الهدوء والعزلة ملاذ الأرواح المتعبة
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
في زمنٍ ضجّ بالصخب، وازدحم بالأحاديث الفارغة، يصبح الهدوء عملة نادرة، والعزلة نعمة لا يشعر بها إلا من ضاق صدره من ضجيج العالم ليست العزلة انسحابًا عن الحياة بل هي أحيانًا عودة صادقة إلى الذات وإلى خالقها.
قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:
“من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”
[رواه الترمذي].
وفي هذا الحديث حكمة تُلهمنا أن نبتعد عن كل ما يستهلك أرواحنا بلا جدوى، فنجد في الصمت راحة وفي الانفراد سكينة.
العزلة ليست انطواء بل هي استراحة محارب لترتيب حياتك وافكارك بشكل افضل
يقول أبو العلاء المعري:
“إني وَإنْ كنتُ الأخيرَ زمانُهُ
لآتٍ بما لَم تستَطعْهُ الأوائلُ”
ففي العزلة تتولد الأفكار، وتنضج الأحلام، ويكتب التاريخ صفحاته على مهل.
ولقد أدرك الشعراء قيمة السكون، فقال المتنبي:
“وإذا خَفِيتَ على الغَبيِّ فعاذرٌ
أن لا تَراكَ عيونُ من لا يفهَمُ”
والهدوء احياناً لا يعني الصعف بل هو صوت العقل إذا ارتفع فوق ضوضاء الحماقات وهو كالماء لا شكل له لكنه يُشكّل كل شيء.
أما العزلة فهي كالسحاب لا أحد يعرف ما فيه إلا إذا هطل وقد تهطل حكمًا وأدبًا وتأملًا عميقًا في معنى الحياة..!
وفي الختام، ليس كل من آثر العزلة هاربًا من الناس، بل ربما كان أقربهم إلى فهمهم ففي العزلة حوار مع النفس وتنفسٌ للروح، وتأملٌ في الكون الواسع…
ومن وجد سكينته في الهدوء والعزلة، فقد ملك كنزًا لا يُقَدّر بثمن.
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
الفلسفة ليست ترفًا… بل مقاومة يومية ضد التفاهة
نعيش في زمن تُهيمن عليه السرعة، اللحظة الخاطفة، المحتوى الخفيف، والصوت الأعلى لا الأعمق. زمنٌ تتقدّم فيه التفاهة بثقة، وتُصبح «الترندات» معيار القيمة، ويقاس الإنسان بما يقدّمه من ترفيه لا بما يصنعه من معنى. وربما وأنت تقرأ هذا الآن، يا صديقي، تشعر أن المشهد مألوف أكثر مما ينبغي. في عالم كهذا، يبدو التفكير الفلسفي كأنه فعل خارج السياق... أو هكذا يُراد له أن يكون. لكن الحقيقة، يا عزيزي، أن الفلسفة اليوم ليست رفاهية، بل فعل مقاومة.
الفلسفة في جوهرها ليست كلامًا معقّدًا، بل قدرة على التوقف حين يركض الجميع، وعلى التفكير حين يكتفي الآخرون بالتلقي، وعلى رؤية ما وراء الضجيج. وأنت تعلم، يا صديقي، أن التفاهة لا تنتصر بالقوة، بل بالهيمنة على الوعي، عبر محتوى سريع يلهيك عن السؤال. وهنا تظهر الفلسفة في صورتها الأجمل: شجاعة السؤال في زمن يكره الأسئلة.
الفلسفة تُعلّم الإنسان ألا يبتلع ما يُقدَّم له دون تساؤل، وألا ينساق خلف الرائج فقط لأنه شائع. وربما توقفتَ هنا لحظة، يا عزيزي، لتفكر في كمّ الأفكار التي مرّت عليك دون فحص. التفاهة تُحب النسخ، أما الفلسفة فتُقدّس الفرد. التفاهة تشغلك، والفلسفة تُصغي لك. التفاهة تمنحك متعة عابرة، بينما الفلسفة تمنحك معنى يبقى.
كما تكشف الفلسفة كيف تُصنع الرغبات، وكيف يتحوّل الإنسان إلى مستهلك للمحتوى بدل أن يكون صانعًا لمعناه. وربما هنا، يا صديقي، تبدأ الأسئلة الحقيقية. إنّها تُعيد الإنسان إلى موقعه الأصلي: كائن يفكّر لا كائن يُقاد. الفلسفة ليست معركة ضد أحد، بل معركة مع النفس؛ لاستعادة الوعي من قبضة الضجيج.
وحين نفهم هذا، نكتشف أن الفلسفة في زمن التفاهة تشبه إشعال شمعة في غرفة مزدحمة بالضوضاء؛ لن تطرد الظلام، لكنها تمنحك رؤية. وربما، يا عزيزي، كل ما نحتاجه اليوم هو هذه المساحة الصغيرة. فهي ليست دعوة للانعزال، بل لاستخدام العقل وسط الزحام، ولتذوّق الحياة ببطء حين يصبح كل شيء سريعًا.
إن مقاومة التفاهة لا تتم بالرفض فقط، بل بالفعل: بأن نقرأ بعمق، نفكر بصدق، ونتأمل بوعي. وربما توافقني، يا صديقي، أن الفلسفة لا تجعل العالم أهدأ، لكنها تجعلنا أقل هشاشة أمام الضجيج.
وفي النهاية، حين نقف في وجه التفاهة، نحن لا نحارب العالم، بل نحمي ذواتنا. وحين نختار الفلسفة، نختار أن نكون أعمق من السطح، وأوعى من كل ما يحاول أن يسحبنا إلى الأسفل.
الفلسفة ليست نظرية... إنها مقاومة.
كاتب في السرديات الثقافية وقضايا الشرق الأوسط
[email protected]