التعليم العالي العربي في زمن التحولات الكبرى
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
مرتضى بن حسن علي
في عصر تتغير فيه الخرائط المعرفية بوتيرة جنونية، وتتحول الجامعات حول العالم إلى مختبرات للأفكار واختراع الغد، وتسوده الثورة التكنولوجية الكاسحة والذكاء الصناعي، لا تزال مُعظم مؤسسات التعليم العالي في العالم العربي محاصرة في قوالب الماضي، وتواجه تحديات جذرية تُعيقها عن أداء أدوارها كقاطرة للتقدم وابتكار المستقبل لأنها مُثقلة بكثير من المُعوِّقات التي تبعدها عن أداء رسالتها الحقيقية.
الجامعات هي مصادر للفكر والعلم ومراكز للأبحاث، مهمتها التعايش مع الحياة العملية والعلمية وأن تجعل الأجيال الجديدة على دراية بالواقع وتطوراته ودراسة همومه والتعرف على مشاكله الفعلية، وتطوير الطلبة علمياً وفكرياً وبكل ما تملك من قدرة على البحث والتشخيص والتحليل، وتكون على صلة وثيقة بينها وبين دنيا العمل والتكنولوجيا. وحتى تتحول من مجرد مانحة للشهادات إلى حاضنات للإبداع والخريجين قادة للتغير، فهي بحاجة إلى بيئة أكاديمية ورؤساء وعمداء ذوي رؤية واضحة وأكفاء يواكبون الاتجاهات الحديثة في التعليم على المستوى الدولي واختيار الموارد البشرية المؤهلة، واتباع مناهج حديثة، والاهتمام بالبحث العلمي.
والوظيفة الأساسية لمؤسسات التعليم العالي هي تأهيل الشباب علميا وسلوكيا وفكريا وأن تبتكر مع مرور الوقت، مسارات للتقدم ونقل المعرفة إلى مجتمعاتها وأن تكون مشاعل للتقدم. غير أن الأنظمة التي تخضع لها تحد من قدراتها على مواكبة التقدم العلمي الذي يحصل في مثيلاتها من البلدان المتقدمة.
ولعلَّ قدرًا كبيرًا وملحوظًا لذلك يتصل بضعف مرحلة التعليم الأساسي، وافتقار المجتمعات العربية لمؤسسات إنتاج حقيقية من معامل ومصانع ومراكز للأبحاث الجادة. لقد اختزلت أدوار التعليم العالي في مجرد المانح للشهادات التي هي في أغلبها خالية من المحتوى وتعلق داخل البيوت والمكاتب كجزء من الديكور الداخلي الذي يستر عيوبا عديدة في البناء الداخلي، لا تنتج فكرا ولا تبني أُمَّة. وفي ظل هذا الوضع لم يكن غريباً أن يقوم كل من التعليم والعمل بنفي الآخر ومحاصرة أدواره.
التحديات التي تعيق التعليم العربي كثيرة منها:
المناهج البعيدة عن التقدم التكنولوجي:لا تزال العديد من الجامعات العربية تعتمد مناهج قديمة في زمن جديد، نظرية تركز على الحفظ والتلقين، بدلًا من تنمية مهارات التحليل والتفكير النقدي. فمثلا في مجال الهندسة، يفتقد الطلبة إلى مختبرات متطورة أو التدريب العملي في الميدان، وينهون دراستهم دون أن يلمسوا مختبرا متقدما، أو يشاركوا في مشروع عملي واحد تهيئهم لسوق العمل، مما يخلق فجوة بين المعرفة الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل، ولا يزال الطالب يدرس نظريات القرن العشرين أو قبله، بينما العالم يتسابق في تطبيقات الذكاء الصناعي وعلوم البيانات.
بيروقراطية بدون أفق وتمويل بدون رؤية وضعف التمويل وطريقة صرفه:تعاني الجامعات من هياكل إدارية معقدة وترهل إداري وقرارات متضاربة، ولا سيما الحكومية منها، تعيق تبني مشاريع بحثية مبتكرة؛ حيث تُهدر أشهر على إجراءات الموافقة على بحوث طلاب الدكتوراه، بينما تُوجه ميزانيات محدودة إلى فعاليات شكلية بدلًا من دعم الابتكار، أو تبني الأفكار الخلّاقة وموتها في مهدها، كما تفتقد إلى الأموال الأهلية "الوقف والخمس".
الانفصال عن قطاع الإنتاج وسوق العمل:قلة المشاريع الإنتاجية وغياب الشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي الموجود يجعل الأبحاث الأكاديمية حبيسة الأوراق، في الوقت الذي نجحت ماليزيا مثلا في تحويل أبحاث جامعاتها إلى منتجات تجارية وصناعية عبر إنشاء "مدن التكنولوجيا" التي تربط بين الباحثين والمستثمرين.
في بيئة واحدة تُحول الأفكار إلى منتجات.
البطالة المُقنَّعة:في مصر- على سبيل المثال- يُشكِّل خريجو الجامعات نحو 30% من الباحثين عن عمل، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بسبب عدم مواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل المتغير. وأيضًا بسبب عدم وجود المؤسسات الإنتاجية الكافية.
البطالة والتطرُّف:وجود خريجين عديدين ولمدة طويلة بدون عمل، يدفعهم للهروب إلى العالم الافتراضي. ولجوئهم إلى الجماعات المتطرفة أو الغرق في وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية هربًا من واقعهم، كما حدث مع عدد كبير من الشباب في عدد من الدول العربية الذين تحولوا إلى التنظيمات المُتطرِّفة بعد فشلهم في ايجاد فرص عمل. وهكذا فإن الشهادة الجامعية أصبحت عبئا بدلا من أن تكون جواز مرور إلى العمل.
نماذج نجاح تُلهم الحلول
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في السعودية استثمرت في بناء شراكات دولية وإنشاء مراكز متطورة في الطاقة المتجددة، مما جعلها تحتل مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية في مجالات الطاقة والمياه والتقنية الحيوية. مبادرة "مليون مبرمج عربي" في الإمارات، والتي ربطت بين التعليم التقني واحتياجات سوق العمل المتبدلة عبر تدريب الشباب على مهارات البرمجة، مما خلق فرص العمل عن بُعد مع شركات عالمية. إنها تجربة ناجحة في ردم الفجوة بين التعليم التقليدي واحتياجات العصر الرقمي. تجربة الجامعة الأمريكية في بيروت؛ فرغم التحديات نجحت الجامعة في دمج البحث العلمي مع قضايا المجتمع، مثل تطوير حلول لمشكلة النفايات في لبنان وتحويلها إلى طاقة.وفيما يلي نوضِّح كيفية الخروج من النفق واعادة بناء التعليم العربي العالي كمنصة للابتكار واعادة الاعتبار للجامعة:
تجديد الدماء في الإدارات الجامعية وتعيين قيادات شابة ذات رؤية استشرافية، كما فعلت جامعة زايد في الامارات بتعيين أكاديميين من خريجي جامعات مرموقة مثل هارفارد وستانفورد، لتطوير برامجها. ربط التمويل بالنتائج، من خلال منح الجامعات ميزانيات وفقا لجودة الأبحاث المنشورة وعدد براءات الاختراع المسجلة، كما يحدث في سنغافورة مثلًا. خلق مسارات مهنية مرنة، عبر متابعة ما يجري في العالم من تطورات علمية وتكنولوجية وادخال التخصصات الضرورية المتعلقة بتلك التطورات مثل "الذكاء الاصطناعي" و"الاقتصاد الرقمي" أو إدخال تخصصات مستقبلية، وتدريسها بمناهج قابلة للتحديث السنوي، كما تفعلها بعض الجامعات في العالم مثل جامعة "CODE" في المانيا مثلًا.التعليم كاستثناء استراتيجي
لا يمكن لمجتمعاتنا أن تبني مستقبلًا دون تعليم عالٍ يُحرر طاقات الشباب ويحوّل أحلامهم إلى مشاريع ملموسة. آن الأوان لنتوقف عن التعامل مع الجامعة كمجرد مبنى أو عنوان على ورقة الشهادة، والتعامل معها كجبهة فكر، ومصنع للقيادات، ومحرك للتنمية. فكما قال نيلسون مانديلا: "التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم".
لقد آن الأوان لنجعل من جامعاتنا منارات للفكر، لا مجرد جدران تُعلَق عليها الشهادات!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
التعليم العالي والعمل يبحثان سبل تعزيز التعاون لتأهيل الشباب لسوق العمل
كتب- محمد أبو بكر:
عقد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ومحمد جبران وزير العمل، اجتماعًا لبحث سبل تعزيز التعاون بين الوزارتين، بحضور لفيف من قيادات الوزارتين، وذلك بمبنى التعليم الخاص بالقاهرة الجديدة.
وأشار وزير التعليم العالي إلى حجم التوسع الكبير الذي شهدته منظومة التعليم العالي المصرية خلال السنوات الأخيرة، من خلال إنشاء جامعات جديدة أو فتح أفرع لجامعات أجنبية، أو منح درجات علمية مزدوجة بالتعاون مع الجامعات الدولية المرموقة، لافتًا إلى تنوع روافد منظومة التعليم العالى المصرية ما بين جامعات حكومية وخاصة وأهلية وتكنولوجية، وأفرع للجامعات الأجنبية، وتنوع المسارات التعليمية التي تلبي احتياجات سوق العمل المتغير على مستوى العالم، مؤكدًا حرص الوزارة على تعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي بين المؤسسات التعليمية والبحثية، ودعم سبل التواصل بين الجانبين بما يفتح آفاقًا أوسع للشراكة العلمية والأكاديمية التي تخدم أولويات البلدين وتُسهم في بناء القدرات البشرية.
وأشار الدكتور أيمن عاشور إلى الرؤية الشاملة للدولة بأن تكون مصر منصة تعليمية جاذبة، وقبلة للراغبين في الحصول على خدمات تعليمية متميزة في المنطقة العربية والقارة الإفريقية والشرق الأوسط، لافتًا إلى أن منظومة التعليم العالي المصرية تتنوع في تقديم الخدمات التعليمية بلغات مختلفة لجذب أكبر عدد من الطلاب من جنسيات مختلفة، مؤكدًا أهمية الاستفادة من وجود المراكز الجامعية للتأهيل المهني بالجامعات الحكومية وتفعيل دور مراكز التدريب بالجامعات وإنشاء المنصات الرقمية لإدارة الخدمات المهنية وإعداد برامج تدريبية متميزة، بالإضافة إلى طرح العديد من المنح المُقدمة من مختلف الجهات، مشيرًا إلى توقيع بروتوكولات تعاون بين الجامعات والمؤسسات الإنتاجية والصناعية من خلال التحالفات الإقليمية وضمن المبادرة الرئاسية "تحالف وتنمية"، وذلك بما يتماشى مع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي.
ولفت الدكتور أيمن عاشور إلى أنه تم إطلاق النسخة الثانية من مبادرة "كن مستعدًا" التي تُقام تحت شعار "مليون مبتكر مؤهل"، وتهدف إلى تقديم الدعم الكامل للطلاب عبر منظومة شاملة تلبي احتياجاتهم من المهارات والجدارات اللازمة للتأهل لسوق العمل، وذلك في إطار تنفيذ خطة الدولة المصرية للحد من البطالة تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتماشيًا مع الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، ولتحقيق "رؤية مصر" 2030.
ومن جانبه، أكد محمد جبران أهمية تأهيل الخريجين وتزويدهم بالمهارات والمعارف والجدارات ليكونوا قادرين على المنافسة في سوق العمل المُعاصر والمُستقبلي، وكذلك تقريب المسافات بين الخريجين والشركات المختلفة، وتوفير فرص عمل مناسبة لهم، مثمنًا دور الجامعات في تطوير البرامج الدراسية لتقليل الفجوة بين البرامج الدراسية ومتطلبات سوق العمل.
وأشار وزير العمل إلى أن وزارة العمل لديها شراكات وتعاون مستمر مع المنظمات والمؤسسات الدولية ومن خلالها يجري تنفيذ برامج تعزيز علاقات العمل مع طرفي العملية الإنتاجية، والتدريب المهني من أجل التشغيل، والإستراتيجية الوطنية للتشغيل، ومنصات سوق العمل، ومشاريع لتنمية مهارات الشباب، على المهن التي يحتاجها سوق العمل في الداخل والخارج وتوعية شبابنا بحقوقهم وواجباتهم، مؤكدًا أن الدعم الكبير الذي يتم توجيهه للشباب يأتي تنفيذًا لتوجيهات لفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بتنمية مهارات وقدرات الشباب ليكونوا مؤهلين للالتحاق بسوق العمل.
وأوضح محمد جبران، أن وزارة العمل تواصل جهودها بتطوير منظومة التدريب المهني على كافة المحاور من خلال مراكز التدريب الثابتة والمتنقلة التابعة لها في كافة المحافظات، وكذلك بالتعاون مع شركاء العمل والتنمية في الداخل والخارج لتبادل الخبرات، في مجالات التدريب المهني، وتأهيل الشباب على المهن التي يحتاجها سوق العمل خاصة المستقبلية
وخلال الاجتماع، بحث الجانبان سبل تعزيز التعاون والتكامل المشترك بين الوزارتين، بما يعود بالنفع على تعزيز قدرات الطلاب والخريجين وتأهيلهم لتلبية متطلبات سوق العمل.
وحضر الاجتماع من جانب وزارة التعليم العالي، الدكتور حسين عيسى رئيس لجنة قطاع الدراسات التجارية بالمجلس الأعلى للجامعات، والدكتور عصام الكردي المدير التنفيذي لهيئة دعم وتطوير الجامعات، والدكتور أحمد الجيوشي أمين مجلس الجامعات التكنولوجية، والدكتور جودة غانم رئيس قطاع التعليم وأمين المجلس الأعلى لشؤون المعاهد، والدكتور محمد الشرقاوي مساعد الوزير للسياسات والشئون الاقتصادية، والمستشار عاطف عمر المستشار القانوني لوزير التعليم العالي والبحث العلمي، والأستاذ محمد غانم رئيس الإدارة المركزية لشؤون مكتب الوزير، وحضر من جانب وزارة العمل، المستشار إيهاب عبدالعاطي المستشار القانوني لوزير العمل.
اقرأ أيضاً:
تصل لـ46 درجة.. الأرصاد تحذر: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد اليوم
تصل لـ270 جنيه في هذه الحالة.. تعرف على رسوم الخصم من عداد "أبو كارت" عند الشحن
برلماني يطالب بخطة إعلامية متكاملة استعدادًا لافتتاح المتحف المصري الكبير
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
التعليم العالي والعمل سبل تعزيز التعاون سوق العمل الدكتور أيمن عاشور مبنى التعليم الخاص القاهرة الجديدةتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
أخبار
المزيدالثانوية العامة
المزيدإعلان
التعليم العالي والعمل يبحثان سبل تعزيز التعاون لتأهيل الشباب لسوق العمل
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
41 29 الرطوبة: 25% الرياح: شمال شرق المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك