزرع الخير. هؤلاء يجب أن ندعمهم، ونتيح لهم الفرصة للظهور، ونقتدي بهم، ونُكثر من أمثالهم.
وفي النهاية، نعود إلى سؤال لا بد أن يطرحه كل منَّا على نفسه، قبل أن يضغط زر نشر"، هل ما أكتبه اليوم سأكون فخورًا به غدًا؟
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اغتيال خيمة الصحفيين في غزة: جريمة بحق الكلمة والصورة وصمت يفضح العالم
في مشهد يعكس أقصى درجات البشاعة، ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة اغتيال منظمة بحق الصحفيين في غزة، حيث استهدفت "خيمة الصحفيين" قرب مستشفى الشفاء، مما أدى إلى استشهاد خمسة من أبرز الإعلاميين العاملين على نقل الحقيقة وسط أتون الحرب. هذه الحادثة ليست مجرد جريمة حرب، بل صفعة على وجه القانون الدولي وحرية الصحافة، ورسالة واضحة أن الكلمة والصورة باتت هدفا مشروعا في منطق القوة.
ووفق مصادر إعلامية، أسفر القصف الإسرائيلي عن استشهاد خمسة صحفيين من قناة الجزيرة: أنس الشريف، ومحمد قريقع، وإبراهيم ظاهر، مؤمن عليوة، محمد نوفل.
وقد وصفت الجهات الفلسطينية هذا الهجوم بأنه "اغتيال مع سبق الإصرار والترصد"، يستهدف إسكات الحقيقة وحرمان العالم من الشهود على الجرائم اليومية في غزة.
إن حجم الكارثة الإعلامية منذ بداية العدوان في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى اليوم غير مسبوق، فبلغ عدد الصحفيين الشهداء في غزة 237 صحفيا، في سابقة لم يشهدها تاريخ الحروب المعاصرة، حيث تُستهدف الكاميرا كما يُستهدف السلاح، وتُقصف الكلمة كما يُقصف المقاتل
إن حجم الكارثة الإعلامية منذ بداية العدوان في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى اليوم غير مسبوق، فبلغ عدد الصحفيين الشهداء في غزة 237 صحفيا، في سابقة لم يشهدها تاريخ الحروب المعاصرة، حيث تُستهدف الكاميرا كما يُستهدف السلاح، وتُقصف الكلمة كما يُقصف المقاتل.
ورغم وضوح الجريمة، يلوذ معظم العالم بالصمت. يعود هذا الصمت الدولي إلى:
1- إسكات الحقيقة: القوى الكبرى تدرك أن الصورة الحقيقية لغزة تهدم رواياتها الإعلامية، لذلك يُستهدف الصحفي قبل أن ينقل المشهد.
2- غياب المحاسبة: القانون الدولي الإنساني موجود على الورق، لكن غياب آليات الردع الفعّالة جعل قواعد الحرب تتحول إلى "قوانين غابة".
3- هيمنة اللوبي الصهيوني المسيحي: تحكمه في الإعلام والسياسة يضمن حماية الجناة وتبرير جرائمهم، بل وتحويل الضحية إلى متهم.
الحقيقة المُرّة
لقد سقطت كل شعارات "العالم الحر" و"حقوق الإنسان" في مزبلة التاريخ، بعدما كشفت الحرب على غزة أن هذه القيم مجرد أدوات سياسية تُستخدم حين تخدم المصالح، وتُسقط حين تعارضها. عادت روح الحروب الصليبية، لكن بثوب أشد قذارة وهمجية، يقودها تحالف صهيوني مسيحي يستغل الشعارات الإنسانية لفرض سيطرته ونهب ثروات الشعوب.
ومهما اشتد الحصار وتكالب الأعداء، يبقى لأهل غزة صبر المجاهدين ورباط المرابطين. وقد علّمنا التاريخ أن "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله". النصر ليس حكرا على من يملك القوة المادية، بل هو وعد إلهي للصابرين، والمتمسكين بحقهم، والرافعين راية الحق مهما كانت التضحيات. هذه هي رسالة المقاومة بكل وضوح.
ختاما: اغتيال خيمة الصحفيين في غزة لن يُسكت الحقيقة، بل سيجعل الكلمة والصورة أكثر قوة وانتشارا. ستسقط الصهيونية، ومعها كل الأنظمة الخائنة التي تمشي في ركابها. وسيظل أهل غزة -أهل الرباط- شوكة في حلق المحتل حتى يأذن الله بالنصر والتمكين.