هذا المقال جهد تحليلي موجه لفائدة الراصدين للتجربة التشريعية الأمريكية، بهدف تسليط الضوء على واحدة من أخطر أزماتها المعاصرة، والمتمثلة في تغول السلطة التنفيذية وتراجع أداء الكونغرس تحت ضغط الجهل السياسي وسيطرة تيارات اليمين المتطرف.
بينما تتزايد الانتقادات ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقيادته البلاد إلى حافة حرب تجارية عالمية، ينسى كثيرون أن المسؤولية الحقيقية لا تقع على عاتق الرئيس وحده، بل كذلك على كونغرس أمريكي مترهل، جاهل، ومخترق من اليمين المتطرف.

فالدستور الأمريكي واضح: تنظيم التجارة الخارجية من صلاحيات الكونغرس، لا الرئيس. ومع ذلك، أضحى هذا النص الدستوري مجرد حبر على ورق في ظل تخاذل المؤسسة التشريعية، التي استمرأت الخضوع والتفريط في صلاحياتها الحيوية.
لقد قام الكونغرس، طوعًا، بتقويض نفسه عبر عقود من التنازلات التي بدأت زمن الكساد الكبير، حين مُنح الرئيس سلطات طارئة لتنظيم التعريفات الجمركية. هذه السلطات المؤقتة تحولت تدريجيًا إلى امتيازات دائمة. وبدلًا من مقاومة تغول السلطة التنفيذية، اختار المشرعون طريق السهولة: التنصل من المسؤولية وترك مصير التجارة — وما يتبعه من مصير الاقتصاد الأمريكي — في يد رئيس يتعامل مع الملفات الدولية بمزاجية التاجر، لا بحكمة رجل الدولة.
إن مشهد الكونغرس اليوم يبعث على الأسى: نواب يجهلون أبسط مبادئ الاقتصاد والسياسة التجارية، وآخرون رهائن لابتزاز اليمين الشعبوي المتطرف الذي يُقدس الحمائية الاقتصادية رغم كل الأدلة على فشلها الذريع. وهكذا، تحول الفرع التشريعي إلى قاعة أصداء تهتف لمزاعم الرئيس بدلًا من أن تمارس حقها وواجبها الدستوري في المراجعة والمحاسبة.
رغم الانتهاكات الصارخة التي ارتكبها ترامب — من فرض رسوم جمركية على حلفاء تقليديين إلى تهديد النظام التجاري العالمي بأسره — فإن ردود فعل الكونغرس كانت خجولة ومهلهلة. محاولات محدودة لإلغاء بعض الرسوم أو تمرير مشاريع قوانين لضبط سلطات الرئيس سقطت ضحية لحسابات سياسية رخيصة: الخوف من غضب قاعدة ترامب الانتخابية، أو الرضوخ لضغوط لوبيات الحمائية الاقتصادية داخل الحزب الجمهوري.
إن ضعف الكونغرس ليس مجرد خطأ سياسي؛ إنه تهديد وجودي لمبدأ الفصل بين السلطات. السلطة التجارية كانت ولا تزال من أبرز أدوات التأثير الاستراتيجي الأمريكي، وإن تسليمها لرئيس منفلت يعني التنازل الطوعي عن إحدى ركائز القوة العالمية للولايات المتحدة. والأسوأ أن هذا الانحدار يأتي في لحظة حرجة يتصاعد فيها نفوذ قوى منافسة كالصين وروسيا.
ولا يمكن قراءة هذا المشهد بمعزل عن المد اليميني المتطرف الذي اجتاح الحزب الجمهوري، فحوله من حزب مؤسسات ومسؤوليات إلى حزب شعارات رنانة وعداء أعمى للعولمة، حتى لو كان الثمن هو الإضرار بالمصالح الحيوية للأمريكيين أنفسهم.
في النهاية، ستُسجل كتب التاريخ أن الكونغرس الأمريكي، بهيئته الراهنة، لم يكن فقط عاجزًا عن أداء دوره الرقابي، بل كان شريكًا كاملاً في تمزيق نسيج النظام الديمقراطي الأمريكي، عبر صمته وتخاذله وجهله الفاضح. وإذا لم ينهض المشرعون القلائل الذين تبقوا أوفياء للقسم الدستوري، فإن الانحدار سيكون حتميًا، وستتحول الديمقراطية الأمريكية إلى واجهة مهترئة تخفي دولة الرجل الواحد.

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الرئيس الأمريكي السابق كلينتون: نتنياهو أشعل الحرب مع إيران للبقاء في كرسيه

قال الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون اليوم السبت إن نتنياهو أشعل الحرب مع إيران من أجل البقاء في كرسيه،ودعا كلينتون الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب لإيقاف الحرب الإسرائيلية ضد إيران لإحلال السلام بمنطقة الشرق الأوسط.

كلينتون يدعو ترامب ومختلف القيادات الدولية لوقف الحرب الإسرائيلية الإيرانية

ووجه الدعوة أيضا لمختلف القيادات الدولية للجوء إلى السُبل الدبلوماسية والمفاوضات بين الطرفين بدلا من الحروب التي يسقط بها الضحايا المدنيين من الطرفين.

في إتجاه آخر خلال زيادة التوتر بمنطقة الشرق الأوسط منذ أحداث السابع من أكتوبر بفلسطين المحتلة حاول نتنياهو إشعال حروب أخرى مع دول مجاورة له بالمنطقة مثل لبنان لكن تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الأمم المتحدة ونجح في إقرار القانون الدولي بين إسرائيل ولبنان عبر الدبلوماسية،وهاجم نتنياهو إيران بالعام الماضي،وردت طهران ومنع الرئيس الأمريكي السابق بايدن نتنياهو من الاستمرار بالحرب.

قضايا الفساد تلاحق نتنياهو بالداخل ويشعل الحروب للبقاء

 وكانت تظهر قضايا الفساد التي تلاحق نتنياهو بالداخل الإسرائيلي ودعوات داخلية لرحيله عن السُلطة لرغبته في الاستمرار بحرب غير مبررة كما قال الزعماء الأوروبيون الذين طالبوا بوقف إطلاق النار بفلسطين لما له تداعيات من اتساع رقعة الصراع بالشرق الأوسط وتحقيق السلام ووصف بعض السياسيين الأمريكيين كالسيناتور تشاك شومر نتنياهو بعقبة السلام بالشرق.

وقال نتنياهو عدة مرات لوسائل إعلام إسرائيلية إنه سيقود حرب نهاية العالم (هرمجدون) - كلمة عبرية تعني المعركة الفاصلة في نهاية الزمان - بالمنطقة.

طباعة شارك الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون نتنياهو الحرب إيران

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية يجري اتصالًا مع مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط
  • ‏‎وزير الخارجية والهجرة يجري اتصالاً مع مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص للشرق الأوسط
  • مدير مؤسسة توليد الكهرباء يبحث مع ممثلي شركة UCC نتائج الجولات الميدانية التي تم تنفيذها
  • عراقجي: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود هذه الحرب ضدنا
  • الرئيس البيلاروسي يلتقي المبعوث الأمريكي الخاص لأوكرانيا في مينسك
  • الرئيس الأمريكي السابق كلينتون: نتنياهو أشعل الحرب مع إيران للبقاء في كرسيه
  • اتصالان هاتفيان بين وزيري خارجية مصر وإيران ومبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط
  • تحليل لـCNN: هل يستطيع الكونغرس منع ترامب من ضرب إيران؟
  • “بوست مالون” النجم الرئيس لحفل افتتاح كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025 بالرياض
  • باراك: الرئيس الأمريكي يتطلع للسلام في سوريا ولبنان