أن تُقنع شابًا يبدأ خطواته الأولى في الحياة بأهمية تنظيم أولوياته، وإن اقتضى ذلك التنازل عن بعض أحلامه، يُعد عملًا مُرهقًا وغاية في الصعوبة. والأمر لا يتعلق مُطلقًا بكيفية إيصال الفكرة، بل لأنه بحاجة إلى خوض تجارب حقيقية، إما أن يخرج منها منتصرًا، أو منكسرًا.
تزدحم الطموحات في ذهن الشاب حتى يصبح غير قادر على تحديد ما هو واقعي منها وما هو غير ذلك، فيعجز بالتالي عن اتخاذ قرار صائب مبني على رؤية صحيحة تراعي الظروف المعيشية التي تتجه نحو التأزم.
يجد الشاب نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، سيحددان جودة سنواته القادمة: الأول، تحقيق الطموحات كيفما تأتّى ذلك، دون التفكير في العواقب؛ أما الخيار الثاني، فهو التنازل عن طموحات بعينها، والبحث عن بدائل أخرى، والتحلّي بالصبر، وانتظار نتائج التخطيط التي قد تظهر متأخرة.
بعض صُنّاع المحتوى في منصات التواصل الاجتماعي اقتربوا من واقع من يُعايشون الخيارين، ومن خلال الحوارات التي تُنشر بين الحين والآخر، يمكن رصد نتائج سنوات التخطيط المُحكم الرائعة التي يقطف ثمارها بعضهم، أو المعاناة التي يُكابدها البعض الآخر.
تجارب متعددة الوجوه جديرة بأن تُدرس بجدية لأن من شأنها تقريب صورة الواقع دون رتوش الواقع الذي يشي بصعوبات حياتية جمة كان يمكن مواجهتها بالتخطيط السليم الذي لا بد وأن يتكئ على التضحية والتريث وقراءة الواقع والاحتكام إلى العقل والمنطق.
لا تحتمل ظروف الحياة والعالم اليوم تتنازعه اضطرابات سياسية واقتصادية ومعيشية متعددة أقل فوضى في التخطيط أو العبث بمقدرات يمكن الإفادة منها بصورة إيجابية من أجل صناعة حياة مستقرة.
اليوم لا يمكن إلقاء اللوم على أي جهة حكومية أو غير حكومية حول تعثر شخص بعد سنوات قلائل من مسيرة حياته أو لماذا لم يستفد شخص انتهت سنوات عمله من ظروف مرحلة « فاشت» فيها العطايا والهبات، وتضخمت على امتدادها الرواتب والبدلات.
على الجيل الجديد أن يستفيد من تجارب من مروا قبله دون أن يتركوا أثرًا ولا بأس أن يتنازل عن بعض أحلامه وتطلعاته طالما اقتضت الظروف ذلك.. لا بأس أن يقنع ببناء منزل غير مُكلف بأقل قرض ممكن ويتنازل عن حلم تشييد قصر يكون سببًا في استعباده من قبل أي جهة تمويل حتى آخر يوم من أيام حياته.
النقطة الأخيرة..
يقول جيم رون: « إذا لم تقم بتصميم خطة لحياتك، فمن المحتمل أنك جزء من خطة أحد ما، وخمّن ماذا قد خطط لك ؟ طبعًا ليس الكثير».
عُمر العبري كاتب عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
التخطيط السنوي ودوره في بلوغ الأهداف المؤسسية (1)
إن التخطيط هو إحدى الأدوات الرئيسية والداعمة التي تساهم في تطوير الأداء المؤسسي وتعظيم الإنتاج، وتعد مهمة التشخيص هي الخطوة التمهيدية لعملية التخطيط، حيث يتم معرفة المخاطر المتوقعة عند تنفيذ المستهدفات وتحديد آلية إدارتها وكيفية التغلب عليها عند التخطيط، وكذلك يتم التركيز على الفرص التي تمكن المؤسسة من بلوغ أهدافها. فتضمن مرحلة التشخيص تحليل الوضع الراهن وربطه بالرؤية الوطنية، ومن ثم ربط الأهداف التشغيلية بالأهداف الاستراتيجية للمؤسسة بما يحقق التكاملية في الإنجاز.
وتنطلق مرحلة التخطيط السنوي بعد التشخيص، والتي تبدأ بتحديد الأهداف السنوية في كافة تقسيمات المؤسسة. وهذه المهمة ليست بالمهمة السهلة مطلقًا، فهي مهمة عميقة، ويتوجب إشراك كافة الموظفين فيها. فالأهداف التشغيلية ليست مجرد أهداف سنوية توضع، بل يتوجب ربطها وتكاملها مع الأهداف الاستراتيجية، وهذا سر قوتها وجودة أدائها، حيث إن الأهداف الاستراتيجية ترتبط بالرؤى والغايات الوطنية. من هنا، وجب أن تكون مهمة إنشاء الأهداف ذات تركيز مرتفع عند بنائها وإدراك عالي عند اختيارها، فهي عملية عميقة في بناء الأهداف ودقيقة في تفصيل المهام التابعة لكل هدف من الأهداف المخططة لضمان بلوغها.
لذا، يتوجب على المؤسسة وأفرادها الوعي جيدًا بأن عملية بناء الأهداف ليست بالأمر السهل مطلقًا، وأنها ليست نهاية العملية التخطيطية بل هي بدايتها فقط. وعلى قيادات المؤسسة وموظفيها إدراك أن عملية التخطيط هي عملية تسلسلية ومنظمة، وأن عملية تحديد وبناء الأهداف هي أولى خطوات التخطيط، وأن هذه الخطوة تليها خطوات مهمة جدًا، ولن تستطيع المؤسسة إذا تجاهلت أحدًا من خطواتها تحقيق أهدافها أو تعظيم النتائج المخططة.
إن أول مراحل التخطيط، وهي مرحلة إنشاء الأهداف التشغيلية، ووفقًا للأهداف الذكية، يتوجب أن تكون هذه الأهداف محددة وواضحة، كما يجب أن تكون قابلة للقياس وقابلة للتحقيق وذات صلة بالأهداف الاستراتيجية ومحددة بزمن الإنجاز. كما يتوجب وضع خطط عمل تفصيلية المهام وواضحة، وتبرز فيها المسؤوليات والصلاحيات، ويتم تحديد مؤشرات أداء رئيسية تضمن بلوغ الأهداف، وأخيرًا يتم اعتمادها من قبل القيادة.
وتأتي مرحلة التنفيذ كمرحلة ثانية بعد اعتماد الأهداف، حيث تبدأ التقسيمات بمعرفة الأهداف الخاصة بها وإدراك مهامها. فتعي المهام اللازمة للقيام بها، ومعرفة الأزمنة الواجب إنجاز المهام التفصيلية المحققة للهدف. ويتوجب تحديد الموظفين الذين سيقومون بإنجاز المهام، بالإضافة إلى معرفة مؤشرات الأداء المراد بلوغها كمعيار لمقارنة الأداء لضمان تحقيق الهدف. وعلى ضوء ذلك تبدأ التقسيمات بتنفيذ مهام الهدف مع ضمان توافر الموارد اللازمة بمختلف أنواعها الملبية لمتطلبات تحقيق الهدف المنشود، مع ضرورة متابعة رؤساء التقسيمات لدرجة تحقق الأهداف باستمرار لضمان بلوغ الأهداف المنشودة والتحقق منها من قبل إدارة الدائرة.
تلي مرحلة التنفيذ مرحلة تقييم التنفيذ، والتي تعرف بمرحلة الرقابة، حيث يتوجب على قسم التخطيط متابعة أداء المهام ومدى سيرها وفقًا لما هو مخطط من المهام. فإن كان سيرها مطابقًا لما هو مخطط، فتنتقل للمهمة التالية، وإن كان غير مطابق لما هو مخطط، فيتم التحسين على الإجراءات وتعديلها بما فيه صالح الهدف المخطط. بحيث يتم تقييم النتائج النهائية للأهداف ومدى تحقق الخطة السنوية لأهدافها، ومقارنة مؤشرات الأداء المخططة مع مؤشرات الأداء الواقعية، وتحليل أسباب نجاح الخطة أو فشلها في تحقيق الأهداف.