الراعي في رتبة سجدة الصليب: فلنصلِ الى المسيح الرب كي يجعلنا نحوّل بالحب والخدمة كل شرّ الى خير
تاريخ النشر: 18th, April 2025 GMT
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رتبة سجدة الصليب على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي "كابيلا القيامة" عاونه فيها المطارنة بولس الصياح، حنا علوان وانطوان عوكر، امين سر البطريرك الأب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان_حريصا الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور حشد من الفعاليات والمؤمنين.
وبعد تلاوة الاناجيل ورتبة سجدة الصليب القى البطريرك عظة بعنوان:"هوذا عبدي الذي اعضده" (اشعيا 42 : 1). قال فيها: "نبؤة اشعيا هذه تنبّأ بها عن يسوع الذي خدمنا كعبدٍ، مخلصًا ايانا والبشرية جمعاء بآلامه وصلبه. وبهذا اظهر لنا محبته التي لا حدّ لها. رتبة دفن المسيح هي احتفال واقرار بمحبته اللامتناهية. انه العبد المتألم وهو ايضًا العبد المنتصر، كما تنبّأ اشعيا ايضًا : "هوذا عبدي يوفّق ويتعالى ويرتفع ويتسامى جدًا" (اشعيا 52 : 13). هو الإله خلّصنا بخدمته لنا. خلّصنا مجانًا لأنه أحبّنا اولًا. خدمنا ببذل حياته من اجلنا. حبّه حمله الى تقديم ذاته لأجلنا، حاملًا كل خطايانا وخطايا البشرية جمعاء. والآب عضده في تحمّل آلامه. الرب خدمنا حتى في تحمّل الأوضاع الأكثر ألماً بالنسبة الى من يحب، ونعني بها : الخيانة والتخلّي.
الخيانة
يسوع اختبر الخيانة من التلميذ الذي باعه بثلاثين من الفضّة، ومن التلميذ الذي خانه، ومن الشعب الذي حوّل الهوشعنا بإصلبه (متى 27 : 22)، ومن خيانة السلطة الدينية التي حكمت عليه بالصلب ظلمًا، ومن خيانة السلطة السياسية التي غسلت يديها. وهو الذي بادل بالحب. فكم كان مؤلماً على قلب الله الذي هو الحب حتى النهاية.
فلنلقِ نظرة على ذواتنا، فنجد الكثير من عدم الأمانة، الكثير من الازدواجية. فكم من نوايا حسنة خنّاها ؟ وكم من مقاصد صالحة خنّاها ؟ الرب يعرف قلوبنا احسن منا، ويعرف كم نحن ضعفاء وغير ثابتين. ويعرف كم مرة نسقط وبأي صعوبة ننهض، وكم يصعب علينا الشفاء من بعض الجراح.
لكن الرب يأتي لمعونة ضعفنا، ليشفينا من خياناتنا، كما وعد بلسان النبي هوشع: "انا اشفيهم من عدم امانتهم، واحبّهم بسخاء" (هوشع 14 : 5). لقد شفانا آخذاً خياناتنا، ومخلصنا منها. وهكذا نرفع نظرنا الى المصلوب ونقول : "هذه عدم أمانتي، انت أخذتها. وها انت يا يسوع تواصل خدمتك بمحبتي، وتعضدني، وأنا أسير الى الأمام".
التخلّي
وعاش يسوع التخلّي المرّ من الجميع، فصرخ من على صليبه :"الهي، الهي، لماذا تركتني؟" (متى 27 : 46). لقد تألم من تخلّي خاصته الذين هربوا. ولكن لم يبقَ له إلاّ ابوه. والآن من عميق وحدته، ولأول مرة يسميه "الهاً" لا "أبًا". ويصرخ اليه بصوت عظيم : "لماذا انت ايضًا تركتني؟". انهم بالحقيقة كلمات المزمور 22 : 1، اعتمدها يسوع للدلالة انه حمل بصلاته التخلّي الكبير. بل يبقى في الواقع انه اختبر التخلّي الأعظم الذي ذكره الإنجيليون بكلماته الأصلية".
وتابع: "لماذا كل هذا؟ مرةً ثانية نقول احتمل هذا التخلّي من اجلنا، من اجل خدمتنا. فعندما نشعر بتخلٍّ، نتذكر ان المسيح اختبر التخلّي الكامل لكي يكون متضامنًا معنا. فعل كل ذلك من اجلي، من اجلك، من اجلنا جميعًا، فعله ليقول لنا : "لا تخف، لست لوحدك. انا اختبرت كل هذا الألم لأكون دائمًا بقربك". هكذا خدمنا يسوع حتى احتماله الخيانة والتخلّي، ويقول لكل واحد منا : "تشجّع! افتح قلبك على حبّي، تشعر بتعزية الله الذي يعضدك. المسيح خدمنا حتى اختبر الخيانة والتخلّي. نحن موجودون في هذا العالم لنحب الله والآخرين. فلا قيمة للحياة إن لم تكن للخدمة. ذلك ان الحياة تُقاس بالحب، كما ان المصلوب يُقاس بمحبة الله لنا. فلنسأل الله نعمة العيش من اجل الخدمة. لقد علّمنا يسوع من على صليبه كيف نحوّل الخيانة والتخلّي بأربعة أمثلة:
- فيما كان صالبوه يغرزون المسامير في يديه ورجليه، كان يسوع يصلي لأجلهم : "يا أبتِ، اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون" (لو 23 : 34). هكذا توسّل الى ابيه ملتمسًا الغفران لصالبيه. وارتضى ان يموت عن المجرمين.
- فيما كان المجرمان اللذان صلبا مع يسوع يجدّفان عليه قائلين: "ان كنت انت المسيح، نجِّ نفسك ونجّنا نحن ايضًا. ثم تاب لص اليمين ووبّخ رفيقه، وقال ليسوع:"اذكرني يا سيّدي متى أتيت في ملكوتك". فكان جواب يسوع: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23 : 39-54). هذا ثمن التوبة، مصالحة وغفران بدون حدود وبدون سؤال.
- فيما بطرس خان يسوع خوفًا وبكى بكاءً مرًا، وحده يوحنا ظل امينًا حتى الصليب. فلما رآه يسوع مع امه مريم، سلّمها يسوع امومتها ليوحنا، وسلّم يوحنا بنوّته لها :"يا امرأة هذا ابنكِ، ويا يوحنا هذه أمك" (يو 19 : 26-27). فأصبحت مريم، في قمة الألم، ام المسيح الكلي، اي الكنيسة.
- لما مات يسوع، طعنه أحد الجند بحربة في صدره حقدًا، فأجاب يسوع الميت بالدم والماء اللذين سالا من صدره، لجهة قلبه. فكانا علامة حبّه ورحمته (راجع يو 19 : 23 – 24)، التي قرأت فيها الكنيسة علامتي المعمودية (بالماء) والقربان (بالدم). فكان ميلاد الكنيسة من صدر يسوع المطعون بالحربة.
- ولما اجتمع عظماء الكهنة والفريسيون لدى بيلاطس، يطلبون حرسًا على القبر لئلا يأتي تلاميذه ويسرقونه، كان قائد المئة الوثني يعترف، عندما اسلم يسوع الروح وانشق حجاب الهيكل من فوق الى أسفل، اعترف بإيمانه بيسوع قائلاً: "بالحقيقة ان هذا كان ابن الله" (متى 27 : 50- 54)".
وختم الراعي: "فلنصلِ الى المسيح الرب كي يجعلنا نحوّل بالحب والخدمة كل شرّ الى خير، وكي نتتلمذ دائمًا وفي كل لحظة من حياتنا للمسيح المصلوب تكفيرًا عن خطايانا، والقائم من الموت لتبريرنا. له المجد والشكر والتسبيح مع ابيه وروحه القدوس، الآن والى الأبد، آمين". مواضيع ذات صلة خلوة بين رئيس الجمهورية والسفير البابوي بعد رتبة سجدة الصليب Lebanon 24 خلوة بين رئيس الجمهورية والسفير البابوي بعد رتبة سجدة الصليب 18/04/2025 13:35:39 18/04/2025 13:35:39 Lebanon 24 Lebanon 24 وصول رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الأولى السيدة نعمت عون إلى جامعة الروح القدس الكسليك للمشاركة في رتبة سجدة الصليب لمناسبة الجمعة العظيمة Lebanon 24 وصول رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون واللبنانية الأولى السيدة نعمت عون إلى جامعة الروح القدس الكسليك للمشاركة في رتبة سجدة الصليب لمناسبة الجمعة العظيمة 18/04/2025 13:35:39 18/04/2025 13:35:39 Lebanon 24 Lebanon 24 عبد المسيح: نسجد بخشوع أمام صليب الرب المتألم حاملين معه آلام لبنان Lebanon 24 عبد المسيح: نسجد بخشوع أمام صليب الرب المتألم حاملين معه آلام لبنان 18/04/2025 13:35:39 18/04/2025 13:35:39 Lebanon 24 Lebanon 24 الراعي ترأس رتبة الغسل في حاريصا Lebanon 24 الراعي ترأس رتبة الغسل في حاريصا 18/04/2025 13:35:39 18/04/2025 13:35:39 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً صباح اليوم... شعارات وكتابات تُفاجىء سكان مُخيّم البداوي Lebanon 24 صباح اليوم... شعارات وكتابات تُفاجىء سكان مُخيّم البداوي 06:31 | 2025-04-18 18/04/2025 06:31:08 Lebanon 24 Lebanon 24 خلوة بين رئيس الجمهورية والسفير البابوي بعد رتبة سجدة الصليب Lebanon 24 خلوة بين رئيس الجمهورية والسفير البابوي بعد رتبة سجدة الصليب 06:03 | 2025-04-18 18/04/2025 06:03:42 Lebanon 24 Lebanon 24 قانا: مجزرة لا تزال تحدُث… وذاكرة لا تُصالح! Lebanon 24 قانا: مجزرة لا تزال تحدُث… وذاكرة لا تُصالح! 06:00 | 2025-04-18 18/04/2025 06:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 توقيف 4 مطلوبين في الميناء Lebanon 24 توقيف 4 مطلوبين في الميناء 05:40 | 2025-04-18 18/04/2025 05:40:01 Lebanon 24 Lebanon 24 مسيرة لمناسبة الجمعة العظيمة في بعلبك Lebanon 24 مسيرة لمناسبة الجمعة العظيمة في بعلبك 05:06 | 2025-04-18 18/04/2025 05:06:55 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بعد شطب عضوية سلاف فواخرجي من نقابة الفنانين.. فنانة سورية تعلق: ما بطيقها لكن قرار غبي (صورة) Lebanon 24 بعد شطب عضوية سلاف فواخرجي من نقابة الفنانين.. فنانة سورية تعلق: ما بطيقها لكن قرار غبي (صورة) 10:35 | 2025-04-17 17/04/2025 10:35:11 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور... هكذا علّقت سلاف فواخرجي على إلغاء عضويتها من نقابة الفنانين في سوريا Lebanon 24 بالصور... هكذا علّقت سلاف فواخرجي على إلغاء عضويتها من نقابة الفنانين في سوريا 07:00 | 2025-04-17 17/04/2025 07:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 غادرت قبل أشهرٍ... إعلاميّة تعود إلى "الجديد" (فيديو) Lebanon 24 غادرت قبل أشهرٍ... إعلاميّة تعود إلى "الجديد" (فيديو) 06:37 | 2025-04-17 17/04/2025 06:37:33 Lebanon 24 Lebanon 24 بعمر الـ65.. ممثلة تعود إلى الغناء بعد غياب فمن هي؟ Lebanon 24 بعمر الـ65.. ممثلة تعود إلى الغناء بعد غياب فمن هي؟ 13:29 | 2025-04-17 17/04/2025 01:29:51 Lebanon 24 Lebanon 24 بإطلالة رائعة.. ممثلة سورية معروفة تعلن خطوبتها (صور) Lebanon 24 بإطلالة رائعة.. ممثلة سورية معروفة تعلن خطوبتها (صور) 08:32 | 2025-04-17 17/04/2025 08:32:28 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 06:31 | 2025-04-18 صباح اليوم... شعارات وكتابات تُفاجىء سكان مُخيّم البداوي 06:03 | 2025-04-18 خلوة بين رئيس الجمهورية والسفير البابوي بعد رتبة سجدة الصليب 06:00 | 2025-04-18 قانا: مجزرة لا تزال تحدُث… وذاكرة لا تُصالح! 05:40 | 2025-04-18 توقيف 4 مطلوبين في الميناء 05:06 | 2025-04-18 مسيرة لمناسبة الجمعة العظيمة في بعلبك 05:00 | 2025-04-18 الكرة في الملعب النيابي... هل يقرّ قانون رفع السرية المصرفية تمهيداً لنهضة مالية؟ فيديو ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 18/04/2025 13:35:39 Lebanon 24 Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) 04:17 | 2025-04-14 18/04/2025 13:35:39 Lebanon 24 Lebanon 24 جويس عقيقي تتمنى مُقابلة بشار الأسد لهذا السبب.. وهذا ما قالته عن ترك هشام حداد محطة الـ MTV (فيديو) Lebanon 24 جويس عقيقي تتمنى مُقابلة بشار الأسد لهذا السبب.. وهذا ما قالته عن ترك هشام حداد محطة الـ MTV (فيديو) 01:42 | 2025-04-12 18/04/2025 13:35:39 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: من نقابة الفنانین سلاف فواخرجی تعود إلى التخل ی
إقرأ أيضاً:
في انتظار نهاية العالم.. السيرة الدينية لسفير أميركا في إسرائيل
على وقع الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تنطلق بتوقيت ليلي لقصف تل أبيب، جلس السفير الأميركي في إسرائيل والقس والواعظ السابق مايك هاكابي من أجل كتابة رسالة ملحمية إلى الرئيس دونالد ترمب، محرضًا إياه على التدخل في الحرب الإسرائيلية على إيران.
"السيد الرئيس، لقد نجاك الله [من محاولة الاغتيال] في بتلر، بنسلفانيا، لتكون أكثر رئيس تأثيرا خلال قرن، وربما في التاريخ كله. القرارات التي تقع على عاتقك لا أود أن يتخذها أي شخص آخر".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الضفة الغربية في الرواية "التوراتية" الإسرائيليةlist 2 of 2لماذا قررت إسرائيل تغيير قواعد الحرب مع إيران؟ هل السر إيال زامير؟end of listوبنبرة وعظيّة مكثفة أضاف "هناك أصوات عديدة تتحدث إليك يا سيدي، لكن هناك صوت واحد فقط يهم: صوته هو (الرب)".
بحسب هاكابي الذي لا يرى العالم إلى من فوق منبر كنيسته المعمدانية، لم تكن هذه المرة الأولى التي تنقذ فيها العناية الإلهية رجال السياسة الأميركيين.
وفي كتابه "الثلاث "سي أس C’s" التي جعلت أميركا عظيمة: المسيحية، الرأسمالية والدستور" (THE THREE C’s THAT MADE AMERICA GREAT: CHRISTIANITY, CAPITALISM AND THE CONSTITUTION)، قدم رواية دينية لقيام الولايات المتحدة الأميركية.
يروي هاكابي أحداث الثورة الأميركية كانعكاس لتدخل إلهي مباشر تغير فيه مجرى التاريخ بسبب تسخير الطقس لرجال مؤمنين يريدون إعلاء سلطان الله في الأرض.
ففي مارس/آذار 1776، حين نصب الثوار مدافعهم على تلال دورشيستر خلال حصار بوسطن، قرر البريطانيون شن هجوم ليلي لإزالتها، لكن عاصفة ثلجية مفاجئة أفشلت الهجوم، وقرر الجنرال ويليام هاو الانسحاب الكامل، في أول نصر إستراتيجي للثوار دون قتال.
وفي أغسطس/آب من العام نفسه، وبعد الهزيمة في معركة بروكلين هايتس، وجد جورج واشنطن نفسه محاصرًا على ضفاف نهر إيست، لكن ضبابًا كثيفا نزل ليلًا أتاح لجيشه الانسحاب الآمن عبر القوارب دون أن يكتشفه البريطانيون.
ثم في ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، حين عبر واشنطن نهر ديلاوير لمهاجمة خصومه في ترينتون، شهد جنوده عاصفة ثلجية ورياحًا عاتية كانت تضرب وجه العدو، وأسهمت في إرباكهم وتحقيق نصر خاطف وأسر مئات الجنود. يروي هاكابي هذه الوقائع كعلامات تأييد إلهي لا لبس فيه، مؤمنًا بأن السماء نفسها انحازت لمولد أميركا.
بالنسبة لأول سفير إنجيلي أميركي لإسرائيل، لا يُعدّ دعم إسرائيل خيارًا سياسيا فحسب، بل التزامًا دينيا ينبع من النص المقدس. ففي تفسيره لوعد الله لإبراهيم في سفر التكوين "أبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه" (تكوين 12:3)، قال هاكابي لمقدم البودكاست والناشط تشارلي كيرك "دون تقديم أي اعتذار، أؤمن أن من يبارك إسرائيل سيُبارك، ومن يلعنها سيُلعن. وأريد أن أكون من المُباركين".
إعلانوفي خطاب ألقاه من القدس عام 2017، قدم هاكابي المطّلع على الخلاف اللاهوتي بين عقيدته المسيحية الصهيونية جملةً توضح عمق ما يؤمن به "يمكنك أن تكون يهوديا ولا علاقة لك بالمسيحية، ولكن لا يمكنك أن تكون مسيحيًّا دون أن يكون لك علاقة وثيقة باليهودية".
هذه العقيدة تُشكّل قطب الرحى في لاهوت هاكابي الإنجيلي، وتُبرز أهمية وجود دولة إسرائيل الحديثة، وضرورة استعادتها ليهودا والسامرة (الضفة الغربية) لتحقيق نبوءات غيبية، لا مجرد حدث جيوسياسي عابر.
بالنسبة للكنيسة المعمدانية الإنجيلية التي ينتمي إليها هاكابي، لا تمثل إسرائيل مجرد دولة على الخريطة، بل محطة نبوءة رئيسية يقف فيها المؤمنون بعصمة الكتاب المقدس انتظارًا للقطار الذي يحمل عودة يسوع المسيح، والمحطة القادمة ستكون نهاية العالم!
يرى الإنجيليون قيام الدولة العبرية عام 1948 تجسيدًا لنصوص نبوئية من العهد القديم، أبرزها ما ورد في سفر حزقيال (الإصحاح 37) وكتاب دانيال، إذ تشير هذه الكتب إلى عودة اليهود إلى "أرض الموعد" كعلامة كبرى على اقتراب قيام الساعة.
ينازع المعمدانيون اليهودَ وصف "شعب الله" ولا يسلمون لهم به. ولكنهم يرون في إسرائيل كدولة قومية لليهود، دورًا جوهريا في الخطة الإلهية التي تمهّد لعودة المسيح الثانية. يؤمن المعمدانيون بأن المسيح سيعود إلى الأرض عودة ماديّة ليؤسس مملكته التي تمتد لألف عام في القدس فيما يُعرف بـ"الملك الألفي". ولكن عودته لن تتم حتى يُعاد بناء الهيكل في موقع المسجد الأقصى، كما تحكي النبوءة.
في زيارة لهاكابي للأراضي المحتلة عام 2017 قدم خطابًا يؤطر فيه الخلاف السياسي بلغة دينية صريحة قائلا "لا وجود لما تسمّى الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة. لا وجود لما تسمّى مستوطنات، إنها مجتمعات، وأحياء، ومدن. ولا وجود لما يُسمّى احتلالًا".
وتبلغ تصورات الإنجيليين لنهاية العالم ذروتها في معركة هارمجدون، المعركة الخاتمة للصراع بين قوى الخير بقيادة المسيح، وقوى الشر بقيادة "المسيح الدجال"، والتي ستقع في شمال فلسطين، حيث ينتهي الصراع بانتصار الرب وإقامة ملكوته الأرضي.
مع صعود الإنجيليين في الحكومة الأميركية، تقفز النبوءات من الكتاب المقدس وقاعات الدرس اللاهوتي إلى المؤسسات السياسية وتوضع على أجندة العمل لدى مبعوثي الحكومة الأميركية إلى الشرق الأوسط.
شاب نشأ في مذبح الرببدأت رحلة هاكابي المولود في أركنساس عام 1955 مع الكلمة المكتوبة في الصحافة المدرسية، حيث ترأس صحيفة المدرسة في المرحلة الإعدادية، وفي أول عمل استقصائي له كتب بحماسة شبابية عن قذارة مقصف المدرسة، دافعًا الإدارة إلى التحرك. حين قرأ المشرف المقالة، نظر إليه وقال "ينبض في عروقك دم محرّر صحافة صفراء".
كان والده الذي يعمل رجل إطفاء يرى في اشتغال ابنه بالصحافة ترفًا لا يعين على إعالة الأسرة، لكن معلّمته للإنجليزية رأت موهبته وأهدته كتابا لتطوير مستواه، وقالت للفتى الذي هزّته نظرة أبيه للصحافة "الكلمات رصاص الرجل الأعزل". سيكبر الفتى الأعزل ويسخّر كلماته للدفاع عن حق حمل السلاح، واتخاذ خيار العنف المفرط ضد ما يسميه بالإسلام المتطرف.
إعلانكتب هاكابي في شبابه مقالات وعظية للشباب، دعا في بعضها الشباب المسيحي للابتعاد عن الرقص في الحفلات الموسيقية، ليس لأنه حرام، وإنما لأنه يخل بوقار الشاب المسيحي الصالح!
كتب "لا أظن أن كل من يذهب إلى حفلات الرقص يفعل ذلك ليتعاطى الكحول أو ليثير شهوات رفيقته، لكني لا أجد في الرقص خيرًا يُذكر". نصيحته كانت واضحة "ابتعدوا عن الرقص، لأنه قد يدفع الناس لإساءة الظن بكم".
"القدم الراقصة والركبة المُصلّية لا تجتمعان في ساق"
كما كان يردد رجال الدين
لاحقًا، انخرط هاكابي في الصراع العقائدي الذي هزّ الكنيسة المعمدانية الجنوبية فيما يتعلق بعصمة الكتاب المقدس، وعقيدة المسيحية وتولي المرأة منصبًا قياديا في الكنيسة. كان هاكابي في صف المحافظين الذين رأوا أن المرأة لا تكون رأسًا دينيا، والعقيدة هي لبّ الدين، والإنجيل نص معصوم!
قال عن خصومه الليبراليين الذين رأى في تأويلاتهم تمييعًا للعقيدة المسيحية، "لقد أعادوا تعريف الإنجيل ليجعلوه رسالة اجتماعية ناعمة لا تُغيّر القلوب".
عرف هاكابي أن أقصر الطرق إلى السياسة هي منبر الوعظ، فامتطاه. صنعت معركته اللاهوتية منه قائدًا سياسيا؛ فقد كونت له قاعدة جماهيرية، وصقلت مهاراته الخطابية. يقول سكوت لامب مؤلف سيرته إنه اختار هاكابي لأنه شخصية محورية في اليمين الإنجيلي، يجمع بين الدين والسياسة والإعلام، وجعل "أميركا العميقة" مرئية من جديد.
تولى هاكابي منصب حاكم أركنساس لعشرة أعوام من 1996 إلى 2007، ونافس في 2008 على منصب المرشح الجمهوري للرئاسة، ولكن الكنائس التي دعمته لم تستطع أن تؤمن له ميزانية ينافس بها المرشحين الأثرياء مثل ميت رومني، فلم يصمد للمنافسة. قال لاحقًا "لم تكن معركتي ضد أفكار خصومي، بل ضد ميزانياتهم".
التاريخ البديل لأميركايقدم هاكابي محكيّة دينية لنشأة الولايات المتحدة تخرج من صفحات الكتاب المقدس وتتغلغل في كل سطر من الوثائق التأسيسية للجمهورية الناشئة. فبحسب روايته، لم تُؤسس أميركا لتكون دولة علمانية، بل لتكون منارةً للعقيدة المسيحية ومنصة لتحقيق المقاصد الإلهية على الأرض.
في كتابه عن القواعد الثلاث لعظمة الولايات المتحدة، يسوق هاكابي نصوصًا تاريخية من مواثيق المستعمرات الأولى، يُبرز فيها كيف أن المستوطنين الأوائل اعتبروا مهمتهم في الأرض الجديدة جزءًا من "خطة الخلاص".
يستشهد على ذلك بوثيقة ميثاق فرجينيا (1609) التي نصّت على أن الهدف الأول من إنشاء المستعمرة هو "تحويل الشعوب إلى العبادة الحقة لله". كما يورد من ميثاق ماساشوستس (1629) عبارة تؤكد أن "حياة مستعمرينا قد تكون محفزًا للسكان الأصليين للإيمان بالمسيح". في ميثاق نورث كارولينا (1662)، يظهر هذا البعد الروحي أكثر وضوحًا "مدفوعون بحماسة تقوية لنشر الإيمان المسيحي".
ويذهب هاكابي إلى أبعد من ذلك بإشارته إلى ما يعتبره أول دستور أميركي فعلي المعروف بـ"الأوامر الأساسية لكونيتيكت" (Fundamental Orders of Connecticut)، الذي ينص صراحة على أن "الحكومة يجب أن تسير بحسب كلمة الله حفاظًا على الوحدة والسلام".
يرى المؤلف حضور الدين في نشأة أميركا ليس مجرد عنصر تاريخي، بل زاوية رئيسية لفهم أميركا، فهي ليست جمهورية ديمقراطية فحسب، بل "أمة دينية"، تستمد شرعيتها الأخلاقية من نصوص مقدسة.
حتى مؤسسات التعليم العالي، مثل هارفارد وييل وبرينستون، لا تُستثنى من رواية هاكابي؛ إذ يشير إلى أن هذه الجامعات العريقة لم تُبْنَ أساسًا لأغراض أكاديمية، بل لتدريب رجال الدين وتخريج الكوادر الكنسية قبل أن تنحرف لاحقًا عن رسالتها الأصلية.
لا تبدأ هذه الرواية البديلة لتأسيس أميركا من فلسفة التنوير أو الثورة الفرنسية، بل من أسفار الكتاب المقدس. وفي هذا الإطار، يرى هاكابي أن الصراع القائم اليوم بين الديمقراطيين والجمهوريين في الملفات الداخلية والخارجية هو امتداد لصراع عقائدي على هوية الأمة: هل ستظل أميركا أمة مؤمنة تقوم على العقيدة المسيحية أم تُختطف إلى دروب العلمنة والانفلات الأخلاقي؟
إعلانبمثل هذا التصور، لا يعود دعم إسرائيل مجرد سياسة خارجية، بل يصبح دفاعًا عن الأصل الذي قامت عليه الجمهورية، عن البذرة الأولى التي زُرعت بنص كتابيّ وحُرِست بعناية العناية الإلهية.
الموقّعون عن يسوعلم تكن رسالة الاصطفاء الإلهي لترامب التي كتبها هاكابي سابقة في تاريخ دولة تلتحم فيها القرارات السياسية بنصوص الكتاب المقدس وشخصياته.
فقد سبق أن اعترف الرئيس هاري ترومان بقيام دولة إسرائيل عام 1948 برسائل القساوسة البروتستانت، التي مثلت ضغطًا لاهوتيا بمنح القرار السياسي بعدا مقدّسا، حتى اعترف ترومان بإسرائيل بعد 11 دقيقة فقط من إعلانها، من أبرزها رسالة القس بيتر مارشال، التي غمسها في لغة الكتاب المقدّس قائلًا "سيدي الرئيس، إن الرب وعد إبراهيم ونسله بالأرض.. وإن فشلت أميركا في تأييد وعد الرب، فستُسلب بركتها".
بعد ربع قرن، حين كان الشارع الأميركي يموج سخطًا تجاه حرب فيتنام، لم يتردد القس بيلي غراهام، المقرّب من الرئيس نيكسون، في تكرار النغمة ذاتها، لكن بلحن مختلف: الحرب هذه المرة ليست لإنشاء دولة، بل لمواجهة "دين مضاد" كما وصف الشيوعية.
كتب غراهام إلى الرئيس "الشيوعية دينٌ في حد ذاتها.. إنها معركة حتى الموت: إمّا أن تموت الشيوعية، وإما تموت المسيحية". كان غراهام يقدّم لنيكسون شرعية توراتية للصمود، حيث أصبح البنتاغون أداة بيد الرب لكسر الشر.
ثم جاءت الألفية الجديدة، ومعها تبدّلت الجغرافيا، لكن لم تتغير العقيدة. ففي أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وبينما كانت الإدارة الأميركية تحشد لحرب العراق، كتب القس الإنجيلي جون هاغي إلى الرئيس جورج بوش الابن قائلا "الرب استخدم ملوكًا في الكتاب المقدس لينفذوا مشيئته.. والآن يستخدمك الرب لتطهّر العالم من بابل الجديدة"، مشبهًا صدام حسين بـ"نبوخذ نصّر"، جنّد هاجي الحرب كروح أخروية تجعل من القصف تنفيذا لإرادة السماء، لا إستراتيجية لواشنطن.
لم يكن هاكابي أول رجل دين أميركي يجلل المعارك الدنيوية التي تخوضها الإدارة الأميركية بوشاح من النبوءات الدينية، لكنه برسالته تلك سلّط الضوء على مشهد اشتباك اللاهوت بالسياسة في حكومة تعد النموذج الديمقراطي الأكبر في العالم.