ترامب.. رئاسة بلا سياسة وسيارة بلا مقود!
تاريخ النشر: 26th, April 2025 GMT
من جماليّات مواقف ترامب على الساحتين الأمريكية والدولية أنه لاعب ولكنه يظن نفسه حَكَما. خرّيج بازار مثقل بأوزار من المصالح ولكنه يتوهم أنه قدّيس منافح عن القيم والفضائل.
ولهذا فلا سبيل لأن يدرك، وهو على هذه الحال من زيف الوعي، أن معظم النتائج لا تتوقف على ما يقرره هو، بل على طريقة تفاعل أو تضارب قرارات رجال السياسة والاقتصاد الآخرين مع قرارته في العاجل والآجل.
ولكن إذا كان هو لا يدرك فالأكيد أن مستشاريه وراسمي سياساته في «مؤسسة التراث» يدركون، بل يعلمون علم اليقين. ذلك أن هذا التلازم بين عقلانية القرارات الفردية المتعددة (أو القرارات الأحادية المتقلبة في حالة ترامب) وعشوائية العواقب الجماعية الناجمة عنها هي من المفارقات الإنسانية الكبرى التي أدى النظر المنهجي فيها، كما ذكرنا السبت الماضي، إلى نشأة «نظرية الألعاب» التي تتخذها العلوم الاجتماعية وسيلة لمحاولة نَمْذَجة الحالات التي يؤدي تفاعل المواقف الكثيرة أو تضارب المصالح المتنوعة فيها إلى نتائج غير مقصودة، ناهيك عن أن تكون محسوبة.
مسلك ترامب ليس عقلانيا. لهذا لم يعد موقف سويسرا بأي أثر إيجابي على اقتصادها
فلا عجب إذن أن يرى بعض الباحثين الأوروبيين أن ترامب دخل ملعب نظرية الألعاب هذه لاعبا هاويا تُعوِزه مهاراتُ المحترفين لأن الفوضى الناجمة عن الحرب التجارية التي شنها قد أنزلت بكثير من الدول محنةَ ما تسميه نظرية الألعاب هذه بـ«معضلة السجين». إنها معضلة شخصين معتقلين كل على حدة: يمكن لكل منهما أن يلتزم الصمت (التعاون) أو لأحدهما أن يشي بالآخر (الخيانة). إذا صمت كلاهما كانت العقوبة خفيفة، وإذا وشى كل منهما بالآخر كانت العقوبة ثقيلة على كليهما. أما إذا صمت أحدهما وتكلم الثاني، فإن العقوبة الثقيلة ستكون من نصيب الصامت والخفيفة من نصيب الواشي.
وهذه، كما ترى، معضلة محيرة لأن التزام أي طرف فيها بالتعاون (الصمت) إنما ينطوي على خطر وقوعه ضحية لخيانة (كلام) الآخرين. إلا أنه يمكن لهذا الخطر، حسب خبير نظرية الألعاب روبرت أكسلرود، أن يتناقص إذا طال زمن المعضلة، أي إذا ظلت اللعبة ُتلعب مرارا وتكرارا. ذلك أن التكرار يغير منطق اللعبة تغييرا كاملا لأنه يسمح للّاعب بأخذ الماضي في الحسبان وتذكّر الخيارات السابقة لشركائه، أو أعدائه، وتعديل سلوكه على هذا الأساس. وهكذا يمكن للتعاون أن ينشأ ويسود بين أفراد عقلانيين حتى في الحالات التي يكون إغراء الخيانة فيها قويا.
ولكن مسلك ترامب ليس عقلانيا. لهذا لم يعد موقف سويسرا بأي أثر إيجابي على اقتصادها رغم أنها قررت التعاون الكامل وغير المشروط مع ترامب لما آثرت عدم اتخاذ أي إجراء انتقامي بعد أن فرض عليها تعرفة جمركية بنسبة 32 بالمائة. لهذا يرى أكسلرود أن إدارة الخد الأيسر خطأ جسيم. فما الموقف الأنسب عنده إذن؟ إنه القصاص! أي نعم! ذلك أن هذا الموقف البشري الفطري، العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، يمثل استراتيجية ناجحة في جميع حالات معضلة السجين. فالقصاص موقف يتسم بوضوح تام يمكّن كل طرف من التوقع الصائب لرد فعل الأطراف الأخرى. كما أنه يلتزم تناسُبيّة راديكالية لا بديل عنها لإقناع مختلف الأطراف بجدوى الكف عن التصعيد والثبات على مواقف تعاونية على المدى البعيد.
ولكن خصوصية الحالة الترامبية، بما تحمله من مفاجآت وتقلبات، تقلل من القدرة التفسيرية لمعضلة السجين لترجّح، في المقابل، كفة ما تسميه نظرية الألعاب «لعبة الدجاجة» (أو لعبة الصقور والحمائم أو صراع الإرادات). وأشهر أمثلتها سباق بين سيارتين في اتجاهين متعاكسين تهجم فيه كل سيارة نحو الأخرى بأقصى سرعة، والذي يكبح أولا (بسبب الخوف) هو الذي يخسر السباق ويفقد ماء الوجه.
النتيجة: إذا لم يقرر أي من السائقيْن حرف مسار السيارة أو الضغط على الكابح فإن كليهما يهلك، ولا مجال لتكرار اللعب. فكيف السبيل إلى الفوز؟ يجيب الاقتصادي توماس شلنغ بأنه لا حاجة بك إلى الذكاء أو المكر، بل يكفي أن تنزع مقود السيارة وتلوح به! ذلك أن المنافس إذا رأى أنك لم تعد مسيطرا على سيارتك فإنه لن يجد بدا من الدوس على الكابح. وهكذا، فالذي يتمكن من إقناع الآخرين بأنه لن يغير مساره هو الذي يفوز حتى لو لم يَجُرّ فوزه إلا بلاء وخرابا. وهذه بالضبط هي لعبة النزق التي أراد ترامب بادئ الأمر فرضها على بقية العالم، ولكن سوء عمله لم يمهله فعادت تتقاذفه أمواج التردد والتقلب.
المصدر: القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب الولايات المتحدة أوروبا ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ذلک أن
إقرأ أيضاً:
"أمازون": الطلب لم يتأثر بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب
الاقتصاد نيوز - متابعة
كشف الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، آندي جاسي، أن الشركة لم تشهد انخفاضا ملحوظا في إنفاق المستهلكين أو أي زيادة في الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأكد جاسي خلال الاجتماع السنوي للمساهمين في أمازون أنه لم يتم ملاحظة أي تراجع في الطلب حتى الآن.
وكان مسؤولون في شركة أمازون قد أشاروا في وقت سابق من الشهر الجاري إلى أن الشركة تستعد لاحتمال أن تؤدي الرسوم الجمركية المتصاعدة إلى بيئة عمل أكثر صعوبة.
وحذّرت شركة وول مارت إحدى أكبر سلاسل البيع بالتجزئة في البلاد، من أنها ستضطر إلى رفع الأسعار بنهاية الشهر الجاري بسبب ارتفاع تكاليف الاستيراد.
ورداً عليها، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم السبت الماضي، إن سلسلة متاجر وول مارت للبيع بالتجزئة يجب أن "تتحمل الرسوم الجمركية" بدلا من التذرع بها لزيادة الأسعار.
وقالت وول مارت إنها تعمل دائما على إبقاء أسعارها منخفضة قدر الإمكان، مضيفة أن هذه الممارسة لن تتوقف.
وذكرت سلسلة المتاجر في بيان لرويترز "سنحافظ على الأسعار منخفضة قدر المستطاع ما دام بوسعنا ذلك نظرا لواقع الهوامش الربح المحدودة للبيع بالتجزئة".
وقال رئيس وول مارت التنفيذي، دوج مكميلون، يوم الخميس الماضي، إن السلسلة لم تستطع استيعاب جميع تكاليف الرسوم الجمركية بسبب هوامش الربح الضئيلة للبيع بالتجزئة.
وأضاف أن الشركة مع ذلك ملتزمة بضمان ألا تؤدي التكاليف المتعلقة بالرسوم الجمركية على البضائع العامة، الواردة من الصين في الأساس، إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وخفض العديد من الشركات الأميركية توقعاتها للعام بأكمله أو سحبتها وسط توتر بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين، ولا سيما الصين، مع تقليص المستهلكين الإنفاق.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام