"اسمه الأسمر".. رواية جديدة تفتح أفقاً جديداً في الأدب العُماني
تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT
مسعود أحمد بيت سعيد
masoudahmed58@gmail.com
صدر مؤخرًا عن دار الآداب العمل الروائي الثالث للكاتب والروائي العماني محمد الشحري، بعنوان "اسمه الأسمر"، وتأتي هذه الرواية استكمالًا لمسيرة أدبية حافلة، سبق أن قدم خلالها الشحري رواية "موشكا" التي حققت انتشارًا واسعًا، وتحولت لاحقًا إلى عملٍ مسرحي عرض داخل سلطنة عُمان وخارجها، إلى جانب روايته الثانية "الأحقافي الأخير"، وعدد من الأعمال في أدب الرحلات.
الرواية الجديدة تمثل نقلة نوعية في تجربة الشحري، ليس على مستوى إنتاجه الأدبي فحسب، بل أيضًا على صعيد الرواية العمانية عمومًا. إذ تنفتح على عوالم وأماكن ومسارات متعددة، لا من الناحية الجغرافية فحسب؛ بل فكريًا وسياسيًا؛ حيث تسلط الضوء على رؤى أبطالها، وتقدم مقارباتهم الخاصة للواقع الاجتماعي في ماضيه وحاضره واستشراف مستقبله.
وتبرز الرواية بشجاعتها في ملامسة الجوانب الخفية من التجربة الإنسانية، وتفكك تراكمات اجتماعية وثقافية غابت طويلًا عن الخطاب الأدبي المحلي. كما تكشف عن زيف اجتماعي سرعان ما يتبدد عند أول مواجهة حقيقية، لتطرح بذلك تساؤلات وجودية حول العلاقات، والهوية، وموقع الإنسان ودوره داخل مجتمعه.
وينتمي هذا العمل إلى ما يعرف بـ"الأدب المُلتزِم"، الذي يحمل همًّا وطنيًا وإنسانيًا، وهو ما يُميِّز الرواية عن كثير من الأعمال التي تفتقر إلى رسالة واضحة؛ فالأدب بكافة أجناسه لا يكتمل إلّا بتحديد موقف من المعضلات الإنسانية واشكالياتها، وليس هناك إنتاج أدبي محايد، بل إن كل عمل أدبي يحمل في طياته نظرة مكتملة أو جزئية تجاه الواقع، ومحاولة فنية لتمجيده أو لتفسيره أو نقده.
ومن أبرز ملامح الرواية تناولها العميق للهوة بين الأجيال، كما في العلاقة الملتبسة بين الابن وخاله، يغلفها أسلوب رمزي وإيحائي. والتي تطرح بشكلٍ غير مباشر تساؤلات جدية: لماذا هذا الانفصام الجذري بين الأجيال؟ ولماذا تشوه أدوار السابقين في نظر اللاحقين؟ تلك الأسئلة لا تبحث فقط عن إجابات؛ بل تفتح بابًا نحو تأمل اجتماعي أوسع. وفي جانب آخر، تنتقد الرواية فئة اجتماعية بعينها، اعتادت التفاخر بإنجازات منقوصة، كانت جزءًا صغيرًا من مرحلة أكبر، فتقدم نقدًا أخلاقيًا حادًا.
"اسمه الأسمر" ليست فقط رواية جديدة تضاف إلى مكتبة الأدب العُماني؛ بل عمل يستحق التوقف أمامه، لما يطرحه من رؤى، ويثيره من أسئلة، ويقدمه من تجربة إنسانية خصبة وعميقة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لودفيغ تيك والموروث الشعبي.. من الحكايات إلى الأدب
في قلب التحولات الأدبية التي شهدتها ألمانيا في مطلع القرن التاسع عشر، يبرز اسم لودفيغ تيك كأحد أبرز الوجوه التي مزجت بين الخيال الأدبي والتراث الشعبي، ليؤسس بذلك أسلوبًا فريدًا ضمن تيار الرومانسية الألمانية.
ولد تيك في برلين عام 1773، وبدأ حياته الأدبية في سن مبكرة، لكن انطلاقته الحقيقية جاءت حين بدأ يشتغل على الحكايات الشعبية ويعيد تقديمها بأسلوب أدبي يحمل لمسات من الخيال، الحلم، والرمزية الفلسفية.
الأدب الشعبي بوابة إلى الروحلم تكن نظرة تيك إلى القصص الشعبية نظرة سطحية أو ترفيهية، بل رأى فيها جوهرًا ثقافيًا يعبّر عن روح الأمة الألمانية.
في زمن كانت فيه أوروبا تميل إلى العقلانية والتنوير، اختار تيك أن يغوص في اللاوعي الجمعي، حيث السحر، والغرابة، والرموز التي تعبر عن القلق الوجودي والبحث عن المعنى.
إحدى أشهر قصصه في هذا السياق هي “البرج الأزرق” (Der blaue Salon)، التي تمزج بين العالم الواقعي والخيالي، وتطرح تساؤلات عن الهوية، والمصير، والحقيقة من خلال قصة ذات طابع شعبي غامض.
التعاون مع الأخوين غريمرغم أن الأخوين غريم يُعدان المرجع الأساسي للقصص الشعبية الألمانية، فإن تيك سبقهم في إحياء القصص الشعبية بأسلوب أدبي. ومع أن العلاقة بينه وبين الأخوين لم تكن دائمًا وثيقة، إلا أن مشاريعه المتقاربة معهم تعكس تيارًا فكريًا وثقافيًا مشتركًا سعى للحفاظ على التراث الألماني من الاندثار.
كتب تيك عدة نصوص متأثرة بالحكايات المتناقلة شفهيًا، لكنه لم يكتف بالسرد، بل أضفى عليها عمقًا نفسيًا وفلسفيًا، ما جعله مختلفًا عن جمع وتوثيق القصص فقط، بل حولها إلى أعمال أدبية قائمة بذاتها.
من الحكاية إلى العمل الفنيميزة تيك الكبرى تكمن في قدرته على تحويل القصص البسيطة إلى لوحات أدبية مفعمة بالخيال والرمز.
سواء من خلال قصص قصيرة أو مسرحيات، كان يربط بين السرد الشعبي والأسلوب الفني، ما جعله من الأسماء المؤسسة لما يُعرف لاحقًا بـ”الرومانسية السوداء”