لجريدة عمان:
2025-04-25@09:55:25 GMT

المرأة عدوة المرأة

تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT

ما الذي يحمي الموظف من المسؤول؟ كيف يواجه رئاسة القسم أو حتى إدارة الدائرة؟ قد يعادي المدير موظفًا لتفضيلات شخصية، وهذا لا يمكن التحكم فـيه ولا السيطرة عليه، فهو طبيعة بشرية مشروعة، لكن ألا ينبغي أن تكون هنالك آليات تضبط العلاقة وتوجهها؟ ثم لمن يلجأ الموظف الصغير والضئيل خصوصًا الذي لا يمارس الألعاب الاجتماعية والسياسة فـي مكان عمله عندما يتعرض لسوء المعاملة ممن هم فـي منصب أعلى؟ وكيف يمكن مواجهة الأفكار السائدة عن علاقة المرأة بالمرأة فـي العمل كعقبة لا يمكن التعامل معها، إذ هي من المسلمات التي يجري على إثرها الاستسلام وعدم محاولة علاج المشكلة؟

يحدثني موظف فـي شركة حكومية عريقة عن أحد زملائه الذي استبعد ونبذ وتمت معاملته برعونة فـي مناسبات عديدة لأنه وافد جديد يتفوق على المدير من حيث سنوات الخبرة والدرجة الجامعية، ما قام به هذا الموظف هو طلب لقاء المدير شخصيًا وقال له بوضوح: إنه لا يسعى لأخذ منصبه ولا تهديد مكانته، وأنه أصلًا لا يستطيع تحمل مسؤولية الإدارة وانتقاله لهذه المؤسسة كان لأسباب تتعلق بمحدودية المهام وإنجازها بطريقة تناسب وضعه الصحي.

وقد لا يكون عداء المدير لك ناجما عن منافستك له بالضرورة، يمكن ألا يتجاوز الأمر عدم قبولك فـي داخله، فهو لا يحبك ولا تثير إعجابه.

يدعي المسؤولون بأننا نتوهم عداءهم لنا، إنه التلاعب ( gaslighting) وهي لعبة نفسية تعتمد على إيهامك بوجود مشكلة لديك، ولأوضح ذلك، فلنأخذ هذا المثال على ذلك، كان رجل يقلل من درجة الإضاءة فـي بيت الزوجية كل يوم، وعندما تسأل الزوجة عما إذا كان يلاحظ ذلك، ينكر أي تغيير ويبدأ بدفعها للتشكيك فـي بصرها. يدعي المسؤولون أمام من هم أعلى منهم أنهم موضوعيون، وكأن كلمتهم كافـية، أو كأنهم هم الأقدر على تحديد «الموضوعي» ودرجة الالتزام بها من عدمها. أما الاحتجاج الرسمي والعلني، فسيقابل بالرد بأن التصرف فردي ولا يمثل قيم المؤسسة وحرصها على تأمين بيئة صحية للموظفـين.

يواجه الكثير منا هذه المشكلة، عداء شخصي مجاني وغير مبرر بالنسبة للموظف. كنتُ قد أرهقتُ نفسي على مشروع، ظننتُ بأنني سأقدر به، وسأكافأ، دفعني الأمر للسؤال: ترى كيف يسير هذا العالم؟ كيف يمكن أن يحدث هذا بفجاجة دون أن يعتبر ذلك تسلطًا وتعديًا على حقوق موظف صغير لا حيلة له ولا قوة إلا الوثب السريع لينجز عملًا مقدرًا؟ قد يقول أحد منكم: لكن ما الذي يؤكد على أنني أنجزت بالفعل ما أدعي إنجازه؟ وهو سؤال أطرحه على نفسي إذ أشكك بها دومًا، لكن مسؤولين كبارا وآخرين قالوا سواء لديّ أو فـي اجتماعاتهم ما يؤكد مزاعمي هذه.

يقال: إن «المرأة عدوة المرأة»، وهذه عبارة ساذجة، إذ إنه وبقليل من التأمل نشاهد تنافسية الرجل والألعاب الاجتماعية التي يواري خلفها عداءه لزميل له مثلًا، بعكس المرأة التي لم تطور ممارسات واستراتيجيات كافـية للإقدام على السلوك نفسه، بسبب تاريخ عمل النساء وتأخرهن عن المهن، أو حتى معرفتهن للعالم داخل منازلهن فحسب. ما أقصده أن تنافسية الرجل غالبًا ما يتم توريتها بأساليب مدروسة إلا أنها موجودة بالفعل تكتب بيل هوكس فـي كتابها الهام «النسوية للجميع»، والذي ترجم للعربية مؤخرًا : «كان الترابط بين الذكور جانبًا مقبولًا ومؤكدًا للثقافة الأبوية. ببساطةٍ، كانت الفرضيَّة قائمةً على فكرةِ أنَّ الرجال المنظَّمين فـي مجموعات سوف يلتصقون ببعضهم البعض، ويدعمون بعضهم البعض، ويكونون لاعبين فـي الفريق، ويُعْلونَ مصلحة المجموعة على المكاسب الفردية وجلب الاعتراف، فـي حين أن النساء يختلفن فـي ذلك»، فـي إشارة إلى التَّحيّز الجنسي المبطَّن. لقد عرفنا جميعًا بشكل مباشر أننا قد نشأنا اجتماعيًا بوصفنا نساءً وفقَ التفكير الأبوي لنرى أنفسنا أدنى منزلة من الرجال، لنرى أنفسنا كما هو الحال دائمًا وفقط فـي منافسة مع بعضنا البعض للحصول على الموافقة الأبوية، للنظر إلى بعضنا البعض بمشاعرَ من قبيل الغيرة والخوف والكراهية. جعلنا التفكير الجنسي نحكم على بعضنا البعض من دون شفقة، ونعاقب بعضنا البعض بقسوة. ساعدنا التفكير النسوي فـي التخلص من كراهية الذات الأنثوية. لقد مكننا من التحرر من المنافسة المزعومة، تقول بيل هوكس: إن النساء طوّرن بهذا الوعي نوعًا من التضامن بين النساء أطلقن عليه «الأختية»، إلا أن النساء وفـي كثير من الأحيان رفضن مبدأ «الأختية» متجاهلات دور بنيوية النظام فـي إنتاج تنافسية النساء، وبهذا فإنهن يتراجعن ببساطة أمام هذه المنافسة السلبية الشرسة بين النساء، إلا أن النسويات الراديكاليات يواصلن بناء «الأختية» لجعل التضامن بين النساء حقيقة واقعة دون السيطرة على بعضهن البعض، ويمكن أن نلاحظ إذا ما نظرنا بدون تحيز أن هذه الحقيقة ملموسة فـي واقعنا اليومي.

تذهب بيتي فريدان فـي كتابها المهم الصادر فـي الستينيات «اللغز الأنثوي» لدراسة موضوع المنافسة بين النساء وهي ترى أن المنافسة ما هي إلا نتيجة للمنظومة التي تفرض الحرمان من الفرص التي أوهمهن بأن يتحدين بعضهن البعض من أجلها، ناهيك على الأدوار التقليدية للنساء وتكريسها للتنافسية، وبهذا فإن تنافسية النساء ليست فطرية. أما سارة أحمد أهم منظرات النسوية اليوم تكتب فـي كتابها الذي لم يترجم للعربية بعد «عيش حياة يومية نسوية» أن اعتراض النساء على الظلم قد يعزلهن ويضعهن فـي موقف متوتر داخل المجتمع الذي يعشن فـيه، مما يفسر نشأة المنافسة كنتيجة للضغوط الاجتماعية التي تدفع للامتثال مع ما هو سائد. وهي تؤكد ما ذهبت إليه فريدان عن كون المنافسة ليست طبيعية كما هو شائع، إذ إن البنى الثقافـية والسياسية هي التي تعزز قيم وتهمش أخرى، مما «يؤدي لتوترات داخلية بين النساء أنفسهن»، لا تتجاهل بيل هوكس الفروقات الطبقية ودور الرأسمالية فـي الدفع بالمنافسة إلى الواجهة: « أؤمن بأننا نبدأ بحب أنفسنا حقًا عندما نرى المرأة الأخرى كامتداد للذات لا كمنافسة»، وهو ما كتبته الشاعرة والنسوية ادريان ريتش أيضا :«لا تمثل المرأة الأخرى مرآة ولا ظلًا، بل حياة أخرى أتعلم منها وأحب من خلالها».

فـي الحقيقة لا توجد أدلة علمية كما يدعي الناس عن منافسة شرسة بين النساء والنساء على عكس الرجال، بل هي ومع كونها نتيجة للنظام الذكوري نفسه، فهي فكرة اخترعها الرجل لعدم التعامل مع عدالة المؤسسة والمنظومة وعدم وجود قوانين تفرض عدم التحيّز. يكفـي النظر لعدد النساء داخل أي دائرة مقارنة بعدد الرجال، وبأن المرأة عليها -ولكي تنجح- أن تثبت نفسها أضعاف ما يفعله الرجال، إذ إنها الطرف الأكثر قابلية للاستغناء عنه. إن أي رجل يقول ولكن الواقع يختلف، يتجاهل بوعي أو بغير وعي هذه الفكرة، كما أن مسؤولية التنظيم داخل أماكن ومؤسسات العمل هي مسؤولية تقع على عاتق المؤسسة التي ينبغي أن تخلق نظامًا حاكمًا يمنع مثل هذه الممارسات، وبهذا فإن مسؤولية التمييز لا تقع على عاتق «طبيعة المرأة» بل على المؤسسة وأحكامها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بعضنا البعض بین النساء ا الذی

إقرأ أيضاً:

معرض مسقط للكتاب .. ومستقبل القراءة الورقية

يفتتح اليوم ـ الخميس ـ معرض مسقط الدولي للكتاب، في دورته التاسعة والعشرين، هذا العرس الثقافي والفكري الذي ينتظره الآلاف، من داخل عُمان وخارجها، باعتباره من المعارض التي يهتم لها الكثيرون، من عشاق الكتاب والقراءة والمعرفة العلمية، ومتابعة الجديد الذي تخرجه المطابع كل عام، كونه من المعارض العربية التي يُشار إليها بالبنان، بسبب الإقبال المتزايد الذي يرتاده الزوار كل عام. ونلاحظ أن دور النشر تزداد في حضور معرض مسقط الدولي للكتاب.. ونلاحظ أن مع كل دورة لهذا المعرض، يجري من البعض الحديث عن أزمة القراءة، أو تراجع قيمة وأهمية الكتاب المطبوع، مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، والمتابعة لكل جديد مع هذه التقنيات،

مما أدى إلى ـ حسب قول البعض ـ إلى تراجع الكتب عن التأثير، خاصة على جيل الشباب لاستقراء هذه الظاهرة، بشكل منهجي وعلمي، ويتم مناقشة هذا الموضوع، الذي يختلف معها البعض.. فهل تراجعت القراءة بسبب الوسائط الحديثة؟ الحقيقة هذا القول تردد كثيرًا، خاصة مع الحديث عن القراءة، أو حضور معارض الكتاب، وقد كتبت في هذا الموضوع قبل نحو عقدين، وناقشت تطور وانتشار الوسائط الإعلامية الحديثة بتقنياتها المتصاعدة، منذ أواخر القرن العشرين، وبداية القرن الحادي والعشرين،

ومع تزايد الحديث يتزايد عمّا يسميه البعض بالجذب الذي أحدثته التقنيات الحديثة، بعد انتشار هذه الوسائط بين الأجيال الشبابية خاصة، وسائل التواصل الاجتماعي متعددة النماذج التي ترسل في هذا الفضاء المفتوح، وهي لا شك ليست خالية من الأهداف والأغراض الفكرية، بما تشكله هذه الوسائط، على النشء من خلال ما تبثه من أفكار ومؤثرات عديدة، منها الانجذاب اللامحدود لهذه التقنيات والوسائط، ويعتبرها البعض أنها تسهم في البعد عن القراءة الجادة، خاصة القراءة في الكتاب المطبوع، بل والابتعاد عن قراءة الصحافة حتى الورقية، وتراجع القراء بها بشكل لافت وملحوظ خلال العقود القليلة الماضية عند الأجيال الشابة الجديدة، عما كان عليه قبل ظهور هذه الوسائط الحديثة، خاصة الجيل الجديد من الشباب، وكنت عندما أقابل بعض الشباب، ومنهم أيضا أكبر من ذلك السن أيضا!.

ويسألني البعض: هل ما زلت تكتب في الصحافة؟ وهذا يؤكد أن القراءة بالصحافة، تأثرت من هذه الوسائط الجديدة، وشكلت انجذابًا للبعض، أو تعلقه بهذه الوسائط وتأثيرها عليهم، وقد يعزو البعض من المهتمين بهذه الظاهرة، إلى أن التقنيات الجديدة أسهمت في الجذب الشديد لها، وجعلتهم أكثر اقترابًا من هذه الوسائط، وأكثر ابتعادًا عن القراءة التي تحتاج إلى وعي خاص بأهمية القراءة، وخاصة الكتاب المطبوع، والبعض يعتقد أن جانب مما اعتبر سببًا في ذلك، ظهور الإعلام الإلكتروني، لكني أرى أن الكثير من المؤسسات الإعلامية ـ ومنها إعلامنا العماني ـ سرعان ما تفاعل مع هذه الوسائط، وتعامل معها باحترافية، باعتبارها أنها تسهم في رفد القدرة على التوصيل والتيسير،

لكل جديد والبث من خلاله بيسر، والتي أصبحت مجالًا مفتوحًا بإيجابياته وسلبياته، وتنوعت مجالات وسهولة التعاطي معه، وفق المرئيات التي يمكن التعاطي مع هذه التكنولوجيا وإمكانياتها المهمة في جوانب كثيرة، حيث إنها تشكّل دافعًا للرقي في طرائق المتلقين للجديد التقني، لكن لها آثارها السلبية تجاه القراءة الحرة، على الأجيال الجديدة ـ كما يرى البعض ـ لكن تحتاج إلى إدراك سلبياتها والعمل على التقليل من أثرها، وهو عزوف بعض الشباب عن القراءة في الكتاب الورقي، نظرًا لأهميته الكبيرة، خاصة مع بدايات الانفتاح على هذه التقنيات الحديثة، على وجه الخصوص، ولكني أرى أن هذه النظرة تجاه الكتاب في السنوات القليلة الماضية، تراجعت قليلا، عما كانت عليه قبل أكثر من عقد ونصف العقد، عندما برزت هذه التقنيات،

وكانت متاحة للعموم بتدرج سريع ومتدفق.. صحيح أن الثقافة الذاتية عند البعض تأثرت بما عُرف بـ(الاختراق الثقافي)، من هذا القادم الغربي، وهي بلا شك أسهمت في جاذبيتها عند بعض الشباب، بما تظهره هذه الوسائط الجديدة من جاذبية ومؤثرات، حول ما يطرح من أفكار ونظم للمعلومات قادرة على التوصيل بسرعة فائقة، ورؤية الآخر لها لا يطاق في بعض ما يبث، والتي قد لا نتوافق مع بعضها في مسارات هذه الأفكار ومنطلقاتها، خاصة من الدول المتقدمة، بإمكانيات التأثير الضخمة التي أحدثتها في العالم كله، وهذه لها حديث آخر في قضية الثقافة ومؤثراتها.

والإشكال الذي يثار من بعض المهتمين، أن القراءة عند بعض الأجيال الجديدة، ابتعدت في أغلبها عن القراءة في الكتاب الورقي، والاقتصار على بعض القراءات البسيطة والهامشية عبر الوسائط، ومنها الروايات والتعليقات والنقاشات العامة السريعة، كل حسب اهتمامه، لكن لا تقاس كمقارنة بأهمية ومكانة وتأثير الكتاب المطبوع على القارئ الجاد، لكن هذا القول في عمومه كما يراه البعض لا يمكن أن نعتبره مسألة محسومة، تجاه هذه الوسائط عند الغالبية من الشباب لا انفكاك عنها ـ كما أشرت آنفًا ـ لكني أرى من خلال ما تابعته منذ عامين تقريبا، أن بعضًا من جيل الشباب، بدأ يغير نظرته تجاه الكتاب وأهميته ودوره الفكري والثقافي،

وهناك مؤشرات جديدة تجاه هذه النظرة للكتاب عند النخب الواعية المدركة لقيمة الكتب والمعرفة المكتوبة عمومًا، وأن بعضهم بدأ بالانجذاب للقراءة في الروايات، وبدأت ظاهرة الإقبال على الكتاب الورقي من جديد في البروز عند الكثير من النخب الشبابية، وقد كتبت منذ فترة عن هذا الأمر الملاحظ، والاهتمام بالفكر والثقافة في معرض مسقط، وحتى الفلسفة عند بعضهم، ومنها الكتاب المسموع، وبدأ هذا القبول يتطور ويتزايد في فئة لا بأس بها من الجيل الجديد ، وهذه ظاهرة تستحق الاهتمام، حتى في الكثير من المجتمعات العربية، ومنها مجتمعنا العماني، وكذلك نراه موجودًا في المشاركة بمعارض الكتاب الدولية، وهذه ظاهرة أراها إيجابية خاصة،

مع حضور الشباب في المعارض، والذي بدأ يهتم بالكتاب المطبوع ويتابع الجديد مما تصدره المطابع في المعارض المختلفة، ويسافر إلى بعض الدول العربية سنويا، ومنها دول مجلس التعاون لشراء الجديد من الكتب، ومحاولة البعض شراء الكتب وبيعها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا يسهم في دعم القراءة، وتشجيعها عبر هذه الوسائط الجديدة بين الأجيال الجديدة التي تتابع في هذه الوسائط ومنها مواقع لبيعها.

ولا شك أن القراءة أصبحت من أهم وسائل تكوين الوعي الاجتماعي والفكري والثقافي، بين الناس، خصوصا فيما يتعلق بالجديد في عالم التكنولوجيا والتفاعل، مع العصر ومستجداته وتحولاته، حيث أصبحت تستخدم كأداة مكملة للجهود الرامية إلى التعليم المستمر، ورفع المستويات الفكرية والحضارية، وفي زيادة المعرفة والمهارات المنهجية المختلفة المرتبطة بالقراءة الجادة، والتي تدفع الناس دفعا نحو حياة أكثر نشاطًا وابتكارًا ووعيًا بالواقع وتحدياته، في كافة مناحي الفكر ومتطلبات الرؤى الثاقبة التي تفتح آفاق المعرفة بكل جوانبها، ومنها ترشيد وتنظيم القراءة على مستوى الأمة، والتي تهدف أساسا إلى الاستخدام الأمثل والأكمل للقراءة في الكتب، باعتبارها من أقوى وسائل التأثير في من يقرأ ويهتم بالقراءة. ومن الباحثين البارزين، الذين اهتموا بالقراءة وتأثيرها على الكتابة، كما عاشوها د. محمد حامد الأحمري في كتابه «مذكرات قارئ» إذ يقول: «قضيت معظم ما مرّ من سنوات وعيي قارئًا، لأكتب عما أشغلني طوال هذه السنين،

بدأتُ فوجدت النصوص التي أذكر مواقعها، والأفكار التي مررت بها، والنتائج التي توصلت لها ماثلة للعيان، تنادي كل منها من زاوية قريبة أو بعيدة، كلها تطلب الحضور إلى عالم الوجود، وهنا يحس أن صحة الجسد والروح، ومتعة العقل والفهم تحتاج إلى توازن ورعاية، وأن هذا الوجود ـ ناسا وكونا ـ يستحق أن تترك لهم بعدك خيرا هو خير ما عرفت، أو تترك لهم خبرا عما كان منك، فتدعه هناك لهم». فالقراءة تشعل العقل والفكر والدعوة للكتابة عند الكثيرين ممن تمسك بالقراءة، وهي بلا شك إحدى ثمار هذه النهضة والحضارة الإنسانية، وأهم وأقوى وسيلة للمعرفة الصحيحة، إلى جانب الارتقاء بالإنسان في عقله ووعيه ورؤيته ومنهجه في الحياة، وأعتقد أن الكتاب سيظل حيا، وسيبقى الهاجس الفكري والمعين القوي في التثقيف الذاتي للإنسان، مهما تسارعت وتطورت الوسائل الحديثة ووسائطها.

ومع انتشار الكتاب في الوطن العربي، وزيادة دور النشر بشكل ملحوظ، وتطور وسائل الطباعة الورقية، إلا أن البعض ممن له بعض الاهتمامات ـ بحسب رأيه ـ ويتحدثون عما أسموه بضيق الوقت، ومن عدم الوقت للقراءة، ولو لساعات،

وقد التقيت في إحدى المرات ببعض الأصدقاء في جلسة خاصة، وهم من المهتمين بالكتاب، ومن القراء الدائمين، لكل جديد في عالم الكتب، فكان حديثنا حول القراءة والوقت، ومدى تخصيص ولو جانب ضئيل من الوقت للقراءة، والواقع أن عالم الكتب والقراءة عالم جذاب، ومليء بالإثارة والحيوية والنقاشات المتباينة، لكن هل مشكلة الوقت هي التي تحيل دون القراءة في الكتاب الورقي؟ أو التي تقف حائلا دون إشباع تلك الرغبة عند البعض؟ وما من شك أن عالم الكتب والمكتبات، عالم قريب إلى كل قلب عاشق للقراءة، بغض النظر عن مبررات الوقت، وعدم توفره كما يرى البعض، لكني أعتقد أن هذا التبرير غير مقنع، في مسألة القراءة وحجج الوقت، لذلك ما يقال مجرد هروب من إيجاد الوقت، إذا كان الشخص راغبًا في القراءة، فإذا أراد سيجد الفرصة المناسبة للقراءة، فالمهم استعداده هو عند الإرادة، إن كان محبًا وراغبًا وجادًا في أن يقرأ، فلماذا مع وسائل التواصل الاجتماعي، يتيسر الوقت لساعات وساعات طويلة عند البعض! مع أن القراءة في الكتاب الورقي،

أضحى في عصرنا الراهن أسهل وأبسط وأريح للعين، ويعتبر خير مصدر للمعلومات؛ لأنك تجده دائمًا وأبدًا بالقرب منك في أي وقت، إذا ما احتجت إليه، فهو الصديق الحميم والمفيد، دون متاعب أخرى، كونه بعيدًا عن الآلة ومتاعبها، فالزمن الراهن الذي نعيش فيه، ونحن نبحث عن الوسيلة المناسبة للتغلب، على هذه المعضلة العامة، لدى البعض من الناس.. وانتهينا، في حوارنا في تلك الجلسة الخاصة، مع هؤلاء الأصدقاء، وهم من عشاق القراءة، ومن المتابعين والمهتمين، لكل جديد في عالم الكتب والمكتبات، إلى أن ثمة سبلا عديدة ـ إن صحة هذه الشكوى ـ فيمكن للمرء أن ينمي بها عادة القراءة اليومية، ويتدرج في القراءة ويصبر على هذه العادة، حتى تترسخ لديه الرغبة في القراءة، وتتحول إلى عشق دائم، أو تتحول كما يسميه البعض إلى الإدمان عليها،

كما أنه لظروف كثيرة متعددة ـ أحيانًا ـ قد يصعب عند البعض، ربما الذي لم يبدأ بداية من المراحل الأولى لعمره، أن يحدد بالطبع وقتا معينا كل وقت بعينه للقراءة عند البعض من الناس، لاختلاف طريقة حياتهم وأعمالهم ومشاغلهم المختلفة، فيتوجب على كل فرد منا، أن يبحث لنفسه عن ساعة فقط للقراءة كبداية، ومن الأفضل أن يكون ذلك بصفة منتظمة ومستمرة، إن تيسر له الوقت الذي يراه أنسب من الناحية النفسية،

لزيادة المعرفة والاستيعاب أثناء القراءة، وسوف يجد ويكتشف الإيجابيات من تخصيص هذا الوقت الملائم له، لذلك سوف يجد مع الوقت أن الساعة قد زادت عنده ساعات يومًا بعد يوم، وبدون أن يضع جدولًا مسبقًا للقراءة، فأهم ما في الأمر الرغبة الأكيدة والمستمرة، في القراءة والاعتياد عليها، وبهذا نستطيع التغلب على مشكلة القراءة -إن صحت عند البعض- أنها معضلة بسبب الوقت.

مقالات مشابهة

  • أين اختفى نجوم الجيل الذهبي؟
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • مفوضية الانتخابات تناقش التحديات التي واجهت ترشح المرأة بانتخابات البلديات
  • الخداع تحت غطاء الصداقة وخيمة الثقة !
  • نسيمة سهيم… نموذج المرأة المناضلة التي وضعت الإنسانية فوق كل اعتبار
  • معرض مسقط للكتاب .. ومستقبل القراءة الورقية
  • شاهد بالصورة والفيديو.. شاعرة وصانعة محتوى سودانية: (الكرشة أو “التنة” التي أمتلكها تعتبر من علامات الجمال وتساعدني على ربط التوب)
  • كلام بالبلدي. يا حليلنا.
  • قومي المرأة: النساء والأطفال هم الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النادرة
  • ريان الكلداني: كلام البعض عن انتخاب البابا ينم عن جهل بالاجراءات الكنسية