مع كل مرة تبادر فيها لجنة التسعير التلقائي للوقود بتحريك الأسعار، تبدأ موجة من الاعتراضات، وهو أمر مفهوم في دولة تتحسّس طريقها نحو توازن اقتصادي بعد سنوات من التحديات الكبرى، وإن كان اللافت أن كثيرًا من هذه الاعتراضات يُغفل -سهوًا أو عمدًا- أبعادًا فنية واقتصادية تحكم القرار.
يتورط البعض -سواء كان فردًا أم جماعة، أو تيارًا -في تعميم مُخلّ، وهو يطرح سؤالًا عامًا: «أسعار النفط تهبط عالميًا، فلماذا ترتفع محليًا؟».
في القرار الأخير، تعتمد اللجنة على متوسط أسعار خام برنت وسعر صرف الجنيه أمام الدولار خلال الربع السابق (من يناير إلى مارس)، مما يعني أن القرار الحالي هو انعكاس لحسابات الأشهر المذكورة، وليس لما حدث في الأيام القليلة الأخيرة.
بالتالي، فإن الهبوط الأخير في أسعار النفط عالميًا -كردّ فعل على التوتر الجمركي بين الولايات المتحدة والصين- لن يظهر أثره إلا في مراجعة يوليو المقبل، بشرط أن يستمر هبوط أسعار الطاقة أصلًا.
ثم إن معادلة الوقود المحلية ليست مجرد «برميل خام» يُسعَّر ويُضرب في رقم، بل تتضمن تكاليف أخرى - النقل، والتكرير، والشحن، والتأمين، ورسوم العبور الدولية - والأهم: فرق سعر الصرف، وأي قراءة تُغفل هذه العناصر تقع في اختزال مُخلّ يظلم الرأي العام ويضلله.
الدولة، برغم كل ما يُقال، لا تزال تتحمل جزءًا من التكلفة الفعلية لبعض المنتجات، وعلى رأسها السولار والبوتاجاز، لأسباب تتعلق بالأمن الاجتماعي والتوازن الاقتصادي في قطاعات حيوية مثل الزراعة والنقل. أي أن المواطن لا يتحمل التكلفة الكاملة، والأسعار المحلية لا تعكس السوق الحر بشكل كامل، بل تمثل مزيجًا محسوبًا بين آلية السوق واعتبارات العدالة الاجتماعية.
لا يمكن أيضًا فصل قرار تحريك الأسعار عن سياق أوسع: إدارة العجز المالي، ضبط فاتورة دعم الطاقة، وترشيد الاستهلاك في بعض القطاعات، وهذه ليست عبارات إنشائية، بل سياسات تستهدف تقليص فجوة تمويلية تتحملها الموازنة العامة، ومن الخطأ أن نختزل كل تحرك مالي في نية الجباية أو في العجز عن الرؤية.
بالتأكيد، من حق المواطن أن ينتقد، بل من واجبه أن يراقب، لكن من واجبنا أيضًا أن نحذّر من أولئك الذين يُصادرون على وعي الناس، ويتعمدون تغييب المعادلات الفنية في تقييم ما يحدث. يتعمدون تسويق شعارات تبسيطية ومقولات تحريضية من عينة: «ألف باء إدارة دولة»، و«المفروض فيه استشراف»، وكأن الدولة تعمل في فراغ أو بلا أدوات.
هذه الجمل التي تُروَّج -على شاشات تلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي بلا حسيب ولا سياق- لا تصمد أمام التجربة المصرية خلال السنوات الاثنتي عشر الماضية. فالتجربة المصرية، بكل ما لها وما عليها، لا تزال تُراكم أدوات إدارة أزماتها، وتبني شبكات أمان، وتتخذ قرارات صعبة، بعضها قد لا يُرضي الجميع، لكنه يحاول أن يُنقذ ما يمكن إنقاذه.
لا يملك أحد -أنا أو غيري- مصادرة حق الاعتراض أو النقد، خاصة عندما يكون الدافع هو القلق من تأثير تحريك أسعار الوقود على أسعار السلع والخدمات، وهو أمر يجب أن تتعامل معه مؤسسات الدولة عبر آليات رقابية، إلى جانب تفاعل المواطنين أنفسهم.
لكن لا يجوز تغييب الأبعاد الفنية المرتبطة بهذه القرارات، كما لا يصح أن تكون التيارات التي اعتادت تجاهل المكتسبات الوطنية، في السنوات السابقة، أن يكون خطابها وشعاراتها المفخخة مرجعيةً لشعب يجب أن يكون «رأس ماله» الحقيقي هو الوعي بما يدور حوله، وما وراء كل قرار تتخذه الدولة، ومراعاة الحكومة لتداعياته قراراتها «رقابيًا».
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: التواصل الاجتماعي أسعار الوقود سعر البنزين سعر البترول عالميا
إقرأ أيضاً:
تراجع خام برنت قرابة دولارين مع تأجيل القرار الأميركي بشأن إيران
شهدت أسعار النفط تراجعًا ملحوظًا اليوم الجمعة، حيث هبطت عقود خام برنت بنحو 1.89 دولار أو ما يعادل 2.4%، لتسجل 76.96 دولارًا للبرميل بحلول الساعة 02:55 بتوقيت جرينتش.
يأتي هذا الانخفاض عقب إعلان البيت الأبيض تأجيل اتخاذ قرار بشأن تدخل الولايات المتحدة في النزاع القائم بين إسرائيل وإيران، رغم المكاسب التي حققها الخام في الجلسة السابقة، حسب سي ان بي سي بالعربية.
وعلى الرغم من هذا التراجع، لا يزال خام برنت على مسار تحقيق مكاسب أسبوعية بنسبة 3.8%، ما يعكس استمرار حالة التوتر في الأسواق.
في المقابل، ارتفعت عقود خام غرب تكساس الأميركي تسليم يوليو بمقدار 53 سنتًا لتصل إلى 75.67 دولارًا، فيما صعد عقد أغسطس، الأكثر تداولًا، بنسبة 0.2% إلى 73.67 دولارًا للبرميل.
ويُذكر أن الأسواق الأميركية كانت مغلقة أمس بسبب عطلة، ما أدى إلى تسوية عقود يوليو اليوم.
وكانت أسعار النفط قد قفزت بنحو 3% في تعاملات الخميس، بعد تصعيد عسكري حاد بين إسرائيل وإيران، حيث استهدفت تل أبيب منشآت نووية، وردّت طهران بهجمات صاروخية ومسيرة طالت مواقع إسرائيلية، من بينها مستشفى.
وبرز تراجع الزخم الصعودي لبرنت عقب تصريحات البيت الأبيض بأن الرئيس ترامب سيعلن موقفه بشأن التدخل الأميركي خلال أسبوعين. ورأى محللون في ذلك فرصة لتهدئة محتملة، رغم استمرار حالة القلق.
وقال فيل فلين، المحلل في "برايس فيوتشرز": إن صعود الأسعار ناتج عن مخاوف تدخل أميركي مباشر في الصراع، لكن تصريحات لاحقة أوحت بإمكانية تفادي التصعيد.
الجدير بالذكر أن إيران تعد ثالث أكبر منتجي "أوبك"، وتضخ نحو 3.3 ملايين برميل يوميًا، فيما يمر قرابة 21 مليون برميل عبر مضيق هرمز يوميًا، ما يعزز المخاوف من تعطل الإمدادات في حال تفاقم الأزمة.
ويرى توني سيكامور من شركة "IG" أن مهلة الأسبوعين قد تكون تكتيكًا شبيهًا بخطوات ترامب السابقة التي لم تفضِ إلى قرارات حاسمة، ما يعني احتمالية استمرار ارتفاع الأسعار بدعم من المخاطر الجيوسياسية.