لحظة بين المتعة والرعب

حادثة مدينة الملاهي في الطائف شكّلت صدمة نفسية واجتماعية عميقة، بعدما تحولت لحظة مرح إلى لحظة رعب؛ أثارت القلق والخوف والحزن في نفوس الزوار وأولياء الأمور على حد سواء. هذه الواقعة المؤلمة فتحت بابًا واسعًا للتساؤل حول مدى الالتزام بمعايير السلامة في مدن الألعاب، ومدى كفاءة أنظمة التشغيل والصيانة المتبعة فيها.

فالألعاب الترفيهية ليست مجرد أدوات متعة؛ بل هي آلات معقدة تتطلب صيانة دورية وفحصًا دقيقًا وتشغيلًا مسؤولًا؛ تمامًا كما هو الحال في صناعة الطيران؛ حيث لا يُسمح لأية طائرة بالإقلاع دون فحوص دقيقة صارمة وتوقيعات فنية معتمدة. غياب جهة رقابية متخصصة في سلامة الألعاب، يمثل خللًا هيكليًا يتطلب المعالجة الفورية. المطلوب اليوم هو تأسيس هيئة وطنية مستقلة تشرف على ترخيص الألعاب ومتابعة جداول صيانتها، وتدريب المشغلين والفنيين؛ وفق برامج معتمدة من قبل الشركات المصنعة، والتأكد من جاهزية خطط الطوارئ والإخلاء السريع. مثل هذه الهيئة يمكنها أن تضع حدًا للعشوائية والتفاوت بين المدن الترفيهية، وتضمن تطبيق معايير موحدة تراعي حياة الإنسان قبل الترفيه. العنصر البشري هو الركيزة الأهم في منظومة السلامة؛ لذلك من الضروري تأهيل العاملين ومشغلي الألعاب وتزويدهم بمهارات اكتشاف الخطر والتعامل معه، والإلمام بالإسعافات الأولية والتصرف في حالات الطوارئ. كما أن سجلات الصيانة يجب أن تكون إلكترونية ومحدثة ومتاحة للجهات الرقابية وللجمهور عند الطلب، وفي أي وقت، ولا تقل الشفافية أهمية عن التدابير الفنية؛ فالثقة التي اهتزت لا يمكن استعادتها إلا من خلال إعلان نتائج التحقيقات والفحوصات، ورفع مستوى الوعي لدى الزوار، وتوفير آليات لتقديم البلاغات والملاحظات. الحادثة لم تكن مجرد خلل في آلة؛ بل خلل في ثقافة السلامة. والمطلوب اليوم هو تحويل هذه الحادثة إلى نقطة تحوّل تُعيد رسم العلاقة بين المواطن والمرافق الترفيهية على أساس الاحترام والاطمئنان والثقة؛ فالفرح لا يُبنى على المجازفة، والأمان هو أساس كل تجربة ترفيهية.

المصدر: صحيفة البلاد