دراما معاوية.. حين يتنازع التاريخ مع المتخيل.. من يُشكّل وعينا؟
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
أثار مسلسل "معاوية" الذي عُرض على شاشة الـ mbc لهذا الموسم من شهر رمضان جدلا واسعا، وأحدث ردود فعل متباينة، فقد أثنى بعضهم على العمل واستحسنه في إطار تفنيد روايات الشيعة في النيل من معاوية بن أبي سفيان، وكانت بعض ردود الفعل الأخرى منتقدة وساخطة لما تضمنه المسلسل من أخطاء ومغالطات تاريخية، وتشويه متعمد لصورة الصحابة الكرام رضي الله عنهم، وما عرضه من مشاهد مسيئة لنساء الصحابة وفق منتقديه.
ويشار إلى أن المسلسل بدأ إنتاجه عام 2023، وبلغت كلفة إنتاجه 100 مليون دولارا حسب ما أعلنته مواقع صحفية، وتوقف تصويره لأسباب واعتبارات متعددة، وتم تأجيل عرضه، وأثار حينذاك انتقادات واسعة، واعتراضات شديدة، على خلفية بعض مضامينه وتجسيده للصحابة الكرام، وهو ما اعترضت عليه مؤسسة الأزهر في مصر.
ووفقا لمراقبين فإن الأزهر الشريف كان قد أعلن في أكثر من مناسبة تحريم تجسيد الأنبياء أو أمهات المؤمنين، والصحابة الكرام في الأعمال التمثيلية، وفي هذا الإطار أكدّ عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عبد العزيز النجار "وجود ثوابت لا تتغير مع الزمن، وينبغي تديين العصر مهما تغيرت الأمور والأزمنة".
وتابع في تصريحات سابقة لفضائية مصرية "العقيدة الخاصة بالمسلمين لا يمكن أن تقبل أن يؤديها ممثل ظهر في أدوار سكر أو رقص في الأفلام والمسلسلات وكذا، ثم يمثل دور الصحابة" لافتا إلى أنه "لا يمكن تجسيد الأنبياء أو أي من أمهات المؤمنين، أو بنات النبي وآل البيت أو العشرة المبشرين بالجنة".
وعلى الرغم من كل الانتقادات والاعتراضات التي أثيرت على المسلسل، من قبل علماء ودعاة ونقاد فنيين، وبعضهم أعضاء في لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، فقد تم عرض المسلسل دون مراعاة لتلك الانتقادات والاعتراضات، وهو ما يفتح باب التساؤل عمن يقف وراء هذا المسلسل، ومن هي الجهة الممولة لإنتاجه؟ ولصالح مَنْ يجري تشويه التاريخ الإسلامي، والإساءة للصحابة الكرام، ولماذا تسمح الدول العربية والإسلامية بعرضه مع كل ما يتضمنه من أخطاء وتشويه وإساءة؟
وفي مقابل تلك الانتقادات والاعتراضات التي أثيرت على المسلسل، ثمة من يمتدح العمل ويثني عليه، ويصفه بالإنجاز العظيم، كما فعل الكاتب والصحفي اليمني، عارف أبو حاتم الذي كتب يقول "بالأمس بثت قناة mbc فلما وثائقيا عن تصوير وإخراج مسلسل معاوية.. من يشاهد الفيلم يعرف حجم التحديات والصعوبات والإنجازات العظيمة والاستثنائية التي قدمها طاقم العمل، من التصوير إلى الإخراج والسيناريو..".
وأضاف في منشور عبر صفحته على الفيسبوك "وكتابة النص والإكسسوارات والديكور إلى زيارة المناطق الأثرية، ومراجعة كتب وسرديات التاريخ إلى محاكاة واقع حدث قبل 1400 سنة"، وتابع واصفا العمل بأنه "كان عملا جبارا واستثنائيا، ومن وجهة نظري لدي تحفظ على بعض الديكور والإكسسوارات التي كانت أكثر حداثة من ذاك الزمان، وأجمل ما في المسلسل أنه سرد التاريخ كما يجب أن يكون، دون تزوير أو اعتساف" على حد قوله.
ونقل أبو حاتم عن كاتب المسلسل خالد صلاح قوله "المشهد الأكثر إثارة في المسلسل هو لحظة تقدم الخبيث مالك الأشتر وقتله للخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومساندة محمد بن أبي بكر له، ثم لقطة لمالك الأشتر وقد أصبح قائد الميمنة في جيش علي، وللأسف لم نشاهد هذين المشهدين.. لقد تم حذفهما".
وأردف "الأجمل من ذلك أن المسلسل انتهى بوفاة معاوية، لأن ما بعده سيكون فيه خلافات كثيرة، ستجرح هنا، وتثير هناك.. تحية شكر وتقدير لـ mbc وخالد صلاح وللمخرج والممثلين وطاقم العمل".
وختم حديثه بالقول "مسلسل معاوية هو إنجاز تاريخي في الدراما العربية، وقد أظهر جوانب من حكمة ودهاء وإنجازات ولين وحزم معاوية..، قائد الفتوحات، وأول ملك ومؤسس للإمبراطورية العربية الإسلامية والشخصية الاستثنائية في التاريخ العربي والإسلامي".
من جانبه تساءل الكاتب الصحفي المصري، الباحث في التاريخ الإسلامي، عبد القادر وحيد عن توقيت عرض المسلسل في هذا الموسم الرمضاني لهذا العام بعد تأجيل تصويره بعد البدء في إنتاجه سنة 2023، وتأجيل عرضه بعد ذلك، متسائلا: فما الذي استجد أو تغير حتى يتم عرض المسلسل في هذا الموسم؟
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "يجب علينا أن ندرك من أول حلقة لهذا المسلسل أننا أمام مسلسل يحمل الكثير من التقاطعات التاريخية المعقدة، ليس بين طوائف المسلمين فحسب، بل أمام كبار المؤرخين، فصياغة مثل هذه الأحداث الضخمة لعمل درامي، يجب أن يقوم بصياغتها كاتب خبير بتلك الأحداث، وقادر على دراسة الروايات وتحقيق القول فيها".
وعن عدم التدقيق في كتابة المسلسل حول شخصية معاوية، بين تحقيق روايات التاريخ والمتخيل حسب ما قدمه المسلسل علق وحيد بالقول "هنا ترد الأسئلة الحقيقية بالفعل، لا سيما ونحن أمام شخصية ثرية من كل الجوانب خاصة في مجال (السياسة والأدب)، مع توفر المصادر بكثرة حول شخصية معاوية".
عبد القادر وحيد كاتب صحفي مصري
وأردف "فمعاوية هو الرجل المحب للأدب وحفظ الأشعار ومدارسة التاريخ لاستخلاص العبرة، فإفراد مشاهد بطول العمل الفني في هذا الجانب سوف تصنع بطلا في مخيلة المشاهد، لا سيما وأن المشاهد ستكون متوازية ومتناسقة مع الرواية التاريخية التي تحفظ (حشمة وكاريزما) معاوية ـ إن جاز التعبير ـ".
وأكمل فكرته بالقول "فبدلا من ظهور الصحابي معاوية ـ مثلا ـ يلعب الشطرنج أو يتسامر مع الجواري، فما المانع أن يظهر في سهرات أدبية، ودخول الشعراء، واستضافة العلماء، وظهوره أيضا وهو عاكف على قراءة التاريخ وهي من صفاته اللازمة له، وكل ذلك كان سيصنع شخصية قيمية بدون الولوج في مشاهد أظهرته بما لا يليق مع هيبته" على حد قوله.
وفي ذات الإطار قال الناشط العراقي، خريج صحافة إذاعية وتلفزيونية من الجامعة العراقية، حسن الفراتي "كل ما يمكن أن نستخلصه من المسلسل أن القائمين عليه أرادوا تبرير انفتاح السعودية الأخير، المتمثل بالحفلات الغنائية والرقص، التي تنظمها هيئة الترفيه، بما بفعله معاوية من قبل (كما صوره المسلسل)، وهو خليفة المسلمين، ومؤسس الدولة الأموية، وفاتح بلاد السند والهند، وبلاد ما وراء النهر".
وأضاف في منشور عبر صفحته على الفيسبوك: "فلا بأس بما يحدث في السعودية من تغيير وانفتاح، وإقامة حفلات الغناء والرقص وما شابه ذلك، وكذلك هناك رسالة واضحة أن الخلاف الرئيسي الذي حصل بين الخلفاء والإمام علي كان مالك الأشتر الذي أشار المسلسل إليه في أكثر من مرة بأنه من أصول فارسية وليست عربية".
وردا على سؤال "عربي21" حول تقييم المسلسل من الناحية الفنية، ككتابة النص، والإخراج، وتصوير المشاهد، قال الفراتي "من الناحية الفنية كتابة النص ضعيفة، والإخراج ضعيف، وفي تقديري أن إنتاج المسلسل كان يهدف إلى تبرير سياسات السعودية الجديدة، وانفتاحها الجديد".
وفي تقييمه للمسلسل يقول أستاذ السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي، الدكتور عبد الله معروف "شاهدت الحلقة الأولى من مسلسل (معاوية) الذي يقولون إن تكلفته وصلت إلى 100 مليون دولار، وقد حرصت على متابعة الحلقة مجردا من أي انطباعات مسبقة، وقلت في نفسي لعل هذا العمل يكون إضافة حقيقية نحتاجها".
وأضاف في منشور عبر صفحته على الفيسبوك "الانطباع العام: مسلسل رديء من ناحية اللغة العربية البعيدة تماما عن جزالة لغة ذلك العصر (هند تقول لوليدها معاوية: أنت إنجازي الأعظم)، ولا أدري منذ متى كانت قريش تستعمل هذه الكلمة".. التمثيل في غاية الضعف والهزالة، ويظهر فيه بوضوح أسلوب المسلسلات المصرية التاريخية من خلال المبالغة السمجة في الانفعالات ومحاولة إظهار التعابير بشكل غير طبيعي ومبالغ فيه".
وتابع معروف "لا أدري من المسؤول عن الملابس في هذا المسلسل...! فمنذ متى كان العرب في مكة يلبسون القفطان العثماني وملابس العصر المملوكي؟!" أما تقييمه لكتابة المسلسل فيقول "من الواضح أن الكاتب لا يعرف من التاريخ إلا ما يجده في بعض الكتب الحديثة".
وأكمل "فقد أظهر في بداية المسلسل أن معاوية رضي الله عنه ولد في العام الثالث عشر قبل الهجرة (أي في السنة الأولى للبعثة)، وهذا كلام غير صحيح، لأن معاوية رضي الله عنه كان في الخامسة من عمره عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ولد في العام الثامن قبل الهجرة، فالفارق خمس سنوات كاملة، كما أن المؤلف الجاهل جعل الهجرة إلى الحبشة تحدث في العام الرابع قبل الهجرة، أي العام التاسع للبعثة الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعب أبي طالب خلال المقاطعة، بينما يعرف أصغر طالب في التاريخ الإسلامي أن هجرة الحبشة حدثت في العام الخامس للبعثة".
وأشار معروف إلى أنه بحث بعد مشاهدته للحلقة عن كاتب المسلسل فوجده "صحفيا مصريا لا علاقة له بالتاريخ من قريب أو بعيد" وهو ما يظهر "مدى الكارثة المحرجة التي وضع أصحاب هذا المسلسل أنفسهم فيها" حسب قوله.
وختم كلامه بالتحسر على "مائة مليون دولار ذهبت هباء كان يمكن أن تنتج شيئا عظيما لو وُسدّ الأمر لأهله.." لافتا أنه تفكر في السبب موضحا ما توصل إليه بقوله "فلم أجد إلا صفاء النية وكدَرَها.. فمن لم تكن نيته صافية لم يكن عمله خالصا".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير تاريخية الفيلم سينما فيلم تاريخ أفكار تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التاریخ الإسلامی هذا المسلسل المسلسل أن رضی الله وأضاف فی فی العام فی هذا
إقرأ أيضاً:
الإنسان العُماني.. سلوكٌ مُتّزن يعكس حكمة التاريخ
سلطان بن خلفان اليحيائي
في عالمٍ يعلو فيه الضجيج، يقدِّم الإنسانُ العُماني نموذجًا فريدًا لقوة السكينة واتّزان السلوك. لا يبحث عن الصدارة بالصوت المُرتفع، بل يترك أثره بالفعل الهادئ والموقف المتوازن. هذا النمط من الحضور ليس حالة طارئة أو استجابة ظرفية؛ بل سمة أصيلة تشكّلت على مدى قرون، تفاعلت فيها القيم مع الدين، والتاريخ مع البيئة.
وفي السياسة الخارجية، أثبت العُماني أن التوازن ليس حيادًا سلبيًا، بل فعلٌ نابع من وعيٍ ناضج. حين يُدعَى للوساطة، يحضر بخطابٍ رصين، يعالج التعقيد دون أن يقطع الخيوط، ويبني الجسور بدل أن يهدمها. من هذا السلوك الهادئ، اكتسبت عُمان مكانتها كصوت موثوق في محيطٍ يموج بالتقلبات.
الإنسان العُماني لا ينجرف خلف الشعارات، ولا تُغريه الاصطفافات المؤقتة. يتحرك بثقة نابعة من احترامه لذاته ومبادئه، ما أكسبه احترام الداخل والخارج. يتجنّب التدخّل في شؤون الآخرين، مؤمنًا بأن الاستقرار لا يُبنى بالضغط؛ بل بالحوار، وبأن القوة الحقيقية تكمن في حفظ التوازن لا في فرض السيطرة.
داخليًا.. يجسّد العُماني تجربة نادرة في التعايش المذهبي والوحدة الاجتماعية. يعيش الإباضي والسنّي والشيعي في بيئة تحتفي بالتنوّع وتُقدّر الاحترام، بعيدًا عن الاستقطاب. وتبقى القبائل متماسكة بفضل وعي مشترك، لا تُحرّكها العصبيات؛ بل يجمعها الضمير الوطني وروح المسؤولية.
هذا الانسجام ليس مظهرًا اجتماعيًا عابرًا؛ بل ركيزة أساسية في بناء السِلم الأهلي؛ فالعُماني لا يرى في الاختلاف تهديدًا، وإنما فرصة للإثراء. يجنح إلى العقل عند الانفعال، ويحتكم للحكمة في زمن المزايدات، ما كوّن شخصية مدنية قادرة على حماية هويتها الجامعة دون إقصاء أو انغلاق.
في حضن الطبيعة الصارمة، تشكّلت ملامح الإنسان العُماني؛ فمن الجبال اكتسب الثبات، ومن شجرتَيِ السُّمُر والغاف تمرّس على الصبر والصمود، ومن اللُّبان فهم أن العطاء لا يصدر إلا بعد الخدش. وكانت الأرض والمناخ، بصمتهما العميق، يشكّلان وعيه، ويزرعان فيه القيم، ويُهذّبان سلوكه بعيدًا عن ضوضاء التلقين.
دينيًا.. دخل العُمانيون في الإسلام طوعًا، دون قتال أو إكراه، وساهموا في نشره في شرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا بالأخلاق لا بالسيف. لم يكونوا غزاة، بل دُعاة بالحكمة والسلوك، يقدّمون النموذج بالفعل قبل القول، ما رسّخ صورتهم كرسل سلام واحترام.
ومع سرعة التحوّلات في العالم، ظل الإنسان العُماني وفيًّا لتاريخه، متفاعلًا مع الحداثة دون أن يفقد جوهره. لم يكن ردّ فعله حياديًا؛ بل فاعلًا، يبحث عن الاتزان ويعيده حين يختل. هذا الحضور المتوازن ليس موجّهًا أو مصطنعًا، بل خُلقٌ متجذّر يظهر في الأزمات كما في الحياة اليومية.
إنه سلوك لا يُصنع؛ بل يُولد مع الإنسان العُماني، وينمو معه، ويتجلّى في تفاصيله اليومية قبل مواقفه الكبرى. هو يعلم أن الحكمة لا تحتاج إلى صوتٍ عالٍ؛ بل إلى وعيٍ عميق وإرادة راسخة، وهذا ما يجعل أثره باقٍ وإن لم يكن صاخبًا.