أكد الدكتور نظير محمد عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر «المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك»، الذي تنظمه جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي في الفترة من 15 إلى 16 أبريل الجاري، أن القيم الإنسانية في الإسلام تمثل إحدى صور الإعجاز البارزة في هذا الدين، مشيرًا إلى أنها جاءت في لحظة تاريخية كانت البشرية وقتها في أمسّ الحاجة إلى منظومة أخلاقية وإنسانية تحفظ كرامة الإنسان وتضمن له الحق في العيش المشترك بسلام وعدل ومساواة.

وأوضح مفتي الجمهورية، أن القيم في الإسلام ليست وليدة ظرف زماني معين، بل هي ثابتة وشاملة ومتكاملة، تمتد من علاقة الإنسان بذاته، إلى علاقته بأسرته ومجتمعه، وانتهاءً بالبشرية جمعاء، مستدلًا في ذلك بجملة من الآيات القرآنية التي تكرّس هذه المبادئ، وتؤسس لنهج إنساني عالمي يضمن الحقوق، ويرسّخ روح التسامح والعدل والرحمة، ومنها قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70]، التي تؤكد على كرامة الإنسان بصرف النظر عن لونه أو عرقه أو دينه، وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، الداعية إلى التعارف لا التنازع، بالإضافة إلى قوله تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، التي تمثل أساسًا لاحترام حرية المعتقد، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90]، باعتبار العدل قيمة مركزية في بنية الإسلام الحضارية.

مفتي الجمهورية في مؤتمر المواطنة والهوية وقيم

ونوّه الدكتور نظير عياد، إلى أن الحضارة الإسلامية قامت على أسس علمية وإنسانية راسخة، أبرزها تقديس العلم والرحمة العامة، والعدل والمساواة، والتسامح والتعارف، ونبذ العصبية والطائفية، مشيرًا إلى أن هذه القيم تجلت بوضوح في وثيقة المدينة المنورة التي أرست دعائم العيش المشترك بين المسلمين وغيرهم تحت مظلة دولة المواطنة، محذرًا من مخاطر الجماعات المتطرفة التي شوّهت صورة الإسلام، وتسببت في زعزعة الأمن والاستقرار، ومؤكدًا أن الجهل بالنصوص الدينية، وسوء تأويلها، هو السبب الرئيس في انحراف هذه الجماعات عن جادة الحق، وهو ما أشار إليه النبي ﷺ في الحديث الشريف، «يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، في إشارة إلى خطورة التحريف على يد الجهّال والمتطرفين.

وشدد مفتي الجمهورية على أن التطرف يمثل تهديدًا جوهريًا للهوية والانتماء الوطني، لأنه يؤسس لانتماء مزيّف للفكرة المتطرفة، ويرفض الهويات الوطنية الحديثة التي لا تتعارض مع الدين، كما يروّج لمفاهيم مغلوطة تزرع العداء والعنف وتنفي وجود الآخر، منتقدًا دعوات التغريب والانبهار المطلق بالنموذج الغربي، والتي تؤدي إلى مسخ الهوية الذاتية للأفراد والشعوب، داعيًا إلى التوازن بين الأصالة والمعاصرة، والانفتاح الواعي الذي لا يفرّط في الثوابت ولا ينكر المتغيرات، مشيرًا إلى أن قيم المواطنة والهوية والتعايش تواجه تحديات كبرى، في مقدمتها التطرف، والتغريب، والاغتراب، والعولمة الثقافية، واختراق الإدراك والوعي، وتكييف القيم والسلوك، داعيًا إلى تضافر الجهود الفكرية والدينية والثقافية لمواجهة هذه التحديات، وتحصين المجتمعات من مخاطر الانسلاخ والتمزق، مبينًا أن الهوية الدينية لا تتعارض مع الانتماء الوطني أو القومي، بل تشكّل في توازنها واعتدالها ركيزة أساسية لبناء المجتمعات المستقرة والمتماسكة، داعيًا إلى ترسيخ هذه القيم في الوجدان العام، وتعزيز الأمن الفكري والثقافي للأمة في مواجهة موجات التشكيك والتزييف والعبث بالهوية.

مفتي الجمهورية في مؤتمر المواطنة والهوية وقيم

وأشار مفتي الجمهورية إلى الدور المحوري الذي يضطلع به الأزهر الشريف، هذه المؤسسة العريقة التي جاوزت الألف عام، وظلت طوال تاريخها منارةً للوسطية والاعتدال، وركنًا ركينًا في بناء الوعي الإسلامي الرشيد، حيث حمل على عاتقه مهمة نشر القيم الإسلامية السمحة، وترسيخ ثقافة الحوار، وتفنيد الفكر المتطرف، ومواجهة الغلو والانحراف العقدي والسلوكي، وذلك تحت القيادة الحكيمة لفضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي يُعَد صوتًا عالميًّا للسلام والعدل، وصاحب المبادرات الرائدة في دعم العيش المشترك، وتعزيز التفاهم بين أتباع الأديان والثقافات.

مبينًا نطير عياد، أن دار الإفتاء المصرية تشاركها هذا الدور وتسير على هذا النهج الأزهري الأصيل، إذ تقوم دار الإفتاء بدورٍ محوريٍّ في مواجهة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، ونشر الوعي الديني المستنير، من خلال ما تقدمه من فتاوى رصينة تستند إلى منهج علمي راسخ، وتراعي الواقع وتحدياته، وتعمل على دعم السلم المجتمعي، وصيانة الهوية الدينية والوطنية، كما تسعى الدار إلى تعزيز قِيَم المواطنة والتعايش، وتُفعِّل حضورها العالمي عبر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، التي تُعد منصة دولية للحوار والتنسيق والتواصل بين مؤسسات الإفتاء في مختلف أنحاء العالم، في سبيل مواجهة مشكلات العصر، والتصدي لمظاهر الانغلاق والتشدد.

كما أعرب المفتي في ختام كلمته، عن خالص شكره وتقديره لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية على كرم الضيافة و حفاوة الاستقبال، ومشيدًا بتنظيم هذا المؤتمر المهم، الذي يسهم بلا شك تصحيح المفاهيم المغلوطة وتعزيز القيم المشتركة ونشر وسطية الإسلام، بعيدًا عن الغلو أو التفريط.

اقرأ أيضاًمفتي الجمهورية: نواجه تحديات فكرية وثقافية تسعى لهدم القيم وتفكيك الأسرة

إحالة أوراق عامل لمفتي الجمهورية بتهمة قتل طفل وسرقته في القليوبية

مفتي الجمهورية يطمئن على الحالة الصحية لفضيلة الإمام الأكبر.. ويدعو له بالشفاء العاجل

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الأزهر مفتي الجمهورية دار الإفتاء الدكتور نظير محمد عياد مؤتمر المواطنة والهوية وقيم العيش المشترك العاصمة الإماراتية أبو ظبي المواطنة والهویة مفتی الجمهوریة العیش المشترک إلى أن

إقرأ أيضاً:

مفتي الهند: الاعتراف بفلسطين دولةً مستقلة ذات سيادة كاملة خطوة مباركة في طريق العدالة

رحب الشيخ أبو بكر أحمد مفتي الهند بقرار عدة دول  كبرى بالاتجاه نحو الاعتراف الرسمي لدولة فلسطين.

جاء ذلك في رسالة له حملت عنوان:" رسالة ترحيب وثناء" علق فيها  على قرار فرنسا وكندا وبريطانيا نحو دولة فلسطينية.

قال مفتي الهند:"
فإنه لمن دواعي السرور وعظيم البهجة أن نستقبل هذا القرار النبيل الذي أعلنته حكومة المملكة المتحدة، ومعها الجمهورية الفرنسية، بالاتجاه نحو الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وما يحمله من بُشرى خير لشعبٍ نُكِّل به طويلًا وظُلم كثيرًا، وعانى الويلات في سبيل نيل حريته وكرامته".
وأضاف أن هذا القرار، في هذا التوقيت الحرج، يعكس يقظة الضمير الإنساني، وانتصارًا للمبادئ العادلة، وتقديرًا لمعاناة شعبٍ يتوق إلى الحياة الآمنة والكرامة المستحقة تحت سماء دولته المستقلة.
وإننا من أرض الهند، ومن رحاب دار الإفتاء، نرحّب ترحيبًا حارًا بهذا الموقف الشريف، ونشيد بكل من وقف إلى جانب الحق الفلسطيني، مؤكدين أن الاعتراف بفلسطين دولةً مستقلة ذات سيادة كاملة هو خطوة مباركة في طريق العدالة، وبداية لمسار السلام الحقيقي الذي ينشده كل الأحرار.
كما ندعو سائر دول العالم الإسلامي والإنساني إلى أن تحذو هذا الحذو، وتضع حدًّا لمآسي هذا الشعب المكافح، وتعمل جادةً لإيقاف آلة الظلم والعدوان التي ما فتئت تفتك بالأبرياء في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية.
نسأل الله أن يتمّ لهذا القرار تمامه، وأن يكتب لشعب فلسطين فرجه ونصره، وللعالم أمنه وسلامه، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 

طباعة شارك الشيخ أبو بكر أحمد مفتي الهند المملكة المتحدة الاعتراف بفلسطين غزة

مقالات مشابهة

  • مفتي عُمان يدعو لحماية المساعدات في غزة وقطع أيدي القراصنة
  • «هاري بوتر».. سرد قصصي مشوّق وتكنولوجيا مبتكرة
  • النخلة تراث عبر التاريخ مبادرة مجتمعية لطلبة سمد الشأن بالمضيبي
  • هل من صحوة؟.. مفتي سلطنة عُمان يهاجم سعي بعض العرب للتطبيع مع إسرائيل
  • 60 قتيلًا في فيضانات مدمّرة شمال الصين.. ودار للمسنين تتحول إلى مأساة جماعية
  • «هاري بوتر» في «منارة السعديات»
  • في خرق واضح للتابوهات السياسية.. شخصيات إسرائيلية بارزة تدعو لفرض عقوبات قاسية على حكومة نتنياهو بسبب تجويع غزة
  • بالتعاون مع الأزهر.. «الأوقاف» تنظم ندوات للحفاظ على البيئة بـ 1544 مسجدًا
  • نيجيرفان بارزاني يؤكد على ترسيخ روح المواطنة وحقوق المكونات في كوردستان
  • مفتي الهند: الاعتراف بفلسطين دولةً مستقلة ذات سيادة كاملة خطوة مباركة في طريق العدالة