زنقة 20:
2025-05-23@04:56:53 GMT

عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر

تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT

بقلم : أحمد عصيد

يخبرنا المؤرخون المختصون في الفترة الحديثة والقرن التاسع عشر على الخصوص، بأن خروج المغرب من التقليد إلى الدولة الحديثة كان مسلسلا عسيرا وبطيئا، ومليئا بالعقبات والصعوبات، وكان العامل الأكبر في ذلك هو الردّ على التحديات الخارجية بالانكفاء والانطواء على الذات، وتكريس العزلة التي تمنع البلد من الاستفادة من المؤثرات الخارجية، الثقافية ومنها والتقنية، حتى أن أحد المؤرخين أشار إلى أن فقهاء المغرب أفتوا بعدم جواز اقتناء المطبعة لأنها “حرام”، وعندما اقتناها أحد الأعيان الكبار وأهداها للسلطان أغلق عليها في مكان داخل القصر بسبب فتوى التحريم.

كما يخبرنا مؤرخ آخر بأن فقهاء المغرب عندما استشارهم أحد السلاطين المغاربة عن مدى جواز مدّ السكك الحديدية واستعمال القطار أفتوا بحرمة ذلك وعدم جوازه دينيا لأنه سيؤدي إلى دخول الأجانب علينا واطلاعهم على أسرارنا. وهكذا تأخرت كل تلك المشاريع إلى أن جاءت فترة الاستعمار، فصارت عملية التحديث “قسرية” و”خارجانية”، أي مفروضة من الخارج، عوض أن تكون مسلسلا تطوريا طبيعيا باختيار ذاتي وقناعة وطنية.

ولعل هذا الانكماش على الذات أمام التحديات الخارجية هو الذي أدّى إلى ضياع عقود طويلة دون أن يحدث فيها أي تغيير في بنيات الدولة وفي العلاقات الاجتماعية التي ظلت راكدة، وفي الفكر الذي ظل يجترّ نفس المتون والحواشي القديمة. ومن أهم المؤشرات لذلك الانغلاق نبذ الطلبة الذين كانوا يتلقون تكوينا في العلوم الحديثة في أوروبا، حيث كان أبناء بعض العائلات الأرستقراطية ينجحون في الخروج من البلد وتعلم مبادئ العلوم الحديثة، لكنهم كانوا عند عودتهم يصطدمون بقوى التقليد التي كانت تدفع بهم نحو العزلة أو العودة إلى أوروبا.

وكان لهذا أثر بالغ السلبية في تأخير مسلسل التحديث الفكري والعلمي بسبب اعتبار الحداثة كلها “نبتة غريبة” عن التربة المحلية طوال عقود القرن العشرين، وحتى بعد الاستقلال السياسي من الوصاية الخارجية، حيث حصل النكوص الكبير مع المدّ الديني “الإخواني” و”السلفي” الذي وجد فيه الناس عزاء نفسيا عن التأخر، وجوابا عن التحدي الغربي في دول ما بعد الاستقلال، خاصة وأن هذه الإيديولوجيات الدينية المتشدّدة اعتمدت خطاب العودة إلى الذات بشكل منحرف عبر النكوص نحو الماضي، معتقدة أن تلك هي العملية الضرورية للتقدم. والحال أن الماضي الذي كانت تتم العودة إليه صار ـ بسبب الانقطاع التاريخي الطويل ـ بعيدا زمنيا بما يكفي لجعل فكرة العودة هذه عملية بدون جدوى، خاصة وأن التحولات المجتمعية الجديدة التي اخترقت كل مناحي الحياة وكذا مؤسسات الدولة الحديثة، جعلت من واقع المغرب مجالا لا يستجيب لفكرة العودة الماضوية، التي سرعان ما تحولت إلى خطاب بدون محتوى، إذ لم تعُد تتعدى مستوى الاستقطاب الإيديولوجي والعزاء النفسي والتخدير الجماعي.

ولعل أهم درس تعلمه المغاربة من كل نكسات القرن العشرين، هو أن البلدان التي تظل مشدودة إلى ماضيها، لا تجد طريقها نحو المستقبل، ولكن في نفس الوقت، أن البلدان التي تتنكر لإيجابيات ماضيها التاريخي عبر قطيعة نهائية لا تستطيع إثبات ذاتها أمام الغير، لأن التاريخ لا ينفصل عن الهوية التي هي صيرورة تتشكل في التاريخ. وهذا معناه أن المعادلة الصعبة للحداثة والتحديث إنما تتمثل في القدرة على معرفة الماضي معرفة نقدية وتملكه عوض العودة إليه والانخراط الذهني فيه. ومن هنا خطأ الفكرة القائلة بأن إعادة إنتاج الماضي يؤدي إلى تحقيق التفوق الحضاري، حيث أن الشعوب الراقية أثبتت بأنّ قراءة ماضيها كانت فرصة للاستفادة من أخطائها، من أجل تفاديها لا إعادة إنتاجها.

إن الذين يملكون ماضيهم عبر استيعابه ونقده سرعان ما يتجاوزونه نحو آفاق أكثر رحابة، أما الذين يملكهم ماضيهم ويُهيمن عليهم فلن يجدوا أبدا طريقهم نحو المستقبل، لأنهم يعتقدون أن الأهم بقي وراء ظهورهم.

ومن هذا المنطلق صار من البديهي أنّ كل فكر لم يعُد يفسر الظواهر الجديدة ويُجيب على أسئلة المرحلة الراهنة، يُعدّ فكرا متجاوزا، ولا يمكن الحفاظ عليه لا منهجيا ولا حتى معجميا.

وقد تبين منذ عقود بأنّ ثمة قاعدتان تجعلان بلدان منطقتنا ملزمة بإعادة النظر في وجودها: 1) أن منظومة الفكر الموروث في أزمة بسبب عدم تلاؤمها مع واقع الدولة الحديثة.

2) أن هذه المنظومة متأزمة بسبب منطقها الداخلي، ما يقتضي إما إلغاؤها التام أو إبداع منطق جديد لها.

المصدر: زنقة 20

إقرأ أيضاً:

استشاري نفسي: المخدرات الحديثة «الميكسات» تهدد شبابنا

حذّرت الدكتور رضوى عبد العظيم، استشاري الطب النفسي، من انتشار نوع خطير من المخدرات يُعرف باسم "الميسكات" أو "الخلطات"، مؤكدة أنه من أخطر أنواع المواد المخدرة المتداولة بين الشباب حالياً. 

وقالت “عبد العظيم”، في تصريحات لبرنامج “صباح الخير يا مصر”، إن هذه المواد تحتوي على مركبات سامة تؤدي إلى تدمير الجهاز العصبي، بل وتُعد سببًا مباشرًا في الإصابة بأمراض خطيرة مثل السرطان.

استشاري الطب النفسي: «لما الكلمة توجع.. بقت تنمّر مش هزار»الصحة: إغلاق مستشفى للطب النفسي وعلاج الإدمان بالشرقية يديرها منتحل صفةالهروب من الواقع سبب رئيسي وراء التعاطي

وأوضحت أن الشباب غالباً ما يلجأ إلى هذه المواد هروبًا من الواقع وتحت ضغط الألم النفسي، حيث يسعى البعض إلى "علاج" أنفسهم ذاتيًا باستخدام هذه الخلطات، في محاولة مؤسفة لنسيان معاناتهم اليومية. 

وأضافت: "الواقع المرير يجعل البعض يلجأ إلى المخدرات بدلاً من طلب الدعم النفسي".

غياب الاحتواء الأسري يُفاقم المشكلة

وأكدت الاستشارية أن غياب الاحتواء والدعم الأسري يعد من الأسباب الجوهرية التي تدفع الشباب نحو الإدمان.

وأشارت إلى أن ضعف التواصل داخل الأسرة، وانعدام الاستماع إلى الأبناء، يدفعهم إلى البحث عن بدائل مدمرة تمنحهم شعورًا مؤقتًا بالأمان أو السعادة.

تقليد "الشاب الكول": عدوى اجتماعية خطيرة

ولفتت “عبد العظيم” إلى أن أحد أخطر مظاهر هذه الأزمة هو التأثير السلبي لأصدقاء السوء، حيث أصبح بعض الشباب يتعاطى المخدرات فقط لتقليد من يُنظر إليهم بأنهم "كول" أو "مختلفون". 

واستطردت: "الضغوط الاجتماعية تدفع الكثير من الشباب للانخراط في سلوكيات مدمرة بدافع الانتماء أو الاندماج".

طباعة شارك المخدرات تأثير المخدرات غياب الاحتواء والدعم

مقالات مشابهة

  • كيف تنفق أموالك أو تستثمرها إذا ضرب الركود التضخمي بلدك؟
  • استشاري نفسي: المخدرات الحديثة «الميكسات» تهدد شبابنا
  • التأشيرات تقصي المغرب مجدداً من المشاركة في أولمبياد الرياضيات
  • استشاري: ٥ عوامل تزيد من خطورة حصوات المرارة
  • كيف لي أن أبدد مخاوفها وهي التي تظن أنني سأتركها بسبب مرضها؟
  • استشاري: 5 عوامل تسبب جلطة القلب
  • خبير عسكري: 3 عوامل دفعت إسرائيل تاريخيا لإيقاف حروبها
  • عوامل السوق:
  • بلال قنديل يكتب: بين الماضي والحاضر
  • النفط يرتفع بفعل تعثر محادثات إيران وضغوط اقتصادية عالمية