الإمارات تحظر التحدث باللهجة الإماراتية لغير المواطنين: ما وراء القرار الغامض؟
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
صورة تعبيرية (مواقع)
في خطوة غير تقليدية تثير الكثير من التساؤلات، أصدرت الإمارات قرارًا يقضي بحظر التحدث باللهجة الإماراتية على غير المواطنين في وسائل الإعلام، وهو قرار يسلط الضوء على مسألة الهوية الثقافية ويحمل دلالات عميقة بشأن الحفاظ على ملامح المجتمع الإماراتي الأصيلة.
بحسب ما أوردته صحيفة "القبس"، دخل هذا القرار حيز التنفيذ منذ نحو ثلاثة أشهر، حيث قررت الحكومة الإماراتية أن تقتصر استخدام اللهجة الإماراتية في الإعلام على مواطني الدولة فقط.
وأكد عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام ورئيس مجلس الإمارات للإعلام، أن هذا القرار جاء في سياق سياسة جديدة تهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية الأصيلة للدولة ومنع "تحريف" اللهجة الإماراتية التي يراها البعض قد تعرضت للتشويه في بعض الأحيان.
القرار الذي قوبل بردود فعل متفاوتة داخل الإمارات وخارجها، تم اتخاذه بعد سلسلة من الملاحظات حول استخدام غير المواطنين للهجة الإماراتية في بعض القنوات الإعلامية، والتي اعتبرتها السلطات تحريفًا لهذه اللهجة الخاصة.
كما أشار آل حامد إلى أن بعض وسائل الإعلام قد تسببت في "إفساد" الرموز الثقافية الإماراتية، مما دفع المسؤولين إلى اتخاذ تدابير صارمة لحماية صورة الهوية الإماراتية، التي تعتبرها الدولة جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الثقافية والدبلوماسية.
ومع تزايد أعداد الوافدين والمقيمين في الإمارات من مختلف الجنسيات، أثار هذا القرار جدلاً واسعًا حول مدى حرية التعبير وحقوق الأفراد في استخدام اللهجات المحلية.
البعض يرى في هذا القرار محاولة لتكريس الهوية الوطنية وتعزيز الشعور بالانتماء، بينما يراه آخرون خطوة تقييدية قد تضعف من التنوع الثقافي الذي لطالما اشتهرت به الإمارات.
وقد أضاف آل حامد أن هذا القرار ينطبق فقط على وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، ويهدف إلى ضمان "نقل الهوية الصحيحة" للمجتمع الإماراتي، وهو ما قد يكون بمثابة دعوة للمواطنين أنفسهم للتمسك بجذورهم الثقافية في مواجهة تأثيرات العولمة.
أبعاد القرار: الثقافة والإعلام والسياسة:
القرار الإماراتي يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات ثقافية وتجارية كبيرة، ومع دخول وسائل الإعلام العالمية إلى كل بيت، يبدو أن الإمارات تسعى للحفاظ على تميزها الثقافي حتى في طُرق التواصل اليومية.
ويطرح السؤال: هل ستمتد هذه السياسة إلى مجالات أخرى مثل التعليم أو السياحة؟ وهل ستتوسع لتشمل اللهجات المحلية الأخرى في دول الخليج؟.
إذا كان هذا القرار يعكس تطورًا في السياسة الثقافية الإماراتية، فإنه بالتأكيد يثير مزيدًا من التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين المواطنين والمقيمين، وكذلك تأثيره على العلاقات الدبلوماسية والثقافية مع الدول الأخرى.
المصدر: مساحة نت
كلمات دلالية: وسائل الإعلام هذا القرار
إقرأ أيضاً:
المقاومة الثقافية في ظل الصراعات
تشكِّل المقاومة الثقافية أحد أنواع النضال التي تتخذها المجتمعات عندما تحتدم الصراعات السياسية أو الاقتصادية أو التقنية، وتسود الهيمنة الدخيلة التي تحاول طمس الثقافات الوطنية أو تشويهها أو حتى جرِّها إلى منعطفات بعيدة عن منطلقاتها ومبادئها ومرتكزاتها الحضارية والأخلاقية؛ فالمقاومة هنا فعل يرتبط بالقدرة على حماية تلك الثقافات من براثن الاستلاب.
إن المقاومة الثقافية تقوم على إبداع وسائل أدبية وفنية تهدف إلى حماية الهُوية الوطنية والتصدي للقوى الدخيلة التي تلج المجتمعات في أشكال استعمارية مباشرة أو غير مباشرة؛ إذ تحدث على المستويات الأيديولوجية الفكرية، وتظهر في التحولات التقنية والاقتصادية والسياسية، التي لا تغيِّر الأنماط الثقافية للمجتمعات وحسب، بل أيضا تحاول التشكيك بمرتكزاتها القيمية والأخلاقية.
لذا فإن المقاومة باعتبارها أسلوب من أساليب (الرفض)، تستخدم التراث الثقافي والإبداعات الثقافية للتعبير عن ذلك الرفض، وفق معطيات تعكس الجوهر الحضاري للمجتمعات، وقدرتها على حماية مكتسباتها الثقافية والحضارية من ناحية، وتعزيز مجالات الصمود في وجه الهيمنة الثقافية الوافدة ومواجهتها، والقدرة على إنتاج أو إعادة إنتاج مجالات ثقافية تتناسب مع التطورات الحديثة وتواكب المتغيرات من ناحية، وتتوافق مع المرتكزات الحضارية والثقافة الوطنية من ناحية أخرى.
ولقد اتخذت الدول أساليب متعددة لمواجهة تلك الهيمنة التي أخذت تتطوَّر في أشكالها وأساليبها وتدخل إلى أنماط حياة الشعوب بطرائق ناعمة؛ حيث نجد المقاومة الثقافية في تلك الإنتاجات الأدبية مثل النصوص السردية والشعرية والنصوص المسرحية، وفنون التصوير والتشكيل، التي ظهرت في أنماط جديدة من التعبيرات البصرية بل وحتى السمعية، إضافة إلى ما يقدِّمه التراث الثقافي من تنوُّع على مستوى الإنتاجات التي عبَّرت عن قدرتها على إيجاد مواقف جديدة لحماية الهُويات الوطنية.
ولأن العالم بشكل عام والشرق الأوسط خاصة يعاني منذ عقود من تحديات أيديولوجية على المستوى السياسي والاقتصادي والتقني فإن هذه المعاناة تقابلها تلك الإمكانات الهائلة التي تقدمها مجتمعاتنا في سبيل الحفاظ على هُوياتها الوطنية، وإنتاج ثقافة جديدة تتناسب مع العمق الحضاري الذي تنتمي إليه، ولهذا فإن مقاومتها الثقافية تتخذ فلسفة نابعة من الوعي بالخطر الفكري الذي يحيط بالمجتمع إذا ما سُلب هُويته الحضارية وانقطع عن جوهر ثقافته وانبتَّ من أصوله.
إن هذا الخطر يزداد في ظل الصراعات والحروب السياسية المهيمنة، والأيديولوجيات التي تتخذ من الصراعات الاقتصادية والتقنية، وإرادة هيمنة القوى خاصة في مناطق الصراع التي تشتد وطأة في ظل عمليات القتل والتهجير والنفي والدمار الذي يطال المجتمعات، فإن الدفاع عن الهُويات الحضارية على المستويات الوطنية والقومية يزداد أهمية وإلحاحا في سبيل مجابهة تلك القوى والتعبير عن التمسُّك بالقيم الحضارية والمرتكزات القومية القائمة على المشتركات الإنسانية والتاريخية.
ولعل احتدام هذا الصراع خلال السنوات الأخيرة وامتداده إلى سوريا ولبنان واليمن ومؤخرا في إيران، يكشف عن التحولات الأيديولوجية للصراعات في الشرق الأوسط وحالات الاستلاب التي يصفها إدورد سعيد بـ (طبيعة الاستنساخ في بنية الخطاب الصهيوني)، الأمر الذي يصوِّر في المقابل ما يحدث من مقاومات ثقافية ليس على المستوى العربي وحسب بل على المستوى الشعبي العالمي، ذلك لأن خطاب التظليل والتزييف ومحاولات القضاء على الهُويات الثقافية الوطنية وإعادة تشكيلها وفق أجندات مسيَّسة بات مكشوفا وفاضحا.
إن الخطابات المظللة التي تحاول إعادة تشكيل الهُويات، وتأسيسها بناء على أيديولوجيات سياسية تتجاوز المبادئ الإنسانية والأخلاقية نحو رأسمالية متعالية، تظهر في تمثيلات تحاول الاستحواذ على الذاكرة والتاريخ بل وحتى الإنسان، لتجرِّده من هُويته الوطنية وانتماءاته الحضارية، بُغية السيطرة على وعيه وقدرته على الدفاع عن وطنه ومكتسباته، لتصبح المجتمعات تحت وطأة الاستعمار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الأخلاقي.
لذا فإن المقاومة الثقافية اليوم تتصدَّر المشهد المضاد لتلك الصراعات؛ فما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي من خطابات وتداولات وما يقدمه الشعراء والكُتَّاب من آداب، وما يبدعه المصورون والفنانون التشكيليون من لوحات وجداريات معبِّرة عن الرفض تارة، وساعية إلى حماية هُوية المجتمعات تارة أخرى،إضافة إلى ما يقدمه المسرح بأشكاله ومدارسه المختلفة، ذلك وغيره يقدِّم في ظل التطورات التقنية والإعلامية الجديدة صورا مقاوِمة للاستعمار والحروب والصراعات، وحامية للهُوية الثقافية والمكتسبات الحضارية للشعوب.
إن هذا الوعي الشعبي الذي يؤمن بأهمية المقاومة الثقافية باعتبارها أساسا جوهريا للأمم، لا يتجسَّد في الأنواع الأدبية والفنية وحسب، بل إن ما نقدمه وما نعبِّر عنه في المنصات الإلكترونية يجب أن يكتسب حالة الوعي نفسها، فالهدف الرئيس لتلك المشاركة لا يتجلى في الغضب والرفض والمجادلات التي تثير التعصب، بل في ذلك التمثيل الحقيقي للثقافة الوطنية القائمة على المرتكزات الإنسانية الداعية إلى السلام والحوار والمنتجة للإبداع والفكر الذي يحمي الهُوية ويعزِّز الصمود ويقدِّم الإنتاج الثقافي الهادف والمعبِّر عن مقاومته ورفضه للحروب والدمار والقتل.
ولأننا لسنا بعيدين عن دائرة الصراعات والحروب، فإن علينا واجبا فيما ننتجه وما نبدعه ثقافيا وما يمكن أن نقدِّمه في سبيل الدعوة إلى السلام ونبذ الحروب والدمار والخراب للمجتمعات؛ فالمثقف اليوم يحمل رسالة إنسانية وأمانة عليه أن يؤديها لأمته خاصة للشباب والناشئة، فما يبدعه شعرا ونثرا وفنا وأداء يعبِّر عن فكره وقدرته على حماية مجتمعه وثقافته، ويؤسِّس لمسار الرأي العام الذي يمثِّله، لذا فإن حكمته وقدرته على الصمود في وجه المتغيرات ورفضه المساس بمجتمعه الوطني والقومي والقبض على القيم والأخلاق سيكون المعوَّل عليه لتلك الحماية المجتمعية.
إن المشاركة الواعية والإنتاج المبدع لفعل المقاومة الثقافية سيمثِّل أداة مهمة للتطوُّر المعرفي والفكري لفهم متطلبات المرحلة المصيرية المهمة التي تمر بها المنطقة، والتي تشهد تحولات ليس على المستوى السياسي واحتدام الصراعات فقط، بل أيضا على المستوى الأيديولوجي والثقافي الذي يسعى إلى تفريق المجتمعيات وزعزعتها من الداخل، ولهذا علينا الحذر وحماية مجتمعنا وأفكار شبابنا من مغبة الانزلاق في متاهات هذه الصراعات والانشقاقات.
فالمقاومة الثقافية تقوم على الوعي الذي يوازن بين متطلبات المرحلة ومتغيراتها، وبين حماية هُوية المجتمع ومكتسباته الحضارية، لإنتاج أنماط جديدة من الثقافة الإبداعية التي تتجلى في الآداب والمسرح والفنون والكتابات الفكرية وغيرها، والتي تثري الثقافة الوطنية وتعبِّر عن فكرها المنفتح.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة