مع تكرار قصفها.. كيف يعيد نازحو غزة بناء خيامهم؟
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
غزة- يعزو عزات سلطان نجاته وأبناءه وأحفاده، بأعجوبة من موت محقق إلى العناية الإلهية، بخروجهم سالمين من لهيب النيران التي التهمت خيامهم داخل مخيم يؤوي نازحين غربي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
في إحدى ليالي شهر رمضان الماضي، استيقظ سلطان (75 عاما) والنازحون على دوي انفجار ضخم جراء غارة جوية إسرائيلية، استهدفت إحدى الخيام فأدت إلى اشتعال النيران في عدد كبير من الخيام المتهالكة المصنوعة من الأخشاب والبلاستيك.
مرّت به وأسرته كثيرٌ من الأحداث المؤلمة منذ اندلاع الحرب على غزة عقب عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 "لكن هذه المرة كان الموت أقرب لنا من أي وقت مضى، كان المشهد مرعبا، انتفضنا فزعين من النوم وقد انهارت الخيام فوق رؤوسنا واشتعلت بها النيران"، كما يقول للجزيرة نت.
قضى سلطان وعائلته (19 فردا) تلك الليلة في العراء، على أنقاض خيامهم، وشغله تفكيره وقلقه، ماذا سيفعل وقد خسر كل شيء، ولسعات البرد تتسلل بقسوة إلى جسده النحيل الذي لا يوحي أنه كان يوما مدرسا للتربية الرياضية، وبات اليوم يخطو متثاقلا متكئا على عكاز، يقول إنه اضطر إليه خلال الحرب، وكان قبلها يتمتع بصحة جيدة.
عمل سلطان لـ27 عاما مدرسا في السعودية، وعاد في العام 1999 ليستقر في مسقط رأسه بمدينة رفح والتحق بالعمل في مدرسة حكومية وتقاضى راتبا تقاعديا، يقول، إنه كان بالكاد يكفيه في تدبير شؤون أسرته قبل اندلاع الحرب.
"كنت طوال الليل أفكر من أين نوفر خياما بديلة من المدمرة والمحترقة، وأسعارها خيالية في الأسواق وارتفعت أضعافا بعد إغلاق المعابر". ويشير سلطان بذلك إلى أثر إغلاق الاحتلال المعابر منذ 2 مارس/آذار الماضي، ومنعه إدخال المساعدات الإنسانية بما فيها الخيام.
إعلانوشهدت أسعار الخيام القليلة في الأسواق ارتفاعا هائلا في ظل زيادة الطلب عليها، إثر أوامر وإنذارات النزوح الإسرائيلية التي شهدت كثافة كبيرة، منذ استئناف الاحتلال الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي.
انتصف نهار ذلك اليوم وسلطان وعائلته يجلسون صياما بلا مأوى ولا خيارات، حتى تبرعت لهم هيئة خيرية بخيام أصر على إقامتها في المخيم ذاته، بدافع عدم بث الخوف في قلوب النازحين إن غادره وعائلته، ولأنه "لا مكان آمن في قطاع غزة، والعثور على مساحة لإقامة 3 خيام متجاورة ليس أمرا سهلا".
ترسم قسمات سلطان رحلة طويلة قادته إلى كثير من دول العالم، قبل أن يقرر العودة ليقضي بقية حياته في مدينة رفح، التي تتعرض لإبادة شاملة تطال الشجر والحجر، وقد أجبر الاحتلال نحو 300 ألف من سكانها على النزوح وإخلائها كليا، وخسر فيها منزله المكون من 4 طوابق، ويدلل على عظيم خسارته بالقول "وضعت في هذا المنزل تحويشة العمر وشقاء السنين".
نال تدمير المنزل من صحته النفسية والجسدية، وهو يتحدر من عائلة لاجئة من قرية بربرة إبان نكبة 1948، غير أن قناعاته ظلت ثابتة ولم تهتز، وبإصرار يؤكد هذا الأب الذي فقد ابنه ياسر شهيدا في العام 2004 "لن يفلحوا في تهجيرنا وتكرار نكبتنا مهما قتلوا ودمروا".
في مايو/أيار الماضي، كانت تجربة النزوح الأولى لسلطان على وقع اجتياح رفح، ومنذ ذلك الحين تنقل وعائلته بخيامهم 5 مرات، بعد إنذارات إسرائيلية وخشية مخاطر التوغل. ويقول "تمزقت خيامنا من كثرة النزوح ولم تتمزق إرادتنا وقدرتنا على الحياة، وعودتنا قريبة إلى رفح وليست بعيدة إلى بربرة".
أمام خيمة مهترئة تعبث بها الريح، جلس النازح رائد أبو دان وإلى جانبه طفله المصاب بإعاقة ذهنية، واضعا يده على وجهه، وقد أثقلته الهموم من النزوح المتكرر وضيق الحالة الاقتصادية.
إعلانللمرة السادسة منذ اندلاع الحرب اضطر أبو دان (46 عاما) إلى النزوح بأسرته (7 أفراد) من منطقة "قيزان النجار"، على وقع تهديدات إسرائيلية وتوغل عسكري كبير في هذه المنطقة ومناطق أخرى على خط التماس بين مدينتي رفح وخان يونس المتجاورتين، ويفصلهما منذ نحو 3 أسابيع "محور موراغ" (ممر صوفا).
لا يمتلك هذا الرجل العاطل عن عمله في مطعم اضطر صاحبه إلى إغلاقه بعد اندلاع الحرب، مبلغ ألف شيكل (الدولار يعادل 3.7 شواكل) أجرة سيارة نقل تقله وأسرته وأمتعته، وقد اضطروا إلى الخروج خفافا بالملابس التي يرتدونها والقليل من الأغطية حملوها على الأكتاف.
ويقول للجزيرة نت، "لم نعلم أين سنذهب وليس معنا خيمة، ووجدت هذا المكان لصناعة خيمة من لا شيء، باستخدام القليل من الأخشاب وشادر قديم حصلت عليه من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".
لو أتيحت لك فرصة السفر والهجرة، هل تقبل؟ لم يطل تفكيره وكانت إجابته حاضرة وكأنه يتوقع السؤال، ولم يكتف بقول لا، واستخدم تعبيرا شعبيا "والله لو يقطعوا راسي ما بهاجر"، وهو تعبير يستخدمه الغزي ليؤكد تمسكه بموقف يعتبره أثمن من حياته نفسها.
ويرجح أبو دان أن يكون منزله مدمرا، ولا يمتلك دخلا ثابتا يعتاش منه وأسرته، ويضيف "أعيش في خيمة أو كوخ، وبكرى نعمر البلد من جديد، وما بتركها لأغراب يستوطنونها".
حصار ونزوح
يُعتبر عدم توفر الخيام للنازحين واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا، وقد بات الاحتلال يستخدم التشريد وإجبار الغزيين على النزوح وهجر منازلهم ومناطق سكنهم، وهي سياسة ممنهجة لزيادة الضغط عليهم.
وكان يُفترض أن تدخل 200 ألف خيمة و60 ألف بيت متنقل خلال المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، الذي امتد من 19 مارس/آذار الماضي وحتى انهياره بخرق إسرائيل له وتشديد الحصار واستئناف الحرب.
إعلانوتشير بيانات رسمية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إلى أن الاحتلال لم يُدخل أي بيت متنقل في تلك المرحلة، وأدخل فقط زهاء 10% فقط من مجموع الخيام المطلوبة.
وفي بيان نشرته على منصاتها، تقول أونروا، إن الحصار الحالي "يُعد أطول بثلاث مرات من الحصار الذي فُرض في أكتوبر/تشرين الأول 2023 عند اندلاع الحرب".
وتقدر الوكالة الأممية أن نحو 69% من مساحة القطاع الإجمالية (360 كيلومترا مربعا) باتت خاضعة لأوامر نزوح نشطة أو ضمن "المنطقة المحظورة" أو كليهما، مع إصدار ما لا يقل عن 20 أمرَ نزوح من الجيش الإسرائيلي في الفترة بين 18 مارس/آذار الماضي و14 أبريل/نيسان الجاري.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن نحو 420 ألف شخص نزحوا مرة أخرى منذ انهيار وقف إطلاق النار. وتقول أونروا إن "استئناف القصف واستمرار منع دخول المساعدات الإنسانية يؤثران كثيرا على قدرة الجهات الإنسانية على تلبية احتياجات السكان من الغذاء والمياه والصرف الصحي والمأوى وغيرها من الضروريات".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات مارس آذار الماضی اندلاع الحرب
إقرأ أيضاً:
الإعلام الحكومي بغزة: 4 ملايين دولار خسائر المنخفض القطبي "بيرون"
قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة ، اليوم السبت، إن المنخفض القطبي "بيرون" كشف عمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، مشيرًا إلى خسائر أولية تُقدَّر بـ 4 ملايين دولار، وتداعيات خطيرة تطال الإيواء والبنية التحتية والقطاعات المختلفة.
وفيما يلي نص البيان كما وصل وكالة سوا:
بيان صحفي صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة
*المنخفض القطبي "بيرون" يكشف عمق الكارثة الإنسانية في قطاع غزة: خسائر أولية تُقدَّر بـ 4 ملايين دولار، وتداعيات خطيرة تطال الإيواء والبنية التحتية والقطاعات المختلفة*
في ضوء التطورات الميدانية المتسارعة، واستناداً إلى المعطيات التي رصدتها الجهات الحكومية المختصة وطواقم الطوارئ المختلفة، نُؤكّد أن المنخفض الجوي القطبي "بيرون" الذي ضرب قطاع غزة خلال الأيام الماضية، شكّل كارثة إنسانية مُركّبة فاقمت من معاناة المدنيين، لا سيما في ظل تداعيات حرب الإبادة الجماعية والحصار الخانق الذي يفرضه الاحتلال على قطاع غزة.
*أولاً: السياق العام والخسائر البشرية والآنية:*
• ارتقى 11 شهيداً انتشلت جثامينهم طواقم الدفاع المدني، وجاري البحث عن أحد المفقودين وذلك نتيجة انهيار عدة بنايات قصفها الاحتلال سابقاً وتأثّرت بالمنخفض الجوي وظروف المناخ.
• انهيار 13 منزلاً على الأقل في محافظات قطاع غزة، حيث أن هذه المنازل تعرضت للقصف من قبل الاحتلال "الإسرائيلي".
• انجراف وغرق أكثر من 27,000 خيمة من خيام النازحين، ضمن مشهد أشد اتساعاً طال فعلياً ما يزيد عن 53,000 خيمة بين تضرر كلي وجزئي.
• تضرر مباشر لأكثر من ربع مليون نازح، من أصل نحو مليون ونصف المليون نازح يعيشون في خيام ومراكز إيواء بدائية لا توفر الحد الأدنى من الحماية.
• هذه الوقائع تؤكد مجدداً صحة التحذيرات السابقة التي أطلقناها مرات عديدة، وتكشف عن هشاشة بيئة النزوح التي فرضها الاحتلال "الإسرائيلي" بالقوة والقصف، ومنع معالجتها عبر إغلاق المعابر وعرقلة إدخال مواد الإيواء.
*ثانياً: التقدير الأولي للخسائر المادية (4 ملايين دولار):*
بناءً على المسح الأولي للمشهد الميداني، تم تقدير الخسائر المباشرة الأولية بنحو 4 ملايين دولار، موزعة على القطاعات التالية:
1. قطاع النازحين والخيام: حيث تضرر وغرق أكثر من 53,000 خيمة بشكل جزئي أو كلي، وتلف الشوادر والأغطية البلاستيكية ومواد العزل، وفقدان الفرشات، البطانيات، وأدوات النوم، وتلف أدوات الطهي والمواد الأساسية داخل الخيام، وانهيار أماكن إيواء طارئة في عدة تجمعات. ويُعد هذا القطاع الأكثر تضرراً بسبب تحوّل مراكز النزوح إلى برك من المياه والطين.
2. قطاع البنية التحتية والطرق، ويشمل انجراف مئات الشوارع الترابية والطرق المؤقتة داخل محافظات قطاع غزة، وتعطّل حركة النقل والمواصلات وصعوبة وصول سيارات الإسعاف والدفاع المدني، وتضرر شبكات صرف صحي بدائية أُنشئت اضطرارياً، وغرق مداخل مدارس ومراكز تعليمية تُستخدم كمراكز إيواء، وتلف معدات خدمية مساندة داخل هذه المراكز.
3. قطاع المياه والصرف الصحي: حيث تعطّل خطوط نقل المياه المؤقتة، واختلاط المياه النظيفة بمياه الأمطار والطين، وانهيار حفر امتصاص مؤقتة في عشرات التجمعات المركزية المكتظة بالنازحين، وارتفاع مخاطر التلوث وانتشار الأمراض.
4. قطاع الغذاء والإمدادات، ويشمل تلف مواد غذائية مخزنة لدى آلاف العائلات الفلسطينية، وتضرر مساعدات غذائية تم توزيعها حديثاً في مناطق غمرتها المياه، وفقدان مخزون طوارئ لدى بعض مراكز الإيواء.
5. القطاع الزراعي، ويشمل غرق مساحات زراعية منخفضة، وتضرر أراضي زراعية ومزروعات موسمية، وتلف عشرات الدفيئات الزراعية البدائية التي تعتاش منها آلاف العائلات النازحة، وخسارة مصدر دخل لمئات العائلات في ظل انعدام البدائل.
6. القطاع الصحي، ويشمل: تضرر عشرات النقاط الطبية المتنقلة في مراكز النزوح والإيواء، وفقدان أدوية، مستلزمات طبية، ومستلزمات إسعاف أولي، وصعوبة وصول الطواقم الطبية للمناطق المتضررة.
7. قطاع الطاقة والإنارة ويشمل تلف بطاريات ووسائل إنارة بديلة، وانجراف وتعطل ألواح شمسية صغيرة في مراكز النزوح ولدى عائلات نازحة.
*ثالثاً: البعد القانوني والإنساني:*
إن تفاقم هذه الخسائر لا يمكن فصله عن سياسات الاحتلال "الإسرائيلي" غير الإنسانية، التي تمنع إدخال 300,000 خيمة وبيت متنقل وكرفان، وتعيق إنشاء ملاجئ آمنة، وتغلق المعابر أمام مواد الإغاثة والطوارئ. وهو ما يُشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، ويعرّض المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن، لمخاطر جسيمة يمكن تفاديها.
*وأمام هذا الواقع المرير، وهذه الكارثة الإنسانية العميقة، فإننا نود التأكيد على ما يلي:*
أولاً: نُحمّل الاحتلال "الإسرائيلي" المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذا الواقع الإنساني بالغ القسوة الذي يعيشه شعبنا الفلسطيني، ولا سيّما أكثر من مليون ونصف المليون نازح يقيمون في مراكز الإيواء ومناطق النزوح القسري، بعد أن تعرّضت منازلهم للتدمير الكامل أو الجزئي من قبل الاحتلال خلال حرب الإبادة الجماعية المتواصلة.
ثانياً: نُطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها، والمنظمات الدولية والإنسانية، والوسطاء والضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار، والدول الصديقة والجهات المانحة بالتحرك الجاد والفوري والعاجل للضغط على الاحتلال ل فتح المعابر دون قيد أو شرط، وإدخال مواد الإيواء والخيام والبيوت المتنقلة والكرفانات ومستلزمات الطوارئ كما نص البروتوكول الإنساني ووفق ما جاء في بنود وقف إطلاق النار، وكذلك توفير حماية إنسانية حقيقية لمئات آلاف النازحين، ومنع تكرار مشاهد الغرق والانهيار مع أي منخفضات قادمة، فالواقع في قطاع غزة كارثي بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويتوجب على الجميع الوقوف أمام مسؤولياته قبل فوات الأوان.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من أخبار غزة المحلية الأونروا: فلسطينيو غزة يواجهون معاناة جديدة بسبب العاصفة بايرون وفاة مواطن إثر انهيار جدار نتيجة سيول الأمطار غرب مدينة غزة الإغاثة الطبية بغزة: استقبلنا عددا من المرضى إثر تداعيات المنخفض الجوي الأكثر قراءة الاحتلال يسمح بدخول 16% فقط من غاز الطهي المخصص لغزة منذ وقف إطلاق النار الرئيس عباس: نريد دولة فلسطينية ديمقراطية عصرية غير مسلحة وزارة الصحة في غزة تعلن أرقاماً جديدة للشهداء والإصابات استشهاد شاب برصاص الاحتلال في جباليا وتواصل نسف مبانٍ في رفح عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025