جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-01@01:07:56 GMT

التوجه نحو قطاعات إنتاجية مُستدامة

تاريخ النشر: 9th, April 2025 GMT

التوجه نحو قطاعات إنتاجية مُستدامة

 

 

محمد بن عيسى البلوشي **

 

تعزيز دور القطاعات الاستثمارية وفق رؤية يتكئ عليها الاقتصاد للاعتماد عليه في الناتج المحلي، هو الغاية المهمة خاصة بعد تقلبات الأسواق العالمية بسبب تأثير العوامل السياسية وأيضا الجيواقتصادية التي طرأت على العالم، ولن يتأتى ذلك إلا بوجود مجموعة من الإصلاحات بإعادة توجيه الإجراءات والتسهيلات والتمويلات نحو قطاعات إنتاجية مستدامة.

ولربما أضحى واضحًا التوجه نحو تمكين القطاعات غير النفطية لتعلب دورها في الاقتصاد المحلي، فهناك العديد من المجالات الاقتصادية التي نطمح أن يكون لها أثر أفضل، ولربما نجد في تصريح معالي أحمد بن جعفر المسلمي محافظ البنك المركزي العُماني إشارة واضحة نحو التوجه الاستراتيجي لتمكين القطاعات الإنتاجية من إيجاد تمويل أكبر يتناسب مع تطلعات رؤية عُمان 2040.

وبحسب تفاصيل حوار معالي أحمد المسلمي مع صحيفة "الرؤية"، فإنه من المتوقع توفير قروض تصل قيمتها إلى أكثر من 25 مليار دولار خلال السنوات الخمسة المقبلة، وقد أكد أن تلك الحزمة "تستهدف عددًا من القطاعات الاقتصادية الحيوية بما فيها السياحة، والطاقة المتجددة، وسلاسل الإمداد، والتعدين، والزراعة، والتكنولوجيا، والتعليم، والرعاية الصحية، وقطاع الأسماك".

الأرقام التي كشف عنها معاليه حول نسب التوزيع الحالي والمستهدف لمحفظة التسهيلات وفق القطاعات الاقتصادية تبشر بحل جذري لواحدة من التحديات التي تواجهها القطاعات الاقتصادية والاستثمارية، بعد سنوات من المعاناة، وهي أهمية زيادة محفظة التسهيلات التي كان العديد من المستثمرين ينادون بها.

وهنا نستعرض أهم الفرص التمويلية التي يمكن للقطاعات الجادة الاتجاه نحوها:

أولًا: فرصة الاستثمار في قطاع سلاسل الإمداد والنقل والتي تسهم حسب بيانات رؤية "عُمان 2040" بنسبة 12% من الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث توضِّح البيانات أن حجم التسهيلات في هذا القطاع تبلغ نسبتها الحالية 6.02% والمستهدف في أن يكون معدل النمو السنوي بنسبة 8% أو 7% من محفظة الائتمان أيهما أعلى. ونعتقد أن تعزيز دور القطاع الخاص بزيادة الاستثمار في هذا المجال لكوننا مركزا لوجيستيا استراتيجيا للعالم أضحى فرصة ذهبية في ظل تزايد الطلب العالمي لسلاسل الإمداد والنقل.

ثانيًا: يعد الاستثمار في قطاعي الزراعة والثروة السمكية وقطاع التعدين واحدا من أهم الجوانب الاستراتيجية نظرا لما حبا الله به أرضنا وبحارنا من خيرات، ولوفرة تلك الموارد الطبيعية- ولله الحمد والفضل-، حيث تنظر الحكومة في أن تحقق تلك القطاعات نموا سنويا بنسبة 4% وفق رؤيتها الوطنية، وتبلغ نسب التوزيع الحالي لمحفظة التسهيلات في قطاعي الزراعة والثروة السمكية والتعدين 2.30% و3.66% على التوالي، والمستهدف في أن يكون معدل نمو سنوي بنسبة 6% أو 7% من محفظة الائتمان أيهما أعلى. ونرى أن على الجهات المعنية بذل المزيد من الجهد نحو تعزيز الاستثمارات وأيضا نتطلع إلى دور القطاع الخاص، حيث بتحقيق الأمن الغذائي واستثمار الموارد الطبيعية سوف نعزز القيمة المحلية لتلك الموارد وأيضا نستطيع تصدير الفائض إلى الأسواق العالمية.

ثالثًا: يُعوَّل على القطاع السياحي أن يؤدي دورًا أكبر في الناتج المحلي، وربما ينظر المشتغلون إلى زيادة حجم الاستثمارات عبر المشاريع المتنوعة، حيث توضح البيانات أن حجم التسهيلات الحالية في هذا القطاع تبلغ نسبتها 3.33%، والمستهدف في أن يكون معدل النمو السنوي بنسبة 6% أو 5% من محفظة الائتمان أيهما أعلى، ونعتقد جازمين أهمية تمكين المشاريع الجديدة ودور صانعي السياحة تنفيذها لحاجة السوق المحلي من المشاريع أولا، ولتعظيم العائد والوصول إلى أهداف رؤية "عُمان 2040" بتحقيق مساهمة القطاع السياحي بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي على الجانب الأخر.

رابعًا: هناك عدد من القطاعات الاقتصادية الأخرى نستعرض أرقامها حسب البيانات الرسمية المعلنة لنسب التوزيع الحالي والمستهدف لمحفظة التسهيلات "قطاع التكنولوجيا، فتبلغ النسبة الحالية 0.93% والمستهدف الوصول إلى 4%، وفي قطاع الرعاية الصحية 0.23% والمستهدف 1.5%، والتعليم 0.18% والمستهدف 1.5%، والطاقة المتجددة 0% والمستهدف 8%".

إننا نعتقد أن تلك الجهود لا تكفي لإنعاش القطاعات الاقتصادية الاستراتيجية، لكن يتطلب الأمر توجيه كافة المؤسسات الرسمية لتسهيل الإجراءات والمتطلبات الداعمة للاستثمار في القطاعات الإنتاجية المستدامة والوقوف على التجربة السابقة وتقييمها في عملية تكاملية؛ الأمر الذي "سيُعزز نمو القطاعات غير النفطية ويخلق فرص عمل جديدة للمواطنين"، وعلى القطاع الخاص أن يلعب دوره ويقتحم لاقتناص الفرص بتعزيز استثماراته الحالية في القطاعات المستهدفة أو في إنشاء مشاريع جديدة، وهنا دور متجدد على بيت التجار أن يتبناه.

** مستشار إعلامي واقتصادي

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الشراكة العُمانية - السعودية بوابة لنهضة خليجية مُستدامة

لم تكن قاعات قصر «البستان» في مسقط -زمن انعقاد منتدى حوار المعرفة العُماني-السعودي الأسبوع المنصرم- منصات للخطابة والاستهلاك المعرفي غير الناضج، وإنما نشبّهها بمختبرٍ لصناعة المستقبل؛ إذ اجتمعت نحو 70 جامعة سعودية بجانب مؤسسات التعليم العالي في سلطنة عُمان، وبصحبة مراكز أبحاث وشركات ابتكار؛ ليسطّروا على صفحات الخليج العربي رؤيةً مشتركةً تبدأ من حجر الأساس: التعليم والبحث العلمي. لا غرو أن هذه الشراكة تستند إلى وشائج الدين واللغة والعادات التي وحّدت البلدين منذ قرون، وتمتد جسور هذه الشراكة في عصرنا الحديث وتتوسع بوجود عوامل جيوسياسية جديدة؛ فعُمان بوابةُ المحيط وبحر العرب، والمملكة العربية السعودية صاحبة الممرّات البرية والاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط، ومع تدشين منفذ الربع الخالي -قبل عدّة سنوات- وما رافقه من تسهيل لوجستي؛ تقلّص زمن نقل البضائع بين الدَّقم والرياض من أيام إلى ساعات، مُعلنًا ميلاد شريان تجاري يرفد الرؤيتين الوطنيتين معا.

بدا مشهد هذا اللقاء كأنه ورشةٌ كبرى لإعادة هندسة المستقبل؛ فالتحمت الإرادة السياسيّة بالشغف الأكاديمي، والتقت رؤيتا «عُمان 2040» و«السعودية 2030» على أرض تؤمن أن التقدّم ينطلق من مصاب التعليم وشرارات البحث والابتكار، وأنّ الأمم لا تُقاس بما تحوزه من حقول تحت الأرض، وإنما بما تُنمِّيه من حقولٍ في العقول، وأن كل استثمار في الإنسان يُنبت بعد سنين ما يعجز الذهب الأسود عن توريده ساعةَ الأزمات، ولعلّ أبرز ما يميّز هذه الشراكة أنّها تستمدّ قوتها من ثلاثة مجارٍ تصبّ في حوضٍ واحد: المجرى الأوّل ثقافيٌّ صرف يتمثّل في الدين، واللسان العربي الذي يسبح في بحورٍ متقاربة من البلاغة، وفي عادات تقرّ بأعراف العرب وتقاليدها الأصيلة، والمجرى الثاني جيوسياسي؛ فتملك عُمان نافذةً رحبةً على بحر العرب والمحيط الهندي، وتتربّع المملكة على عقدة الطرق البرّيّة الكبرى التي تصل شرق الجزيرة العربية بغربها وشمالها بجنوبها، ويتمثّل المجرى الثالث في طموح اقتصادي جديد يدرك أن مستقبل الطاقة يتلوّن ما بين الهيدروجين الأخضر والذكاء الاصطناعي والصناعات التحويليّة المتقدّمة؛ فنراه طموحا ينعكس واقعا في وثيقة «الرؤية» لدى البلدين؛ حيث تُرفع نسبة مساهمة القطاعات غير النفطية إلى نصف الناتج المحلي -في السعودية- وإلى أكثر من تسعين في المائة -في عُمان- مع إطلالة منتصف القرن الحالي.

يعطف هذا الطموح بداهةً على التعليم والبحث العلمي؛ فلم يكتفِ المنتدى الأخير نيّات عامة، ولكنه أسفر عن خريطة طريق تقضي بإنشاء برامج تبادلٍ طلابي وأكاديمي واسعة، وإطلاق مشروعات بحثية مشتركة في قطاعات الطاقة المتجدّدة والتقنية الحيويّة والذكاء الاصطناعي، وبالإضافة إلى تأسيس حاضنات ابتكارٍ صناعية في الدُّقم العُمانية ونيوم السعودية. مع ذلك؛ فإن رغبة البلدين بالمضي قدما نحو اقتصاد المعرفة يتطلب بنيةً تحتيّةً للبيانات والتشريعات، وإلا؛ فلا قيمة للطموحات والخطط إن بقيت حبيسة الأدراج وذاكرات الحواسيب، وهنا يتطلب من البلدين أن يُسرّعا اعتماد معيارٍ أكاديمي موحَّد يمكّن خريجي الجامعات من الانتقال بين أسواق العمل بلا حواجز، وأن يشيّدا منصةً رقمية تربط مراكز الأبحاث بالصناعة وصاحب العمل بالمبتكر؛ فلا تغادر براءة اختراعٍ إلى الخارج إلا بعد أن يُعرض الاستثمار فيها محليا.

عودة إلى أهمية التعاون المعرفي المنطلق من قاعدة التعليم الذي يمثّل حجر الزاوية في تحقيق أهداف البلدين المشتركة؛ فإن سلطنة عُمان خصصت وفقَ رؤيتها برامجَ وطنية للإصلاح التعليمي منها: رفع معدل المشاركة في التعليم الجامعي، وتطوير المناهج لتحفيز الإبداع والبحث العلمي؛ لأجل رفع جودة الابتكار استنادا إلى مؤشرات الابتكار العالمي؛ فتسعى إلى أن تكون ضمن أفضل 20 دولة بحلول 2040، وكذلك نلحظ الطموح السعودي؛ حيثُ عملت السعودية حسب رؤية 2030 على رفد البنية التحتية للبحث والتطوير، وزيادة أعداد المؤسسات البحثية والجامعات داخل المملكة، وتخفيض نسبة الباحثين عن العمل بين خريجي الجامعات بحلول 2030.

لم تأتِ دعوات التعاون الأكاديمي في هذا المنتدى من فراغ، ولكن نتيجةَ حاجة ماسّة يطمح إليها البلدان؛ إذ شهد المنتدى -كما أشرنا آنفا- مشاركةَ عدد كبير من جامعات سعودية وعُمانية، وهذا ما أتاح فتح شراكاتٍ أكاديمية؛ لتعميق البحث المشترك، وتبادل الكفاءات الطلابية والأكاديمية، وتأسيس مراكز مخصصة للابتكار. تشير كثيرٌ من الاستطلاعات والتجارب إلى أن توأمة المؤسسات كفيلة بأن ترفع من معدلات الإنتاج البحثي والعلمي بمقدار الضعف في غضون سنوات قليلة؛ فتترجم إلى واقع صناعي واقتصادي متين؛ لنعوّل على عدم حصر الشراكة العمانية-السعودية في البعد الأكاديمي؛ فنأمل أن نرى امتدادها واقعا عبر مشروعات مثل إنشاء مجمعات صناعية تقنية مشتركة عبر خط مباشر سريع بين محافظة ظفار العُمانية ومنطقة جيزان السعودية؛ فتستوعب مصانع للمنتجات الدوائية والأغذية والتقنيات النظيفة.

تثبت لنا التجارب ضرورة أن تُدعم هذه الخطوات بآلية تطبيق تبدأ بورشة تنسيق عليا تضم الجهات الحكومية المعنية، ويُعقبها إنشاء وحدة متابعة مشتركة تتولى إصدار تقارير نصف سنوية عن سير العمل بجانب تفعيل المساءلة والشفافية عبر نشر هذه التقارير على المنصات الرسمية، وينبغي أن يرافق ذلك تخصيص صندوق تمويل بمساهمة نسبية معينة لكل من البلدين؛ لتمويل المشروعات المشتركة في أول خمس سنوات. لا تنتهي المهمة عند حدود تحقيق الأهداف الرقمية والاقتصادية، وإنما ينبغي أن يمتد التحدي إلى صقل العنصر البشري؛ فلا يلبي إطلاق برامج للتبادل الطلابي حاجة دراسية فحسب، ولكنه يبني شبكة علاقاتٍ مستدامة بين رواد المستقبل، وتكون الجامعة فيها مدخلا للمنافسة المعرفية والابتكار التنظيمي.

كما نطمح لمشروع الشراكة العُمانية-السعودية أن يتسع؛ فإن طموحنا -على الأقل في قطاع التعليم- لمثل هذا التعاون التعليمي أن يتسع ليشمل دولا عربية أخرى، وهذا ما سبق أن تطرقنا إليه في مقال الأسبوع المنصرم؛ ونجدد إبراز رغبتنا بأهمية تأسيس مجلسٍ علمي عربي يجمع وزراء التعليم والبحث من الدول العربية؛ فيُحدد أولويات إستراتيجية للشراكة، ولنا من التجارب الناجحة بين دول العالم -رغم ما يعتريها من اختلاف في اللغة وبعض المفاصل الثقافية-؛ فنأخذ مثلا ما أظهرته التجربة الأوروبية من نجاح عن طريق وجود آلية مركزية للتنسيق في قطاع المعرفة وتحولاته الاقتصادية.

لا يمكن للشراكة العُمانية-السعودية أن تكون بمثابة المحطة العابرة في سجل العلاقات الثنائية وحسب، ولكننا نراها بذرةَ مستقبل تتغذّى على إرثٍ ثقافي عميق، وتُسقى برؤى إستراتيجية واعية، وتنمو بأدوات العصر الرقمي والمعرفي، ومن المهم ألا يتوقف ما استُعرِضَ في منتدى حوار المعرفة عند حدود اللقاء وطرح الرؤى؛ فنطمح أن يُتبعَ بخطط تنفيذية فاعلة، وشبكات بحثية مشتركة، وتبادل أكاديمي متين، وتمويل ابتكاري يُثمّن العقل ويحتضن الفكرة. في هذا العصر المعقّد، لن يُكتب لمَن يقف في هامش المعرفة سوى أن يكون تابعا، ولكن من يتقدّم إلى قلب الحراك العلمي العالمي؛ فهو مَن يصوغ التاريخ لا مَن يكتبه وحسب، وفي هذه المحطة، سنعتبر الشراكة ليست مجرد خيار، وإنما مصير مشترك يليق بالأمم الحيّة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • الشراكة العُمانية - السعودية بوابة لنهضة خليجية مُستدامة
  • صناعيون من حمص: اتفاقيات الطاقة خطوة في تعزيز بيئة الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة
  • البورصة المصرية تربح 44.8 مليار جنيه خلال أسبوع
  • الناتج المحلي الإيطالي يسجل نموًا بنسبة 0.3% في الربع الأول من 2025
  • صعود 9 قطاعات بالبورصة المصرية خلال تعاملات الأسبوع
  • الصناعيون في “بيلدكس 22”: اتفاقيات الطاقة تحقق التنمية الاقتصادية لمختلف القطاعات الصناعية
  • الناتج المحلي الإجمالي بإيطاليا يرتفع بنسبة 0.3% خلال الربع الأول من 2025
  • وزير الزراعة: 63% من غذائنا من الإنتاج المحلي والزراعة ركيزة الأمن الغذائي
  • العراق: عن هشاشة الدولة التي لا يتحدث عنها أحد!
  • نائب: مستهدفات الصناعة بالخريطة الاستثمارية طموحة وقابلة للتحقيق وتدعم الإنتاج المحلي